المؤلفات |
الاستئذان في الدخول |
كان الاستئذان على الخليفة في عصر الخلفاء الأربعة أن يقف الرجل بالباب ويقول: (السلام عليكم أأدخل؟) فلما انقضى ذلك العصر أقيم الآذنون والحجّاب يتوسّطون للناس بدخولهم على الخليفة بحسب طبقاتهم وفي أوقات معينة. وأول من رتّب المراتب في الدخول على الخليفة زياد بن أبيه في العراق. وكانوا في أيام بني أمية وفي أوائل الدولة العباسية إذا وفد الناس على الخليفة أو الأمير وقفوا ببابه يلتمسون الإذن فإما أن يأذن لهم أو يصرفهم فإذا صرفهم عادوا ثانية وإذا لم يؤذن لهم هذه المرة عادوا ثالثة حتى يؤذن لهم أو يملّوا. ويعبرون عن ذلك بقولهم الإذن الأول والثاني والثالث إلخ ثم جعلوا للوافدين على الخليفة منازل بجوار دار العامة يقيمون فيها ريثما يؤذن لهم. وربما قبّلوا يد الخليفة عند التحية وكانوا في أوائل الإسلام يقبلونها عند البيعة أو تجديد العطاء وعند العفو أو الوداع، وكان الصحابة يفعلون ذلك مع النبي (صلّى الله عليه وآله) وظل متبعاً مع أكثر الخلفاء، ثم ترفّع هؤلاء عن أن يلمس الناس أكفّهم فصار التقبيل للأكمام والعتبات على حسب الاقتدار، والداخلون على الخليفة يجلسون في المواضع اللائقة بمراتبهم ويتولى إجلاسهم الحاجب أو الآذن. |
3 ـ الآداب في مجالسة الخلفاء |
كانت مجالسة الخلفاء في صدر الإسلام مثل مجالسة سائر الناس، ثم منعوا الكلام في حضرة الخلفاء على الإطلاق وأول من منعه عبد الملك بن مروان. وتجبّر الخلفاء بعد ذلك حتى منعوا الناس من مخاطبتهم كما كانوا يخاطبون أسلافهم. وأول من تجبّر الوليد بن عبد الملك فكلّف الناس أن لا يكلّموه كما كانوا يكلّمون أسلافه. وقال له رجل من بني مرة يوماً: (اتق الله يا وليد فإن الكبرياء لله) فأمر به فوطئ حتى مات فاتّعظ الناس وهابوه. ولما استولى القواد على الأمور ضعفت هيبة الخلفاء وذهبت تلك الرسوم حتى أبيح اللعب والضحك والهزل في مجالسهم، وأول من أباحها المتوكل على الله في أواسط القرن الثالث للهجرة، وقد قالوا في الاحتراس من مخاطبة الملوك: (من أراد مصاحبة الملك فليدخل كالأعمى وليخرج كالأخرس). |
4 ـ احتجاب الخلفاء عن جلسائهم |
وأول من احتجب معاوية، والحجاب كان شائعاً عند الفرس من عهد أردشير فكانوا ينصبون في مجلس الملك ستارة بينها وبينه عشرة أذرع وبينها وبين الجلساء عشرة أذرع فقلدهم العباسيون. ثم ضاعفوا الحجاب في بعض الأحوال فاتخذوا عدة أستار الواحد وراء الآخر إلى ثلاثة أو أربعة وفعل ذلك وزراؤهم البرامكة أيضاً وجعلوا لقصورهم عدة أبواب الواحد وراء الآخر. ومن انصرف من حضرة الخليفة مشى القهقرى ووجهه نحو مجلسه حتى يتوارى، وكانوا يجلّون أهل الأدب والعلم ويقرّبونهم ويبذلون لهم الأموال ويدافعون عنهم ولاسيما الرشيد والمأمون. ومن أدلة إجلالهم للعلم أنهم كانوا يحرّضون أبناءهم على تلقّيه وحفظ الأشعار والأخبار ويعيّنون لهم المعلمين من نخبة العلماء المعاصرين، وعهد المأمون إلى الفرّاء بتعليم ولديه النحو واتفق أن الفراء أراد أن ينهض ذات يوم إلى حوائجه فابتدرا إلى نعله ليقدماها له فتنازعا أيهما يقدمها ثم اصطلحا على أن يقدم كل منهما واحدة. |
5 ـ مجالس المناظرة والعلم |
كانت مجالس الأدب في أيام بني أمية وأوائل بني العباس يقتصر البحث فيها على المسائل الأدبية والعلوم اللسانية فلما ترجمت علوم القدماء في العصر العباسي ونشأ علم الكلام شاعت المناظرة بين العلماء والفقهاء. وقد سبق الناس إلى العناية في ذلك البرامكة فكان ليحيى بن خالد مجلس يجتمع فيه المتكلمون وغيرهم من أهل النحل يتباحثون في الكون والظهور والقدم والحدوث والإثبات والنفي وغيرها من الأبحاث الفلسفية المبنية على علم الكلام. ثم اهتم الخلفاء أنفسهم في ذلك، ولما استقرت الدولة الفاطمية بمصر فعل وزيرها يعقوب بن كلس مثل فعل يحيى وزير العباسيين فأنشأ مجالس للمناظرة في الفقه والأدب والشعر وعلم الكلام وغيره، وغرض هذه الدولة إثبات مذهب الشيعة لأن عليه قامت دولتهم، فأخذ الحاكم بأمر الله يفاوض العلماء ويجيزهم ويسهّل عليهم البحث والمناظرة في دار الحكمة التي أنشأها في القاهرة وربما عقدوا حلق المناظرة في الجوامع أو غيرها. |
6 ـ مجالس الغناء والأنس |
تقدم الكلام في تاريخ الغناء وأصله وانتشاره وقد رغب الخلفاء فيه على الخصوص إبان الحضارة وعصر الرخاء والترف وجعلوا للمغنين نوبات يدخلون فيها مجالسهم، ومن أكثر الخلفاء الأمويين رغبة في الغناء وبذلاً للمغنين يزيد بن عبد الملك، وكذلك كان ابنه الوليد بن يزيد. ومن الخلفاء العباسيين المهدي والرشيد والأمين والمأمون والواثق والمتوكل ومن نبغ في أيامهم من الوجهاء والعظماء. ومن توابع مجالس الغناء المضحكون والمجّانون أشهرهم أشعب في دولة بني أمية، وأبو الحسن الخليع الدمشقي في أيام الرشيد، وأبو العبر في أيام المتوكل وكثيرون غيرهم، فكانوا إذا عقدت مجالس الأنس ودارت الأقداح وطرب الخليفة لبسوا ملابس مضحكة يقلّدون بها الدب أو القرد ويعلّقون في أعناقهم الجلاجل والأجراس مما يضحك الثكلى. وكان بعض الخلفاء إذا استخفّهم الطرب كلّفوا هؤلاء المجانين ما لا يطاق من ضروب العذاب وهم يتلذّذون بعذابهم، فالمتوكل كان إذا طرب أمر بأبي العبر المجان أن يرمى به في المنجنيق إلى الماء وعليه قميص حرير فإذا علا في الهواء صاح: (الطريق الطريق) ثم يقع في الماء فيخرجه السبّاح. وكان الأمين إذا طرب صاح في ندمائه وجلاّسه: (من يكون منكم حماري؟) فكل واحد يقول: (أنا) فيركب الواحد ويصله وكان يقع في مجالس الوليد بن يزيد من السكر والفحش في القول والفعل ما نتحاشى ذكره. |
7 ـ مواكب الخلفاء |
كان الخلفاء الأولون كسائر الناس يمشون وحدهم راجلين أو راكبين ثم تدرّج بنو أمية وبنو العباس في الأُبهة بتدرّجهم في أسباب المدنية واتساع السلطة حتى اصطنعوا المحامل أو القباب أو المحفات يحملون بها بدل الركوب على الخيل ثم صاروا يركبون والناس يمشون بين أيديهم. ثم صار الناس يمشون بين أيدي الخلفاء بالسلاح وأول من فعل ذلك الهادي العباسي فكان إذا ركب مشت الرجال بين يديه بالسيوف المرهفة والأعمدة المشهورة والقسي الموتورة فلما خلّفه الرشيد تجاوزه فاتخذ خدماً صغاراً يسمّونهم النمل يتقدّمونه وبأيديهم قسي البندق يرمون بها من يعارضه من الناس. وكان السلاجقة يركبون الطبل والبوق والعلم على رؤوسهم. وأول من صفّت له الجنود يزيد بن الوليد الأموي فكان يخرج يوم العيد بين صفّين عليهم السلاح، وكان الخلفاء الفاطميون يركبون يوم الجمعة إلى الجامع الأزهر بالمظلّة المذهّبة وبين أيديهم نحو 5000 ماشٍ وعلى الخليفة الطيلسان والسيف وبيده قضيب الخلافة حتى يأتي الجامع ويصلي. |
8 ـ احتفالاتهم |
والاحتفالات في التمدن الإسلامي بعضها ديني كالمواليد والأعياد والكسوة، وبعضها وطني كالنيروز والمهرجان، ولهم في كل من هذه الأعياد رسوم وقواعد يبذلون فيها الأموال ويفرّقون الصدقات ويهدون الهدايا من النقود والثياب والحلي وغيرها مما يطول شرحه. فمثلاً في زفاف خديجة بنت الحسن بن سهل المسماة بوران إلى الخليفة المأمون احتفلوا به احتفالاً لم يسبق له مثيل، ذكروا أنه خدم في ذلك الاحتفال 36.000 ملاح ونفذ الحطب يوماً فأوقدوا تحت القدور الخيش مغموساً في الزيت، ولما كانت ليلة البناء وجليت بوران على المأمون فرش لها حصير من الذهب وجيء بمكتل مرصّع بالجواهر فيه دُرر كبار نثرت على النساء وكانت في المجلس شمعة عنبر فيها مائة رطل فضج المأمون من دخانها فعملت له مثلها من الشمع فكان الليل مدة مقامه فيه كالنهار. وبلغت نفقة هذا الاحتفال 50.000.000 درهم وأمر المأمون للحسن بن سهل عند منصرفه بمبلغ 10.000.000 درهم وأقطعه فم الصلح فجلس الحسن وفرق المال على قواده وأصحابه وحشمه وأطلق له خراج فارس وكور الأهواز مدة سنة. وجاء المأمون إلى عروسه في الليلة التالية فنثرت عليه جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب. |
9 ـ استقبال الوفود |
أما استقبال الوفود فقد كان فخيماً يظهرون به عز الإسلام ولاسيما إذا كان القادمون من وفود الدول غير الإسلامية من الروم أو الهند أو الإفرنج. والاحتفال بذلك يختلف باختلاف الأحوال نذكر من أمثلته احتفال المقتدر العباسي برسل جاءوه من ملك الروم سنة305هـ فإنه استقبلهم في دار الشجرة التي تقدم ذكرها وعبّأ لهم الجيوش وُصفّت الدار بالأسلحة وأنواع الزينة وكانت جملة العساكر المصفوفة حينئذ 160.000 رجل بين راكب وواقف. ووقف الغلمان الحجرية بالزينة والمناطق المحلاة وكانوا اثنين وعشرين ألفاً. ووقف الخدم والخصيان كذلك وعددهم سبعة آلاف منهم 4000 خادم أبيض و3000 خادم أسود. ووقف الحجاب وكانوا سبعمائة حاجب وزُيِّنت المراكب والزوارق في دجلة أعظم زينة. وزيِّنت دار الخلافة وكانت جملة الستور المعلّقة عليها 38.000 ستر منها ديباج مذهب 12.500 ستر وكانت جملة البُسط 22.000 بساط واستعرضوا مائة من السباع. |
ألعاب الخلفاء وملاهيهم 1 ـ الصيد والقنص |
كان الصيد معروفاً في الجاهلية ولكنه كان قاصراً على صيد غزال أو طائر بالنبل أو الفخ فلما تمدّن العرب بعد الإسلام وخالطوا الفرس والروم توسّعوا في طرائق الصيد. وأول من اشتغل بالصيد من الخلفاء يزيد بن معاوية وكان صاحب طرب وجوارح وقرود وفهود وله وَلَهٌ بالصيد فاتخذه للهو، حتى إذا أفضى الأمر إلى بني العباس ورسخت أقدامهم في الدولة اهتموا بالصيد وتفنّنوا في تربية الجوارح والكلاب والفهود وغالوا في انتقائها. وكان العباسيون يصيدون السباع والخنازير فضلاً عن الغزلان والطيور وحمر الوحش، وقس على ذلك سائر ملوك المسلمين فقد عدّوا ما اصطاده السلطان ملك شاه السلجوقي من الحيوانات فبلغ عشرة آلاف رأس حتى بنى من حوافر الحمر الوحشية وقرون الظباء التي صادها منارة. |
2 ـ الحلبة أو السباق |
لم تبق أمة من الأمم القديمة أو الحديثة إلا لهجت بالسباق وبعد الإسلام بالغوا في اتخاذ الميادين واستكثروا من الخيول وتفنّنوا في تضميرها. ومن غريب ما ذكروه أن يزيد بن معاوية كان له قرد يكنّى أبا قيس يُحضره مجلس منادمته ويطرح له متكأ وكان نبيهاً خبيثاً يحمله على أتان وحشية قد رُيغت وذُلِّلت لذلك بسرج ولجام وكان يسابق بها الخيل يوم الحلبة. وكان لهشام بن عبد الملك رغبة في الحلبة يختار الخيل الجيدة للسباق ويبذل في اقتنائها الأموال فاجتمع عنده 4000. أما العباسيون فلم يكونوا أقل رغبة في السباق وكانت لهم ميادين كبيرة في الرقة والشماسية. |
3 ـ ارتباط السباع |
وكان من ملاهي الخلفاء والملوك ارتباط الأسود والفيلة والنمور لإثبات الهيبة في قلوب الرعية وأول من اهتم بذلك بنو العباس فكان المنصور كثير العناية في جمع الفيلة لتعظيم الملوك السالفة إياها وكان للرشيد أقفاص فيها الأسود والنمور وغيرها وغالى الذين جاءوا بعده باقتنائها واقتناء الكلاب والقردة ونحوها، ذكروا أنه كان عند أم جعفر زوج الرشيد قرد يخدمه ثلاثون رجلاً وكانوا يلبسونه لباس الناس ويقلّدونه السيف وإذا ركب ركبوا في خدمته وإذا دخلوا عليه قبّلوا يده، فجاء يزيد بن مرثد يوماً إلى أم جعفر ليودّعها قبل سفره فأتوا إليه بالقرد وأمروه أن يقبّل يده فشقّ عليه ذلك وجرّد السيف وقطعه نصفين وانصرف فبعث إليه الرشيد وعاتبه فقال: (يا أمير المؤمنين أبعد أن أخدم الخلفاء أخدم القرود؟ لا والله أبداً) فعفا عنه. واتخذ الخليفة الناصر الأموي في مدينة الزهراء محلات للوحوش والسباع واسعة الأرجاء متباعدة السياج ومسارح للطيور مظلَّلة بالشباك كالأقفاص الكبيرة. |
سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين والعاقبة للمتقين |
كربلاء المقدسة محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي |