الفهرس

المؤلفات

السياسة والدولة

الصفحة الرئيسية

 

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

 المال عصب الحياة فبدونه تغدو الحياة ميتة أو شبه ميتة. فدورة الحياة لا تتم إلاّ بالمال .. كما أن الدورة الدموية لا تتم إلاّ بقطرات الدم... المال هو الدم الأبيض والأصفر والأسود، الذي يجري في عروق المجتمعات فيحركها، ويدفع بها إلى الأمام. والدم الأبيض هو النقد الذي يتم من خلاله التعامل اليومي. والدم الأصفر هو الذهب الذي تتخذه الدول والشعوب بمثابة رصيد لتغطية النقد والعملة. والدم الأسود هو النفط الذي فجر في عالمنا الإسلامي ينابيع الثروة . إنَّ حركة المال في جسم المجتمع كحركة الدم في جسم الإنسان . فكما يجب أن ينتظم الدم داخل الشرايين والأوردة بصورة متوازنة كذلك يجب أن ينتظم المال في شرايين المجتمع بصورة عادلة ومتوازنة. وكما أن تجمع الدم في نقطة واحدة من البدن يسبب تصلب الشرايين وبالتالي الذبحة الصدرية وأخيراً السكتة القلبية، كذلك المال إذا تجمع في مكان واحد سيعمل على إفساد ذلك المكان وبالتالي القضاء على المجتمع برمته. وكما أن الإنسان يمرض نتيجة لضغط الدم كذلك يمرض المجتمع نتيجة لضغط المال. وتتشابه الأسباب والنتائج بين المال والدم. فمنشأ ضغط الدم هو كثرة تناول الطعام الذي يؤدي إلى زيادة الدم مع قلة الاستهلاك كذلك ينشأ ضغط المال نتيجة زيادته دون أن يستهلك. فكما أن الدم وسيلة كذلك المال وسيلة. فهو يحرك العجلة الاقتصادية في جسم المجتمع كما يحرك الدم المواد الغذائية ويوزعها على خلايا الجسم. فإذا تحول المال إلى هدف وليس إلى وسيلة سيقضي على المجتمع لا محالة كما يقضي تزويد الإنسان الذي لا يحتاج إلى الدم بثلاثة لترات من الدم، فجسم الإنسان لا يتحمل من الدم أكثر من سبعة لترات التي يمتلكها فإذا أضفنا إليه المزيد فسيحدث الانفجار مسبباً هلاكه وموته. المال كذلك يسير، كما يسير الدم في البدن فإذا أضفنا إليه مقداراً فلا بد أن نجد له ما يصرّفه بالمقدار نفسه، وإلاّ فالهلاك قادم إلى المجتمعات المتخمة بالمال دون مصرف وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه القضية الهامة بقوله: {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ}(1) أي تجمع المال في مكان واحد مسبباً التضخم في ذلك المكان. من هنا تأتي أهمية المال في الإسلام، فقد تعامل الفقه الإسلامي مع المال ككائن حي كما يتعامل مع أي موجود آخر، فهناك المئات من الأحكام الشرعية المرتبطة بالمال، وبحركته في المجتمع، وقد جمعها لنا المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قدس سره) في هذا الكتاب القيّم الذي وجدنا فيه الفائدة الكبيرة، فقد تضمن جميع أبواب المال، كيفية الحصول عليه، وكيفية الحفاظ عليه، وكيفية صرفه. وفائدة هذا الكتاب تعمّ المجتمع والأفراد، فالفرد الذي يريد أن يبني لنفسه اقتصاداً زاهراً يجد في هذا الكتاب ضالّته حيث يرشده إلى كيفية طلب المال بالحلال، وكيف يدفع عن نفسه الفقر؟ ذلك المعول الذي يهدم الحياة الرغيدة ويسلب من المجتمعات حلاوة السعادة . فالفقير المعدم يجد في هذا الكتاب طريقاً للغنى ، لأنه يرشده إلى طريق الصواب في كسب المال وجمعه. والغني يجد في هذا الكتاب طريقاً لكسب الآخرة بالمال، لأنّ المال كما قلنا وسيلة وليس هدف. والمجتمع يجد في هذا الكتاب منهاجاً لاقتصاد غني ينعدم فيه الفقر وتسوده العدالة وهذا هو مبتغى الإسلام في المجتمعات. وللوصول إلى هذا المبتغى يسلك الإسلام طرقاً وأساليب عديدة، ومن هذه الطرق كسب المال الحلال. نرجو أن نوفّق للاهتداء بهذا الكتاب وأن نضمن لأنفسنا ولأولادنا ولمجتمعنا عيشاً رغيداً تحت راية الإسلام، والحمد لله رب العالمين.
 
 
مؤسسة الوعي الإسلامي بيروت ـ لبنان

 

(1) سورة الحشر : الآية 7.