الفهرس

فهرس الفصل الخامس

المؤلفات

 العلوم الاخرى

الصفحة الرئيسية

 

من ظهور الدولة العثمانية ولا يزال

قد رأيت أن المغول لم ينشئوا دولة ثابتة في بلاد الإسلام ولم يكن لهم شأن في التمدن الإسلامي وإنما علاقتهم بهذا التمدن أنهم جاءوه والدولة الإسلامية في آخر دورها الأول وفي منتهى التضعضع والضعف بمن حمل عليها من الإفرنج والكرج والأرمن واللان فزادوها ضعفاً وذهبوا ببقية الخلافة العباسية في بغداد وعادوا عنها وهي تكاد تكون في حال الاحتضار وقد تبدّد شملها وليس فيها دولة حية تجمع شتاتها على أن ذلك كان مقدوراً للدولة العثمانية في العصر التركي الثاني ولدولة شاهات الفرس في العصر الفارسي الثاني ويتألف منهما الدور الثاني من تاريخ الإسلام.

فعاد التتر عن المملكة الإسلامية في أوائل القرن التاسع للهجرة ومصر في حوزة السلاطين المماليك يتنازعون على السلطة ويتخاصمون على الكسب، والشام بعضها في أيدي أولئك المماليك وبعضها في أيدي بعض أعقاب الأيوبيين حتى يكاد يكون كل بلد مستقلاً بنفسه، والعراق وبلاد فارس وما بين النهرين يتنازع عليها الايلخانية والجيلارية والمظفرية والقراقيونلية والتيمورية وغيرهم، وما وراء النهر وأفغانستان في سلطة المغول التيمورية، وآسيا الصغرى يتنازعها العثمانيون وبقايا السلاجقة، وسائر بلاد المشرق يختصم عليها بقايا التتر أو بقايا الأتابكة، وشمالي أفريقيا كان منقسماً بين المدينية والحفصية، والأندلس لم يبق منها في سلطة المسلمين إلا الدولة النصرية في غرناطة، وجزيرة العرب تحكمها إمارات صغيرة تتحارب ويغزو بعضها بعضاً. وهذه الدول مع ضعفها واختلال أحوالها تجمعها خلافة أضعف منها هي بقية الخلافة العباسية في الديار المصرية.

تلك كانت حالة العالم الإسلامي من الاضطراب والتضعضع عند تغلب الدولة العثمانية فجاءت إبان الحاجة إليها فافتتحت القسطنطينية وقد يئس المسلمون من فتحها بعد أن حاولوا مراراً. وحارب العثمانيون أعظم ملوك أوربا وطاردوهم إلى بلاد المجر وحاصروا فينَّا عاصمة النمسا وأخذوا الجزية من الأرشيدوق فردينان واكتسحوا البحر الأبيض إلى شواطئ إسبانيا فارتعدت أوربا خوفاً منهم، وفتحوا المشرق إلى العراق ثم ساروا جنوباً غربياً حتى فتحوا الشام ومصر وفيها بقية الدولة العباسية فتنازل العباسيون لهم عن الخلافة، فامتدت مملكتهم في أيام السلطان سليمان سنة (926 ـ 974هـ) من بودابست على ضفاف الطونة إلى أسوان على ضفاف النيل ومن الفرات بالعراق إلى بوغاز جبل طارق فاجتمع العالم الإسلامي الغربي تحت جناح الدولة العثمانية ولا يزال، وكان اجتماع الخلافة والسلطة فيها سبباً لطول بقائها أكثر مما تقدمها من الدول الإسلامية حتى العباسيين مع طول مدة ملكهم لأن سلطتهم أصبحت بعد القرن الثالث من إنشاء دولتهم اسماً بلا رسم.

ونهض الصفويون من الجهة الأخرى في بلاد فارس وبين النهرين فأنشأوا دولة شيعية كبرى جمعت تلك البلاد الشيعية في حوزتها ثم انتقلت إلى الدولة القاجارية الباقية إلى الآن كما جمعت الدولة العثمانية البلاد السنية. فالعالم الإسلامي الآن في دوره الثاني تحكمه دولتان إسلاميتان كبيرتان الدولة العثمانية في الشمال والغرب وهي سنية والشاهات القاجارية في الشرق وهي شيعية وليس من شأننا النظر في سياستهما في هذا الكتاب.