الفهرس

فهرس الفصل الأول

المؤلفات

 العلوم الاخرى

الصفحة الرئيسية

 

انتشار الإسلام ودوله الثلاثة

يبدأ تاريخ الإسلام بالهجرة فقد هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة فراراً مما كان القرشيون يسومونهم إياه من التعذيب والإهانة وهم قليلون لا يقوون على دفعهم، ورأوا من أهل المدينة مؤازرة ونصرة بما أظهروه من البيعة المعروفة بـ(بيعة العقبة)، فأمرهم النبي (صلّى الله عليه وآله) بالهجرة إلى المدينة فلاقاهُ أصحابه هناك بالترحاب وأنزلوه وأنزلوا الذين هاجروا معه على الرحب والسعة.

التعاهد بين الأنصار والمهاجرين

وأول عمل باشره النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد نزوله هناك المعاهدة بين أصحابه المسلمين (المهاجرين والأنصار) وبين اليهود من أهل يثرب على الاتحاد والتكاتف في الدفاع عن المصالح العامة.

الغزوات

فلما فرغوا من ذلك فكّروا في ما بينهم وبين أهل مكة من العداء، فعمدوا إلى مقاتلتهم(1) لنصرة الإسلام فحدثت الغزوات المشهورة وهي أول الحروب الإسلامية.

ثم أرسل الرسول (صلّى الله عليه وآله) كتباً بيد رسله إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام ومنها كتابه إلى المقوقس والي مصر، وبعث جنداً لمحاربة الروم في الشام فحاربوهم في قرية من قرى البلقاء في حدود الشام بما يلي حوران اسمها (مؤتة) وتلك أول حروبهم مع الروم.

محاولة فتح الشام

فلما اعتز المسلمون ودانت لهم جزيرة العرب كلها تقريباً عادوا إلى توسيع دائرة الفتح فأمر النبي (صلّى الله عليه وآله) سنة 9هـ بالتجهّز لإعادة الكرّة على الروم، فجهّزوا جنداً عدده ثلاثون ألفاً فيهم عشرة آلاف فارس، وتلك أكبر حملة استطاعها المسلمون إلى ذلك الحين بذلوا فيها كل ما في وسعهم من المال والرجال، ولكنهم لقوا في الطريق شدة عظيمة من العطش فنزلوا قرية بين المدينة والشام اسمها (تبوك) وهم يظنّون أن الروم يجتمعون إليها ومعهم عرب لخم وجذام، فجاءهم صاحب أيلة (وهي مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام في رأس خليج العقبة) فصالحهم على الجزية.

وفي السنة الحادية عشرة للهجرة توفي صاحب الشريعة الإسلامية والإسلام لا يزال حديثاً فسعى الذين حطّ الإسلام من نفوذهم أو وقف في سبيل أغراضهم للنيل منه فارتدّت معظم قبائل العرب عنه، إلا أهل المدينة ومكة والطائف وأصبح الإسلام في خطر شديد.

أما وجه مبايعتهم أبا بكر دون سائر المهاجرين وفيهم العباس عم النبي وعلي بن أبي طالب ابن عمه وغيرهما من بني هاشم أهل بيته ففيه نظر، والظاهر من أقوال عمر وغيره في مواقف مختلفة أن السبب في هذه المبايعة أنهم رأوا بني هاشم قد اعتزّوا بالنبوة لأن النبي منهم فلم يستحسنوا أن يضيفوا إليها الخلافة.

وتوفي أبو بكر وقد أوصى بالخلافة لعمر بن الخطاب وليس هو أكبر سائر المهاجرين سناً لكن الصحابة لم يكونوا مخيَّرين في خلافته لأن أبا بكر أوصى له بها.

وفي أيامه فتح بيت المقدس واشترط أهلها أن يأتي عمر بنفسه لعقد الصلح على يده وفتحت المدائن عاصمة الفرس سنة 16هـ ثم أوغلت جنود المسلمين في فارس وفتحت الجزيرة وأرمينيا سنة 17هـ وفتحوا مصر على يد عمرو بن العاص، ثم فتحوا طرابلس الغرب، وقتل عمر سنة 23هـ وخلفه عثمان بن عفان ونظراً لكثرة الفتوح في أيامه نذكر الأسباب التي ساعدت عليها.

الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام

للكتّاب وأهل النقد بحث طويل وجدال عنيف في الأسباب التي ساعدت العرب على فتح بلاد الروم والفرس وقهر القياصرة والأكاسرة برجال يكاد لا يزيد عددهم على عدد حامية مدينة من مدن أولئك، مع ما كان عليه العرب يومئذ من سذاجة المعيشة وقلة التدريب في فنون الحرب وضيق ذات اليد وضعف العدّة، والروم والفرس أعظم دول الأرض يومئذ وعندهما العدّة والرجال والحصون والمعاقل.

ولنبحث أولاً في الأسباب التي جرّأت العرب على مهاجمة تينك المملكتين وهم أهل بادية ما برحوا من أجيال متطاولة ينظرون إلى الروم والفرس نظر الاحترام والتهيّب. والجواب على ذلك أن العرب ـ أصبحوا بعد الإسلام غير ما كانوا عليه قبله ـ كانوا قبائل مشتّتة متباغضة فأصبحوا أمة واحدة متحدة بقلب رجل واحد، واعتقدوا صدق الدعوة بأن الله ينصرهم حيث توجّهوا، هذا الاعتقاد هو الذي جرّأ العرب على ركوب هذا المركب الخشن، غير ما ذاقوه من حلاوة النصر في غزواتهم وسراياهم في أيام النبي (صلّى الله عليه وآله)، والإنسان إذا خدمه التوفيق في تجارة هان عليه المخاطرة بكل ما له في سبيل تلك التجارة، بالإضافة إلى ما ألفت أنظارهم من خصب البلاد المفتوحة.

ولنذكر ذلك بشيء من التفصيل:

1 ـ الاتحاد بالإسلام

أما الاتحاد بالإسلام فإنه ظاهر في كل أعمالهم ويؤيده أن الإسلام عنوان التوحيد كما يتّضح من مراجعة القرآن والحديث ولا تكاد تخلو خطبة من خطب الخلفاء أو الأمراء في صدر الإسلام من الإشارة إلى تلك الوحدة وتذكير المسلمين بما كان عليه آباؤهم في الجاهلية من التفرّق والتشتّت وما يدعوهم إليه الإسلام من نزع العصبية وتوحيد الكلمة، وقد زاد متانة تلك الوحدة اجتماعهم خمس مرات في اليوم للصلاة خلف الإمام أو من يقوم مقامه.

2 ـ اعتقادهم صدق الدعوة

وأما اعتقاد العرب صدق الدعوة وأنهم كانوا يعملون لآخرتهم لا لدنياهم فظاهر من أقوالهم وأعمالهم في أثناء الفتح، كقول المغيرة ـ لما قال له رستم القائد الفارسي في أثناء واقعة القادسية: (إنكم تموتون فيما تطلبون) ـ : (يدخل من قتل منّا الجنة ومن قُتل منكم النار ويظهر من بقي منّا على من بقي منكم).

3 ـ خصب البلاد المفتوحة

وقد زاد العرب رغبةً في حرب الشام والعراق ومصر ما علموه من خصب تلك الأرضين، وكثرة خيراتهما وبلادهم قاحلة لا تفي بحاجاتهم بعد تلك النهضة الدينية.

ذلك ما جرّأ العرب على الفتح، أما ما ساعدهم عليه فهاك تفصيله:

1 ـ نشاطهم وخفة أحمالهم

لأنهم أهل بادية تعوّدوا خشونة العيش فأصبحوا لا يبالون بالجوع ولا العطش، إذا سافر أحدهم إلى حرب لا يحمل معه شيئاً يثقل كاهله أو يشغل بعيره، وقد لا يحملون طعاماً وإنما يقتاتون بما يكسبونه بالغزو في أثناء الطريق.

وأما الرومي أو الفارسي فلا يستطيع الانتقال إلى الحرب إلا بالأحمال والأثقال من المؤونة والذخيرة مما لا يقوى على حمله إلا المركبات، والمركبات تحتاج في جرِّها إلى دواب والدواب تحتاج إلى طعام ومياه.

2 ـ اعتقادهم بالقضاء والقدر

وإن الإنسان لا يموت إلا إذا جاء أجله فإذا أتت ساعته مات ولو كان على فراشه وإذا تأخّر فلا يُصاب بسوء ولو كان تحت حدّ السيوف.

3 ـ مهارتهم في ركوب الخيل ورمي النبال

فقد كانوا أمهر من الروم والفرس فيهما، وخيل العرب أنجب من خيول أولئك وكانت أكثر وقائعهم بالمبارزة بين الأفراد على جري العادة في تلك العصور.

4 ـ رجال صدر الإسلام

وقد اختص صدر الإسلام برجال توفّرت فيهم شروط النصر وقد امتاز ذلك العصر بنبوغ الرجال العظام. فنبوغ الرجال في أوائل الإسلام كان من أكبر العوامل في سرعة نجاحه، وكان المسلمون يعلمون ذلك.

5 ـ الصبر والمطاولة

أصبح العرب بعد فشلهم في واقعة مؤتة، وقد عرفوا قوة الروم وخبروا كثرتهم وعلموا أن قتالهم غير قتال أهل البادية الذين كانوا يغزونهم ببلاد العرب، فلما تحقّقوا ذلك جعلوا عدّتهم في حروبهم الصبر والمطاولة، والصبر هيّن عليهم لاكتفائهم بالشيء اليسير من الطعام واللباس كما تقدم.

6 ـ نجدة العرب

كان الإسلام في أول أمره نهضة عربية والمسلمون هم العرب حتى أصبح اللفظان مترادفين في كثير من الأحوال، وكان العرب أقرب الأمم للدخول في الإسلام لما اختصّهم به دون غيرهم من الافتخار. فكان العرب الموجودون في مختلف البلاد أقرب سائر الأمم إلى نجدة الإسلام لما قدمناه، ولأسباب أخرى تختص بكل قبيلة على حدة، كحقد عرب اليمن على الفرس منذ فتحوا بلادهم وحكموهم قبل الإسلام، وكانت ربيعة تقيم في الجزيرة ببلاد الفرس وكانوا عوناً للعرب المسلمين على الفرس نكاية في هؤلاء.

وكثيراً ما كان هؤلاء العرب وغيرهم من أهل الشام الأصليين يساندون المسلمين على الروم فراراً من أداء الجزية.

7 ـ خط الرجعة

ثم إن العرب كانت قاعدتهم في حروبهم هناك المحافظة على خط الرجوع فلا يقاتلون الفرس أو الروم إلا وهم في حيطة، وكان حفظ ذلك الخط هيّناً عليهم لأنهم كانوا يجعلون الصحراء وراءهم وهي ملجأهم، فإذا اندحروا لا يستطيع الروم أو الفرس اللحاق بهم ولا يهمّهم ذلك اللحاق، ومتى عاد الروم إلى مساكنهم عاد العرب عليهم.

8 ـ واقعة اليرموك وواقعة القادسية

تلك كانت القاعدة في حروب العرب بالشام والعراق الشهيرة فقاتلوا قتالاً شديداً حتى أن النساء كنّ يقاتلن بالعصي، فانتصر المسلمون وكان هذا النصر مقدّمة سائر ما نالوه في الشام، وكذلك واقعة القادسية في العراق فقد كانت فاتحة نصرهم على الفرس، وقد صبروا في هذه الواقعة صبراً جميلاً وطال أمرها كثيراً.

9 ـ نقمة الرعايا على حكّامهم

كما أن من أسباب نصر المسلمين ما كان من انقسام الروم والفرس فيما بينهم وانحطاط الهيئة الاجتماعية فيهم، فضلاً عما كان من الشحناء بين الرعية أهل البلاد الأصليين وحكامهم وخصوصاً في مصر والشام

10 ـ اليهود

وكان الروم مع انقسامهم إلى طوائف وأحزاب قد أجمعوا على اضطهاد اليهود كما تقدم، ولما جاء المسلمون لفتح الشام كانت البغضاء قد بلغت أوجها ويودّ اليهود أن يخسروا أموالهم ـ مع رغبتهم في الأموال ـ في سبيل الانتقام من الروم، وفي الواقع كثيراً ما كانوا عوناً للعرب عليهم وكانوا يدلّونهم على عورات المدن ويدخلونهم إليها.

11 ـ عدل المسلمين ورفقهم وزهدهم

وكان لهذه المناقب تأثير عظيم في من يدخل سلطان المسلمين من رعايا الروم أو الفرس، وتلك كانت الوصية الأولى التي يتزودون بها إذا خرجوا للفتح.

12 ـ التسوية بين الناس

ومن هذا القبيل التسوية بين طبقات الناس رفيعهم ووضيعهم.

13 ـ استبقاء الناس على أحوالهم

وكان العرب إذا فتحوا بلداً أقروا أهله على ما كانوا عليه من قبل لا يتعرّضون لهم في شيء من دينهم أو معاملاتهم أو أحكامهم المدنية أو القضائية أو سائر أحوالهم.

فلم يكن استيلاء المسلمين ثقيلاً على الناس بل كان الأهالي كثيراً ما يفضّلونهم على حكّامهم الأصليين، والجزية التي كانوا يتكلّفون بدفعها إلى المسلمين أقل بكثير من مجموع الضرائب التي كانوا يؤدونها إلى الروم أو الفرس.

الخلاصة

وجملة القول أن المسلمين لم يجرّئهم على الفتح ويساعدهم عليه إلا الدين وشدة الاعتقاد بالنصر، مع ما كان من مهارتهم في الفروسية ورمي النبال وقوة أبدانهم ونشاطهم من عيشة البداوة مع المطاولة في الحرب ونبوغ أفراد منهم في الرأي والشجاعة، فضلاً عن عدلهم ورفقهم واختلال أحوال الروم والفرس.

الفتنة

وفي زمن عثمان حدثت الفتنة، حيث أدّت إلى مقتلة سنة 35هـ فتغيّر طور التاريخ الإسلامي.

علي (عليه السلام) وطلحة والزبير

فلما قُتل عثمان اختلفوا في مَن يخلفه من كبار الصحابة، وكان غرض أهل مصر في علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وغرض أهل البصرة في طلحة بن عبيد الله، وغرض أهل الكوفة في الزبير بن العوام، وكان أكثر مسلمي الشام من بني أمية وهم يريدونها لعثمان أو مَن يخلفه منهم، وأما أهل المدينة فكانوا يريدونها لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) جرياً على عادتهم في نصرة أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) منذ هاجر النبي (صلّى الله عليه وآله) إليهم.

فلما قُتل عثمان رأى معاوية سبيلاً لالتماس الخلافة فعرض قميص عثمان الملطَّخ بالدم في مسجد دمشق ودعا الناس للمطالبة بثأره لأنه من رهطه واتّهم علياً وأصحابه بقتله وقد وقعت بين علي (عليه السلام) من جانب وبين طلحة والزبير وقعة الجمل، وبينه وبين معاوية وقعة صفين وانتهى الأمر بأن قتل علي (عليه السلام) على يد الخارجي ابن ملجم.

بنو أمية

وانتقلت الخلافة إلى بني أمية وأوّلهم معاوية بن أبي سفيان، والخلافة في عهد بني أمية سلطنة دنيوية يحكم فيها الخليفة بالدهاء والسياسة، ويستدني الناس بالإرهاب ويؤيد سلطانه ببذل الأموال.

واقتبس معاوية من الروم أسباب البذخ ودواعي الترف وقلّدهم في أُبّهة الملك، فأقام الحرس يحملون الحراب بين يديه إذا مشى أو قام للصلاة، وبنى لنفسه قصراً نصب فيه السرير وأوقف الحاجب ببابه وبنى مقصورة في المسجد إذا جاء للصلاة صلّى فيها.

والأسباب التي أعانت معاوية على إخراج الخلافة من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) وحصرها في قبيلته ـ وهو وكل الذين بايعوه يعتقدون أن أهل البيت أحقُّ بها منه ـ عديدة:

منها: أن معاوية استخدم في شدّ أزره رجالاً هم أشهر دهاة الإسلام، استدناهم إليه بالأطماع كعمرو بن العاص وغيره، ومما ساعد معاوية على الفوز أن علياً لم يكن يرى الاحتيال في الملك، وهناك عامل ذو تأثير عظيم استخدمه معاوية وسائر بني أمية في تأييد سلطانهم هو (المال) فقد كانوا يصطنعون به الأحزاب ويستدنون به الأعداء.

وكثيراً ما كان عبد الملك يرُدّ أذى الأحزاب عنه بالمال ينثره على الناس فيشتغلون به عنه.

ومن الأسباب التي أيّدت سلطان بني أمية أنهم كانوا يعوّلون في تأييده على الدهاء والسياسة والحزم ولو كان فيها خرق لحرمة الدين أو إهانة لأهله، فإنهم قتلوا ابن بنت النبي (صلّى الله عليه وآله) وضربوا الكعبة بالمنجنيق ولعنوا ابن عم النبي (صلّى الله عليه وآله) وصهره على المنابر وقتلوا من لم يلعنه.

خلفاء بني أمية

ومعاوية جعل الخلافة وراثية في نسله لكنها لم تتعدّ أولاده ولم يخلفه منهم إلا يزيد الذي بويع بولاية العهد بحياته، ولم يحكم إلا بضع سنين ارتكب في أثنائها أموراً كباراً في جملتها مقتل الحسين بن علي (عليه السلام)، ولما مات يزيد اختلف الناس على البيعة وكان له ابن اسمه معاوية (الثاني) ولّوه وهو لا يرى الخلافة حقاً لهم، ومات بعد قليل فبايع بنو أمية شيخاً أموياً من غير بيت معاوية اسمه مروان بن الحكم سنة 65هـ تولّى الخلافة بضعة أشهر ومات ثم انحصرت الخلافة في نسله وكل خلفاء بني أمية بعده من ولده، أشهرهم عبد الملك بن مروان، وكان عامله على العراق الحجاج بن يوسف المشهور بدهائه وغلظته، وكان نصيراً له على تأييد دولته فحارب عبد الله بن الزبير وكان هذا يدعو الناس إلى بيعته دون بني أمية فحصره الحجاج في مكة وضرب الكعبة بالمنجنيق ثم قتله واستخلص الخلافة لعبد الملك.

قال ابن الأثير: (وهو ـ أي: عبد الملك ـ أول من غدر بالإسلام وأول من نهى عن الأمر بالمعروف فإنه قال في خطبته بعد قتل ابن الزبير: ولا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلاّ ضربت عنقه).

ومنهم الوليد بن عبد الملك (سنة 86 ـ 96هـ). ومن أشهر خلفاء بني أمية عمر بن عبد العزيز بن مروان، وخلفه ابن عمه يزيد بن عبد الملك وكان من أهل اللهو والطرب فشغل عن مصالح الدولة بجاريتين اسم إحداهما سلاّمة والأخرى حبابة، وتسلّطت حبابة على عقله وقلبه فأصبحت المملكة طوع إرادتها تولّي من شاءت وتعزل من شاءت وهو لا يعرف من أمور الدنيا شيئاً.

وتولّى الخلافة بعده أخوه هشام (من سنة 105 ـ 125هـ).

وخلفه الوليد بن يزيد وكان قبل الخلافة منهمكاً في اللهو والشرب والغناء مثل أبيه وله أشعار فيها، فلما أفضت الخلافة إليه زاد انهماكاً في اللذات واستهتاراً بالمعاصي، وزاد على ذلك أنه أغضب أهله وأساء إليهم فهجموا عليه مع أعيان رعيته فقتلوه وبايعوا يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وقد استفحل الأمر واضطرب حبل بني أمية وبدأت الدعوة العباسية.

وفي أيام خلافة مروان بن محمد بن مروان خرجت الخلافة من أيديهم سنة 132هـ. فلما ظهر ضعف بني أمية واضطرابهم هان على الناس الخروج من طاعتهم وذلك لأنهم لم يخضعوا للأمويين إلا طمعاً أو خوفاً وأكثرهم يعتقدون أن بني هاشم أولى بالخلافة.

العباسيون

ووفِّق العباسيون يومئذ إلى رجل فارسي من أهل خراسان ذي بطش وبسالة اسمه أبو مسلم الخراساني فأنفذوه في طلب البيعة لهم في خراسان لبعدها عن مركز الخلافة الأموية فوفّق إلى ذلك توفيقاً عجيباً.

وأول خلفائهم أبو العباس السفاح وكان له عدة أخوة وأعمام استخدمهم في تأييد سلطانه، وكان مقر السفاح في الأنبار على الفرات غربي بغداد وما زال فيها حتى مات ولم يحكم إلا بضع سنين.

فخلفه أخوه أبو جعفر المنصور سنة 136 ـ 157هـ. وكان يخاف أهل الكوفة لأنهم قتلوا علياً والحسين، فخرج منها وبنى مدينة بغداد.

ثم رأى أن بقاء أبي مسلم يجعل مركزه في خطر لأنه أقدر الناس على إخراج الملك من أيدي العباسيين كما سلّمه إليهم، فقتله غيلة.

وخلفه ابنه محمد الهادي فهارون الرشيد ثم ابنا الرشيد الأمين فالمأمون، قتل المنصور أبا مسلم الخراساني خوفاً من طمعه بالسلطة وهو فارسي. لكنه استخدم في بلاطه رجالاً من الفرس، وفعل خلفاؤه مثله وقدموهم في مصالحهم ومنها الوزارة وهي أرفع مناصب الدولة عندهم، فآل ذلك إلى استفحال أمرهم في أيام الرشيد وهم البرامكة. فلما رآهم الرشيد يستبدون بمصالح الدولة دونه نكب بهم كما هو مشهور.

المعتصم والأتراك

وخلف المأمون المعتصم بالله سنة 218هـ فأكثر من استخدام الأتراك فآل ذلك إلى ضعف الخلفاء واستبداد العمال في الولايات واستقلالهم وأخذت سلطة الخلفاء تتقلّص حتى وسعها السواد بين الفرات ودجلة.. ولم يكد يدخل القرن الرابع للهجرة حتى انحصرت سلطتهم في مدينة بغداد.

فما زالت الخلافة العباسية في بغداد حتى جاءها التتر من مفازة الصين فافتتحوها وقتلوا خليفتها سنة 656هـ ففرّ من بقي من أهلها إلى مصر والتجأوا إلى سلاطينها المماليك فأنزلوهم على الرحب والسعة إلى أن فتح السلطان سليم العثماني مصر سنة 923هـ فأخذ الخلافة منهم، وبلغ عدد الخلفاء العباسيين جميعاً نيفاً وخمسين خليفة منهم 37 في العراق أولهم السفاح وآخرهم المعتصم والباقون في مصر.

كان الابتداء في ذلك من الكفار ـ كما في التواريخ ـ 3.