المؤلفات |
الأسرار في الدولة العباسية |
واشتهر بنو العباس على الخصوص بحفظ الأسرار والتكتم فيما ينوونه وكانوا يفرضون ذلك على مواليهم ورجال بطانتهم ولاسيما في ما يحتاجون إليه لتثبيت دعائم دولتهم، فربما كان خادم الرجل أو جاريته عيناً عليه وقد يقيم الخليفة الجواسيس والرقباء على أولاده أو أخوته أو يقيم ولاة العهد الرقباء على آبائهم كما فعل الأمين والمأمون بأبيهم الرشيد فقد كان رقيب المأمون على أبيه مسروراً الخادم ورقيب الأمين جبرائيل بن بختيشوع الطبيب وكانوا يحصون أنفاسه، وبمحافظتهم على الأسرار والتكتم في أعمالهم أشكل على الناس كثير من الحوادث التي جرت في أيامهم ولم يفهموا أسبابها، فنكبة البراكمة مثلاً تكهّن المؤرخون في تدوينها رجماً بالغيب وذهبوا في أسبابها كل مذهب، وكم من قتيل لم يعرف قاتله فحسبوه مات من أكلة عنب أو تمر أو غير ذلك وإنما قتل مسموماً بدسيسة بعض الخلفاء أو القواد أو ولاة العهد إلى طبيبه أو صاحب داره. |
اختلاط الأنساب بعد الإسلام |
قد رأيت ما كان للعرب من العناية في حفظ أنسابهم حتى كانوا يحتقرون من لم يكن مولوداً من أبوين عربيين فإذا كان أبوه غير عربي سموه المذرّع أو كانت أمه أعجمية سموه الهجين. وإذا كانت أمه أمة استعبدوه فإذا أنجب اعترفوا به وإلا ظل عبداً. أما بنو أمية فظلوا على احتقارهم بني الإماء إلى أواخر دولتهم وكانوا لا يستخلفونهم وقالوا لا يصلح لها إلا العرب. على أن طبيعة العمران غلبت على ما أراده الأمويون من حفظ النسب العربي وقضى الاختلاط بالأعاجم باختلاط الأنساب حتى في الخلفاء من بني أمية فبايعوا في أواخر دولتهم لأبناء الإماء. وأول من تولى الخلافة من الخلفاء الهجناء يزيد بن الوليد بن عبد الملك سنة 126هـ. أما بنو العباس فقامت دولتهم بالموالي وقد ضعفت في أيامهم العصبية العربية لكثرة الاختلاط فأصبحوا لا يعتدّون بالأم على الإطلاق وكان أكثر خلفائهم من بني الإماء حتى أصبحت العصبية العربية تُنسب إلى البلاد، فأهل الشام ومصر والعراق والمغرب مثلاً يعدون من العرب وهم بالحقيقة أخلاط من العرب والترك والديلم والجركس والروم والفرس والأرمن والكرج وغيرهم ولكن الرجل إذا نزل بعض هذه البلاد عدَّ في بادئ الرأي غريباً، فإذا قطنها وتناسل فيها كان أولاده مولدين فإذا توالت عليهم الأجيال سمّوا عرباً. |