الفهرس

فهرس الفصل الرابع

المؤلفات

 العلوم الاخرى

الصفحة الرئيسية

 

الإمارات العربية والعنصر العربي

نريد بالعصر العربي الثاني العصر الذي جدّد فيه العرب سطوتهم وأعادوا سلطانهم ونفوذهم في الدولة بعد أن غلب الفرس على أمورهم واستبدوا بهم. على أن بعض القبائل العربية تمكّنت بأسباب مختلفة من إنشاء إمارات صغيرة في ما بين النهرين والشام تحت رعاية العباسيين وقد ساعدهم على ذلك ما قام من الفتن والحروب بين الخلفاء العباسيين ووزرائهم الفرس وأجنادهم الأتراك في القرن الرابع للهجرة ورأوا الفرس والترك يستقلون بولاياتهم فقلّدوهم، فاستقلّ آل حمدان من بني تغلب بالموصل وحلب وغيرهما من سنة 317 ـ 394هـ وكانت دولتهم عربية أحيوا بها معالم العرب وآدابهم وعُرفت بالدولة الحمدانية أشهر أُمرائها سيف الدولة وقد اشتهر بما نظّمه فيه أبو الطيِّب المتنبي.

ونشأت في حلب في ذلك القرن أيضاً دولة عربية أخرى اسمها المرداسية نسبة إلى أسد الدولة صالح بن مرداس من قبيلة بني كلاب من المضرية، فحكم في حلب هو وأولاده من سنة 414 ـ 472هـ وخلف الحمدانية بالموصل دولة بني عقيل من كعب من المضرية فتولوها من سنة 386 ـ 489هـ وظهرت في أثناء ذلك دولة عربية رابعة عرفت بالمزيدية نسبة إلى مزيد الشيباني من قبيلة أسد وقد أنشأوا مدينة الحلة في العراق وحكموا من سنة 403 ـ 545هـ.

وهناك دولتان أنشأهما رجال من العرب في العصر العباسي الأول وفي بلاد غير عربية فالأَولى أن تُعدّا من الدول الأعجمية وهما: الدولة الدلفية التي أنشأها أبو دلف العجلي في كردستان، والعلوية التي أنشأها الحسن بن زيد في طبرستان. وإذا أضفنا إلى ما تقدم دولة الأغالبة التي استقلت بالمغرب قبل سائر فروع الدولة العباسية ودولة الأدارسة الآتي ذكرها بلغ عدد الدول العربية الصغرى في النهضة العربية الثانية ثماني دول، غير الإمارات العربية الصغرى التي ظهرت في بلاد اليمن كالزيادية في زبيد واليعفورية في صنعاء وغيرها، على أن هذه الدول قلّما أثّرت في إحياء سطوة العنصر العربي أو إرجاع شوكة العرب لأنها كانت تعترف بخلافة العباسيين وتبايع لهم إلا العلوية والأدارسة. فالنهضة العربية في العصر العربي الثاني الذي نحن في صدده قلما أثّرت في إحياء العنصر العربي، وقد تقلبت على كل من الدولتين الأموية في الأندلس والفاطمية بمصر أحوال مختلفة في سياستها وشؤون حكومتها لا بأس من الإتيان على خلاصتها.

سياسة بني أمية في الأندلس

من سنة 138 ـ 422هـ

اقتدت هذه الدولة في سياستها بالدولة العباسية مثل سائر الدول التي عاصرتها أو نشأت بعدها. فمؤسسها عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان كان شديداً مثل جده عبد الملك نجا من مذبحة أهله في مجلس السفاح سنة 132هـ وهرب من العراق يطلب بلاد المغرب بمساعدة مولى له اسمه بدر لم يدخر وسعاً في إنقاذه وحمايته في أثناء ذلك الفرار حيث المسافة طويلة وأهل البلاد ناقمون على الأمويين. فلما وصل به إلى المغرب سعى له في جمع الأحزاب فقطع بوغاز جبل طارق إلى الأندلس وفيها من موالي بني أمية نحو خمسمائة رجل فأخبرهم بقدوم مولاه وحرّضهم على نصرته لاستبقاء هذه الدولة هناك فنصروه وجمعوا كلمة المضرية واليمنية ـ وجمعها صعب في ذلك العهد ـ فبعد حروب كثيرة مهّدوا له الدولة واستقدموه إليهم فدخل الأندلس وتولى أمورها سنة 138هـ ولذلك سموه (الداخل) حَكَمها أولاً باسم الدولة العباسية وخطب بها للمنصور نحو سنة ثم استقل لنفسه، واتفق في أثناء ذلك أن المنصور العباسي أهان مالك بن أنس إمام المدينة لمّا علم من إفتائه بخلع المنصور لأنه كان قد بايع للعلويين فاغتنم الأمويون نقمة مالك عليه وقرّبوه منهم وأكرموه فانتفع كل منهما بصاحبه. فالأمويون رأوا فيه إماماً كبيراً ينصر دعوتهم أو يؤيدها من حيث الدين ويطعن في خلافة بني العباس. ورأى مالك في الأمويين ملجأً كبيراً وتعزية لما ذاقه من شدة بني العباس، فشاع مذهب مالك في الأندلس من ذلك الحين وكانوا قبلاً على مذهب الأوزاعي مثل أهل الشام، وقد نقلوا الفتوى إلى رأي مالك في أيام الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل.

ملوك الطوائف بالأندلس

وبلغت الأندلس إبان مجدها في أيام عبد الرحمن الناصر المتوفى سنة 350هـ ، وكان عاقلاً كريماً توفّرت الثروة في خلافته وكانت أيامه مثل أيام هارون الرشيد في بغداد من حيث الرغد والرخاء. وخلفه ابنه الحكم وكان محباً للعلم والعلماء مثل المأمون بن الرشيد وبلغت مملكة الأندلس في أيام هذين الخليفتين إلى أوج مجدها سطوة وأُبهة وثروة وأخذ شأن الخلافة بعدهما بالانحطاط فاستبد أهل الدولة وجندها في الأحكام وهم موالي الأمويين من البربر والصقالبة كما استبد الفرس والأتراك في الدولة العباسية، ومازالت الدولة هناك آخذة بالانحلال حتى اقتسمها الولاة البربر وغيرهم بأسرع مما حدث في الدولة العباسية لضعف اعتقاد المسلمين بصحة خلافة بني أمية ولأن العباسيين أرسخ قدماً في الخلافة لقرابتهم من النبي (صلّى الله عليه وآله)، فانقسمت مملكة الأندلس في أوائل القرن الخامس للهجرة إلى إمارات تولاها أصحاب الأطراف والرؤساء وفيهم العرب والبربر والموالي فتغلب كل إنسان على ما في يده فصاروا دولاً صغيرة متفرقة ولذلك سمّوا ملوك الطوائف أشهرهم سبعة حكموا من 407 ـ 536هـ.

ولم تطل سيادة هذه الدول فغلبت عليهم دولة المرابطين ثم الموحدين وظل الانقسام متتابعاً بين تلك الممالك والخصام متوالياً والإفرنج يغتنمون ضعفهم وانقسامهم ويسترجعون مملكتهم إمارة بعد إمارة وبلداً بعد بلد حتى غلبوا على المسلمين وأخرجوهم من الأندلس، وآخر مدينة افتتحها الإفرنج من تلك المملكة غرناطة وكانت في حوزة بني نصر نسبة إلى يوسف بن نصر من سنة 629هـ توالى عليها منهم بضعة وعشرون ملكاً آخرهم أبو عبد الله محمد بن علي فاستخرجها الإفرنج من يده سنة 897هـ وفرّ أبو عبد الله وكان ذلك آخر عهد المسلمين بالأندلس