الفهرس

فهرس الفصل الرابع

المؤلفات

 العلوم الاخرى

الصفحة الرئيسية

 

الشيعة العلوية في العصر العباسي

وكان الخراسانيون ومن والاهم من أهل طبرستان والديلم قبل العباسيين من شيعة علي (عليه السلام) وإنما بايعوا للعباسيين مجاراة لأبي مسلم أو خوفاً منه. فلما رأوا ما حلّ به من القتل غدراً غضبوا وتعاقدوا على الأخذ بثأره ثم رأوا المنصور فتك بالراوندية إخوانهم وهم من أصحاب أبي مسلم ثم بنى بغداد وتحصّن فيها فتربصوا وإذا هو قد حارب العلويين وبطش فيهم وفرّ من بقي من ولد علي (عليه السلام) إلى أطراف المملكة الإسلامية في خراسان والمغرب وأخذوا يبثون دعاتهم وينشرون دعوتهم سراً فكان الخراسانيون من أقوى أنصارهم انتقاماً من المنصور لقتله أبي مسلم وعملاً بتعاقدهم عليه، واتفق أن نكث هارون عهد بعض الشيعة وأمر بعض بني برمك بحبسه، ثم إن البرمكي أطلقه لما كان يرى من أن الشيعي مظلوم فلما علم الرشيد بذلك أضمر الغدر ببني برمك. وبعث الرشيد خادمه مسروراً ليأتيه برأس جعفر فذهب إليه وقتله كما هو مشهور. ووجه الرشيد من أحاط بأبيه يحيى وسائر أولاده وبأخيه الفضل ليلاً فحبسهم وقبض ما وجد لهم من مال وضياع ومتاع وغير ذلك وأرسل إلى سائر البلاد يقبض على أموالهم ووكلائهم ورقيقهم وأسبابهم ولم يتعرّض لمحمد بن خالد لأنه كان من جملة الساعين بهم وأسند الوزارة بعدهم إلى الفضل بن الربيع عدوهم، ثم ندم الرشيد على قتل البرامكة وكان إذا ذكرهم بكى وقد أصاب جعفر من الرشيد ما أصاب بزرجمهر وزير كسرى ابرويز إذ اتهمه كسرى بالزندقة فقبض عليه وقتله ثم ندم على قتله.

فالرشيد فتك بالبرامكة لأنه خافهم على سلطانه فعمل بسياسة العباسيين في تأييد دولتهم، إذ اتهم جعفر وشك فيه فقتله، أما العلويون فكان لا يخاف الله فيهم ولا في من يدعو إليهم أو ينصرهم.

الأمين والمأمون أو العرب والفرس

لما قتل البرامكة على هذه الصورة غضب أهل خراسان وتضاعفت نقمتهم على الدولة العباسية وتعاقدوا على الأخذ بثأر أبي مسلم والبرامكة وتربصوا يترقبون الفرص، وتوجهت آمالهم إلى المأمون لأن أمه فارسية وقد شب في حجر جعفر البرمكي على الميل إلى الشيعة العلوية، فمات الرشيد والمأمون في خراسان.

الفضل بن سهل وعلي الرضا (عليه السلام)

فلما بلغ المأمون موت أبيه خاف على نفسه فجمع خاصته بمرو وشاورهم في الأمر وأظهر لهم ضعفه وأنه لا يقوى على أخيه فساعدوه ووعدوه خيراً. وقال له الفضل بن سهل: (أنت نازل في أخوالك وبيعتك في أعناقهم اصبر وأنا أضمن لك الخلافة) فاطمأن خاطر المأمون بهذا الوعد الصريح وقال له: (قد صبرت وجعلت الأمر إليك فقم به) وسماه ذا الرئاستين أي رئاسة السيف ورئاسة القلم.

فبذل الفضل جهده في نصرة المأمون لأنه إنما يعمل لنفسه ووطنه وأمته واستمال الناس وضبط الثغور، وتعاظمت العداوة بين الأخوين الأمين والمأمون وقطعت الدروب بينهما من بغداد إلى خراسان وأبطل كل منهما اسم أخيه من الخطبة وتجردت الجيوش وحدثت معارك هائلة فاز فيها جند المأمون وهم الفرس بقيادة طاهر بن الحسين وانتهت الحرب بفتح بغداد وقتل الأمين سنة 198هـ وقد حملوا رأسه إلى المأمون في خراسان. ثم إن المأمون بايع لعلي الرضا (عليه السلام) سنة 201هـ وجعله الخليفة بعده ولقبه (الرضا من آل محمد) وأمر جنده بطرح السواد لباس العباسيين ولبس الخضرة وكتب بذلك إلى الآفاق ثم إن المأمون غدر بفضل بن سهل فدسّ إليه أناساً قتلوه في الحمام بسرخس مغافصة ثم حاكمهم على قتله وقتلهم به، وفكر في بيعة علي الرضا (عليه السلام) فأعظم أن يرجع عنها وخاف إذا رجع أن يثور عليه أهل خراسان ويقتلوه فعمد إلى سياسة الفتك فدسّ إليه من أطعمه عنباً مسموماً فمات. ودفعاً للشبهة في ما اشتهر به من حب آل أبي طالب فإنه اضطهدهم ومنعهم من الدخول عليه وأمرهم بلبس السواد فاضطرب أمر الشيعة في بغداد مع بقاء النفوذ للفرس وهم يكتمون تشيعهم إلى آخر خلافة الواثق فلما تولى المتوكل سنة 232هـ اضطهد الشيعة وشدد النكير عليهم لأنه كان قد ربي من حداثته بين جماعة أهل عصبية عربية يكرهون الفرس أو الشيعة. فلما تولى المتوكل أمر بهدم قبر الحسين بن علي (عليه السلام) وهدم ما حوله من المباني ومنع الناس من إتيانه وبالغ في بغضه عليّاً وأهل بيته حتى جعله سخرية، ذكروا أنه كان في جملة ندمائه مخنث اسمه عبادة كان يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع تشبهاً بالإمام علي ويرقص ويقول: (قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين) يعني علياً (عليه السلام) والمتوكل يشرب ويضحك وغلبت السنّة في الدولة من ذلك الحين وقوامها الأتراك، وبذهاب أمر الشيعة من بغداد ذهب نفوذ الفرس منها وبخلافة المتوكل ينقضي العصر الفارسي الأول.