|
الأسباب والأدلة العامة |
|
والأسباب والأدلة العامة كثيرة تتكشف للإنسان واحدة بعد أُخرى كلما ازداد بحثاً، وتعمقاً في التاريخ وقد استعرضنا منها سبعة فقط كرؤس أقلام: الأول: تزوج الرسول الكريم ـ أول ما تزوج ـ وهو في الخامسة والعشرين من عمره الشريف، ولو أراد أن يتزوج قبل ذلك بعشر سنوات لكان قادراً بالنظر الى سمو مقامه، ورفعة مكان عشيرته في الجزيرة العربية آنذاك!!! الثاني: اختار النبي السيدة خديجة بنت خويلد لتكون زوجته مدى حياتها؟ مع أنها كانت في سن الأربعين ـ يعني كانت تكبره بخمسة عشر عاماً ـ ومع أنها كانت أرملة قد عرفت قبله زوجين اثنين هما عتيق بن عايذ المخزومي، وأبو هالة زرارة بن نباش الاسيدي التميمي. الثالث: عاش الرسول مع السيدة خديجة خمسة وعشرين عاماً حتى لحقت بالرفيق الأعلى، وفي هذه المدة الطويلة لم يتزوج بغيرها أبداً.. وربما لو كانت تبقى مدى حياة الرسول لما كان يتزوج بغيرها. واذا عرفنا: ان السيدة خديجة هي التي رغبت في الزواج من النبي االكريم، وعرضت عليه تزويجها ـ كما يحدث التاريخ ـ واذا عرفنا: إن الرسول الكريم كان بين آونة وأخرى يعتزلها ليشتغل بالعبادة، ويعكف في غار (حراء) الشهير، حتى أن الإمام أمير المؤمنين ذكر أن النبي أقام في غار حراء ـ في بعض الأحايين ـ سنة كاملة!!! أقول: اذا عرفنا هذين الأمرين نعرف جيداً: إلى أي مدى بعيد كان الرسول يعتزل الجنس لينهمك في شؤون السماء، وإلى أي مدى بعيد كان عفيفاً طاهراً، حتى أنه يكف عن عرض الزواج على إحدى النساء، وربما كان الرسول الكريم يبقى رجلاً أعزب الى سنوات ما بعد البعثة الميمونة، لو لم تتقدم السيدة خديجة إليه بالعرض المبارك!!! الرابع: ابتدأ الرسول في التكثير من الزوجات بعدما أكمل الخمسين عاماً من عمره الشريف، ولو كان هذا التكثير بدافع من الغريزة، لكان عليه أن يبتدئ به في شرخ الشباب، وعنفوان الصبا حيث الغريزة المتوهجة!!! الخامس: توفيت السيدة الجليلة خديجة بنت خويلد في السنة العاشرة من البعثة الميمونة، وعاش النبي الكريم بعدها ثلاث عشرة سنة (ثلاث منها في مكة المكرمة والباقي في المدينة المنورة) وكان الرسول في هذه السنوات العجاف، مركزاً للمصائب والشدائد، ومصباً للهموم والأحزان: فقد توفي أبو طالب ـ عمه وكفيله، وناصره الوحيد، والمؤمن به أشد أيمان ـ في نفس السنة التي توفيت فيها السيدة خديجة، وبذلك توالت مؤامرات قريش ضد الرسول، واشتدت سورة الكفر للقضاء على الإسلام، واغتيال نبي الإسلام، حتى أُجبر على الهجرة... وفي المدينة المنورة، وفي غضون عشر سنوات فقط ـ بلا زيادة ولا نقصان ـ اتفقت للرسول أكثر من ثمانين حرب وغزوة كانت تتلاحق وتتواصل بمعدل حرب كل شهر ونصف، وكانت من الشدة والضراوة بحيث تركت الرسول عليل الجسم، مريض البدن في اكثر الأحايين... وفي خلال هذه الأعوام العشرة المزدحمة بالحروب، والغزوات المتتابعة، والمصائب والكوارث المنهمرة انهمار المطر، شرع الرسول في اتخاذ العديد من الزوجات، بعد ما قنع طوال خمسة وعشرين عاماً بزوجة واحدة، فهل كان ذلك بدافع الغريزة؟ طبعاً: يكون الجواب منفياً إذا عشنا نحن بأرواحنا تلكم السنوات والظروف والأجواء مع الرسول الكريم في مكة المكرمة بلد الذعر الرهيب، وفي المدينة المنورة بلد الحروب الفظيعة والمتاعب!!! السادس: إن جميع زوجات الرسول كن ثيّبات ليس فيهن بكر إلا عائشة بنت أبي بكر التي كانت هي وحدها لم تر الرجال ـ من قبل ـ من بين زوجات النبي، وهؤلاء كن بين أرامل قد استشهد أو مات عنهن ازواجهن، وبين مطلقات قد رغب عنهن الأزواج!!! ومعلوم: أن الذي تقوده الغريزة الجنسية لا يختار سوى الأبكار الشابات، ولا يختار الأرامل والمطلقات. السابع: كانت العادة قد جرت في الجزيرة العربية، بأن يتخذ الرجل لنفسه عدة زوجات، ولا يكتفي بواحدة مهما بلغت في الحسن والجمال، ولكن الرسول أبى إلا أن يعيش مع زوجة واحدة حتى تسلل إليه الشيب زاهداً في الدنيا، واتصالاً بالملأ الأعلى، وتفرغاً للعبادة، وانقطاعاً عن الخلق والعيال الى الله تعالى!!! |