|
التخيير استمراري |
|
ثم إن مقتضى عدم الدليل على التقييد، كون التخيير استمرارياً، فيجوز له تحمل الضرر والوضوء أو الغسل مرة والصلاة به، ويجوز التيمم لصلاة أخرى، إذ لا مقيد لامتنانية لا ضرر ولا حرج، بل يجوز ذلك في العمل الواحد أيضاً، كمن يحرج عليه القيام في الصلاة فيقوم في ركعة، ويقعد في أخرى، ويقوم في ثالثة ويقعد في رابعة، بل في ركعة واحدة يجوز التبعيض بالقيام في أوله، والقعود في آخره، أو العكس، أو التلفيق إذا لم يصل إلى حد الخروج ـ عرفاً ـ عن رسم الطاعة إلى اللعب فيشكل الأمر، والله العالم. 5 ـ التفصيل بين العبادات فالاستحباب. وبين غيرها فالوجوب ـ ذكره في المستمسك ذيل مسألة / 18 من التيمم(1) ـ واستدل على الشقين بدليلين: أما الوجوب في غير العبادات، كوجوب الانفاق على الارحام، فلأن مقتضى امتنانية (لا ضرر ولا حرج) عدم شمولهما للمُقدِم على الضرر والحرج، إذ لا امتنان ـ مع الاقدام ـ على رفع التكليف إذا تكلفه المكلف، لأنه خلاف الامتنان. وأما الاستحباب في العباديات: فلأن عبادية العبادة متوقفة على صدورها عن داعي الأمر، فإن كان الأمر وجوبياً كان حرجاً وضرراً ولا حرج ولا ضرر، فلا أمر وجوبي ـ فإن لم يكن أمر استحبابي أيضاً ـ فتبطل العبادة، وان كان أمر استحبابي صحت العبادة. وفي الدليلين نظر. أما الأول: فلأنه لا تنافي بين الامتنان وبين رفع الالزام، بل رفع الالزام عين الامتنان، وإنما التنافي بين الامتنان ورفع المشروعية والصحة، فالانفاق الحرجي والضرري وجوبه مرتفع لا مطلوبيته، بل ظاهر الامتنان ـ كما سبق ـ هو هذا، يعني رفع صرف الالزام. وأما الثاني: فالحرج يلزم من الوجوب التعييني، لا التخييري الذي التزمه صاحب العروة وآخرون، فيكون المقام نظير الظهر والجمعة على التخيير بينهما، فلاحظ. هذه هي الوجوه والأقوال الخمسة بناءً على كون (لا ضرر) رخصة. |
|
تفصيل آخر في المقام |
|
أقول: مقتضى القاعدة التزام تفصيل في المقام ـ وربما يرجع إليه بعض ما خالفه من الأقوال الخمسة، باعتبار ذكرها لبعض الاطراف على سبيل القضية المهملة، لا مطلقاً وعلى العموم ـ وهذا التفصيل ذو أربع شعب: 1 ـ بين ما كان للواجب أو الحرام الذي صار ضرورياً بدل، فيلتزم فيه بالتخيير بينه وبين بدله. مثل الوضوء والغسل الضرريين، فيتخير بينهما وبين التيمم، ومثل القيام الضرري في الصلاة، فيتخير بينه وبين القعود، ومثل صوم شهر رمضان الضرري، فيتخير بينه وبين القضاء، ومثل ابطال الصلاة الضررية، فيتخيّر بين الاستمرار على الصلاة مع الضرر وبين ابطالها واعادتها أو قضائها. 2 ـ وبين ما لم يكن للواجب أو الحرام الذي صار ضررياً بدل، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الضرريين، فإنه لا معنى للتخيير اصطلاحاً بل لا وجوب فيصيران مع الضرر جائزاً، لا واجباً حتى التخييري منه. 3 ـ وبين العبادة لا بدل لها، كالمستطيع مالاً الذي يضره الحج ولا يمكنه الاستنابة، ولا يستطيع في العام الآتي، كالمريض الذي بذل له شخص الحج، وفي هذا لا معنى للوجوب التعييني، ولا التخييري، بل جواز الاتيان، فلو اتى كان واجباً تعيينياً، وعدّ حجة الإسلام، لعدم البدل فلا تخيير في الوجوب ولا دليل خاص على الاستحباب. 4 ـ وبين المعاملات كـ (اوفوا بالعقود) لو صار ضررياً بغبن، أو عيب، أو غيرهما، فيسقط الوجوب، ويبقى الجواز. والواجبات والمحرمات الأخرى، كقطع الرحم، والخلوة بالأجنبية، وطاعة الوالدين، ونحوها، لو صارت سبباً للضرر سقط الالزام فيها، ويبقى الجواز، وهو التخيير العقلي. |
|
موارد المطلوبية الذاتية |
|
ثم إن الالزامات المستفادة من أدلتها مطلوبية متعلقاتها الذاتية للشارع، يمكن التزام استحبابها بعد صيرورتها ضررية، كالصوم، والحج، والوضوء والغسل من العبادات، وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطاعة الوالدين، والانفاق على الأرحام، ونحو ذلك. ويمكن أن يستدل لذلك بوجوه: 1 ـ لظهور الملاك في المطلوبية الشرعية. 2 ـ ولسيرة المعصومين عليهم السلام من تحمل الاشق والمضر ونحوهما، وعدم الترك للواجبات والمحرمات بمجرد صيرورتهما ضرريين. 3 ـ ولرواية مرسلة: (ما عرض على عليّ عليه السلام عملان، لله فيهما رضى إلاّ اختار الاشق منهما). 4 ـ ولقوله عليه السلام في المرسل: (أفضل الأعمال احمزها).ٍ نعم، قد يقال: بعدم محبوبية التزام جانب الضرر دائماً، لقوله عليه السلام في المعتبرة على الأصح: (ان الله يحب أن يؤخذ برخصه، كما يحب أن يؤخذ بعزائمه)(2). وقد ورد هذا الخبر في ذيل رواية في التقية عن علي عليه السلام، والتقية فرد من الضرر، فيستفاد منه: ان الضرر مما يحب الله تعالى فيه العمل بـ (لا ضرر) أيضاً، ولولا سيرة المعصومين عليهم السلام أمكن القول بعدم محبوبية تحمل الضرر والحرج حتى في العبادات ـ تمسكاً بهذه الرواية ـ. وأما الالزامات التي لم يستفد من الشارع مطلوبيّتها الذاتية له، وإنما ظاهرها جعل الحق لا الحكم، مثل (أوفوا بالعقود) و: (قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالشفعة) ونحو ذلك، فيشكل استفادة استحباب تحمل الضرر والحرج فيها، إلاّ بعناوين أخرى مثل التحبب إلى المؤمنين ونحوه في مواردها فقط، والله العالم. |
|
(التتمّة الخامسة) كلمات للمحقق النائيني ـ قده ـ |
|
قد يبدو بعض التهافت في كلمات بعض من القائلين بعزيمية (لا ضرر ولا حرج) في الموارد المختلفة: منهم المحقق النائيني ـ قده ـ في الحاشية على العروة في موارد مختلفة. 1 ـ ففي باب التيمم مسألة / 18 عند قول الماتن بأن الوضوء الحرجي (لا تبعد صحته) علق عليه بقوله: (بعيد غايته). 2 ـ وفي الحج الضرري ـ كتاب الحج مسألة / 65 ـ عند قول المصنف: بأن الحرج والضرر يرفعان اللزوم لا أصل الطلب، علق وقال: (وكيف كان فمقتضى حكومة نفي الحرج والضرر على أدلة الأحكام هو تقيد متعلقاتها بأن لا تكون حرجية ولا ضررية، فلو تحملهما المكلف واتى بالمأمور به كان لغواً فاسداً، وحراماً تشريعياً لو كان بداعي أمره). 3 ـ وفي فصل نذر الحج مسألة / 28 عند قول الماتن: (بأن حرجية الحج، لا تمنع انعقاد النذر، لأن رفع الحرج رخصة) علق بقوله: (والأولى أن يوجه بأن رفع الحرج وان كان في مورده عزيمة لا رخصة ـ كما تقدم ـ لكنه لا يوجب الحرمة ولا المرجوحية في نظائر المقام كي يمنع من انعقاد نذرها). أقول: مقتضى الحاشية الثانية منه (كان لغواً فاسداً) المرجوحية فهل يصح نذر الحج الذي هو لغو وفاسد؟ وكيف يجمع بين رفع تشريع الحرج، وبين صيرورته متعلقاً للنذر؟ مع أن ظاهر قول النائيني: (والأولى) هو قبول تعليل العروة، وهو مناف لعزيمية لا حرج ـ والله العالم. |
|
(المبحث الخامس) هل (لا ضرر) علمي أو واقعي؟ |
|
هل ان (لا ضرر) ظاهر في نفي الحكم واقعاً، أم علماً؟ فلو توضأ وضوءاً ضررياً مع علمه بالضرر، ثم انكشف عدم الضرر في الواقع وانه كان جهلاً مركباً، فهل تترتب عليه آثار الصحة، أم لا؟ وهذا التنبيه اثره الأكثر، إنما يكون على القول بكون لا ضرر عزيمة، أو في موارد كونه عزيمة، كضرر تلف النفس ونحوه، أما على القول بكون لا ضرر رخصة، أو في موارد كونه رخصة كالأضرار القليلة، فأثره أقل، فالوضوء على الرخصة صحيح مطلقاً كان ضرر في الواقع أم لا. نعم، له أثر ـ على الرخصة ـ أيضاً، بمعنى: انه عند الضرر الواقعي رخّص الشارع في ترك الالزامات الشرعية أم عند الضرر العلمي؟ |
|
مبنى الشيخ واتباعه |
|
صريح الشيخ والمامقاني في البشرى(3) وما عن النائيني(4) والعراقي ـ قدهم ـ في شرح التبصرة(5) ارتفاع العلمي قال الشيخ في رسالة قاعدة ـ لا ضرر ـ في آخر التنبيه الأول منها ـ: ان المرتفع هو الضرر المعلوم لا مطلقاً بدليلين على سبيل البدل: ـ أحدهما: ظهور (لا ضرر) في الامتنان، يجعله مختصاً بما لا يوجب مشقة على العبد، إذ لو كان واقعياً كما لو توضأ مع عدم علمه بالضرر، فبان ضررياً، كان ايجاب الإعادة بسبب لا ضرر ايجاداً للمشقة على العبد، وهو مناف للامتنان. أما إذا توضأ مع العلم بالضرر مثلاً، ثم انكشف كونه جهلاً مركباً، فصحته إنما هي من جهة انه لم يكن ضرر واقعي والضرر العلمي كان جهلاً مركباً. نعم، مادام لم ينكشف كونه جهلاً مركباً، فهو محكوم بالبطلان والفساد. وثانيهما: ان الموقع في الضرر ليس (اغسلوا وجوهكم) الواقعي، حتى يكون مرتفعاً بلا ضرر، بل جهل المكلف بالضرر، وإلا فالحكم الواقعي غير المعلوم لا أثر له وجوداً ولا عدماً ما لم يعلم به. ولو شك في مفاد لا ضرر، فالمتيقن منه هو رفع الضرر المعلوم لا مطلقاً، انتهى كلام الشيخ بتصرف. |
|
المبنى الآخر في المقام |
|
وصريح بعض المراجع في المصباح، والبجنوردي في القواعد الفقهية(6) وآخرين: ان المرتفع هو الضرر الواقعي مطلقاً، إلاّ فيما خرج بدليل آخر ـ كالوضوء والغسل والتيمم، وكخياري العيب والغبن ـ وكل مستندهم دليل واحد هو: ان الضرر ظاهر في الواقعي، فالنفي نفي الضرر الواقعي نظير الجهل، والاكراه، والاضطرار، وعدم الطاقة، ونحوها، فإن رفعها واقعي لا علمي. وأجاب هؤلاء عن دليلي الشيخ، أما عن الأول: فبأن المشقة إنما هي بلحاظ نوع الحكم، لا بلحاظ شخصه للانصراف إليه وظهوره فيه، وإلا لوجب اطراد المشقة الشخصية في نظائره مثل: (رفع ما لا يعلمون) ونحوه، ولا يلتزمون به، فالحكم ببطلان عقد المكره مطلقاً حتى إذا كان في مورد بنفعه، يجب ان لا يكون صحيحاً مع أن الفقهاء يلتزمون به. وأما عن الثاني: فبأن الجهل بالضرر لم يوقع المكلف في الضرر، وإنما الجهل ظرف، والذي أوقعه في الضرر هو تكليف المولى وشموله لمورد الضرر الواقعي. وبعبارة أخرى: الجهل كان سبباً لحكم الشارع، فالضرر نشأ بالنتيجة من حكم الشارع وان كان سببه الجهل. |
|
إستثناء موردين |
|
واستثنى بعض المراجع ـ من واقعية الضرر المنفي لا علميته ـ موردين: ـ أحدهما: الوضوء والغسل الضرريّان، فإنهما صحيحان مع الجهل بالضرر بتسالم الفقهاء. ثانيهما: خيار العيب وخيار الغبن فإنهما غير ثابتين مع العلم بالعيب والغبن فيقال: لو كان المرتفع الضرر الواقعي، فكيف خرج هذان الموردان؟ قال: أما الجواب عن خياري العيب والغبن، فبأن الاشكال إنما يكون لو قلنا بالخيارين من باب (لا ضرر) ولا نقول به، بل نقول: بأن خيار الغبن لتخلف الشرط الارتكازي بين المتعاملين من تساوي البدلين، ومع العلم بالغبن لا شرط ارتكازي، فلا خيار للغبن المعلوم للمغبون. وأما خيار العيب فدليله أحد أمرين: ـ 1 ـ تخلف الشرط الضمني، وهو أصالة الصحة عند العقلاء في المعاملات ومع العلم بالعيب والاقدام على المعيوب، فلا شرط ضمني حتى يتحقق التخلف عنه. 2 ـ الأخبار الخاصة، وهي منصرفة إلى صورة الجهل بالعيب. قال: وأما الجواب عن صحة الطهارة المائية المضرة مع الجهل بالضرر، فهو امتنانية لا ضرر ـ وذكر ما ذكرناه عن الشيخ ـ قدس الله تعالى نفسه ـ من رسالته في قاعدة (لا ضرر)(7). |
|
تأملات |
|
أقول: في كلامه موارد للتأمل: ـ أحدها: انه سبق منا ان المشهور بنوا خياري العيب والغبن على (لا ضرر) وعليه يرد الاشكال فما هو الحل؟ ثانيها: مقتضى امتنانية ( لاضرر) صحة كل عمل ضرري لم يعلم المكلف بضرريته، ولا اختصاص له بالوضوء والغسل، فالتيمم والصوم، وقيام الصلاة والركوع والسجود فيها، والاعتكاف والحج من هذا القبيل فقوله: (خروج الموردين) ليس كذلك، بل يجب ان يقال: بخروج كل الموارد الضررية، حتى خياري العيب والغبن إذ لو لم يكن دليل على اختصاصهما بالجاهل، لكان (لا ضرر) كافياً لتخصيصهما بالجاهل. ثالثها: مسألة نوعية الامتنان لا تنافي شخصية الضرر المرتفع، إذ النوعية معناها عدم جريان (لا ضرر) بحق شخص مع لزومه اضرار الغير، وليس معناها: ان الضرر الشخصي غير مرتفع، بل ظاهر (لا ضرر) ـ كما سبق ـ الشخصية كغيره من العمومات الثانوية، فتأمل. |
|
الضرر الحرام تحمله وغيره (تذنيبان ـ الأول) |
|
قال بعض المراجع: (إن الضرر ان كان مما يحرم تحمله عمداً، كالقتل وتلف الاعضاء، فالوضوء باطل، ولا يصححه الملاك، ودليله: ـ انه كيف يعقل صيرورة المحرم مصداقاً للواجب؟ وان كان لا يحرم تحمله كذهاب المال، فالوضوء صحيح، لأن (لا ضرر) قاعدة امتنانية(8). لكن قد يقال هنا أولاً: بطلان الوضوء الموجب للضرر المحرم تعمد تحمله، مع الجهل بالضرر خلاف الامتنان، وكيف يكون (لا ضرر) له معنيان؟ وثانياً: مع الجهل بالضرر لا حرمة حتى لا تجتمع مع الوجوب. وثالثاً: انه لم يلتزم هو بنفسه هذا التفصيل في الأصول. ورابعاً: فالملاك يمكن استصحابه. وما أجاب به هو عن هذا الايراد من ان الملاك، مندك في ملاك الحرمة(9) فإنما يتم إذا حصل العلم به، وأما مع الشك فالاستصحاب للملاك اركانه تامة. وخامساً: ما أجاب به المستمسك في شرح المسألة / 25 من وضوء الجبيرة(10) وحاصله بتوضيح مني: ـ إن ظاهر جعل البدل ـ في الابدال ومنها الضرر ـ هو قيام البدل حال الاضطرار مقام المبدل منه، ووفاؤه ببعض مراتب المبدل عنه. فدليل التيمم ـ مثلاً ـ حال ضررية الماء يدل على مجرد البدلية حالها، بلا تقييد وذلك لاطلاق أدلة الوضوء، فأدلة الوضوء شاملة باطلاقها لحال ضرريته الذي اجيز فيه التيمم، ولا عكس. ولو شك في تقييد دليل البدل لاطلاق دليل المبدل منه، بحيث يكون المورد خارجاً عن اطلاق دليل المبدل منه أم لا؟ فالأصل العدم بعد ثبوت الاطلاق. نعم، لو دل دليل خاص على التقييد صار المطلق والمقيد بحكم موضوعين ذوي حكمين، لا يفي أحدهما بالآخر كالسفر والحضر. ولا فرق فيما ذكرنا ـ من عدم دلالة أدلة البدل على تقييد اطلاقات المبدل منه ـ بين البدل من جنس المبدل منه، كالوضوء الجبيري، والصلاة جالساً، وبين ما لم يكن من ذاك الجنس، كالوضوء والتيمم. أقول: الكلام لا بأس به إلاّ انه قد يستشكل في أصل اطلاق دليل المبدل منه، فتأمل. ولعل هذا الكلام مقتبس مما ذكره شيخه المحقق العراقي ـ قده ـ في شرح التبصرة من كون لا ضرر مزاحماً للأدلة الأولية، لا معارضاً لها، وقد سبق بيانه. ويؤيده تصريح المستمسك بالمزاحمة في كتاب الصوم من (فصل في شرائط صحة الصوم ـ السادس) فيمن صام باعتقاد عدم الضرر فتبين الضرر، فإنه قال بصحة صومه وعلّله: (بعدم كونه من باب التخصيص، بل من باب التزاحم وترجيح جانب المرض، فمع عدم العلم ملاك الصوم موجود)(11) انتهى بتصرف. لا يقال: مقتضى عدم تقييد (لا ضرر) لاطلاقات الأدلة الأولية، صحة الوضوء حتى مع العلم بالضرر ووجود الضرر واقعاً؟ فإنه يقال: يتنجّز النهي مع العلم بالضرر فيكون معصية، فيبطل الوضوء لكونه معصية، هذا إذا كان تحمل مثل ذاك الضرر محرماً وإلا فلا، ولا فرق في ذلك بين العبادات وغيرها، وان كان الأمر في العبادات أشد، لتوقفها على قصد القربة. |
|
الجواب على ما أورد على الشيخ (ره) |
|
أقول: ونحن نتبع الشيخ في أن (لا ضرر) علمي لا واقعي، لما ذكره الشيخ من الدليلين وللجواب على ما أورد عليه: ـ أما تشبيه (لا ضرر) بـ (لا اكراه) حيث قالوا ببطلان عقد المكره حتى ولو كان بنفعه. ففيه أولاً: ان ثبت هناك بدليل، فلا يقتضي الثبوت في (لا ضرر) والفارق الدليل هناك، دون (لاضرر). وثانياً: في المكره الأمر بالعكس، بل لو كان بنفع المكره ورضي صح عقده، وعلله الشيخ في المكاسب بأنه (حق له (أي للمكره) لا عليه)(12) يعني: رخصة لا عزيمة، وقال في كتاب التجارة من الشرائع في شروط المتعاقدين: (البلوغ والعقل والاختيار... فلا يصح بيع الصبي... ولو رضي كل منهم بما فعل بعد زوال عذره، عدا المكره للوثوق بعبارته). |
|
كلام الشيخ وشيخه (قدهما) |
|
وقال الشيخ أيضاً في المكاسب: (ثم المشهور بين المتأخرين انه لو رضي المكره بما فعله صح العقد، بل عن الرياض تبعاً للحدائق ان عليه اتفاقهم...)(13). وقال في الجواهر على المشهور نقلاً، ان لم يكن تحصيلاً، بل في ـ الرياض والحدائق ـ: (ان ظاهرهم الاتفاق عليه)(14). وقال بعض المراجع في صحة عقد المكره إذا رضي به: (ان حديث الرفع حيث ورد في مقام الامتنان فلا يدل إلاّ على رفع حكم يكون جعله مخالفاً للامتنان، ويكون رفعه موافقاً له...) إلى أن قال: (وبعبارة أخرى: الحكم بصحة العقد غير المقترن بالرضا ولا الملحوق به، مخالف للامتنان، فهو غير مجعول لحديث الرفع، أما العقد المكره عليه الملحوق بالرضا فلا امتنان في رفع أثره، والحكم بعدم صحته من حين ما رضي المالك به فلا يشمله حديث الرفع الوارد في مورد الامتنان)(15). إذن فعقد المكره مطلقاً ليس باطلاً، بل فيما كان موافقاً بطلانه للامتنان وصحيح فيما كان بطلانه مخالفاً للامتنان، فكذلك (لا ضرر) يرفع صحته الضرر إذا كانت الصحة مخالفة للامتنان لا مطلقاً. وأما ظهور (الضرر) في الواقعي، ففيه: انه تام فيما إذا لم يعارضه قرينية الامتنان، وبعبارة أخرى: ظاهر (الضرر) لولا القرينة هو الواقعية، والامتنان قرينة على خلاف هذا الظاهر، فالحكم للقرينة. |
|
كلام صاحب العروة (ره) |
|
ولعل صاحب العروة موافق في ذلك حيث قال في أحكام الجبائر مسألة / 33: 1 ـ (إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة فعمل بالجبيرة، ثم تبين عدم الضرر في الواقع. 2 ـ أو اعتقد عدم الضرر فغسل العضو، ثم تبين انه كان مضراً وكان وظيفته الجبيرة. 3 ـ أو اعتقد الضرر ومع ذلك ترك الجبيرة، ثم تبين عدم الضرر وان وظيفته غسل البشرة. 4 ـ أو اعتقد عدم الضرر، ومع ذلك عمل بالجبيرة، ثم تبين الضرر. صحّ وضوؤه في الجميع بشرط حصول قصد القربة منه في الأخيرتين، والأحوط الإعادة في الجميع). |
|
تعليقات المراجع |
|
والذين لم يعلقوا على المتن من الأعلام هم: السيد الشاهرودي، السيد عبد الهادي، السيد أبو الحسن الأصفهاني ـ قدهم ـ والحائري ـ قده ـ لم يعلق في الشق الثاني لموضوع بحثنا، والباقون مفصلون تفصيلات مختلفة يكشف فيها آرائهم في مسألتنا. والميلاني والوالد ـ قدهما ـ قالا: (بل الأقوى في الأولى للأعمال الآتية) تعليقاً على قول الماتن: (والأحوط الإعادة في الجميع). والذين علقوا على الشق الثاني ـ الذي يدل على كون مبناهم كون الضرر المرتفع هو الواقعي، كما هو صريح بعضهم في الحاشية ـ جماعة منهم السيد أبو الحسن الأصفهاني ـ قده ـ. (ولا يترك) من الحُسينين: القمي والبروجردي، وكذا العراقي. واشكل السيد أحمد الخوانساري ـ قدست أسرارهم جميعاً ـ ولعله لتردده في أن المرتفع الضرر الواقعي أم لا؟ وفي كتاب الصوم من العروة ـ شرائط صحة الصوم (السادس ـ قبل المسألة الأولى) قال: (ولو صام بزعم الضرر، فبأن الخلاف بعد الفراغ من الصوم، ففي الصحة اشكال، فلا يترك الاحتياط بالقضاء). ووافقه جمع على الاحتياط الوجوبي، ومنهم ابن العم السيد عبد الهادي الشيرازي. أما الشاهرودي، والحكيم، والعراقي، ومحمد تقي الخوانساري، والوالد، والكوه كمري، والنائيني ـ قدهم ـ، فافتوا بالصحة، وآخرون افتوا بالبطلان. |
|
خلاصة البحث |
|
أقول: ان كان المستفاد من أدلة الصوم الضرري أنه كالصوم في السفر عزيمة تركها، أو كالحرج رخصة تحمله، فهو، وان كان لأجل لا ضرر، فالأقوى صحة الصوم، لكون لا ضرر للامتنان، وفساده حينئذ مناف للامتنان. وقال في العروة ـ كتاب الحج ـ شرائط وجوب الحج، ـ مسألة / 65 في أوائلها: (وان اعتقد عدم الضرر، أو عدم الحرج، فحج، فبان الخلاف، فالظاهر كفايته). ووافقه كل المحشين الذين يزيدون عن العشرين ـ حسب ما عندي من حواشيهم ـ وخالفه بالاشكال السيد أحمد الخوانساري ـ قده ـ. |
|
التذنيب الثاني لا فرق في اقسام الاحراز |
|
مقتضى القاعدة: عدم الفرق ـ في مسألة صحة الأعمال، لو علم بعدم الضرر وكان في الواقع ضرر ـ بين العلم الوجداني والاحراز التعبدي، والأصل العملي، لكون كل من الاحراز التعبدي والأصل محكومين بحكم العلم تنجيزاً واعذاراً، كما حقق في محله. فلو توضأ أو قام في الصلاة، أو صام، أو حج، مع البناء على عدم الضرر ـ اعتماداً على الاحراز التعبدي أو الأصل العملي ـ ثم بان الضرر، فكلها صحيحة، مثل ما لو كان علم بعدم الضرر، ثم انكشف الخلاف، والله العالم. |
|
(المبحث السادس) الأصل في الاضرار بالنفس |
|
ما هو الأصل الأولي في الأضرار بالنفس حتى يكون المخرج بحاجة إلى الدليل؟ وما هو المقدار المخرج؟ وهذه مسألة فقهية، تذكر في أول كتاب الأطعمة والأشربة وحيث ذكرها الشيخ في رسالة (لا ضرر) وتبعه جمع وفيها فائدة مهمة، فنذكرها وبالله الاستعانة. في المسألة قولان: ـ |
|
القول الأول: الحرمة |
|
الأول: الحرمة، وإليه ذهب الشيخ وجمع من تلاميذه وتلاميذهم، ففي رسالة المجدد الشيرازي المحشاة بحواشي الكاظمين: الخراساني واليزدي، والصدر، والخليلي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، وآخرين ـ قدست أسرارهم ـ مع سكوت جميعهم عليه، وما تقريبه ـ ص 454 قبل المسائل المتفرقة (أما أكل كل شيء يضر الشخص ـ وان كان طعاماً ـ حرام) ولم يقيد بشيء. وقال الشيخ في رسالته في (لا ضرر): (ان الاضرار بالنفس كالأضرار بالغير، محرم بالأدلة العقلية والنقلية) واستدل له بروايات: 1 ـ منها: اطلاقات (لا ضرر ولا ضرار) بتقريب انه ناف للضرر حتى على النفس. وفيها أولاً: أما (لا ضرر) فظاهر في عدم تشريع حكم ضرري، وأمّا (لا ضرار) فالظاهر من اللغة ـ أو المتيقن منها ـ انه الاضرار بالغير. وثانياً: في مستند النراقي ـ ان في الاباحة والتخيير لا يصدق الضرر والاضرار (مع) أن غايته ـ لو تم ـ عدم الاباحة الشرعية، وهي غير التحريم. أقول: أما الأول ففيه: ان أباحة الضرر، ضرر عرفاً، وأما في الثاني: ففي مورد دار الأمر بين الاباحة والتحريم يكون عدم الاباحة، ملازماً للتحريم عرفاً ولازم الأدلة حجة، وليس بمثبت كالأصول العملية. مضافاً إلى أن المراد بالإباحة الأعم من كل أنواع غير الحرام. والحاصل: لو لم نسلم الجواب السابق، وقلنا: بأن (لا ضرر) يشمل اضرار الإنسان لنفسه، فلا يكون جوابا النراقي بجواب، والله العالم. 2 ـ ومنها: ما نقله في الوسائل(16) بطرق عديدة عن الكافي، والفقيه، والأمالي، والعلل، والمحاسن وتفسير العياشي، والتهذيب عن الصادق عليه السلام في حديث مفصل في تحريم الميتة، جاء فيه: (ولكن خلق الخلق، فعلم ما تقوم به ابدانهم وما يصلحهم، فأحله لهم وأباحه، تفضلاً عليهم به لمصلحتهم. وعلم ما يضرهم، فنهاهم عنه وحرمه عليهم.... أما الميتة فإنه لا يدمنها أحد إلاّ ضعف بدنه، ونحف جسمه، وذهبت قوته)(17). وتقريبه: ان ظاهره ان علة حرمة المحرمات اضرارها، فيعم العلة لكل مضر. وفيه: ان ظاهر الخبر بيان حكمة بعض المحرمات، وان الضرر النوعي فيها هو الحكمة، لا ان الضرر موضوع الحرمة. ويؤيد ذلك أمور: أحدها: لو كان الضرر علة كان اللازم التقييد بحرمة الادمان، لا مطلق الأكل، إذ العلة تضيق وتوسع. ثانيها: يقتضي ذلك عدم حرمة أكل قليل الميتة بمقدار لا يضر. ثالثاً: القطع بعدم اضرار كل أقسام الميتة، فالمذبوح إلى غير القبلة عمداً أو كون الذابح غير مسلم، مع توفر بقية شروط الذبح هل يكون مضراً؟ خصوصاً وغير القبلة مع العجز مذكّى، ومع العمد ميتة. رابعها: توفر الروايات المعتبرة بالعشرات على وجود الضرر في أكل كثير من الأشياء، مع عدم الاشكال والخلاف في حلّيتها ـ أو كراهتها لا حرمتها ـ. هذا مع ضعف السند، فإنه بالرغم من نقله بتسعة أسانيد في الوسائل، لكنه ليس فيه سند واحد صحيح على المشهور. 3 ـ ومنها: مفهوم لفظ الكل في خبر ابن سنان(18) المروي عن العلل: (انا وجدنا كلّ ما أحل الله تعالى، ففيه صلاح العباد وبقائهم ولهم إليه الحاجة التي لا يستطيعون عنها، ووجدنا المحرم من الأشياء لا حاجة للعباد إليه، ووجدناه مفسداً داعياً إلى الفناء والهلاك). 4 ـ ومنها: الرضوي: (ولم يحرم إلاّ ما فيه المضرة والتلف والفساد، فكل نافع مقوّ للجسم فيه قوة للبدن فحلال، وكل مضر يذهب بالقوة وقاتل، فحرام). استدل بهما المستند، وفيهما: أ ـ ضعف السند. ب ـ الظهور في الحكمة لا العلة. ج ـ ولو سلمنا، فظاهر في الاضرار العظيمة، لامطلق الضرر. 5 ـ ومنها: قال في المستند: (وقد يستدل أيضاً بما ورد في المنع من الطين، من التعليل بأن فيه اعانة على النفس في قلتها أو ضعفها). ثم قال: (وهو كان حسناً لو وجد ذلك التعليل في الأخبار ولكني ما وجدته). أقول: حتى لو وجد التعليل، فيجب حمله على الحكمة للمقطوع به روايةً، وعملاً للمعصومين عليهم السلام، وسيرةً قطعيةً للمسلمين، من ان ما يعين على ضعف النفس ـ بمطلق الضعف ـ ليس حراماً. 6 ـ ومنها: الاجماع، ادعاه المستند وقال: (للاجماع المنقول والمحقق). أقول: أما المحقق فمحقق العدم، وأما المنقول، فعلى فرض حجيته ليس في المورد الذي نسب إلى الشهرة العدم. 7 ـ ومنها: الكتاب: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). 8 ـ ومنها: العقل، فهو مما لا يخفى على كل عاقل رجع إلى وجدانه. استدل بهما بعض الأجلة(19). أقول: من ذلك والأمثلة التي ذكرها، يظهر ان المراد بالمضر، هو تلف النفس، أو العضو، أو القوة، ونحوها، لا مطلق الضرر.
القول الثاني: الجواز وأما أدلة جواز الإضرار بالنفس إلاّ ما خرج بدليل، فهي أمور: أحدها ـ أصل الاباحة في الشك في التحريم، الذي فصّل الكلام فيه في أول البراءة مقابل أصل الحظر. ثانيها ـ الروايات الكثيرة البالغة حد التواتر المعنوي ـ و الإجمالي ـ على إضرار الأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام أنفسهم، كشدّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حجر المجاعة على بطنه وترك شرب العباس عليه السلام الماء تأسياً بالإمام الحسين عليه السلام مع تقرير المعصومين عليهم السلام له، وكسر زينب عليها السلام رأسها بمقدم المحمل مع تقرير الإمام السجاد عليه السلام لعملها. وفي الموثق عن الصادق عليه السلام: (على مثل الحسين فلتشق الجيوب ولتخمش الوجوه، ولتلطم الخدود). فهل يؤمر بعمل حرام على الإمام الحسين عليه السلام؟ وقد روي ان السجاد عليه السلام كان يبكي حتى يملا الاناء دماً. (ولابكين عليك بدل الدموع دماً) كما في زيارة الناحية المنسوبة إلى الإمام المهدي عليه السلام وتقرير الإمام السجاد عليه السلام خمش نساء المدينة وجوههنّ لما وصل رحل الإمام الحسين عليه السلام إليها(20). إلى غيرها... وغيرها... هو كثير جداً بحيث يغني عن البحث السندي في كل واحد واحد منها مع اعتبار بعضها بالخصوص ـ، فتأمل. ثالثها: لحن الروايات الدالة على جواز التيمم لشقاق اليد من شدة البرد، فإنها ظاهرة في الترخيص لا الوجوب، مع أنه من مصاديق الضرر. رابعها: ذهن المتشرعة فإن مأنوس أذهان المتشرعة جواز الاضرار بالنفس إلاّ البالغ الشديد منه. إلى غير ذلك مما ذكرناه في مطاوي مباحث الكتاب. |
|
(تتمات ـ الأولى) |
|
حتى بناءً على حرمة مطلق الإضرار يمكن ادعاء القطع باستثناء الأضرار اليسيرة جداً، كصداع خفيف لمدة دقائق، ونحوه، وقد صرّحوا بذلك في الفقه. |
|
(الثانية) |
|
بين الإيلام والإضرار بالنفس عموم من وجه ولا دليل على حرمة مطلق الايلام حتى إذا لم يضر كالرياضات البدنية المؤلمة ونحوها. |
|
(الثالثة) |
|
لو كان شيء قليله غير مضر، وكثيره مضراً، حرم الكثير فقط، دون القليل كالادماء ولو كان قليله أيضاً مضراً، حرم مطلقاً، كشرب السم. |
|
(الرابعة) |
|
العلم بالضرر، والبينة، والاطمئنانات الشخصية والنوعية، موجبة لتنجزّ الحكم، وقول العدل الواحد مختلف فيه، ولكن الكلام في مسألتين: ـ أحداهما ـ هل غلبة الظن منجزة أيضاً؟ قال في المستند: (صرح في الكفاية بالتنجز بها، وهو الاحوط وان كان الأقوى العدم). أقول: مقتضى القاعدة عدم التنجز إلاّ إذا كان ظناً اطمئنانياً شخصياً أو نوعياً، للأصل، وربما يأتي بحثه أيضاً. ثانيتهما ـ هل خوف الضرر منجز أم لا؟ فإن قلنا بعدم تنجّز غلبة الظن، فالخوف أولى بعدم التنجز، وان قلنا بتنجّز غلبة الظن، فهنا بحوث عديدة سيأتي الكلام عليها بشيء من الاسهاب في المبحث الثاني عشر انشاء الله تعالى. |
|
(الخامسة) |
|
في المخرج: فإن قلنا بأصالة حرمة إضرار النفس إلاّ ما خرج، فالمخرج ـ كما في التتمة الأولى ـ الاضرار اليسيرة جداً وما دل على جوازه كالحجامة والفصد ونحو ذلك. وان قلنا: بأصالة حلية الاضرار إلاّ ما خرج، فالمخرج أمور: 1 ـ قتل النفس مباشرة، أو بالواسطة، القريبة والبعيدة، التي يصدق عليها قتل النفس والالقاء في التهلكة للآية: (ولا تلقوا...) والرواية: (من قتل نفسه دخل النار) والاجماع، والعقل، بل ضرورة الدين. 2 ـ قطع عضو من اعضائه، أو شل قوة من قواه، وقد ادعى عليه الاجماع. 3 ـ الاضرار العظيمة الموجبة لحدوث أمراض طويلة صعبة العلاج، أو مستمرة مدى العمر وان لم تؤد إلى الموت ونحوه. ولعله أما لصدق (التهلكة) عليه، فتأمل، وأما لارتكاز ذهن المتشرعة. ولو أشكل فيهما موضوعاً أو حكماً، فالأصل البراءة، ومحل بحث جزئيات المسألة الفقه. |
|
(السادسة) |
|
لو شك في الاضرار ـ وهذه غير ما مر في التتمة الرابعة من خوف الضرر، إذا الكلام هنا على الشك الأعم من الخوف ـ. فإن كان استصحاب الإضرار، أو استصحاب عدم الإضرار، في الشبهة الحكمية، أو الموضوعية، فالحكم للمتيقن السابق على تفصيل في بحث الاستصحاب. وان لم يكن له حالة سابقة ملحوظة، فإن كانت الشبهة حكمية، كما لو شك في أن قطع الانملة حرام؟ أو قلع الرحم حرام؟ فالمرجع البراءة بعد الفحص. وان كانت الشبهة موضوعية، فإن كان المحتمل مهماً كالقتل ونحوه فمشكل اجراء البراءة حتى بعد الفحص، لعدم إحراز شمول أدلتها من العقل والنقل لذلك، بل قد يقال بأن الاحتمال في مثل ذلك منجز عقلاً وعقلائياً، وشرعاً ـ كما حقق في محلِه ـ. نعم، لو قلنا بأصل حرمة الاضرار إلاّ ما خرج، وشككنا في أن هذا الأكل يوجب وجع البطن عشر ساعات أم لا؟ فمقتضى بناء جمع من الفقهاء على جريان البراءة في الشبهات الموضوعية حتى قبل الفحص، هو: جريانها في ما نحن فيه حتى قيل الفحص. ولكن سبق الاشكال في كلي اجرائها قبل الفحص والله العالم. |
|
(المبحث السابع) |
|
هل لا ضرر حاكم على الأحكام العدمية أيضاً. مثل له المحقق النائيني تبعاً للشيخ والمامقاني ـ قدهم ـ بمن حبس شخصاً، فأبق عبده، وضاعت أمواله، أو نحو ذلك، كمن حبس شاة فمات ولدها، أو فتح القفص فطار الطائر، فهل الحابس ضامن، لأن عدم الضمان ضرر على المحبوس؟ وكذا فاتح القفص. وكزوج لا ينفق على زوجته، فهل (لا ضرر) حاكم على عدم كون الطلاق بيد المرأة، فيجعله بيدها؟ وقد ذكر الشيخ ذلك في التنبيه الثاني من رسالته في لا ضرر، ومال إلى الحكومة على العدميات أيضاً ـ وهو صريح الرياض في هذه الموارد كما ذكره العلامة المامقاني ـ قدس الله سره ـ(21) ـ واستُدل له بأمور: ـ |
|
أدلة الحكومة |
|
الأول: ما أفاده الشيخ: من ان المنفيّ هو مطلق الضرر ـ لا خصوص الوجوديات ـ وهو شامل لمطلق ما يتدين به ويتعامل عليه في شريعة الإسلام وجودياً كان أم عدمياً. فالضرر الناتج من جعل الحكم الشرعي منفي. والضرر الناتج من عدم جعل الحكم الشرعي منفي أيضاً. الثاني: ما افاده هو أيضاً وهو: ان كل حكم عدمي يستلزم أحكاماً وجودية، فعدم الحكم بضمان الحابس يستلزم حرمة مطالبته، وحرمة مقاصته، ووجوب رد امانته عنده، ونحو ذلك، و (لا ضرر) حاكم على هذه الأحكام الوجودية، ثم قال:، فتأمل. الثالث: منه أيضاً: ان ظاهر رواية سمرة ذلك، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سلط الأنصاري على قلع نخلة سمرة، معللاً بنفي الضرر حيث إن عدم تسلطه عليه ضرر، كما ان سلطنة سمرة على ماله والمرور عليه بغير الإذن ضرر، ثم قال:، فتأمل. أقول: وكذا رواية الشفعة. الرابع: هو أيضاً قال: ويمكن تأييد دلالة (لا ضرر) بما استدلوا به على جواز المقاصة، مثل: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)، (ولمن انتصر من بعد ظلمه، فأولئك ما عليهم من سبيل)، (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم). بتقريب أخذ ما يساوي وما يماثل مما فوّت عليه الحابس مثلاً. وإنما قال: بالتأييد، لا الدلالة، لأن الكلام في حكومة لا ضرر على العدميات لا في دلالة أدلة خاصة كهذه الآيات على مسألة ما. ثم اشكل في دلالة الآيات على المقاصة فضلاً عما نحن فيه. الخامس: ما أفاده بعض المراجع: وهو: ان عدم جعل الحكم في موضع قابل للجعل، جعل العدم ذلك الحكم، فيكون العدم مجعولاً. لاسيما مع ما ورد من (ان الله لم يترك شيئاً بلا حكم) فبعض الأحكام وجودية، وبعضها عدمية، كما أن بعضها تكليفي وبعضها وضعي(22). السادس: روايات استدل بها في البشرى، قال(23) رابعها: قوله عليه السلام في صحيحة أبي الصباح الكناني: (كل من أضر بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن)(24). أقول: ومثله صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام: ـ سألته عن الشيء يوضع على الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره؟ فقال كل شيء يضر بطريق المسلمين، فصاحبه ضامن لما يصيبه)(25). وعن الصدوق في عقاب الأعمال عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (من ضار مسلماً فليس منا ولسنا منه في الدنيا والآخرة)(26). وفي المستدرك في موجبات الضمان في كتاب الديات، عن دعائم الإسلام عن الصادق عليه السلام: (من أوقف دابة في طريق أو سوق في غير حقه فهو ضامن لما أصابت بأي شيء أصابت)(27). بتقريب: انه لا خصوصية لطريق المسلمين، ولا السوق، مع عموم بعض هذه الروايات، وإنما المهم الاضرار، فيكون (لا ضرر) حاكماً على العدميات أيضاً، فلو كان عدم الضمان مضراً رفعه لا ضرر، فيكون ضامناً. السابع: ما في البشرى من ان كلمة (في الإسلام) ذيل لا ضرر، يشعر بكل ما يجب ان يؤخذ من الإسلام، ولاشك في أن عدم الضمان أيضاً مما يؤخذ من الإسلام، فلا ضرر حاكم عليه(28). الثامن: ظهور لا ضرر في الامتنان يجعله ظاهراً في الشامل لموارد عدم الحكم، لأنه ظاهر في المنّة المطلقة ـ ان لم نقل بظهوره في عدم قابلية التخصيص كما قاله بعضهم ـ ومقتضى المنّة المطلقة شمولها لكل ما يرد منه الضرر على العبد، ومنه الاعدام. هذا كله إذا لم نقل بأن العدم الخاص له حصة من الوجود، أو قلنا بأن اطلاق الوجود عليه دقي عقلي، لا عرفي، وملاك الأدلة الشرعية العرفيات. التاسع: لحن (لا ضرر) و (لا حرج) واحد، ولا حرج مسلماً حاكم على العدميات، كما لو نذر ترك الشاي، أو السيجاير، أو حلف بذلك مثلاً، ثم صار الترك حرجاً عليه فيرفعه (لا حرج) وينبغي ان لا يستشكل فيه، وكذا (لا ضرر). هذا كل ما وجدته من الاستدلال لحكومة (لا ضرر) على العدميات أيضاً كالوجوديات، والظاهر كفايتها بمجموعها للدلالة على المطلوب، وان اشكل في كل واحد واحد منها. |
|
1ـ مستمسك العروة الوثقى: ج 4 ص 133. 2ـ وسائل الشيعة: ج 1 ص 81 ح 1. 3ـ بشرى الوصول: ج 6 ص 606. 4ـ مصباح الأصول: ج 2 ص 453. 5ـ شرح التبصرة، كتاب الطهارة: ص 212. 6ـ مصباح الأصول: ج 2 ص 451، والقواعد الفقهية: ج 2 ص 198. 7ـ مصباح الأصول (بتصرف) ص 70. 8ـ التنقيح / ج 5 / ص 409. 9ـ التنقيح / ج 5 / ص 412. 10ـ مستمسك العروة الوثقى: ج 2 ص 553. 11ـ مستمسك العروة الوثقى: ج 8 ص 421. 12ـ المكاسب: ص 122 سطر 14. 13ـ المكاسب: ص 121، سطر 2 قبل الأخير. 14ـ جواهر الكلام: ج 22 ص 267. 15ـ مصباح الفقاهة / ج 3 / ص 334. 16ـ وسائل الشيعة: ج / 16، ص / 376، باب / 1، ح / 1. 17ـ وسائل الشيعة: ج 16، ص 376، باب 1، ح 1. 18ـ المستند: ج 2 ص 396. 19ـ مهذب الأحكام: ج 23 / ص 7 ـ 176. 20ـ الشعائر الحسينية: ص 126 إلى 129. 21ـ بشرى الوصول: ج 6 ص 610. 22ـ مصباح الأصول: ج 2، ص 560 (بتصرف). 23ـ بشرى الوصول: ج 6 ص 614. 24ـ وسائل الشيعة، كتاب الديات، موجبات الضمان، باب 9. 25ـ المصدر السابق. 26ـ وسائل الشيعة / كتاب الخلع / الباب 2 / الحديث 1. 27ـ مستدرك الوسائل: ج 3 ص 269، باب 9 ـ الطبعة القديمة ـ. 28ـ بشرى الوصول: ج 6 ص 613، سطر 5. |