|
(السنة المطهّرة) |
|
وأما السنة المطهرة، فالكثير من الروايات جعل موضوع الحكم فيها: (الخوف) بنفس هذا اللفظ نذكر بعضها: 1 ـ عن الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل: (فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً...) كيف يصلي وما يقول ان خاف من سبع أو لص كيف يصلي؟ قال عليه السلام: يكبّر ويومي برأسه ايماءً(1). 2 ـ (إذا خاف الرجل على نفسه، اخّر احرامه إلى الحرم)(2). 3 ـ (المحرم إذا خاف لبس السلاح)(3). وأيضاً: (إذا خاف المحرم عدواً، أو سرقاً، فليلبس السلاح(4). 4 ـ (يقتل المحرم الذئب... وما خاف ان يعدو عليه)(5). وأيضاً عن عليّ عليه السلام: (يقتل المحرم كلما خشيه على نفسه)(6). 5 ـ (فاقم الشهادة لله، ولو على نفسك أو الوالدين والاقربين فيما بينك وبينهم فإن خفت على أخيك ضيماً فلا)(7). 6 ـ يُشهدني هؤلاء على أخواني، قال عليه السلام: نعم، اقم الشهادة لهم، وان خفت على أخيك ضرراً فلا)(8). وهذا الحديث ـ مع صحة سنده على الظاهر لصحة اسناد الصدوق (ره) إلى عليّ بن سويد، وظهور كونه الثقة وان اشترك مع غيره ـ صريح في أن خوف الضرر مصداق عرفي للضرر، كما لعله لا يخفى (والاعتبار) يشهد بصحة النسخة التي فيها (فلا)، فتأمل. 7 ـ (عن الرجل يأخذه المشركون، فتحضره الصلاة فيخاف منهم ان يمنعوه؟ قال عليه السلام: يومي ايماءً)(9). 8 ـ (كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله)(10). 9 ـ (عن الرجل يأتيه من يسأله عن المسألة، فيتخوّف ان هو افتى فيها ان يشنّع عليه، فيسكت عنه، أو يفتيه بالحق، أو يفتيه بما لا يتخوف على نفسه؟ قال عليه السلام: السكوت عنه أعظم أجراً وافضل)(11). أقول: هذا إذا كان يمكن أو رجل خائف افاض من المشعر الحرام بليل فلا بأس، فليرم الجمرة، ثم ليمض وليأمر من يذبح عنه)(12). 11 ـ مرسل الاحتجاج، ومسند تفسير العسكري عليه السلام عن عليّ عليه السلام: (وقد اذنت لكم في تفضيل اعدائنا ان لجأك الخوف إليه. وفي اظهار البراءة ان حملك الرجل عليه، وفي ترك الصلوات (لعله يعني الأكثر من الايماء) المكتوبات ان خشيت على حشاشة نفسك الآفات والعاهات...)(13). 12 ـ مسند ابن الشيخ الطوسي، عن علي عليه السلام: (انكم ستعرضون على سبّي، فإن خفتم على أنفسكم، فسّبوني)(14). مع أن سبّ علي عليه السلام من المحرمات العظام، ولكن خوف الضرر على النفس اباحه. 13 ـ عن الفضل بن شاذان ـ رواه الصدوق في العيون والعلل ـ عن الرضا عليه السلام (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان إذا امكن ولم يكن خيفة على النفس)(15). فخوف الضرر على النفس ـ لا نفس الضرر فقط ـ يرفع وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 14 ـ عن الصدوق في الخصال عن الصادق عليه السلام: (ولا يحل قتل أحد من الكفار والنصاب في التقية إلاّ قاتل أو ساع في فساد، وذلك إذا لم تخف على نفسك ولا على أصحابك). الشاهد في تقييد وجوب القتل للقاتل والمفسد بعدم الخوف لا بعدم الضرر الواقعي وحده. 15 ـ في البحار عن كتابي الحسين بن سعيد عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: نحلف لصاحب العشار يجيز بذلك مالنا؟ قال عليه السلام: نعم، وفي الرجل يحلف تقية؟ قال عليه السلام: ان خشيت على دمك ومالك، فاحلف ترده عنك بيمينك)(16). يعني: اليمين الكاذبة، حلت لخوف الضرر على النفس وعلى المال. 16 ـ عن الرضا عليه السلام: (سألته... وعن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه، قال عليه السلام: لا جناح عليه، وسألته: هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله؟ قال نعم)(17). 17 ـ عن أحدهما عليهما السلام: (ان خفت على مالك ودمك فاحلف ترده بيمينك، فإن لم تر ان ذلك يرد شيئاً، فلا تحلف لهم)(18). 18 ـ عن أبي بكر الحضرمي، (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل حلف للسطان بالطلاق والعتاق؟ فقال عليه السلام: إذا خشي سيفه وسطوته، فليس عليه شيء)(19). 19 ـ عن معاذ: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: انا نُستحلف بالطلاق والعتاق، فما ترى احلف لهم؟ فقال عليه السلام: احلف لهم بما أرادوا إذا خفت)(20). 20 ـ عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (قلت له: انّا نمرّ على هؤلاء القوم فيستحلفونا على أموالنا وقد أدينا زكاتها؟ فقال عليه السلام: يا زرارة إذا خفت فاحلف لهم ما شاؤوا)(21). 21 ـ عن معمر بن يحيى قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام: ان معي بضائع للناس، ونحن نمر بها على هؤلاء العشار، فيحلّفونا عليها، فنحلف لهم؟ فقال: وددت اني اقدر على أن أجيز أموال المسلمين كلها واحلف عليها، كلما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة، فله فيه التقية)(22). إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة المنتشرة في مختلف أبواب الفقه، التي تشرف الفقيه على الاطمينان بأن خوف الضرر ـ بما هو خوف ضرر ـ له حكم الضرر مطلقاً في كل أبواب الفقه. وإنما لم نتعرض لاسنادها، لأنها لا بُعْدَ في ادعاء التواتر المعنوي، أو لا أقل من الاجمالي لها، والله العالم. |
|
كلمات الفقهاء في كتاب الجواهر: |
|
قال في الجواهر في كتاب الصوم: (بل قد يقوى الاكتفاء بالخوف الذي لا يعتبر في صدقه عرفاً حصول الظن)(23). ثم قال في الصفحة الثانية: (نعم يعتبر فيه كونه خوفاً معتداً به، لا نحو الناشئ من الأوهام السوداوية). ثم قال في الصفحة بعدها: (وكيف كان فقد ظهر لك ان المدار في الافطار على خوف الضرر من غير فرق بين المريض والصحيح في ذلك... ولظهور النصوص في ان المبيح للفطر في المريض الضرر... بل المدار على الضرر الذي لا تفاوت فيه بين الصحيح والمريض الذي من اقسامه من يخشى حدوث مرض آخر بالصوم الذي هو كالصحيح الذي يخاف المرض بالصوم). وفي الجواهر أيضاً ـ كتاب الطهارة ممزوجاً بالشرايع ـ: (الثالث ـ أي: من أسباب التيمم ـ الخوف، ولا فرق في جواز التيمم بين ان يخاف لصاً أو سبعاً أو يخاف ضياع مال) ـ الشاهد في الخوف من ضياع المال ـ (... كما أنه لا فرق بين المال والعرض بل هو أولى منه، وان لم ينص عليه في الخبر، لظهور إرادة التمثيل منه ونفي الحرج وغيرهما)(24). وقال أيضاً: (لو خاف حدوث المرض اليسير من الوضوء تيمم، لما في الذكرى وجامع المقاصد من الاستدلال له: 1 ـ بالحرج. 2 ـ وبقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا ضرر ولا ضرار). 3 ـ وبأنه اشد ضرراً من الشين الذي سوّغوا له التيمم. 4 ـ وبعدم الوثوق بيسير المرض عن ان يصير شديداً)(25). أقول: هذا عين الخوف من الضرر، وقد سوّغوا له التيمم بدليل لا ضرر.
وفي العروة الوثقى وقال في حج العروة في مسألة خوف الضرر من الحج، ثم انكشف الخلاف (فهل يستقر عليه الحج أو لا؟ وجهان، والأقوى عدمه، لأن المناط في الضرر الخوف، وهو حاصل، إلاّ إذا كان اعتقاده على خلاف رؤية العقلاء وبدون الفحص والتفتيش...)(26). ووافقه المحققون: النائيني والعراقي وابن العم (قدهم)، وكل معلقي العروة، ذات الست حواشي والخمس حواشي، والعشر إلاّ بعضهم، وكذا في العروة، كتاب الحج: (لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه، إلاّ مع خوف الغرق أو المرض خوفاً عقلائياً)(27) ووافقه الكل. أقول: قد يقال: بأن الضرر الذي يخشى منه قسمان: أحدهما: ما لا يمكن تداركه أو دفعه لو تبيّن وقوعه. ثانيهما: ما يمكن تداركه لو تبيّن وقوع الضرر. والأول: كمن يخشى انه ان حج واشترك في أداء المناسك مع الحجاج يتمرض بعد تمام الحج وهذا يعتبر العقلاء الاقدام عليه مع خوفه اقداماً على الضرر، أما موضوعاً ـ كما قاله بعضٌ في شرحه على العروة ـ: من ان خوف الضرر من اقسام الضرر عرفاً، أو حكماً: لأن العقلاء يعاملون معه معاملتهم مع الضرر. ولعل بعض الفقهاء الذين عبّروا في موارد مختلفة من الفقه: بـ (الامن من الضرر) كما في بيان شروط التكاليف، رمزوا إلى الشمول للخوف من الضرر، لأنه مع الخوف لا أمن من الضرر. |
|
والشهيدان (قدهما) |
|
ففي اللمعة والروضة قال الشهيدان في باب شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (والأمن من الضرر على المباشر أو على بعض المؤمنين نفساً أو مالاً أو عرضاً). والثاني: كمن خشي ان حج يكون حضور عرفات والمشعر ـ حتى اضطراريهما ـ ضرراً عليه، ويمكنه ترك الحج وترك الذهاب إلى الموقفين والخروج من الحج بالعمرة. وفي مثله قد لا يعتبر العقلاء مجرد الاقدام عليه ضررياً، بل لو انكشف التضرر يقطع حجّه. |
|
والشيخ الأنصاري (قده) |
|
وقال الشيخ في رسالة التقية: (ثم الواجب منها (أي التقية) يبيح كل محظور، من فعل الحرام وترك الواجب، والأصل في ذلك أدلة نفي الضرر وحديث رفع عن أمتي تسعة أشياء، ومنها: ما اضطرّوا إليه، مضافاً إلى عمومات التقية...)(28). ثم قال أيضاً: (الثاني: انه لا ريب في تحقق التقية مع الخوف الشخصي بأن يخاف على نفسه أو غيره من ترك التقية في خصوص ذلك العمل، ولا يبعد ان يكتفي بالخوف من بنائه على ترك التقية في سائر أعماله...)(29). الشاهد: في أنه مع اعتباره التقية مستندة إلى قاعدة نفي الضرر، اكتفى بالخوف فيها، ولم يشترط العلم، وهو في محله ظاهراً. وقال في العروة: (يسقط وجوب الطلب إذا خاف على نفسه، أو ماله، من لص أو سبع أو نحو ذلك)(30). ووافقه كل المعلقين، في الحواشي العشر، والست، والخمس وغيرهم وفيهم المحققون: العراقي، والوالد، وابن العم، والنائيني، والحائري اليزدي (قدهم). |
|
وفي نجاة العباد |
|
وفي نجاة العباد ـ بحث التيمم ـ: (ومنها: الخوف ولو جبناً من اللص أو السبع أو الضياع، أو نحو ذلك مما يحصل معه خوف الضرر على النفس أو العرض أو المال المعتد به، لو أراد الوصول إليه)(31)، ولم يعلّق عليه أحد من المحشّين الأحد عشر وهم: الأنصاري، والشيرازيان، والآخوند وصاحب العروة، والشيخ عبد الله المازندراني، وطه نجف، والصدر، والهمداني، وشيخ الشريعة، والنائيني ـ قدهم ـ. وفي رسالة الوسيلة للشيخ محمد حسين الأصفهاني في باب التيمم: (الثالث: عدم تمكنه من الوصول إلى الماء لعجز أو خوف على نفسه أو عرضه أو ماله من لص أو سبع أو ضياع أو غير ذلك). والشاهد في كون الخوف من ضياع المال موجباً لرفع وجوب الوضوء.
والشيخ محمد تقي الشيرازي (قده) وفي رسالة السؤال والجواب للشيخ محمد تقي الشيرازي الحشاة بحواشي جمع من الأعاظم ومنهم الشيخ عبد الكريم الحائري، والسيد أبو الحسن الأصفهاني، وشيخ الشريعة، والنائيني، والسيد محمد الفيروزآبادي ـ قدهم ـ وهي بالفارسية ما تعريبه: ـ (الثاني: ـ يعني من مسوغات التيمم ـ ان يخاف بسبب السعي لتحصيل الماء على نفسه أو عرضه أو ماله من وصول ضرر إلى أحدها ضرراً معتداً به...) ولم يعلق أحد منهم عليها. وفي الجواهر ـ كتاب الأمر بالمعروف: (ثم إن ظاهر الأصحاب اعتبار العلم أو الظن بالضرر ـ يعني في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ ويقوى الحاق الخوف المعتد به عند العقلاء)(32). |
|
والمحقق العراقي (قده) |
|
وقال المحقق العراقي في كتاب (الأمر بالمعروف) من شرح التبصرة: (ثم ان في الحاق خوف الضرر بصور اليقين به، حتى في المال اشكالاً، نعم لا يبعد الالحاق في النفس والعرض)(33). الشاهد في جعلهما (صاحب الجواهر والعراقي): خوف الضرر بحكم الضرر، في الضرر على العرض والنفس، وكلام الجواهر مطلق يشمل خوف الضرر المالي أيضاً.
والشيخ حسن كاشف الغطاء (قده) وقال الشيخ حسن كاشف الغطاء: (والامرأة والرجل سواء في ذلك (أي في تخلية السرب) فلو خافت المرأة على بضعها سقط الحج عنها... ويشترط في الخوف المسقط ان يكون خوفاً معتداً به يجري على اوساط الناس... ويشترط في المخوف منه ان يكون شيئاً مضراً، فلا عبرة بجرح جزئي أو حدوث مرض جزئي، أو ذهاب مال قليل غير مضر بالحال... ولا فرق في الخوف على المال بين ان يكون المؤخوذ نهباً، أو سرقة، أو غصباً، أو ضياعاً، وغير ذلك مما شابه ذلك...)(34). الشاهد في صراحة عدد من كلماته في أن الخوف كالضرر نفسه مسقط ولا حاجة إلى العلم بالضرر. |
|
وفي المستمسك |
|
ثمّ إن السيد الحكيم ـ قده ـ في حج المستمسك(35)، فصل في الخوف بين الخوف على النفس، وعلى المال، فقال في الأول: (الخوف من الطرق الشرعية، فإذا حصل فقد حرم السفر ظاهراً). وقال في الثاني: (وأما ضرر المال فقد عرفت انه راجع إلى الحرج، وقد عرفت ان مانعيته مستفادة من مانعية مطلق العذر، وهي مختصة بالحرج الواقعي لا الخطأي، والخوف فيه ليس من الطرق الشرعية الموجبة للحرمة ظاهراً، كي يتوهم مانعيته عن الاستطاعة). وقوله: (قد عرفت انه راجع إلى الحرج) لعله إشارة إلى ما بنى عليه سابقاً: من ان الضرر المالي لا يسقط الحج لأخصّيّة أدلة الحج من (لا ضرر) للأمر بالأضرار بالمالية فيه، نعم لو بلغ الضرر المالي حداً حرجياً سقط. وقد سبق المستمسك في هذا التفصيل المحقق العراقي في كتاب (الأمر بالمعروف) من شرح التبصرة، فاعتبر خوف الضرر على النفس والعرض رافعاً لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوقف في خوف الضرر المالي(36). لكنه استند في الشق الأول: بحرمة الاقدام على الضرر على النفس والعرض، قال: (لأنه يجب حفظ النفس عن المضار المزبورة) وقال في المال: (فإن كان في البين اجماع ـ ولو بتسرية مناط خوف الضرر من باب الوضوء والصوم وأمثالهما إلى المقام ـ فهو، والا فللنظر فيه مجال، والله العالم). أقول: فيه أولاً: ليس مطلق الضرر النفسي والعرضي ـ المرتفع بلا ضرر بالاجماع ـ مما يجب حفظ النفس عنه، فيكون دليله أخص من المدعى، إذ المدعى: الخوف من الضرر على النفس والعرض الرافع ذلك الضرر للتكليف، والدليل: يخص الضرر النفسي والعرضي الذي لا يجوز تحمله. وثانياً: في خوف الضرر المالي، ان بنينا على أن خوف الضرر، ضرر موضوعاً، أو بحكم الضرر لدى العقلاء حتى تشمله عرفاً اطلاقات (لا ضرر) فالاطلاق شامل لخوف الضرر المالي أيضاً، وخروج موردس ان كان، فباجماع ونحوه، لا ان الاجماع مثبت لشمول (لا ضرر). وان بنينا على أن خوف الضرر ليس ضرراً، والمرتفع هو الضرر الواقعي، لا خوفه قبل انكشاف صحته أو خطأه فمقتضى القاعدة عدم ارتفاع الخوف حتى خوف الهلاك، وكل خارج بحاجة إلى دليل. اللهم إلاّ إذا اسقطنا العمل بلا ضرر إلاّ بعد عمل الأصحاب في كل موردٍ مورد، وهو خلاف مبناهم في الفقه، ومنهم المحقق العراقي نفسه. ولكن يرد على هذا البناء (أولاً): أنا قد اسلفنا أن ما يطلق عليه الضرر عرفاً في الحج ساقط بلا ضرر لعموم (لا ضرر) وعدم كون الحج اخص مطلقاً من (لا ضرر) إلاّ بالمقدار المتعارف، مثلاً: لو كان الحج المتعارف بألف، فتوقف حج زيد على مائة ألف يكون محكوماً بلا ضرر وساقطاً. وثانياً: ان كون الخوف من الطرق الشرعية للتنجيز والاعذار، والحكم الظاهري، لا يختلف فيه الخوف على النفس، أم على المال، ولا الضرر والحرج، لوحدة السياق في الضرر والحرج، وعدم فارق في اطلاق لا ضرر، بين الضرر المالي والضرر على النفس. وبعبارة أخرى: ما يحرم تحمله من الضرر وان كان خوفاً يحرم في النفس والمال، وما يرفع اللزوم من الحكم الشرعي يرفعه في الضرر على النفس أو على المال. والفرق المذكور لا دليل عليه، فتأمل. وأما مسألة ثبوت التكليف في الذّمة مع انكشاف الخلاف، وانه لم يكن ضرر، فهو تابع لمسألة الإجزاء المبحوث عنها في الجزء الأول من الأصول. ثم إن ها هنا تتمات: |
|
(التتمة الأولى) حكم الخوف عن جبن |
|
هل الخوف عن جُبن بحكم الضرر أم لا؟ فيه احتمالات بل أقوال: ـ |
|
(أحدها) |
|
انه بحكمه وهو للجواهر في بحث التيمم(37) ونقله عن الفاضلين في بعض كتبهما وعن الشهيدين وغيرهم، وصرح به في تيمم نجاة العباد، وسكت عليه جميع المعلقين الأحد عشر الذين مضى ذكر أسمائهم. وفي منهج الرشاد ـ الرسالة العملية للشيخ جعفر الشوشتري المحشّاة بحواشي صاحب العروة ـ ما تقريبه في باب التيمم: (لو كان الخوف من الوحدة ولو كان للجبن فالوضوء ساقط)(38). وفي ذخيرة المعاد، للشيخ زين العابدين المازندراني المحشاة بحواشي صاحب العروة والصدر، والشيخ محمد تقي الشيرازي في التيمم ما تعريبه: (ان كان خوفه من غاية الجبن والوساوس تيمَّمَ) ولم يعلق سوى الشيرازي فاحتاط بالوضوء أو الغسل(39). نعم، قد يوجه لهم بأمرين: الأول: انه مصداق لخوف الضرر الذي حكم عليه بأحكام الضرر، وكون الشخص خلاف المتعارف ليس فارقاً بعد استنباط ان الشارع علق أحكامه على عدم الضرر الذي الخوف الخارجي منه. الثاني: ان ملاك الضرر في خوف الجبان أشد غالباً، لأن خوف الجبان يؤدي به إلى اضرار قد لا يؤدي به الخوف العقلائي المتعارف، بل ولا نفس الضرر. |
|
(ثانيها) |
|
للتحرير نقله الجواهر في التيمم، وللشيخ حسن كاشف الغطاء، في أنوار الفقاهة كتاب الحج، وغيرهما: وهو انه ليس خوف الجبان للضرر مسقطاً للتكليف. ولعل وجهه: ان أدلة نفي الضرر قاصرة عن شمول مثله، فيجب على الجبان الرجوع إلى المتعارف ككل غير متعارف في جميع التكاليف. |
|
(ثالثها) |
|
للعلامة في المنتهى ـ نقله عنه في تيمم الجواهر ـ هو التوقف، ووجهه: التردد في أدلة القولين السابقين. |
|
(رابعها) |
|
ما ربما نستظهره ولعله يقتضيه الجمع بين الأدلة، ولعل الأقوال الأخرى ترجع إليه، وهو: التفصيل بين ما لو أدى الخوف الجبني إلى صيرورة التكليف معه حرجاً فيسقط، وإلاّ فلا. ووجهه: ان الخوف الجبني بما هو لا ملاك له في اسقاط التكليف لا عقلاً، ولا شرعاً، فإن أدى ذلك إلى الحرج، صار مصداقا للحرج وسقط التكليف، وإلا فليس خوف الضرر جبناً ضرر، لا موضوعاً ولا حكماً، فلا يشمله ظهور نفي الضرر، والله العالم. |
|
(التتمة الثانية)
حكم المتهوّر |
|
المتهور الذي لا يخاف الضرر في موارد يخاف العقلاء الضرر فيها ما حكمه؟ لم ار من تعرض له، إلاّ ان الذي يقتضيه النظر هو التفصيل بين: ـ 1 ـ من يعرف نفسه بالتهور، فيرجع إلى المتعارف لأنه يعرف تحقق موضوع: (خوف الضرر) لدى العقلاء، فيترتب عليه حكمه من سقوط التكاليف بدليل (لا ضرر). وما ربما يقال: من انه ليس حينئذ خوف الضرر، ففيه: انه فعلي خوف الضرر، لكن المتهور لا يعتني بهذه الفعلية العقلائية. 2 ـ ومن لا يعرف نفسه بالتهور في حين أنه متهور، فلا يسقط ـ بنظره ـ التكاليف عنه، نظير القطاع الذي مع عدم التفاته إلى انه قطاع وغير متعارف في قطعه، يكون قطعه عند نفسه متبعاً. ثم الكلام في الثاني يقع في موردين: ـ الأول: لو عمل بتهوره، فصام شهر رمضان، أو توضأ على خلاف التقية، ونحو ذلك، مع خوف الضرر لدى العقلاء، فهل عمله صحيح أم لا؟ أما قبل ان ينكشف له انه كان متهوراً، فلا دليل يلزمه بالتبعات. وأما بعد انكشاف تهوره له، فعلى القول بكون لا ضرر رخصة، أو في موارد الرخصة، فلا تبعة أيضاً كما هو واضح. وأما على القول بكون (لا ضرر) عزيمة، أو في موارد العزيمة، كخوف القتل، ونحوه، فمقتضى القاعدة: عدم الصحة، لعدم الأمر، بل النهي، فلا طاعة، والتفصيل الأكثر في الفقه. الثاني: لو تجرّى وعمل بالواقع العقلائي وترك ما يراه هو واقعاً، فصلى من جلوس مع ضرر القيام له، وتيمم مع ضرر الوضوء له واقعاً وعند العقلاء، لكنه لتهوره لا يرى الضرر، فالظاهر: صحة عمله مطلقاً ـ سواء كان مُلتفتاً إلى أنه متهور أم لا، وسواء قلنا بأن (لا ضرر) رخصة أم عزيمة، وسواء قبل انكشاف كونه متهوراً أم بعده ـ لأنه اتى بالواقع المطلوب منه. نعم، بشرط ان يأتي بقصد القربة فيما كان المكلف به عبادة. |
|
التتمة الثالثة حكم علاج الجبن |
|
هل يجب علاج الجبن الباعث على الخوف من الضرر، الموجب لرفع التكاليف، إذا علم انه قابل للعلاج، أو مطلقاً؟ أو لا؟ الأصل: البراءة مطلقاً ما لم يدل دليل على التكليف، وقد يؤيد ذلك بوجود كثرة الجبناء في طول التاريخ، مع عدم ورود دليل ـ فيما سمعنا ورأينا ـ على لزوم علاجه، وهو مما لو كان فيه دليل لبان، والله العالم. |
|
التتمة الرابعة حكم الشكّ فيه |
|
لو وصلت النوبة إلى الشك في أن أصل خوف الضرر هل رافع للتكليف؟ أو شُك في أن الخوف عن جبن رافع أم لا؟ أو التهور هل يبقى معه التكليف أم لا، فما هو الأصل؟ الظاهر: عدم رفع التكاليف، تحكيماً لاطلاقات أدلة التكاليف، واقتصاراً في تقييدها بالمتيقن من الضرر الحقيقي لا مع خوف الضرر، أو مع خوف الضرر خوفاً عقلائياً، لا جبناً وتهوراً، والله العالم. |
|
التتمة الخامسة إذا احتمل كونه جبناً |
|
لو خاف المكلف من الضرر، واحتمل كونه جبناً، وقلنا كالعلامة في التحرير، والشيخ حسن كاشف الغطاء في أنوار الفقاهة ـ قدهما ـ: بأن الخوف الجبني لا يرفع التكليف، أو في الجبن الذي لا يرفعه، كالذي لا يوجب حرجا، كما احتملناه في الاحتمال الأول في تفصيلنا، فهل يجب عليه الفحص عن ان هذا الخوف جبني أم لا؟ احتمالان: |
|
الاحتمال الأول |
|
الأول: من ان الخوف من الضرر الذي يعتبره العقلاء ضرراً ـ موضوعاً أو حكماً ـ هو الخوف العقلائي لا مطلق الخوف، فمع الشك في أن الخوف الخارجي عقلائي مسقط للتكليف أم لا؟ لا يتحقق موضوع لسقوط التكليف، فتبقى اطلاقات أدلة التكاليف سالمة لا يمنع عنها أدلة لا ضرر. فعلى القول بكون (لا ضرر) عزيمة، أو في موارد كونها عزيمة يجب الفحص للعلم الاجمالي لتردد التكليف بين عزيمتين: التكليف اللازم، والمسقط اللازم، فلا يجري التخيير العقلي لأن ملاكه اللابدية، ومع احتمال أداء الفحص إلى شيء لا (لا بدّية)، ولا يجري التخيير الشرعي لعدم شمول أدلة التخيير بين الخبرين المتعارضين لما نحن فيه لا اطلاقاً، ولا ملاكاً، ولا يجري التخيير العقلائي، لعدم ثبوت أصالة التخيير بين كل عزيمتين مرددتين، والمشهور على التساقط. إذن فعليه يجب الفحص، ومع عدم أداء الفحص إلى نتيجة، يجب التمسك باطلاقات التكاليف، لعدم احراز المانع عنها. وعلى القول يكون (لا ضرر) رخصة، أو في موارد كونها رخصة، لا يجب الفحص لعدم ثبوت الزام بترك الأمر الشرعي، فاطلاقات التكاليف محكمة. نعم، لو اراد ترتيب آثار الضرر، لزم عليه الفحص حتى يثبت أن خوفه عقلائي وليس جبناً، والله العالم. |
|
الاحتمال الثاني |
|
الثاني: ومن ان الخوف لعله بما هو خوف موضوع لرفع التكاليف، وكونه جبناً مانع عن رفع التكليف ـ كما قد يؤيده اطلاقات الخوف في روايات الصوم، والحج، والأمر بالمعروف، وغيرها ـ فإذا شك في وجود المانع نفي بالأصل، فيبقى الخوف رافعاً للتكليف، فلا يحتاج إلى الفحص على مذهب مشهور المتأخرين، لأنه من الفحص في الشبهة الموضوعية، لا من باب المقتضي والمانع. ولعل الاحتمال الأول أقرب ـ مع أنه احوط ـ لأمرين: 1 ـ على مبنانا من لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية، إلاّ ما خرج بدليل كالطهارة والنجاسة، والحلية والحرمة، في المأكول والمشروب، ونحو ذلك، وما نحن فيه ليس من الخارج بدليل. 2 ـ ليس لنا اطلاق في كل أبواب الفقه بلفظ (الخوف) حتى نتمسك به وندفع المانع بأصل العدم، بل نحن استنبطنا ان خوف الضرر، يعامله العقلاء معاملة نفس الضرر، فيدخل في شمول (لا ضرر) والمتيقن منه هو الخوف المحرز كونه عقلائياً، والله العالم. |
|
التتمة السادسة الشبهة الموضوعية |
|
لو شك موضوعاً في أنه خوف ضرر أم لا ـ بأن لم يعلم ذلك، لا انه علم الخوف وشك في الجبن، أو لم يعلم الخوف وشك في التهور ـ مثل: من يشك في الخروج منتصف الليل وحده لتحصيل الماء هل فيه خوف سبع أم لا؟ من باب انه لا يعلم هل تخرج السباع أحياناً في هذا البلد أم لا؟ فحكمه حكم الشك في أنه ضرر أم لا؟ فعلى العزيمة أو مواردها يدور الأمر بين الزامين: الوضوء والتيمم، وجوب الحج وحرمته، وجوب الصوم ووجوب القضاء، فيجب الفحص، لأنه مما لو أجرى فيه مثله البراءة لم تتحقق اطاعة التكليف غالباً، وللعلم الاجمالي بين الزامين. ومع اليأس بعد الفحص، تجري البراءة عن الالزام الناشئ من خوف الضرر، ان لم يجر أصل موضوعي، وهو: اصل عدم الضرر، والا لترتبت البراءة على عدم الضرر الثابت بالأصل، وكانت مسببة عنه. وعلى الرخصة في لا ضرر لا يجب الفحص، ويجري أصل الخوف وهو واضح للشك في حصول الرخصة في ترك الوضوء والصوم والحج ونحوها. |
|
التتمة السابعة الخوف شخصي |
|
ملاك خوف الضرر ـ كنفس احراز الضرر ـ نفس المكلف، لا غيره، فلو اختلفا في انه خوف أم لا؟ فإن خاف المكلف جرى عليه حكم الضرر، والا فلا، ويجري ذلك حتى في الزوجة والعبد إذا لم يخافا وخاف الزوج والمولى عليهما. والوجه في ذلك: ان الخارج عن أدلة التكاليف هو قناعة كل واحد من المكلفين بنفسه بالضرر، أو خوفه عليه، لا قناعة غيره. وصرّح بذلك الشيخ حسن كاشف الغطاء في كتاب الحج من (أنوار الفقاهة) قائلاً: (ولو ارادت حجة الإسلام فادعى الزوج عليها الخوف عمل بشاهد الحال مع انتفاء البينة، ومع فقدهما يقدم قولها)(40). وتبعه في العروة، قال (ولو كانت ذات زوج وادعى عدم الأمن عليها، وانكرت قدم قولها) ـ الحج / شرائط وجوب حجة الإسلام / المسألة 80 ـ وتبعهما معظم المعلقين الساكتين عن المتن ومنهم المحققون النائيني والعراقي وابن العم ـ قدهم ـ والتفصيل في الفقه. |
|
التتمة الثامنة لا فرق في الأسباب |
|
إذا تحقق الخوف العقلائي من الضرر، ارتفع التكليف لتحقق الموضوع، من أي سبب كان منشأ الخوف، ولا فرق فيه بين الأسباب العادية التي يحصل منها الخوف للناس، وغيرها من تسخير وسحر، ورياضة نفس، وجفر، ورمل، وغيرها. وكذا لا فرق في درجات الخوف الخفيف، والشديد، وما بينهما من الدرجات، إذا لم يكن الخوف الضعيف جداً الذي لا يعتني به العقلاء بل لا يرونه خوفاً موضوعاً بالحمل الشائع الذي هو ملاك العرف في المصاديق، أو يرى العرف الانصراف عن مثله. وكذا لا فرق في ذلك بين أبواب الفقه، من واجبات، ومحرمات، وطهارة وصلاة، وصوم، وحج، واعتكاف، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، والقضاء، والشهادة بالحق، والمضاجعة، والمواقعة، ونصرة المظلوم، والنكاح لمن تتوق نفسه على القول بوجوبه. وكذا المحرمات لو كان تركها موجباً للخوف من الضرر جاز فعلها في أي أبواب الفقه كانت على ما تقدم من أن الاصح كون المحرمات أيضاً محكومة بـ (لا ضرر): من أباق، وابطال العمل، واخراج الدم من المحرم، وادخال النجاسة في المسجد، وتنجيس المسجد، والحلق المحرم، واهانة المؤمن، وأكل المتنجس، واستقبال القبلة للمتخلي، واسقاط الحمل، واستعمال أواني الذهب والفضة، وبيع الوقف، والبيع وقت النداء يوم الجمعة، وغير ذلك. |
|
يثبت الخوف بما يثبت به غيره وهنا توابع: الأول |
|
يثبت خوف الضرر، أو كونه عن جبن، أو كونه عن تهور، بما يثبت به سائر الموضوعات من علم وجداني، وبينة، وقول العدل الواحد على قولٍ، وقول الخبير وان لم يكن عدلاً على قول. وقول أيّ ثقة ولو كان صبياً، أو امرأة أو فاسقاً، أو كافراً ـ كما صرحوا به في موارد عديدة من الفقه ـ. وذلك لتحقق الموضوع ـ خوف الضرر ـ بذلك شرعاً ولا خصوصية فيما نحن فيه يخرجه عن باقي الموارد. إنما الكلام في الظن بخوف الضرر، فهل يكفي على القول بكفاية الظن بالضرر، أم لا تلازم؟ قد يقال: بوحدة الحكم فيهما، فإن قلنا بكفاية الظن بالضرر، كفى الظن بخوف الضرر، لوحدة الملاك، فلو كان ظنه بوجود السبع في الطريق رافعاً لوجوب الحج، كان أيضاً ظنه بهذه المرتبة من خوف الضرر ظناً بالضرر لدى العقلاء، كافياً. وقد يقال: بالفرق والفارق ذهاب الفقاء إلى كون مظنة الضرر بحكم الضرر، ومن مثبتات الضرر، بخلاف مظنة خوف الضرر. والاوجه: الأول لتحقق الموضوع الذي نسبته إلى الحكم نسبة العلة إلى معلولها، وعدم ثبوت الفارق المذكور لا موضوعاً ولا حكماً، لا صغرى ولا كبرى.، فتأمل. ولو شك في أن ظن خوف الضرر، كظن الضرر رافع للتكليف أم لا، فالأصل العدم، بضم الدليل ـ اطلاقات أدلة الأحكام ـ إلى الأصل العملي، وهو أصالة عدم كون الظن في باب خوف الضرر رافعاً للتكليف والله العالم. |
|
هل يجري ـ هنا ـ الاستصحاب التابع الثاني |
|
في خوف الضرر، وعدم الخوف، هل يجري الاستصحاب بلا فحص أم لا؟ مثلاً: لو خاف من الوضوء على عينه من الرمد، فإذا شك في بقاء خوف الضرر هل يستصحب بلا فحص؟ أو العكس لو أصابه رمد خفيف وشك في أنه هل فيه خوف الضرر من الوضوء أم لا؟ فهل يجري استصحاب عدم خوف الضرر بلا فحص؟ فيحرم الوضوء في الأول، ويجب في الثاني وتبطل الصلاة بالتيمم في الثاني، وبالوضوء في الأول، بناءً على عزيميّة (لا ضرر) أو في مواردها أم لا؟ والجواز على رخصية (لا ضرر) أو في مواردها أم لا؟ مقتضى عمومات الاستصحاب، وعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ـ كما هو مبنى جمع من المتأخرين ـ جريان الاستصحاب في ذلك، بلا فحص. ومقتضى ما سبق مفصلاً ـ في البحث عن وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ـ من ذهاب جمع من المحققين كصاحب المعالم والقوانين وشريف العلماء وصاحب الضوابط وصاحب الجواهر في موارد عديدة من الجواهر، والفقيه الهمداني في صلاة مصباح الفقيه، وغيرهم ـ قدّهم ـ هو وجوب الفحص، وتمام البحث مرّ مفصلاً في البراءة. |
|
خوف الاضرار كخوف الضرر التابع الثالث |
|
كل ما ذكرنا في خوف الضرر من المباحث، جارٍ في خوف الاضرار، فلو خاف أداء الأمر بالمعروف إلى الاضرار بالغير ـ نفساً أو عرضاً، أو مالاً ـ سقط وجوبه، أو خاف من الجهر بالقراءة الاضرار بمريض، سقط وجوب الجهر، أو خاف الولي من صوم نفسه، تضرر الصغار والمجانين المولى عليهم، لعدم من يطعمهم، ولا طاقة للولي على الجمع بين صوم نفسه واطعام المولى عليهم، ونحو ذلك من الأمثال. قال في العروة في الصوم: (وكذا إذا اخاف من الضرر في نفسه أو غيره، أو عرضه أو عرض غيره، أو في مال يجب حفظه، وكان وجوبه أهم في نظر الشارع من وجوب الصوم) شرائط صحة الصوم / السادس ـ ووافق عليه المعلقين كالمحققين العراقي والنائيني والوالد وابن العم ـ قدهم ـ وفي ذلك كله يترتب كل أحكام الأضرار، على خوف الاضرار، مع فارق هو: ـ ان (لا ضرر) كان مختلفاً فيه بين القوم انه عزيمة أم رخصة؟ أما (لا ضرر) فهو عزيمة بلا اشكال، فيصير كل فعل بسبب الاضرار ـ حراماً، سواء كان بعنوانه الأولي واجباً، أم مستحباً، أم مكروهاً، أم مباحاً. واحتمال العموم من وجه بين (لا ضرر) وبين بقية أدلة الأحكام، يدفعه ظهور (لا ضرر) في الحكومة، فلا تلاحظ النسبة بين الحاكم والمحكوم، كما حقق في باب التعادل. |
|
لا تجب قراءة أدعية الخوف التابع الرابع |
|
ما ورد من الأدعية والأذكار لدفع الخوف، لا يجب قراءتها لدفع الخوف من الضرر، ولو قرأها ولم يدفع خوف الضرر، لا يندفع أحكام الضرر، لتحقق موضوع الضرر، وخوف الضرر، فيترتب عليهما ارتفاع التكاليف، والأصل عدم وجوب قراءتها، وظهور بعض أوامر في الوجوب غير تام وذلك: (أولاً): للظهور في الارشاد لا الالزام، ويؤيده عدم فهم أحد من الفقهاء الوجوب منها. (وثانياً): عدم حجية اسناد معظمها. أما إذا كان خوف الضرر عن جبن، مع التفاته إلى كونه عن جبن، لكنه كان شديداً بحيث يرفع التكليف، أو قلنا: بأن مطلق خوف الضرر ولو كان عن جبن رافع للتكليف، وكان التكليف مهماً شرعاً كالحج، وانقاذ النفس المحترمة، والدفاع عن بيضة الإسلام، ونحو ذلك، فهل لا يجب دفعه أيضاً مع احتمال اندفاعه، بدعاء، أو ذكر، أو غيرهما؟! احتمالان: ـ من ان مثل ذلك يشبه مقدمات الوجود للواجب المطلق، فيجب، ومن انه من تبديل موضوع الحكم الشرعي، ولا يجب إلاّ بدليل خاص بل هو مما يستحيل تعلق مثل الحكم الشرعي به ـ كما قاله في الكفاية(41) ـ نظير المريض في شهر رمضان، لو تداوى برئ سريعاً، فيستطيع صوم أيام أكثر، أو لم يتداو فيبطئ برؤه فيصوم أياماً أقل فهل يوجب أحدٌ عليه التداوي المسرع لإزالة المرض؟ |
|
لا تجب إزالة خوف الضرر عن آخر التابع الخامس |
|
هل يجوز لشخص ان يعمل ما يوجب الآخر خوف الضرر؟ أو يجب ان يعمل ما يزيل عنه خوف الضرر؟ بدعاء أو وعظ أو ارشاد أو غيرها؟ مقتضى أصل البراءة عن الحكم اللزومي جواز كليهما إذا لم يتضمن حراماً، من كذب أو ايذاء، أو تصرف في الشخص بدون إذنه، أو سحر وشعبذه، ونحو ذلك. هذا العنوان الأولي. لكنه قد يعرض عنوان ثانوي فيوجب الالزام كما لا يخفى على المحققين. |
|
التعرض لخوف الضرر التابع السادس |
|
هل يجوز التعرض لخوف الضرر؟ كمن يذهب في شهر رمضان إلى منطقة حارة مثلاً يضطر فيها إلى الإفطار لخوف الضرر من الصوم أو غير ذلك. الظاهر: انه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: ما علم من الأدلة الخاصة ـ ولو بمرتكزات أذهان المتشرعة، أو السيرة المتوفرة فيها الشرطان جواز ذلك، كالسفر الموجب قطعاً لشح الماء والتيمم، وفي البلاد الباردة الموجب قطعاً للتيمم من خوف الضرر ونحو ذلك. ثانيها: ما علم من الأدلة الخاصة عدم جواز ذلك، كالسفر إلى مكان يضطر معه إلى ارتكاب الحرام والا قُتل، وكالدخول في عمل الظالمين، الذي يضطر معه إلى الظلم على الناس، ونحو ذلك. ثالثها: ما لم يعلم من الخارج، لا ذا ولا ذاك، وهذا هو المهم بالبحث في علم الأصول، وإلاّ فالقسمان الأولان يؤخذان من الفقه. وفيه احتمالات: ـ الأول: عدم الجواز مطلقاً، إلاّ ما خرج بدليل خاص، كما ذكر في القسم الثاني من الأمثلة، لأنه عرفاً نوع عصيان وتمرد على المولى. الثاني: الجواز مطلقاً، إلاّ ما خرج بدليل خاص، كما ذكر في القسم الأول من الأمثلة، لأنه فرار من موضوع تكليف إلى موضوع تكليف آخر. الثالث: التفصيل بين كونه قاصداً الفرار عن التكليف، فلا يجوز تكليفاً، وبين عدم هذا القصد، فيجوز، لصدق العصيان عرفاً في الأول، دون الثاني. أقول: لا يبعد اقربية الاحتمال الثالث، لكن مع بقاء الحكم الوضعي، فالصحة والفساد تابعان لصدق الضر وعدمه، من غير فرق بين كونه هو معرّضاً لنفسه في الضرر أم لا؟ كما أنه لو فعل ما لا يجوز عصى، ولكن يرتفع التكليف عنه، لاطلاق (لا ضرر). مثلاً: لو كان يمكنه الوضوء بلا تضرر، فعرّض نفسه لمورد ـ كالتقية ـ بحيث صار وضوؤه الصحيح ضررياً، فعل حراماً لو كان التعرض بقصد رفع التكليف عنه، لكنه يرتفع التكليف عنه، ووضوؤه صحيح، لكونهما من الأحكام الوضعية، وقس على ذلك بقية الأمثلة من أول الفقه إلى آخره، إلاّ ما خرج بدليل خاص، والله العالم. وقد يؤيد ذلك ما ذكروه في مسألة من أجنب نفسه والغسل مضرّ به: من انه لا يغتسل وحملوا الروايات الصريحة في وجوب الغسل على محامل، قال في العروة: (إذا أجنب عمداً مع العلم بكون استعمال الماء مضراً وجب التيمم وصح عمله) ـ التيمم / المسألة 20 ـ ووافقه عليه عامة المعلقين. |
|
لا يرتفع التكليف مع عدم ارتفاع الضرر التابع السابع |
|
خوف الضرر إنما يرفع التكليف، إذا كان ترك التكليف دافعاً أو رافعاً للضرر، أو مخففاً له كمية أو كيفية، أو نحو ذلك، أما لو لم يرتفع الضرر بترك التكليف، فالظاهر: عدم ارتفاع التكليف. مثلاً: من لو صام أو لم يصم تعمى عينه، لا يسقط عنه الصوم، ومن لو أمر بالمعروف أم لم يأمر يُقتل، لم يسقط عنه وجوب الأمر بالمعروف، ومن لو توضأ أم لم يتوضأ يبتلى بالحمّى لم يسقط عنه الوضوء. وذلك لأن المنصرف من (لا ضرر) هو ارتفاع التكليف الضرري إذا كان رفع التكليف موجباً لرفع الضرر، لا مطلقاً، مع أنه عند عدم ارتفاع الضرر، لا يكون التكليف موجباً للضرر، بل الأمر الآخر هو الموجب للضرر، سواء كان أصل سببية الضرر من غير التكليف، أي بأمر آخر، أم من نفس هذا التكليف. مثلاً: لو جاء زيد على الماء ليتوضأ، فعرف الظالم من هذا المجيء انه مؤمن، فاراد قتله سواء توضأ أم لا، وجب عليه الوضوء. ويؤيد ذلك: ما تواتر نقله من قصص كثيرة عن أصحاب المعصومين عليه السلام ـ من أمثال حجر بن عدي وأصحابه، وميثم التمار، وبعض أصحاب الصادق عليه السلام مع المنصور الدوانيقي، وآخرين مع الحجاج، وابن السكّيت مع المتوكل العباسي، وغيرهم وغيرهم ـ من اعلان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما ايقنوا انهم مقتولون لا محالة، ويستبعد جداً عدم صدورهم جميعاً عن أمر المعصوم عليه السلام، بل تقرير المعصومين عليهم السلام ـ اجمالاً ـ في مجموع هذه الروايات التي ربما لا يجازف مدعي تواترها الإجمالي، غير بعيد. ويؤيده أيضاً: معتبرة يونس عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام: (في رجل حلف تقية؟ فقال: ان خفت على مالك ودمك فاحلف ترده بيمينك، فإن لم تر ان ذلك يرد شيئاً، فلا تحلف لهم)(42). وفي البحار نقلاً عن كتابي الحسين بن سعيد، عن أبي بكر الحضرمي، قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: نحلف لصاحب العشار نجيز بذلك مالنا؟ قال: نعم، وفي الرجل يحلف تقية؟ قال: ان خشيت على دمك ومالك فاحلف ترده عنك بيمينك وان رأيت ان يمينك لا يرد عنك شيئاً فلا تحلف لهم)(43) ولعلهما حديث واحد، لأن يونس بن عبد الرحمن يروي عن أبي بكر الحضرمي، ثم إنّ أبا بكر الحضرمي ممدوح على المشهور ان لم يكن ثقة، فيكون الحديث معتبراً بلا اشكال، والله العالم.
هل الضرر الواجب تحمله يرفع التكليف؟ |
|
التابع الثامن |
|
هل خوف الضرر الرافع للتكليف أعم من الأضرار التي يجب عليه شرعاً تحملها، أو يجوز لخائف الضرر عدم التحمل؟ ومثال جائز التحمل: زيد ظلم عمرواً، ويخاف ان ذهب إلى الوضوء أن يهينه عمرو بما يجوز لعمرو، فهل يسقط ذلك الوضوء عن زيد؟ ومثال واجب التحمل: المطلوب بالدية للخطأ، هل يجوز له ترك التكاليف للنجاة من خوف الدية؟ أم يخص الأضرار التي لم يدل دليل على وجوب تحملها؟ احتمالان: من ورود لفظ (الخوف) في مستفيض الروايات، فيكون الموضوع هو الخوف واطلاق الخوف، يشمل خوف الأضرار الواجب تحملها. ومن أن الخوف منصرف إلى ما لا يجب تحمل ضرره، فلا نظر لـ (لا ضرر) إلى مثل هذه الأحكام الأولية، التي الزم الشارع بلزوم تحمل اضرارها، وبعبارة أخرى: هي اخص من الاضرار كالجهاد ونحوه. وإلا لغى ايجاب الشارع تسليم القاتل الدية، وهكذا في غيره. أقول: قد يفصل في المسألة بين: ما لو علم ان الولي لا يرضى بغير الدية، فليس خوف الضرر رافعاً لوجوب التسليم، وبين: ما لو احتمل في التأخير العفو أو الرضا باقل من الدية فيجوز لخوف الضرر ترك التسليم عاجلاً. هذا بالنسبة للضرر الذي يجب تحمله شرعاً، أما الضرر الذي لا يجب التعرض له وتحمله، ولكن يجوز ـ شرعاً ـ كالمظلوم الذي يجوز له اهانة الظالم، بحكم قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلاّ من ظلم) فهل تضرر الظالم من اهانة المظلوم يشمله (لا ضرر) فيرفع عن الظالم بعض التكاليف المؤدية إلى الاهانة؟ لا يبعد شمول (لا ضرر) له، إذ مادام لا يجب على الظالم التعرض للاهانة، فاهانته ضرر، والوضوء الضرري غير واجب (لأنه ضرر عِرضي) ومجرد جواز الإضرار لذلك، لا يخرج المكلف عن مصداقيته لـ (لا ضرر) نظير ما لو علم المكلف، أو خاف انه لو ذهب إلى الوضوء، يكون هناك مؤمن اجبره الظالم على نهب مال المتوضيّ، فهل جواز النهب للمجبور بأمر الظالم يخرج المكلف عن لا ضرر؟ والله العالم. |
|
المبحث الثالث عشر |
|
هل تضرر شخص يرفع تكليف شخص آخر؟ هل تضرر الغير يوجب رفع الأحكام الشرعية عن شخص آخر؟ مثلاً: لو لزم من وضوء زيد تضرر عمرو بفقد الماء، في نفسه، أو في عرضه، أو في ماله، هل يرفع وجوب الوضوء أم لا؟ ـ إذا لم يكن حفظ ذلك الغير عرفاً من شؤون صاحب الماء، كالأولاد، وأصحاب شيخ العشيرة ونحوهم ـ. لا إشكال في رفع الوجوب بل الانقلاب إلى حرمة الوضوء تكليفاً في الاضرار التي علم من الشارع وجوب دفعها ورفعها حتى عن الغير، كقتل النفس ظلماً، وذهاب الأموال العظيمة، وتعرض اعراض المسلمين للهتك العظيم، وذلك من جهة المستفاد من الأدلة الخاصة، ولو مرتكزات المتشرعة، وهذا القسم لاكلام فيه، وتشخيص موضوعه مسألة فقهية خارجة عن علم الأصول. أما غير ذلك من الاضرار التي ثبت عدم وجوب دفعها، أو لم يثبت وجوب دفعها، كما لو كان لزيد ماء لو صرفه في الوضوء لماتت شجرة واحدة لعمرو، أو تعرض عمرو لسب وشتم قليل، او تمرض عمرو يوماً ويومين، فهل يشملها (لا ضرر) أم لا؟ أما بناءً على كون (لا ضرر) عزيمة فما نحن فيه خارج عنه بلا إشكال، إذ المفروض عدم وجوب دفع مثل هذه الاضرار عن الغير. وأما بناءً على كون (لا ضرر) رخصة، فهل يجوز صرف الماء في سقي دابة الغير وشجرته ودفع المرض اليسير والهتك القليل عنه، أم لا يجوز؟ فيه احتمالات: من الاطلاق، من الانصراف إلى تضرر الشخص، لا الغير. أما الاطلاق فتقريبه: ان مقتضاه عدم وجود حكم في إطار الشرع يوجب الضرر، وحذف المتعلق يفيد العموم ـ كما هي قاعدة ظهورية تذكر في علم البلاغة ـ فلو حكم الشارع بوجوب طلب الماء للوضوء، المؤدي هذا الطلب إلى بُعد الشخص عن دابة عمرو، فتُسرق الدابة، أو يخاف عمرو من الظلام فيتمرض قليلاً، او يقترب إليه عدوه فيسبّه، كان هذا الحكم ضررياً على عمرو عرفاً، إذ هذه الأضرار توجهت إلى عمرو من الالزام الشرعي على زيد. وأما الانصراف فتقريره: ان المنصرف من (لا ضرر) نفي الضرر عن كل شخص بما ألزم هو عليه، لا غيره، إذ كل فرد موضوع مستقل للأحكام الشرعية، سواء كانت أولية أم ثانوية مثل (لا ضرر). |
|
الشك في الاطلاق، أو الانصراف |
|
لو شك في الاطلاق من هذه الجهة؟ أم الانصراف، فمقتضى القاعدة: عدم ثبوت آثارهما الخاصة، إذ هما معتمدان على الظهور، ومع الشك يكون شكاً في الظهور، فلا احراز للظهور، فتصل النوبة إلى الأصول العملية ـ بعد عدم اصل لفظي في البين ـ والأصل العملي: الاشتغال بالالزامات الشرعية، وعدم رفعها بلا ضرر في مورد يشك كونه رافعاً. ولكن قد يوجه الاطلاق من جهة الأدلة الكثيرة الدالة على أن (حرمة الأخ كحرمة النفس) ونحو ذلك من الأخلاقيات الآمرة بمعاملة الأخ المؤمن كما يعامل به نفسه. فبهذه الأدلة الكثيرة المتواترة ظاهراً، يتحقق موضوع كون الأخ المؤمن كالنفس، وبضمها إلى رفع الأحكام بالضرر على النفس والعرض والمال يتم المطلوب. ان قلت: هذه لا اقتضائيات. قلت: انها موسعة للموضوع مثل (الطواف بالبيت صلاة). والحاصل: يمكن اتمام المطلوب من وجهية: ـ الأول: ان حكم الشارع على زيد بوجوب صرف مائه في الوضوء وعدم جواز اعطائه لعمرو المتضرر بعدم الماء، حكم شرعي ضرري على عمرو، واطلاق (لا ضرر) ينفيه. الثاني: ان الأدلة الدالة على أن الأخ كالنفس يوجب ـ رخصة ـ رفع الحكم الموجب للضرر على الأخ، كما يوجب رفع الحكم الضرري على نفس الشخص، وقد مرّ في بعض المباحث السابقة نقل عبارات عن الفقهاء، صريحة في ارتفاع وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن زيد، إذا احتمل لحوق ضرر بعمرو مطلقاً، في بدنه، أو عرضه، أو ماله فلاحظ. ثم إنه على التقديرين ـ اطلاق لا ضرر الشامل لتضرر الغير، أو انصرافه إلى تضرر كلّ شخص شخص ـ لا فرق في الغير بين الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والفاسق، والرحم وغيره، والصديق والعدو وغيرهم للاطلاق، أو للانصراف. |
|
مقالة السيد صاحب العروة (ره) |
|
ولنعم ما ذكره السيد الطباطبائي اليزدي في العروة الوثقى، وننقل عبارته لجامعيتها، وان كانت لا تخلو من بعض المناقشات، قال: ـ الخامس: الخوف من استعمال الماء على نفسه، أو أولاده وعياله، أو بعض متعلقيه، أو صديقه، فعلاً أو بعد ذلك، من التلف بالعطش أو حدوث مرض، بل أو حرج أو مشقة لا تتحمل... وكذا إذا خاف على دوابه، أو على نفس محترمة وان لم تكن مرتبطة به، وأما الخوف على غير المحترم كالحربي، والمرتد الفطري، ومن وجب قتله في الشرع فلا يسوّغ التيمم. كما أن غير المحترم الذي لا يجب قتله بل يجوز كالكلب العقور، والخنزير والذئب ونحوها، لا يوجبه، وان كان الظاهر جوازه...)(44). وما ذكر وان كان بعضه مشمولاً لأدلة خاصة في المقام، إلاّ أن مجموعه مما يشكل استفادته منها إن لم يكن ممنوعاً، فيبقى اطلاق (لا ضرر) ونحوه ـ فليتأمل. ثم إنه ان قلنا باطلاق (لا ضرر) الشامل للغير، فلا فرق في موارد الأحكام، بين الوضوء والغسل، والصلاة، والصوم، والاعتكاف، والحج، وغير ذلك، ومقتضاه، سقوط الصوم بتضرر الغير به، وسقوط تعجيل الحج بتضرر الغير به وهكذا. وهذا وان كان قد لا يكون معروفاً بين الفقهاء، وقد يكون بعض مصاديقه من جزئيات باب التزاحم وترجيح الأهم الشرعي، إلاّ أن بعضها الآخر يشك في كونه من ذاك الباب، وقد يمنع لكنه قد يمكن المصير إليه، ان ساقنا الدليل إليه، نعم، في أي مورد استفيد من الأدلة عدم سقوطه بـ (لا ضرر) الغير، نلتزمه للدليل الخاص كما يقال في الحج: انه لا يسقط مطلقاً لو سبب تضرر الغير ـ كالمثال الآنف الذكر ـ للمستفاد من الأدلة في أهمية الحج، ونحو ذلك. والحاصل: انه لو استفيد شمول (لا ضرر) لتضرر الغير، فمقتضى حكومة (لا ضرر) على الأحكام الأولية حكومته على اضرار الغير، الناشئة من عمل المكلف بما يجب وبما يحرم عليه. ثمّ إن السيد الحكيم في المستمسك وغيره في باب التيمم: صرّحوا بانصراف الأدلة إلى كل شخص شخص، ولا يرتفع الحكم عن شخص بتضرر شخص آخر(45). وفيه: ان عهدة هذا الانصراف على مدعيه. |
|
مقالة بعض الأعلام |
|
وصرّح بعكسه السيد السبزواري بما حاصله: ـ ان الوضوء مع تلف حيوان، أو سرقة مال شخص، أو اهانة عرضه، خلاف المروة عرفاً، والشارع سيد ذوي المروات، فمقتضاه الرخصة في ترك الوضوء(46). وهو وان ذكر في الباب روايات إلاّ أن (لا ضرر) قد لا تكون قاصرة أيضاً. ثم إنه قد يقال بعدم الفرق ـ لو قلنا بأن تضرر الغير أيضاً رافع للتكاليف ـ بين كون التكليف بالنسبة إلى نفس الشخص، أو بالنسبة إلى غيره. مثلاً: لو سبّب انفاق زيد على أبيه الفقير، الواجب عليه نفقته، تضرر اجنبي بغيابه عنه وسرقة أمواله، فيجوز لزيد ترك الانفاق على أبيه ليبقى عند الاجنبي حتى لا يتضرر بغيابه عنه، وذلك فيما إذا لم يتضرر الأب لترك الانفاق عليه من جهة أخرى مثلاً، والا كان من باب تعارض الضررين. أو كانت المضاجعة مع زوجته سبباً لتضرر شخص مريض في جواره يؤدي غيابه عنه إلى تضرره، أو نحو ذلك. ووجه عدم الفرق الاطلاق، وعدم خصوصية كون طرف التكليف، الشخص نفسه أو غيره، وان الناشئ منه الضرر على الغير، الالزام الشرعي، فإذا كان (لا ضرر) حاكماً على أي الزام شرعي ينشأ منه الضرر، كان ما نحن فيه منه، لكن الحكم بذلك كله مشكل، وفي بعض صوره ممنوع، والله العالم. |
|
2ـ وسائل الشيعة: ج 8، ص 241، ح 3. 3ـ المصدر السابق: ج 9، ص 137، ح 3. 5ـ وسائل الشيعة: ج 9، ص 167، الحديث 8. 6ـ وسائل الشيعة: ج 9، ص 167، الحديث 7. 7ـ وسائل الشيعة: ج 18، ص 229، ح 1. 8ـ وسائل الشيعة: ج 18، ص 249، ح 2. 9ـ وسائل الشيعة: ج 5، ص 488، ح 1 و 3. 10ـ وسائل الشيعة: ج 9، ص 166، ح 1. 11ـ وسائل الشيعة: ج 18، ص 166، ح 3. 12ـ وسائل الشيعة: ج 10، ص 68، ح2. 13ـ وسائل الشيعة: ج 11، ص 479، ح11. 14ـ وسائل الشيعة: ج 11، ص 475، ح 9. 15ـ وسائل الشيعة: ج 11، ص 402، ح 8. 16ـ بحار الأنوار: ج 75، ص 411، ح 59. 17ـ وسائل الشيعة: ج 16، ص 162،ح1. 19ـ المصدر السابق: ص 164، ح 11. 22ـ المصدر السابق: ص 165، ح 16. 23ـ جواهر الكلام: ج 16، ص 346. 24ـ جواهر الكلام: ج 5، ص 102، 103. 26ـ العروة الوثقى: ج 2، ص 454. 27ـ العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام / المسألة 65. 30ـ العروة الوثقى: بحث التيمم، مسوغات التيمم، مسألة 14. 32ـ جواهر الكلام: ج 21، ص 373. 33ـ شرح تبصرة المتعلمين: ج 6، ص 539. 34ـ أنوار الفقاهة، كتاب الحج، ص 209 (مخطوط). 35ـ مستمسك العروة الوثقى: ج 10، ص 178. 36ـ شرح تبصرة المتعلمين: ج 6، ص 539. 40ـ أنوار الفقاهة: كتاب الحج، ص 210. 41ـ كفاية الأصول: الطبعة الجديدة، ص 104. 42ـ وسائل الشيعة: ج 16، ص 162، كتاب الإيمان، باب 12، ح 3. 43ـ بحار الأنوار: ج 75، ص 411، باب التقية والمداراة، ح 59. 44ـ العروة الوثقى، باب التيمم، مسألة 1. |