|
التتمة
1
2 3 4
5 6 |
|
نقد القول الرابع |
|
وفيه: أما الحرج، فعمدة دليله قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)
وظهوره في الرخصة واضح، فإن (جعل عليكم) هو الإلزام، ورفع الإلزام معناه
الرخصة، إذ رفع اصل القانونية لا يقال فيه (ما جعل عليه) لظهور على في الضرر،
بل يقال: (ما جعل له) أي ما اجازه.
ويوضح ذلك الالتفات إلى الجملة بدون (ما) النافية: (جعل عليكم في الدين
حرجاً) معناه الإلزام لا الرخصة، فإذا دخل (ما) نفى هذا الإلزام لأن أداة
النفي تنفي ما كانت الجملة ـ بلا نفي ـ ظاهرة فيه.
وهذه الآية الكريمة نظير الروايات التي فيها: (جعل عليه) الدال على الإلزام
واليك نماذج منها:
(رجل جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة...)(1).
(رجل جعل عليه صوم شهر...) (2).
(رجل جعل على نفسه أن يصوم إلى أن يقوم قائمكم...) (3).
(عن رجل جعل عليه مشياً إلى بيت الله...) (4).
ويؤيده قصة عمرو بن جموح الذي كان اعرج، وقد وضع الله تعالى الجهاد عنه بلفظ
(ولا على الاعرج حرج) ومع ذلك لما أراد الجهاد أجازه النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم).
ففي البحار نقلاً عن محمد بن عمر الواقدي، صاحب المغازي المشهور المعاصر
للرضا عليه السلام، أنه قال:
(وكان عمرو بن الجموح رجلاً اعرج، فلما كان يوم أحد، وكان له بنون أربعة
يشهدون مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المشاهد أمثال الاسد، أراد قومه
أن يحبسوه وقالوا: أنت رجل اعرج، ولا حرج عليك، وقد ذهب بنوك مع النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم)، قال: بخّ، يذهبون إلى الجنة وأجلس أنا عندكم، إلى أن
قال: فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أما أنت فقد عذرك الله ولا
جهاد عليك، فأبى، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لقومه وبنيه: لا
عليكم أن تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة...)(5).
الشاهد في: أن رفع الجهاد في القرآن ذكر بلفظ: (ولا على الأعرج حرج) ومع ذلك
صرح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن الرفع رخصة واعذار، لا عزيمة
والزام، وإلا لما أجاز له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجهاد.
ونحو ذلك بقية الآيات الكريمات التي ورد فيها مادة (جعل على) وظهورها في ما
ذكرنا واضح، نذكر نماذج منها:
(كتاب انزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه)(6) وظهورها في عدم الإلزام واضح.
(ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج)(7).
(ليس على الاعمى حرج، ولا على الاعرج حرج، ولا علىالمريض حرج، ولا على انفسكم
أن تأكلوا من بيوتكم... الخ)(8).
(لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم إذا قضوا منهنّ وطراً)(9).
وهكذا ما ورد في تفاسير هذه الآيات من الروايات الظاهرة في رفع الالزام فقط،
لا تبديل الالزام. |
|
بعض الاعاظم: الرخصة
نقد النائيني له بامرين |
|
ورده المحقق النائيني بوجهين:
احدهما: أن الوجوب والتحريم امران بسيطان، فلا يعقل ارتفاع بعض اجزائه وبقاء
الآخر.
ثانيهما: انه يستلزم صيرورة ما في الطول في العرض، كالتيمم الذي هو في طول
الغسل والوضوء يصير في عرضهما وفي رتبة واحدة، إذ المكلف القادر على الماء لا
يصدق عليه (فلم تجدوا ماءاً). |
|
مناقشة الوجه الأول: أولاً |
|
ولكن ربما يناقش الوجه الأول أولاً بأن كون الوجوب بسيطاً بهذا المعنى لم
يظهر، والظهور هو الحجة، إذ الوجوب ظاهر في أنه أمر واحد عرفاً لكنه ذا جزئين
واقعاً وعقلاً، ويجوز في مقام الثبوت رفع كلا الجزئين منه أو رفع جزء واحد،
نظير الدينار الذي هو عرفاً شيء واحد، لكنه ـ اعتباراً ـ عبارة عن عشرة
دراهم، فيجوز عند إعطاء الدينار، سحب كله، أو سحب بعضه، وحيث أن التكاليف
أمور اعتبارية فهي خاضعة للاعتبار.
وبعبارة أخرى: المركب الواقعي اعطى اعتباراً للبسيط. |
|
مناقشة الوجه الأول: ثانياً |
|
وثانياً: يمكن تقييد اطلاقات (لا ضرر) بأن يقال: (لا ضرر) مختص بالموارد التي
لا يريد المكلف الإقدام على الضرر، أما لانصراف (لا ضرر) إليه فقط، وأما لأن
ما يقدم عليه المكلف لا يعد عرفاً ضرراً، وأما لغير ذلك.
واشكال لزوم الدور مندفع بمثل القصر والتمام والجهر والاخفات ونحوهما. |
|
مناقشة الوجه الأول: ثالثاً |
|
وثالثاً: نسلم أن الأمر بسيط، وهو الطلب، واستفادة عدم جواز الترك إنما كانت
ـ لا من نفس الطلب ـ بل من عدم الدليل المرخص في الترك، فإذا وجد دليل مرخص
في الترك ـ كلا ضرر ولا حرج لعدم الإشكال في دلالتهما على ترخيص الترك ـ لم
يبق مجال لعدم جواز الترك، لقيام الدليل على الجواز، المستلزم لسقوط اصل عدم
جواز الترك.
فطلب الوضوء مثلاً قبل وبعد أدلة نفي الضرر والحرج واحد، إلاّ أنه قبل نفي
الضرر والحرج لا مرخص في الترك، وبعده ثبت المرخص.
وبهذا يجاب عمّا في حاشية النائيني على مسألة 65 من حجر العروة من قول
الماتن: (الضرر والحرج انما يرفعان الوجوب لا اصل الطلب) فقال النائيني ـ قده
ـ في الحاشية:
(لم يعرف أن هذا الطلب المدعي ثبوته بعد رفع الوجوب استحبابي أو نوع آخر؟
وكيف تولّد عن رفع الوجوب ما لم يكن له عين ولا أثر سابق؟).
فإن الجواب عنه: أنه لم يتولد الطلب، بل كان ولم يزل، وإنما بلا ضرر ولا حرج
حصل المرخص في الترك.
وبعبارة أخرى: بتعدد الدال والمدلول نشأ التخيير بين الوضوء والتيمم مثلاً
وبين الحج وتركه، والصوم وتركه، والتقية وتركها، والمضطر إليه وعدمه، والمكره
عليه وضده، وهكذا... |
|
مناقشة الوجه الأول: رابعاً |
|
ورابعا: أجاب به بعض الأجلة وهو: أن وجوب الوضوء ـ مثلاً ـ ارتفع بالضرر
والحرج، لتقييد الوجوب بهما، فلا طلب اصلاً ولكن حيث أن الضرر والحرج رفعهما
امتنان وتسهيل وتفضل، فلو تحمل المكلف الضرر والحرج وأتى بالوضوء ـ مثلاً ـ
فلا اشتراط لهذا الوضوء بعدم الضرر والحرج، فيقبل تفضلاً، بدون أمر بتحمل
الضرر والحرج(10).
وفيه: لو لم يثبت وجوب الطلب، فلا دليل على هذا القبول التفضيلي بعد الإتيان،
ومقام الثبوت لا يفي بالاثبات. |
|
مناقشة الوجه الأول: خامساً |
|
وخامساً: وجود الملاك، وبيانه: أن الطلب لا يدعو إلى الانبعاث بما هو، بل
بكشفه عن وجود الملاك ولو حب المولى، فلو فرض عدم الطلب أما لمانع أو لعدم
الالتفات كما في الموالي العرفية، كفى ذلك الرجحان في الدعوة إلى الفعل وجعله
عبادة وهو نوع ارتكاز عقلائي يصدق معه الطاعة، ويؤيده ما يذكرونه في باب
الوصية والوقف والنذر وأخويه وغيرها من تعدد الداعي، ونحوه.
إن قلت: من سقوط الأمر يكشف سقوط الملاك.
قلت: الملاك اعم من الأمر، وجداناً، وبه روايات مثل: (لو لا أن اشقّ على أمتي
لأمرتهم بالسواك) و(لو لا قومك حديثوا عهد بالاسلام، لهدمت الكعبة وجعلت لها
بابين) وعدم ايجاب إحدى وخمسين ركعة في كل يوم، وهكذا.
ولو شك في سقوط الملاك، فالاستصحاب يقضي بالعدم.
وما ذكره بعض المراجع من: (أن دعوى وجود الملاك تخرّص على الغيب، إذ لا علم
لنا بالملاك بعد سقوط الأمر)(11).
ففيه: إن ظهور (لا ضرر) في الامتنان محرز عرفاً، لبقاء الملاك في التكاليف
حتى على القول بسقوطها، نعم لو كان تحمل الضرر حراماً، كخوف الهلاك، فأما لا
ملاك للوضوء حينئذ، وأما ملاك الوضوء مندكّ في ملاك التحريم.
إن قلت: ظاهر النفي (لا حرج ـ لا ضرر) نفي الشيء بذاته وجميع آثاره.
قلت أولاً: ظهور المورد في الامتنان ينافي رفع الملاك، بل المرتفع الإلزام
فقط.
وثانياً: ليس مطلق النفي ظاهراً في نفي الآثار، بل ظاهر النفي، نفي الأثر
الظاهر، مع ملاحظة المناسبات المركوزة في الأذهان، فالحطّاب لو قال: (لا شيء
في الصحراء) معناه: نفي الحطب فقط، والصياد لو قال ذلك، معناه: نفي الصيد
وهكذا، لا لنفي مطلق الأشياء.
وظاهر لا حرج ولا ضرر، نفي الإلزام بما يوجب الضرر والحرج، لا نفي الملاك بل
نفي الملاك ربما لا يستفاد منه. |
|
مناقشة الوجه الأول: سادساً |
|
وسادساً: قد يلاحظ على ما ذكره المحقق النائيني بما بنى عليه المحقق العراقي
ـ قدهما ـ في شرح التبصرة(12): من أن (لا ضرر) ليس قيداً للتكاليف، بل أن
التنافي بينهما من باب التزاحم، من أجل الحرمة التكليفية لتحمل الضرر، فوجوب
الوضوء لم يرتفع حتى يقول النائيني (إذا رفع الوجوب فمن أين جاء الطلب) بل
وجوب الوضوء باق حتى في حال الضرر الذي يحرم تحمله، فيتزاحم مع حرمة تحمل
الضرر، ويرجّح الأقوى، فإن كان الوجوب، وإلا الحرمة، وإن لم يكن رجحان، تخيّر
عقلاً.
ففي مثل تزاحم وجوب الإنفاق على واجبي النفقة، وحرمة بيع الخمر يرجّح جانب
الحرمة.
وفي مثل وجوب حفظ النفس عن الهلاك وحرمة شرب المتنجس يرجح جانب الوجوب.
وقد لا يرجح أحدهما لعدم الدليل على أحد منهما، فيخيّر عقلاً كوجوب حفظ الصحة
مع حرمة شرب المتنجس ـ مثلاً ـ على المشهور.
ونظيره ما نحن فيه، من تزاحم وجوب الوضوء وحرمة تحمل الضرر، فإن كان تحمل
الضرر حراماً لوحظ الأقوى منهما، وإن لم يدل دليل على الأقوى تخيّر،وإن كان
تحمل ذاك الضرر غير حرام، فلا ضرر مجوّز للترك، لا أنه مخصص ويرفع جواز
الوضوء.
إن قلت: فليكن الامتنان مثل الإفطار والقصر في السفر، وترك الحائض الصوم
والصلاة، بأن يكون الامتنان حكمة التشريع، لا علة الحكم.
قلت: الأصل في الامتنان عدم اللزوم للظهور في ذلك، وكونه حكمة التشريع لا علة
الحكم ـ مع الظهور ـ في الامتنانية غير منسجم، والظهور مقدم إذ كونه حكمة
التشريع اصل احتياطي عملي، يرفع اليد عنه بالظهور في الامتنانية.
ويؤيّده: التزام الفقهاء طراً، بحسن الاحتياط في مقابل كل الإمارات والأصول،
وعدم التزامهم بوجوب العمل بالأمارة والأصل لظهورها في الإرفاق والامتنان في
مقابل لزوم العلم، والإرفاق والامتنان ينسجمان مع الرخصة لا العزيمة.
وكذا في خياري الغبن والعيب، لم يوجب أحد من الفقهاء الأخذ بالخيار، بل
يجوزون تحمل الضرر، مع أن دليلهما على المشهور هو لا ضرر، فكيف كان لا ضرر
هناك رخصة وفي الصلاة عزيمة؟ |
|
ماذا ينوي في العبادة الضررية؟ |
|
ثم في الوضوء الضرري، والحج الضرري، والصوم الضرري، ونحوها هل ينوي الاستحباب
أم الوجوب؟
صريح بعض محشّي العروة في حاشيته عليها: الوجوب (13)، ولازمه التخيير وصريح
بعض الأجلة: أنه حصة خاصة لا الاستحباب(14) وظاهر الاستدلال جمع: بان الوجوب
اذا ارتفع لم يرتفع اصل الطلب وهو الاستحباب، بل صريح المستمسك في كتاب الحج:
الاستحباب(15).
والحق أن مقتضى القاعدة: القول بالوجوب التخييري، واستحباب اختيار المضر
والمحرج، ويؤيده: اختيار المعصومين عليهم السلام الضرر والحرج في العبادات
وما ورد من أن افضل الأعمال احمزها، ومنها: أن النبيّ (صلى الله عليه وآله
وسلم) كان ممراضاً.
نعم، ما ورد في بعض الاحاديث من (أن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ
بعزائمه(16) ربما ينفي حسن الالتزام بجانب الضرر. وسيأتي في التتمة الرابعة
تفصيل هذا البحث إنشاء الله تعالى. |
|
مناقشة الوجه الثاني |
|
وربما يرد على الثاني من اشكالي المحقق النائيني ـ قده ـ كون الطهارةالترابية
في طول المائية مطلقاً، حتى في حال اقدام المكلف، أول الكلام.
وبعبارة أخرى: بدلية البدل طولية مطلقاً غير واضح، بل ظاهر الامتنان حصر
البدلية في حدود إرادة المكلف.
مضافاً إلى أن الإلزام في (لا ضرر ـ ولا حرج) ضرر وحرج، فأي منّة في تحمل
المكلف الإلزام بدل الإلزام؟، فتأمل.
ويؤيّده: ما نشاهده من عدم الإرفاق في الإلزام بالتيمم مثلاً ـ دائماً ـ.
ففي هذه الأمور ـ وجامعها الضرر ـ يصرح بعض الفقهاء بانقسامها إلى الأحكام
الخمسة، ولو لا الرخصة لم ينقسم إليها، إذ المباح هو الذي بعوارض ينقسم إلى
الأحكام المختلفة. |
|
عبارات عدد من المحققين |
|
قال الشيخ الأنصاري في أول رسالته في التقية: (ان التقية تنقسم إلى الأحكام
الخمسة، فالواجب منها...) مع ان التقية قسم من الضرر، والاضطرار ونحوهما.
وقال الأخ الأكبر في الفقه ـ كتاب الصوم: (والظاهر أن الأحكام الثلاثة وجوباً
وحرمة وجوازاً (أي: وجوب الصوم في الضرر الخفيف، وحرمته في الشديد وجوازه في
المتوسط) مما لا ينبغي الإشكال فيها، كما يظهر من الحدائق والجواهر والمستند
ومنتهى المقاصد وغيرها)(17).
أقول: الذي يظهر من عبارات (المستند والجواهر والعروة ونجاة العباد ورسائل
الفقهاء) عدم هذا التفصيل، بل قولهم بالاطلاق (يبطل صوم المريض الذي يتضرر
بالصوم ويحرم عليه ويجب عليه الإفطار).
وكذا الشيخ الأنصاري في كتاب الصوم ورسالته صراط النجاة، ومجمع الرسائل
للمجدد الشيرازي ـ قدهم ـ وكل الحواشي.
وكذا كتاب الصوم من أنوار الفقاهة للشيخ حسن كاشف الغطاء ـ قده ـ.
ولكن صريح العروة في كتاب الحج الرخصة حيث قال: (فالاقوى ما ذكره في الدروس ـ
لا لما ذكره ـ بل لأن الضرر والحرج إذا لم يصلا إلى حدّ الحرمة، إنما يرفعان
الوجوب والالزام لا أصل الطلب، فإذا تحملهما واتى بالمأمور به كفى)(18).
وكذا صريحه أيضاً في بحث التيمم(19) قال: (وفي الثانية يجوز، ويجوز الوضوء أو
الغسل أيضاً) ومراده بـ(الثانية) تلف النفس المحترمة التي لا يجب حفظها وإن
كان لا يجوز قتلها أيضاً.
وكذا صريح الفقيه الهمداني حيث قال: (إن التيمم في الموارد التي ثبت جوازه
بدليل نفي الحرج رخصة لا عزيمة... وأما سائر الموارد التي ثبت جواز التيمم
فيها بغيره من الأدلة... كبعض موارد الضرر الذي يجوز تحمله لسائر الاغراض
العقلائية، فحكمه ما عرفت في موارد الحرج من كون التيمم فيه رخصة لا
عزيمة...)(20).
وصريح الشهيدين ـ أيضاً ـ الرخصة لا العزيمة ـ كما في صلاة الفقيه الهمداني ـ
قده ـ قال في شرح عبارة الشرايع: (يجوز للمصلي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف
مال، أو فوات غريم، أو تردي طفل، أو ما شابه ذلك)(21) وقال في المسالك: أو
المراد بالجواز معناه الأعم، ثم قال: فانّ قطعها لحفظ الصبي المتردّي واجب،
وكذا حفظ المال المضر فوته بحاله، وقطعها لاحراز المال اليسير الذي لا يضر
فوته مباح، ولإحراز المال اليسير الذي لا يبالي لفواته كالحبة والحبّتين من
الحنطة مكروه... فقطع الصلاة منقسم إلى الأحكام الخمسة.
ونحوه ما نقله عن الذكرى، قبل نقل ما عن المسالك.
ويؤيده خبر عقبة بن خالد ـ الذي رواه الشيخ بطريق صحيح إلى محمد بن يحيى، عن
محمد بن الحسين، عن محمد بن عبد الله بن هلال، عن عقبة بن خالد(22) عن أبي
عبد الله عليه السلام عن رجل صام شهر رمضان وهو مريض قال: يتم صومه ولا يعيد
يجزيه. ورواه الشيخ أيضاً بإسناده عن محمد بن الحسين مثله. |
|
حمل خبر عقبة بن خالد |
|
لكن قال في الجواهر: (وعلى ذلك (يعني المرض الذي لا يضره الصوم) ينزل خبر
عقبة بن خالد... ضرورة عدم جواز الصوم للمريض الذي يتضرر بالصوم بزيادة مرضه،
أو بطؤ برئه، أو حدوث مرض آخر، أو مشقة لا تتحمل أو نحو ذلك، وانه إذا تكلفه
مع ذلك لم يجزه، بل كان آثماً بلا خلاف اجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه،
والنصوص مستفيضة فيه، أو متواترة...)(23).
أقول: يجب حمل الاجماع والنصوص على المرض الذي يحرم تحمله في غير مورد الصوم
ايضاً، لا مطلق المرض الخاضع لـ(الناس مسلطون).
إذ كيف يصحّ تجويز تحمل الضرر في الغبن والعيب؟ والأكل الكثير، وقلة النوم،
وكثرة العمل ونحوها، ولا يجوز تحمل مثله من الضرر في الصوم والعبادات؟!
مع تحمل المعصومين عليهم السلام أمثاله، كالصوم ثلاثة أيام بلا إفطار، وسحور
إلاّ على الماء (ويطعمون الطعام...) وهم أسوة بلا إشكال. |
|
كلمات أخر للمحققين |
|
ومال إلى الصحة صاحب الجواهر أخيراً في وضوء المتضرر بالماء، قال: (ثم بناءاً
على سواغ التيمم له لو خالف وتطهر، ففي الأجزاء نظر، ينشأ من حرمة ايلامه
نفسه وعدمها، ولعل الأقوى عدم الحرمة، فيجزي حينئذ وإن كان لا وجوب للطهارة،
لكن يكفي رجحانها في حد ذاتها إن قلنا بعدم منافاة الندب للحرج، وبعدم ظهور
الأدلة (أي الخاصة في المقام) في عدم مشروعية الطهارة لمثله)(24).
وفي الجواهر أيضاً نقلاً عن صاحب الوسائل: (وجوب تحمل الضرر اليسير، في الأمر
بالمعروف، واستحباب تحمل الضرر العظيم)(25).
وفي شرح التبصرة للعراقي، قال: (والشرط الرابع انتفاء المفسدة وحينئذ فمع
ترتب المفسدة المزبورة لا يجب الإنكار)(26) الشاهد في قوله: (لا يجب الإنكار)
ولم يقل: (لا يجوز).
وقد نقل في مفتاح الكرامة ـ في بحث التيمم ـ عبارات الأصحاب وكلها تدور حول
جواز التيمم وعدم جوازه ومواردهما، ولم أجد عشرات العبارات نقل الوجوب عن
احداها(27).
واحتمال أنه مما لو جاز وجب، وتعبيرهم بالجواز قرينة وجوب التيمم، مدفوع بعدم
الظهور أولاً، وثانياً عبّر بعضهم بلفظ الرخصة، كما عن كشف اللثام قال: (لا
بأس به (أي بجواز التيمم للجبن والخوف) إذاٍ اشتد بحيث يدخل في المشقة
المسوغة للرخصة)(28).
ونحوه ما عبر به جمع منهم من كون التيمم رخصة واليك نقل بعض تلك العبارات:
الخلاف: (الاجماع على جواز التيمم له (اي للمريض)).
المعتبر: (مذهبنا جواز التيمم اذا خاف الزيادة...).
حاشية الارشاد للمحقق الثاني: (فلو خاف صداعاً أو وجع ضرس جاز التيمم على
الأصح).
المدارك: (فانه مع الضرورة والمشقة الشديدة يجوز التيمم عند الجميع... ومع
انتفاء المشقة وسهولة المرض، لا يجوز التيمم عند الجميع...).
جامع المقاصد: (واطلق الأصحاب جواز التيمم لخوف الشين).
روض الجنان: (فانه (أي البرد المؤلم) مسوّغ للتيمم) وهكذا غيرها والله
العالم. |
|
أدلة أخرى على كون (لا ضرر) رخصة
1ـ وحدة (لا ضرر) في العبادات والمعاملات |
|
قولنا: لا ضرر في العبادات عزيمة، وفي المعاملات رخصة، خلاف الوحدة المستفادة
منه عرفاً ـ وليس ذلك بناء على قولهم: بأنه من استعمال اللفظ في معنيين،
لعدمه، ولعدم الإشكال فيه عندنا ـ. |
|
2ـ ظاهر روايات (لا ضرر) الرخصة |
|
ظاهر الموارد المذكور (لا ضرر) فيها هو الرخصة لا العزيمة.
الأول: مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) للانصاري: (اذهب فاقلعها وارم بها
إليه، فانه لا ضرر ولا ضرار).
أ. فهل يلتزم بوجوب قلعها ورميها إليه؟
ب. أو يلتزم بعدم وجوب القلع وكونه رخصة، ويلتزم بعزيمية (لا ضرر) المعلوم
علّيته للقلع والرمي، ليكون المعنى: (حيث أنه يحرم تحمل الضرر، يجوز لك قلعها
ورميها)؟
ج. أم يلتزم بالرخصة في كليهما، وهو المطلوب؟
الثاني: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالشفعة بين الشركاء في
الارضين والمساكن وقال: (لا ضرر ولا ضرار) فهل يلتزم بوجوب الشفعة...؟ أم...؟
أم...؟ ونحوهما غيرهما... |
|
3ـ
تحمل المعصومين (عليهم السلام) الإضرار |
|
ما يظهر من متواتر الروايات في الأبواب المختلفة من تحمل المعصومين عليهم
السلام الضرر في العبادات وغيرها، في الطهارة، والصلاة والصوم، والحج، والأمر
بالمعروف، ونحوها، كتورم قدمي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واصفرار وجهه،
من كثرة الصلاة عشر سنين على اصابع رجليه، وشدّ النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) نفسه بحبل في الصلاة من أول الليل إلى آخر الليل ـ مجمع البحرين سورة
طه ـ.
وكقيام علي عليه السلام لصلاة الليل وهو لا يتمالك نفسه من شدّة الضعف وقلة
النوم فيمسك الحائط بيده حتى لا يسقط، وتضرعه وبكائه من خشية الله تعالى حتى
كان يغشى عليه في كل ليلة.
وكعبادة السجاد والكاظم عليهما السلام حتى كانا كالشنّ البالي، تحركهما
الرياح.
وكجراحة قدمي المجتبى عليه السلام في المشي إلى الحج، والصوم بلا إفطار ولا
سحور ثلاثة أيام ـ وهو مضر قطعاً للبدن وإن كان ضرراً يسيراً، وحرج ـ.
وكبكاء يحيى عليه السلام حتى اذهب الدمع لحم خديه، والبكاؤون خمسة:
آدم عليه السلام بكى على فراق الجنة حتى صار على خديه مثل النهرين... الخ. |
|
4ـ
طائفة من الروايات |
|
طائفة من الروايات: منها: ما رواه في الوسائل عن رسالة المحكم والمتشابه
للسيد المرتضى، عن تفسير النعماني، عن علي عليه السلام ـ وفي السند الحسن بن
علي بن أبي حمزة البطائني ـ قال:
(وأما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار، فإن الله نهى المؤمن أن يتخذ الكافر
ولياً ثم منّ عليه بإطلاق الرخصة له عند التقية في الظاهر أن يصوم بصيامه
ويفطر بافطاره ويصلّي بصلاته ويعمل بعمله، ويظهر له استعمال ذلك موسعاً عليه
فيه.
وعليه أن يدين الله تعالى في الباطن بخلاف ما يظهر لمن خالفه من المخالفين
المستولين على الأمة،قال الله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين وأولياء من
دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلاّ أن تتقوا منهم تقاة،
ويحذركم الله نفسه)(29) فهذه رخصة، تفضّل الله بها على المؤمنين رحمة لهم
ليستعملوها عند التقية في الظاهر.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الله يحب ان يؤخذ برخصه، كما
يحب أن يؤخذ بعزائمه)(30).
وصراحته في الامتنان والرخصة في التقية لا ينكر، وحيث إن ظاهره كونه لأجل
الضرر في التقية لا لشيء آخر ـ فالتقية نوع من الضرر كما سبق، وقد صرّح بذلك
في بعض الأخبار ـ فهذا الظهور شامل لكل أنواع الضرر، للظهور في أن التقية
موردٌ لا قيدٌ.
ولا ينافي هذا الظهور تفرد (التقية) بأحكام خاصة، لأدلة خاصة فيها.
ومنها: ما رواه في المستدرك في كتاب الأمر بالمعروف ـ عن الإمام العسكري عليه
السلام في تفسيره في حديث: (إن سلمان أظهر حقائق لليهود ـ إلى أن قال ـ
فقال اليهود لسلمان: ويحك أليس محمد قد رخّص لك بأن تقول كلمة الكفر به، بما
تعتقد ضده للتقية من أعدائك، فما لك لا تقول ما يفرج عنك للتقية؟
فقال سلمان: قد رخص لي ذلك، ولم يفرضه عليّ، بل أجاز لي ان لا أعطيكم ما
تريدون واحتمل مكارهكم، وجعله أفضل المنزلتين وانا لا اختار غيره.
ثم قاموا إليه بسياطهم، وضربوه ضرباً كثيراً وسيّلوا دماءه...)(31).
وهو صريح في الرخصة، بل وفي أفضلية اختيار الضرر إذا كان مثل سيلان الدم
ونحوه.
ومنها: مرسل العوالي ـ رواه المستدرك: (ان مسيلمة الكذاب أخذ اثنين من
المسلمين، فاتقى أحدهما في كلامه ونجى، ولم يتق الآخر وقتله، فبلغ ذلك رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أما الأول فقد أخذ برخصة الله...)(32).
(ومنها) غير ذلك وهو كثير)(33). |
|
تفصيل مبنوي |
|
ثم إذا قلنا بأن الإضرار بالنفس حرام مطلقاً إلاّ ما خرج بدليل، فلا ضرر
عزيمة.
وإن قلنا بعدمه إلاّ ما خرج بدليل، فلا ضرر رخصة، وقد ذهب إلى المبنى الأول
المحقق النراقي ـ قده ـ في أول كتاب الأطعمة من المستند، وتبعه بعض
المعاصرين.
لكن فيه أولاً: المبنى غير مشهور وغير منصور، فإن الأصل في الإضرار الجواز،
إلاّ ما خرج بدليل، لقاعدة الناس مسلطون على أنفسهم، ومكان بحثه أول الأطعمة
والأشربة، وسيأتي منّا بحثه إنشاء الله تعالى.
وثانياً: على فرض أصل جواز أو عدم جواز الإضرار بالنفس يأتي الكلام أيضاً في
ان (لا ضرر) بالخصوص ظاهر في العزيمة أم الرخصة؟ ولذا مثل النائيني ـ قده ـ
الذي لم يظهر منه القول بأصالة حرمة الإضرار بالنفس قال بالعزيمة، وهكذا غير
النائيني، وسيأتي تفصيل البحث انشاء الله تعالى. |
|
(تتمات)
(التتمة الأولى)
مقتضى الرخصة |
|
مقتضى كون لا ضرر رخصة إلاّ ما خرج بدليل هو انقسامه إلى ما يلي باختصار:
1 ـ تحمل كل أنواع الضرر البدني جائز في العبادات والمعاملات والأحكام إلاّ
في موارد، دل على استثنائها أدلة، مثل:
أ ـ قتل الإنسان نفسه.
ب ـ تلف عضو أو قوة.
ج ـ الأضرار العظيمة كفقد الصحة.
د ـ مرض أمَدُهُ عشر سنين مثلاً، وحمى ملازمة للعمر، ونحوهما.
2 ـ تحمل كلّ أنواع الضرر المالي جائز، إلاّ إذا صدق عليه التبذير والإسراف،
أو صادف حراماً آخر.
3 ـ الاضرار بالغير غير جائز مطلقاً، لا في بدنه ولا ماله ولا عرضه، إلاّ ما
خرج بدليل كإزالة بكارة الزوجة ونحو ذلك.
4 ـ تحمل الضرر العرضي على قسمين:
أحدهما: القليل مثل السب ونحوه، فهو جائز بلا إشكال.
ثانيهما: الكثير المعبر عنه في بعض الأحاديث بالاذلال، فهل يجوز ويصح معه
الوضوء والغسل والحج ونحوها أم لا؟
والظاهر: جوازه مطلقاً منة، أو ذلة، أو غيرهما، إلاّ فيما إذا حرم شرعاً
تحمله بتلك المرتبة، ففي المستفيضة ـ ولعلها المتواترة معنى ـ موثق سماعه عن
الصادق عليه السلام: (إن الله عز وجل فوّض إلى المؤمن أموره كلها، ولم يفوّض
إليه أن يذل نفسه)(34) ـ حرمة تكليفية فقط ـ.
قال في العروة: (كما أنه لو وهبه (أي الماء) بلا منة ولا ذلة وجب
القبول)(35). |
|
(التتمة الثانية)
لو شك في الرخصة والعزيمة |
|
لو شك في (لا ضرر) انه رخصة أو عزيمة؟ فهو على أقسام:
الأول: ما لو كان من جهة اجمال (لا ضرر) والأصل فيه عدم العزيمة، لكونه من
الدوران بين التحريم وغير الوجوب في الشبهة الحكمية، والأصل فيها البراءة،
وهذا الأصل لا يثبت كونه رخصة، بل ويرفع كونه عزيمة، وبتبعه ترتفع أحكام
العزيمية.
الثاني: الشك في حرمة تحمل مثل هذا الضرر، كحمّى شهر مثلاً، فلو توضأ أصيب
بحمى شهر مثلاً فهل هذا ضرر يحرم تحمله أم لا؟
والأصل العدم، لأنه أيضاً شبهة حكمية.
الثالث: الشك في موضوع الضرر عرفاً، كما لو كان التوضؤ مستلزماً لسرقة دينار
منه وشك في أن مثله ضرر عرفاً، أم لا؟
وهذه شبهة موضوعية، الأصل فيها العدم، لكن بعد الفحص عندنا، وبلا فحص عند
مشهور المتأخرين عن الشيخ.
الرابع: هل الضرر مما فيه الهلاك أم لا؟
وهذه أيضاً شبهة موضوعية، والأصل فيها العدم، لكن بعد الفحص حتى عند القوم،
لكونه مثله مما يقع في خلاف الواقع فيه كثيراً لو بنى على عدم الفحص والله
العالم. |
|
(التتمة الثالثة)
تعارض ضرري شخص واحد |
|
لو تعارض ضرران: في شخص واحد، فهو على صور آتية:
الأولى: ان كانا عزيمتين أو رخصتين، ولم يكن ترجيح تخيّر، كما لو دار أمره
بين الوضوء وخوف الهلاك وعدم الوضوء وخوف القتل، أو دار أمره بين الوضوء
وسرقة نصف دينار منه وبين عدم الوضوء وتحمله سبة من شخص.
الثانية: إذا كان ترجيح عقلي أو شرعي ـ ولو محتمل الأهمية بناءً على الترجيح
به ـ فهو المقدم.
الثالثة: ان كان أحدهما رخصة والآخر عزيمة، قدم العزيمة بلا إشكال، كما لو
دار أمره بين الوضوء مع خوف الهلاك وبين ترك الوضوء وسرقة دينار منه.
الرابعة: وان كان أحدهما رخصة والآخر مشكوك الرخصة والعزيمة، كدوران الأمر
بين الوضوء وحمّى شهر، وترك الوضوء وخسارة دينار، فالظاهر: التخيير فيه بعد
جريان أصل البراءة في مشكوك العزيمة.
نعم، على القول بترجيح محتمل الأهمية، يقدم مشكوك العزيمة على متيقن الرخصة،
فتأمل.
الخامسة: وان كان أحدهما عزيمة، والآخر مشكوك العزيميّة، قدّم العزيمة بلا
إشكال مثل ما لو دار الأمر بين الوضوء وحمّى شهر، وترك الوضوء والهلاك والله
العالم.
السادسة: وان كانا مشكوكي الرخصة والعزيمة فالتخيير أيضاً، إلاّ مع احتمال
الأهمية في طرف فيرجح على القول بالترجيح به.
وسيأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ تفصيل مسائل وفروع تعارض الضررين في التنبيه
الثاني. |
|
(التتمة الرابعة)
على الرخصة ما ذا ينوي؟ |
|
هل على الرخصة وبقاء الطلب أو الملاك يأتي بالعمل بقصد الوجوب المعيّن؟ أم
الاستحباب؟ أم الوجوب التخييري؟ أم أنه حصة خاصة، لا الاستحباب ولا الوجوب؟
أم التفصيل بين العبادات فالاستحباب، وبين وغيرها فالوجوب؟
وجوه، بل أقوال ـ وقد مضى آنفاً اجمال البحث عن ذلك، ونعيده هنا بزيادة
فنقول:
1 ـ صريح بعض الأعلام من محشّي العروة في حاشيته عليها في كتاب الحج: الوجوب،
ولم يقيده بالتخييري(36).
2 ـ وظاهر استدلال جمع ـ بأن الوجوب يرتفع بالضرر، ولا يرتفع أصل الطلب، أو
الملاك ـ هو الاستحباب، بل صرّح بالاستحباب في كتاب الحج من المستمسك(37).
3 ـ وصريح بعض الأجلة: (انه حصة خاصة من الطلب لا الاستحباب).
4 ـ وظاهر العروة ـ في غير مورد: التخيير، مثل مسألة / 21 من التيمم قال:
(ففي بعض صور خوف العطش يجب حفظه الماء ... وفي بعضها يجوز حفظه ولا يجب مثل
تلف النفس المحترمة التي لا يجب حفظها وان كان لا يجوز قتلها أيضاً... وفي
بعضها يحرم حفظه... وفي الثانية يجوز (يعني التيمم) ويجوز الوضوء أو الغسل
أيضاً.
وهذا ظاهر في التخيير بين التيمم وبين الوضوء أو الغسل.
وهذا هو الذي استفاده المحقق النائيني من المتن، ولذا رد التخيير بقوله في
الحاشية: (مالا يبعد جوازه هو اعدام الماء بصرفه على ذلك الحيوان فينتقل
التكليف إلى التيمم، أما التخيير بين الطهارتين مع التمكن من الماء عقلاً
وشرعاً، فقد تقدم انه لا يبعد القطع بعدمه).
وهذا الذي اجازه النائيني ـ قده ـ من جواز سقي الحيوان إنما هو على مبناه
المذكور في حاشية التيمم مسألة / 13 ـ من جواز اراقة الماء الذي ليس عنده
غيره قبل الوضوء عمداً حتى يلتجئ إلى التيمم، خلافاً لصاحب العروة ومعظم
المعلقين. |
|
التخيير شرعي |
|
ثم إن الظاهر كون التخيير هنا شرعياً ـ لا عقلياً ـ إذ التخيير العقلي إنما
هو في موردين:
1 ـ الدوران بين المحذورين.
2 ـ التخيير بين مصاديق الكلي الواحد ـ بناءاً على كون الحكم فيه بالإطلاق
للعقل لا الشرع ـ.
وما نحن فيه ليس من الدوران المحذورين، إذ ليس في البين محذور أصلاً، ولا من
الكلي والمصاديق إذ ليس المأمور به شرعاً كلياً له مصاديق.
اللهم إلاّ إذا استفيد من جمع الأدلة كون مطلوب الشارع كلياً له مصداقان
الطهارة المائية والترابية، وإثباته غير واضح الدليل.
مع أن هذه الاستفادة من الأدلة لا تأتي إلاّ فيما له بدل، كالطهارة المائية
والترابية، وكالقيام في الصلاة والجلوس، وكصوم شهر رمضان وقضائه، ونحوها.
أما ما لا بدل له كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الضرري، والحج الضرري
فيما لم تبقَ الاستطاعة في السنة الآتية، فلا فردين حتى يتصور جامع بينهما
ولا جامع بين الوجود والعدم.
التتمة.... |
|
1ـ وسائل الشيعة: ج7، ص140، حديث4.
2ـ وسائل الشيعة: ج7، ص276، حديث1.
3ـ وسائل الشيعة: ج7، ص282، حديث3.
4ـ وسائل الشيعة: ج8، ص61، حديث9.
5ـ بحار الأنوار: ج20، ص130.
6ـ سورة الاعراف/ 2.
7ـ سورة التوبة/ 91.
8ـ سورة النور/ 61.
9ـ
سورة الاحزاب/ 37.
10ـ مهذب الأحكام: ج12، ص134.
11ـ
التنقيح: ج5، ص412.
12ـ شرح التبصرة: ج1، كتاب الطهارة، باب التيمم، ص212، سطر8.
13ـ العروة/ الحج/شرائط وجوب الحج، المسألة 65، الحاشية.
14ـ مهذب الاحكام، ج2، ص133.
15ـ مستمسك العروة الوثقى: ج10، ص185، سطر2.
16ـ وسائل الشيعة: ج1، ص81، ح1.
17ـ
الفقه، ج2، من كتاب الصوم، ص51.
18ـ العروة الوثقى، كتاب الحج، ج2، ص457، مسألة 65.
19ـ العروة الوثقى، كتاب الطهارة، ج1، فصل في التيمم، مسألة 21.
20ـ مصباح الفقيه، كتاب الطهارة، ص463.
21ـ مصباح الفقيه، كتاب الصلاة، ص427، سطر9.
22ـ
السند كله معتبر ـ في الطريقين ـ إلاّ محمد بن عبد الله بن هلال، وقد تقدم
بحثه، ص48.
23ـ جواهر الكلام: ج16، ص345.
24ـ جواهر الكلام: ج5، ص111.
25ـ جواهر الكلام: ج21، ص372.
26ـ شرح التبصرة: ج6، ص538.
27ـ مفتاح الكرامة: ج1، ص524-523.
28ـ
مفتاح الكرامة: ج1، ص522.
29ـ وسائل الشيعة/ ج1، ص81، ح1، والآية في آل عمران/ 28.
30ـ المصدر السابق.
31ـ و 2 ـ مستدرك الوسائل: ج 2، كتاب الأمر بالمعروف، باب 28، ح 2 و12، ج12 /
ص 269 الطبعة الجديدة.
32ـ
المصدر السابق.
33ـ انظر الوسائل / كتاب الأمر بالمعروف / أبواب الأمر والنهي / الباب 29 /
الأحاديث 3 و 4 و 7 و 12.
34ـ الوسائل / الأمر بالمعروف / أبواب الأمر والنهي / الباب 12 / والمستدرك
الباب 11، ونحو ذلك في الكتابين في أبواب الصلاة، والزكاة والقضاء، وغيرها.
35ـ العروة الوثقى، مسوغات التيمم: مسألة 17.
36ـ العروة الوثقى / الحج: ج 2 ص 457.
37ـ مستمسك العروة الوثقى: ج 1، ص 185 سطر 2. |