الفهرس

فهرس الفصل الثامن

المؤلفات

 السياسة والدولة

الصفحة الرئيسية

 

العامل الخامس

الحياة المترفة للقادة

مجموعة من قادة الأحزاب والمنـــظمات الإسلامية يسلكون سبيل البذخ والترف، بسكنى القصور، وامتطاء السيارات الفارهة، والتزوج بالفتيات الجميلات ذوات المكانة المرموقة، وتهيئة وسائل العيش المريحة، وبذلك ينفصلون عن عامة الشعب، حيث إن من طبيعة الناس عدم الاعتراف بقادة يسكنون الأبراج العاجية ويرفلون في النعيم ثم يتكلمون باسم الفقراء والمساكين وباسم الإسلام والمسلمين، بالإضافة إلى أن من يتكلم باسم الدين لا بد وأن يكون مثل الرسول (صلّى الله عليه وآله) وخلفائه الطاهرين (عليهم السلام) في السلوك والعمل، فإذا رأى الناس رؤساء المنظمات والأحزاب والجمعيات الإسلامية يسلكون خلاف سلوكهم عرفوا أنهم ليسوا من الإسلام في شيء فانفضوا من حولهم، ويسبب ذلك فشلهم.

مثال القيادة النموذجية

ونحن نرى أن القائدَين العظيمَين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وسائر الأئمة (عليهم السلام) كانوا يعيشون عيشة متواضعة زاهدة قانعة (بما في هذه الكلمات من معنى).

فقد روى قرب الإسناد، عن أبي عبد الله عن أبيه الباقر (عليه السلام): (إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يورث ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا وليدة ولا شاة ولا بعيراً، ولقد قبض (صلّى الله عليه وآله) وإن درعه مرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعاً من شعير استلفها نفقة لأهله)(1).

وإذا عرفنا: إن كل صاع ثلاثة كيلوات تقريباً كان معنى ذلك أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان محتاجاً ـ لغذاء أهله ـ إلى ستين كيلو من الشعير، مع العلم أن الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان له عند وفاته تسع زوجات وكان حاكماً على سبع دول أو أكثر ـ في خريطة عالم اليوم ـ.

وفي حديث: (قد مات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مات وعليه دين)(2).

وقال قتادة: بلغنا أن علياً (عليه السلام) نادى ثلاثة أعوام بالموسم (من كان له على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شيء فليأتنا نقضي عنه)(3).

وفي رواية: أن النبي (صلّى الله عليه وآله) لما توفي كان عليه من الدين ثمانون ألف درهم فأداها علي (عليه السلام).

وقد ذكرنا جملة من زهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بعض فصول هذا الكتاب.

وسار علي (عليه السلام) على سنن الرسول فقد حفظ التاريخ أنه (عليه السلام) لما استشهد كانت ممتلكاته النقدية سبعمائة درهم فقط حصّلها من عطائه من بيت المال وقد جعلها ليشتري بها خادماً لبنته أم كلثوم أما ديونه فقد كانت ثمانمائة ألف درهم.

فقد روى (كشف المحجة) عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (قبض علي (عليه السلام) وعليه دين ثمانمائة ألف درهم فباع الحسن (عليه السلام) ضيعة له بخمسمائة ألف درهم فقضاها عنه، وباع له ضيعة أخرى بثلاثمائة ألف درهم فقضاها عنه، وذلك أنه لم يكن يذر من الخمس شيئاً وكانت تنوبه نوائب)(4).

أقول: أما الضيعتان فقد كانتا من غرس الإمام (عليه السلام) في مدة إقصائه عـــن الحكم، وقد وقّف علي (عليه السلام) أغلب الضياع كما يحدثنا بذلك التاريخ.

وعن الصادق (عليه السلام): أن الحسن (عليه السلام) وعليه دين وقتل الحسين (عليه السلام) وعليه دين(5).

وفي رواية السيد، عن الباقر (عليه السلام) أن علي بن الحسين (عليه السلام) باع ضيعة له بثلاث مائة ألف ليقضي دين الحسين (عليه السلام) وعدات كانت عليه(6).

وفي رواية أخرى (فاهتمّ علي بن الحسين بدين أبيه حتى امتنع من الطعام والشراب والنوم في أكثر أيامه ولياليه)(7).

وفي رواية عن الصادق (عليه السلام): قد مات رسول الله وعليه دين، ومات الحسن (عليه السلام) وعليه دين، وقتل الحسين وعليه دين(8).

صور من زهد أمير المؤمنين (عليه السلام) 

وقد اتبع علي أمير المؤمنين (عليه السلام) الرسول في زهده وقال هو (عليه السلام) في كلمة له: (والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم)(9).

وفي حديث آخر: (من عفطة عنز)(10).

وقد روى (المناقب) عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (ولقد ولى خمس سنين وما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعاً ولا أورث بيضاء ولا حمراء)(11).

ومعنى هذا الحديث أنه لم يصنع الإمام لنفسه داراً، ولا أنه جمع مالاً، ولا إنه خص لنفسه أرضاً يقطعها باسم نفسه.

وروى المناقب أيضاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يقول: (ما كان لنا إلا أهاب كبش أبيت مع فاطمة (عليها السلام) بالليل عليها ونعلف عليها الناضح بالنهار)(12).

إزار غليظ، وآخر مرقّع

وفي رواية أنه رؤي علي (عليه السلام) وعليه إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم ورؤي (عليه السلام) وعليه إزار مرقوع فقيل له في ذلك؟

فقال (عليه السلام): (يقتدي به المؤمنون، ويخشع له القلب، وتذل به النفس ويقصد به المبالغ، أشبه بشعار الصالحين، وأجدر أن يقتدي به المسلم)(13).

الإمام يخرق كمّ قميصه

وفي رواية: (أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) نظر إلى فقير خرق كمّ ثوبه فخرق كم قميصه وألقاه إليه).

إن خرجت بغير ما دخلت فأنا خائن

وفي البحار عن الأصبغ قال توجه علي (عليه السلام) إلى أهل البصرة وقال: (يا أهل البصرة ما تنقمون مني؟ إن هذا لمن غزل أهلي (وأشار إلى قميصه) ثم قال: دخلت بلادكم بأشمالي هذه ورحلي وراحلتي، هاهي فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنني من الخائنين)(14).

الإمام (عليه السلام) يرتجف من البرد

وروى هارون بن عنترة عن أبيه قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالخورنق (وهو موضع بالكوفة آنذاك، والآن بظاهر الحيرة) وهو يرعد تحت سمل قطيفة (أي الثوب الخلق البالي) فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال ما يعم وأنت تصنع بنفسك ما تصنع؟.

فقال (عليه السلام): (والله ما أرزئكم من أموالكم شيئاً وإن هذا لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي من المدينة ما عندي غيرها)(15).

الإمام (عليه السلام) يحلّ أزمة المسكن

وفي المناقب نقلاً عن فضائل أحمد قال علي (عليه السلام): (ما أصبح بالكوفة أحد إلا ناعماً إن أدناهم منزلة ليأكل البر، ويجلس في الظل، ويشرب من ماء الفرات)(16).

يعني أن عنده الدار والمأكل والمشرب.

وفي رواية أخرى رأيتها في بعض الكتب إن كل أهل بلاد الإمام (عليه السلام) أصبحوا هكذا في عهد الإمام (عليه السلام) مع أن بلاده (عليه السلام) كانت واسعةً جدا آخذة إلى ليبيا ومنتهية إلى داغستان في الاتحاد السوفيتي.

يطعم الناس خبز البر، ويأكل خبز الشعير

وفي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): (كان (عليه السلام) ليطعم الناس خبز البر واللحم وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل)(17).

لبن حامض، ورغيف صلب

وعن سويد بن غفلة قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) العصر فوجدته جالساً وبين يديه صحيفة فيها لبن حازر أجد ريحه من شدة حموضته، وفي يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه وهو يكسر بيده أحياناً، فإذا غلبه كسره بركبته وطرحه فيه فقال (عليه السلام) لي: (أدن فأصب من طعامنا هذا) ـ إلى أن قال ـ فقلت لجاريته وهي قائمة قريباً منه: ويحك يا فضة ألا تتقين الله في هذا الشيخ، ألا تنخلين له طعاماً؟

قال علي (عليه السلام) لي: (ما قلت لها؟).

قال: فأخبرته.

فقال (عليه السلام): (بأبي وأمي من لم ينخل له طعام، ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه الله).

يعني بذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

قد اكتفى من دنياه بطمريه

وفي رواية نقلها العلامة المجلسي عن القطب الراوندي: أن علياً (عليه السلام) قال: (واعلم أن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، يسد فورة جوعه بقرصيه، لا يطعم الفلذة (أي الكسرة من اللحم) في حوله إلا في سنة أضحيته)(18).

المراد بالطمر: الثوب البالي الخلق، لأن الإمام (عليه السلام) ـ في كثير من الأحيان ـ كان يلبس قطعتين: مئزراً ورداءً، وإن كان يلبس في بعض الأحيان ثوباً طويلاً، والمراد بالفلذة القطعة من اللحم، والمراد بالقرصين القرصان من خبز الشعير يتغذى بأحدهما ويتعشى بالآخر، فكان (عليه السلام) يأكل في كل يوم قرصين.

الإمام (عليه السلام) يسمع مقلياً في بيته

وروى الشيخ المفيد إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سمع مقلياً في بيته فنهض وهو يقول: (في ذمة علي بن أبي طالب مقلى الكراكر).

قال: ففزع عياله وقالوا: يا أمير المؤمنين إنها امرأتك فلانة نُحرت جزور في حيها فأخذ لها نصيب منها فأهدى أهلها إليها.

قال (عليه السلام): (فكلوا هنيئاً مريئاً)(19).

وإنما خاف (عليه السلام) أن يكون هدية من بعض الرعية، وقبول الهدية لوالي المسلمين خيانة (والكراكر) إحدى ثفنات البعير أو الصدر خاصة.

الإمام (عليه السلام) لا يملك ثلاثة دراهم

وفي المناقب أنه (عليه السلام) كان يأتي عليه وقت لا يكون عنده قيمة ثلاثة دراهم يشتري بها إزاراً وما يحتاج إليه، ثم يقسم كل ما في بيت المال على الناس ثم يصلي فيه فيقول: (الحمد لله الذي أخرجني منه كما دخلته)(20).

ينجز أعماله بنفسه

وروى البلخي قال: أنه ـ يعني علياً (عليه السلام) ـ اجتاز بسوق الكوفة فتعلق به كرسي فتخرق قميصه فأخذه بيده ثم جاء به إلى الخياطين فقال: (خيطوا لي ذا بارك الله فيكم)(21).

ملابس متواضعة

وعن العبدي قال: رأيت علياً (عليه السلام) اغتسل في الفرات يوم الجمعة ثم ابتاع قميص كرابيس بثلاثة دراهم فصلى بالناس الجمعة، وما خيط جربانه بعد.

وفي روايـــة الزمــخشري: أنه (عليه السلام) اشترى قميصـــاً فقـــطع ما فضل عن أصابعه ثم قال لرجل: (حصه أي خط كفافه)(22).

ذكر الله.. دائماً

وجاء (عليه السلام) ذات مرة إلى حــلاق ليصلح لحيته وشاربه فأراد الحلاق أن يأخذ من شاربه، وكان (عليه السلام) مشتغلاً بذكر الله تعالى تتحرك شفتاه، فقال له الحلاق: يا أمير المؤمنين كف عن الذكر لحظة حتى يعتدل الشارب، فقال (عليه السلام): (الأمر أسهل من ذلك) ولم يترك الذكر حتى لحظة.

الإمام (عليه السلام) يعرض سيفه للبيع

وفي شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة عن أبي رجاء قال: أخرج علي (عليه السلام) سيفاً إلى السوق فقال: (من يشتري مني هذا؟ فوالذي نفس علي بيده لو كان عند علي ثمن إزار ما بعته)(23).

فقلت له: أنا أبيعك إزاراً وأنسئك ثمنه إلى عطائك.

فدفعت إليه إزاراً إلى عطائه، فلما قبض عطاؤه دفع إليّ ثمن الإزار.

الهدايا توزع على المسلمين

وقال حكيم بن أوس: أتي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بأحمال فاكهة، فأمر ببيعها، وأن يطرح ثمنها في بيت المال.

وقال حكيم أيضاً كان علي (عليه السلام) يبعث إلينا بزقاق العسل فيقسم فينا ثم يأمر أن يلعقوه.

وعن عاصم أنه أهدي إلى علي (عليه السلام) سلال خبيص له خاصة، فدعا بسفرة فنثره عليها، ثم أجلس الناس حلقتين يأكلون.

وعن أبي حريز قال: إن المجوس أهدوا إلى علي (عليه السلام) يوم النيروز جامات من فضة فيها سكر فقسم السكر بين أصحابه وحسبها من جزيتهم.

قال: وبعث دهقان إلى علي (عليه السلام) بثوب منسوج من ذهب فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم إلى العطاء يعني أنه إذا خرج عطاء عمرو أعطى الثمن للإمام (عليه السلام) حتى يقسمه على المسلمين.

علي (عليه السلام) يقتدي بالرسول (صلّى الله عليه وآله) في شؤونه

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يحتطب ويستقي ويكنس)(24).

وعن الصادق (عليه السلام) أيضاً: (كان أميرالمؤمنين (عليه السلام) أشبه الناس طعمة برسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يأكل الخبز والخل والزيت، ويطعم الناس الخبز واللحم)(25).

فلسفة زهد الإمام (عليه السلام)

وقد ذكر هو (عليه السلام) في كلام له فلسفة هذا الزهد (كما في الكافي) قال: (إن الله جعلني إماماً لخلقه ففرض عليّ التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقير بفقري ولا يطغي الغني غناه)(26).

الطارق المشبوه

وفي كلام له (عليه السلام) بعد ما ذكر قصة عقيل وردّه (عليه السلام) له بدون أن يعطيه شيئاً من بيت المال، قال: (وأعجب من ذلك ـ أي من رجاء عقيل ـ أن أعطيه أكثر من سائر المسلمين) طارق طرقنا بملفوفة في وعائها، ومعجونة شنآتها كأنما عجنت بريق حية أوقيئها، فقلت: (أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت؟).

فقال: لا ذا ولا ذاك، ولكنها هدية.

فقلت: (هبلتك الهبول، أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أنت أم ذو جنة أم تهجر، والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة اسلبها حلب شعيرة ما فعلته، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها)(27).

تعاليم إسلامية

حب الدنيا رأس كل خطيئة

عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (رأس كل خطيئة حب الدنيا)(28).

وعن محمد بن مسلم قال: سُئل علي بن الحسين (عليه السلام) أي الأعمال أفضل؟ قال: (ما من عمل بعد معرفة الله ومعرفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أفضل من بغض الدنيا فإن لذلك شعباً كثيرة وللمعاصي شعب فأول ما عصي الله به الكبر (إلى أن قال) ثم الحرص ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك. حب الدنيا رأس كل خطيئة والدنيا دنيا آن: دنيا بلاغ ودنيا ملعونة)(29).

وعن حفص بن غياث، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في مناجاة موسى (عليه السلام): (إن الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم على خطيئته، وجعلتها ملعونة، ملعون ما فيها إلاّ ما كان فيها لي، يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم بي وسائر الخلق رغبوا فيها بجهلهم، وما من أحد عظمها فقرّت عينه بها، ولم يحقّرها أحد إلا انتفع بها)(30).

وعن درست، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (حبّ الدنيا رأس كل خطيئة)(31).

وعن الكراجكي قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (من أحب دنياه أضر بآخرته)(32).

وعن إسماعيل بن أبي زياد رفعه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه سُئل عن الزهد في الدنيا، فقال: (ويحك، حرامها فتنكّبه)(33).

ترك ما زاد عن قدر الضرورة

عن الحسن بن راشد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ما لي وللدنيا إنما مثلي كراكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقام تحتها ثم راح وتركها)(34).

وعن ابن بكير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (في طلب الدنيا إضرار بالآخرة، وفي طلب الآخرة إضرار بالدنيا فاضروا بالدنيا فإنها أحق بالإضرار)(35).

عن غياث بن ابراهيم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) إن في كتاب علي (عليه السلام): (إنما مثل الدنيا كمثل الحية ما ألين مسّها، وفي جوفها السم الناقع يحذرها الرجل العاقل ويهوى إليها الصبي الجاهل)(36).

وعن أنس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) في وصيّة النبي (صلّى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال: (يا علي إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، يا علي أوحى الله إلى الدنيا أخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك، يا علي إن الدنيا لو عدلت عند الله جناح بعوضة لما سقي الكافر منها شربة من ماء، يا علي ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو يتمنى يوم القيامة إنه لم يعط من الدنيا إلا قوتاً)(37).

قال: وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ما قلّ وكفى خيرٌ مما كثر وألهى)(38).

وبإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لمحمد بن الحنفية قال: (ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة، وتبوأ خفض الدعة والحرص داع إلى التقحم في الذنوب)(39).

وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (يا ابن آدم ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك)(40).

قال: وقال (عليه السلام): (كل مقتصر عليه كاف)(41).

قال: وقال (عليه السلام): (الزهد بين كلمتين من القرآن قال الله تعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) الحديد: 23 ومن لم يأسَ على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد استكمل الزهد بطرفيه)(42).

ذم الحرص على الدنيا

عن يحيى بن عقبة الأزدي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القز كلما ازدادت على نفسها لفاً كان أبعد لها في الخروج حتى تموت غمّاً)(43).

قال: وقال أبو عبدالله (عليه السلام): (أغنى الغني من لم يكن للحرص أسيراً)(44).

وقال: (لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما قد فات فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت)(45).

وعن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (أبعد ما يكون العبد من الله عز وجل إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه)(46).

وعن حفص بن فرط، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (من كثر اشتباكه في الدنيا كان اشدّ لحسرته عند فراقها)(47).

وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (حرم الحريص خصلتين ولزمته خصلتان: حرم القناعة فافتقد الراحة وحرم الرضا فافتقد اليقين)(48).

ذم الطمع فيها

وعن ابن خالد، عن أبيه، عمن ذكره، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (بئس العبد عبد يكون له طمع يقوده، وبئس العبد عبد له رغبة تذلّه)(49).

وعن الزهـــري قال: قال عــلي بن الحسين (عليه السلام): (رأيت الخيـــر كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس)(50).

وعن سعدان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت: ما الذي يثبت الإيمان في العبد؟ قال: (الورع)، والذي يخرجه منه؟ قال: (الطمع)(51).

وعن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لمحمد بن الحنفية قال: (إذا أحببت أن تجمع خير الدنيا والآخرة فاقطع طمعك مما في أيدي الناس)(52).

وعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (أتى رجل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: علّمني يا رسول الله شيئاً، فقال: عليك باليأس مما في أيدي الناس فإنه الغنى الحاضر، قال: زدني يا رسول الله، قال: إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر)(53).

وفي نهج البلاغة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع)(54).

وعن معمر بن خلاد عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) قال: (جاء خالد إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أوصني وأوجز لعلي أحفظ، فقال: أوصيك بخمس: باليأس مما في أيدي الناس فإنه الغــــنى الحاضر، وإياك والطمع فإنه الفقر الحاضر، وصلّ صلاة مودّع، وإيـــاك وما تعتـــذر مــــنه، وأحب لأخيك ما تحب لنفسك)(55).

الزهد في الدنيا

عن الهيثم بن واقد الجريري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (من زهد في الدنيا أنبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام)(56).

وعن أبي حمزة قال: ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين (عليه السلام) إلا ما بلغني عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: وكان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا تكلّم في الزهد ووعظ أبكى مَن بحضرته، قال أبو حمزة: وقرأت صحيفة، فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين (عليه السلام) فكتبت ما فيها ثم أتيت على علي بن الحسين (عليه السلام)، فعرضت ما فيها عليه فعرفه وصححه وكان ما فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم: كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين، وبطش الجبارين أيها المؤمنون لا يفتننّكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا، وإحذروا ما حذركم الله منها، وازهدوا فيما زهّدكم الله فيه منها، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان (إلى أن قال:) وليس يعرف أيامها، وتقلب حالاتها، وعاقبة ضرر فتنها إلا من عصمه الله، ونهج سبيل الرشد، وسلك طريق القصد ثم استعان على ذلك بالزهد، فكرر الفكر، واتعظ بالصبر، وزهد في عاجل بهجة الدنيا، وتجافى عن لذاتها، ورغب في دائم نعيم الآخرة، وسعى لها سعيها)(57).

وعن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن علامة الراغب في ثواب الآخرة زهد في عاجل زهرة الدنيا أما إن زهد الزاهد في هذه الدنيا لا ينقصه مما حشم الله له فيها وإن زهد، وإن حرص الحريص على عاجل زهرة الحياة الدنيا لا يزيده فيها وإن حرص، فالمغبون من غبن حظّه من الآخرة)(58).

وعن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا)(59).

وعن حفص بن غياث، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سمعته يقول: (جعل الخير كله في بيت، وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا، ثم قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لا يجد الرجل حلاوة الإيمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا ثم قال أبو عبدالله (عليه السلام): حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتى تزهد في الدنيا)(60).

وعن علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه أن رجلاً سأل علي بن الحسين (عليه السلام) عن الزهد فقال: (عشرة أشياء فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا، ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)(61).

عن سفيان بن عيينه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (كل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط، وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة)(62).

عن عبد الله بن القاسم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (إذا أراد الله بعبد خيراً زهّده في الدنيا، وفقّهه في الدين، وبصّره عيوبها، ومن أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة) وقال: (لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا وهو ضد لما طلبت أعداء الحق) قلت: جعلت فداك مما ذا؟ قال: (من الرغبة فيها) وقال: (إلا من صبار كريم، فإنما هي أيام قلائل إلا أنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا، قال: وسمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حبّ الله فلم يشتغل بغيره)، قال: وسمعـــتــه يقول: (إن القــــلب إذا صــــفا ضـــاقت به الأرض حتى يسمو)(63).

وعن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: (الا وكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ألا أن الزاهدين في الدنيا قد اتخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً، وقرضوا من الدنيا تقريضاً)(64).

وعن عمرو بن سعيد بن هلال قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): إني لا ألقاك إلا في السنين، فأوصني بشيء حتى آخذ به، قال: (أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد، وإياك أن تطمع إلى من فوقك، وكفى بما قال الله عز وجل لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ولا تمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا) (طه: 131).

وقال: (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم) (التوبة: 85).

فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فإنما كان قوته من الشعير، وحلواه من التمر، ووقوده من السعف إذا وجده)(65).

وعن السكوني، عن أبــــي عبدالله (عليه السلام)، قال: قيل لأمــــير المؤمنين (عليه السلام): ما الزهد؟ قال: (تنكيب حرامها)(66).

وعن أبي الطفيل قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (الزهد في الدنيا قصر الأمل وشكر كل نعمة، والورع عما حرّم الله عليك)(67).

وعن إسماعيل بن مسلم قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): (ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال، ولا بتحريم الحلال بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله عز وجل)(68).

وعن حفص بن غياث قال: سمعت موسى بن جعفر (عليه السلام) عند قبر وهو يقول: (إن شيئاً هذا آخره لحقيق أنه يزهد في أوله، وإن شيئاً هذا أوله لحقيق أن يخاف من في آخره)(69).

وعن عبد الله بن الحسن بن علي، عن أمّة فاطمة بنت الحسين، عن أبيها (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إن صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، وهلاك آخرها بالشحّ والأمل)(70).

وعن أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه، عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الزهد في الدنيا، قال: (الذي يترك حلالها مخافة حسبابه ويترك حرامها مخافة عقابه)(71).

الذين يجعلون الدين.. وسيلة لنيل الدنيا

عن يونس بن ظبيان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إن الله عز وجل يقول: ويل للذين يختلون الدنيا بالدين، وويل للذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وويل للذين يسير المؤمن فيهم بالتقية، أبي يغترون، أم علي يجترّون؟ فبي حلفت لأتيحنّ لهم فتنة تترك الحليم منهم حيراناً)(72).

وعن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليه السلام): (إن الله تبارك وتعالى أنزل كتاباً من كتبه على نبي من أنبيائه وفيه أنه سيكون خلق من خلقي يلمسون الدنيا بالدين، يلبسون مسوك العنان على قلوب كقلوب الذئاب أشد مرارة من الصبر، وألسنتهم أحلى من العسل، وأعمالهم الباطنة أنتن من الجيف، أفبي يغترون؟ أم إياي يخادعون؟ أم علي يجترون؟ فبعزتي حلفت لأتيحن لهم فتنة تطافى خطامها حتى تبلغ أطراف الأرض تترك الحليم منهم حيراناً)(73).

 

1 ـ بحار الأنوار: ج16، ص219.

2 ـ علل الشرايع: ج2، ص528، المكتبة الحيدرية ـ النجف الاشرف.

3 ـ بحار الأنوار: ج34، ص74.

4 ـ المصدر السابق: ج36، ص338.

5 ـ المصدر السابق: ج103، ص75.

6 ـ المصدر السابق: ج96، ص145.

7 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص392.

8 ـ وسائل الشيعة: ج13، ص78.

9 ـ نهج البلاغة، شرح محمد عبدة: ج4، ص53.

10 ـ المصدر السابق: ج1، ص37.

11 ـ مستدرك الوسائل: ج3، ص467.

12 ـ بحار الأنوار: ج36، ص323.

13 ـ المصدر السابق.

14 ـ المصدر السابق: ص325.

15 ـ المصدر السابق: ص334.

16 ـ المصدر السابق: ص327.

17 ـ مستدرك الوسائل: ج16، ص299.

18 ـ المصدر السابق.

19 ـ بحار الأنوار: ج36، ص108.

20 ـ المصدر السابق: ص321.

21 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص226.

22 ـ بحار الأنوار: ج36، ص322.

23 ـ المصدر السابق: ج37، ص136.

24 ـ الكافي: ج5، ص86، دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

25 ـ الكافي: ج6، ص328.

26 ـ الكافي: ج1، ص410.

27 ـ نهج البلاغة، شرح محمد عبدة: ج2، ص217.

28 ـ الكافي: ج2، ص315.

29 ـ وسائل الشيعة: ج11، ص308.

30 ـ المصدر السابق.

31 ـ المصدر السابق: ص309.

32 ـ المصدر السابق.

33 ـ المصدر السابق.

34 ـ المصدر السابق: ص316.

35 ـ المصدر السابق.

36 ـ المصدر السابق.

37 ـ المصدر السابق.

38 ـ المصدر السابق.

39 ـ المصدر السابق.

40 ـ المصدر السابق: ص317.

41 ـ المصدر السابق.

42 ـ المصدر السابق.

43 ـ المصدر السابق: ص318.

44 ـ المصدر السابق.

45 ـ المصدر السابق.

46 ـ المصدر السابق.

47 ـ المصدر السابق.

48 ـ المصدر السابق.

49 ـ وسائل الشيعة: ج11، ص321.

50 ـ المصدر السابق.

51 ـ المصدر السابق.

52 ـ المصدر السابق.

53 ـ المصدر السابق: ص322.

54 ـ المصدر السابق.

55 ـ المصدر السابق.

56 ـ المصدر السابق: ص310.

57 ـ المصدر السابق.

58 ـ المصدر السابق: ص311.

59 ـ المصدر السابق.

60 ـ المصدر السابق: ص312.

61 ـ المصدر السابق.

62 ـ المصدر السابق.

63 ـ المصدر السابق: ص313.

64 ـ المصدر السابق.

65 ـ المصدر السابق: ص314.

66 ـ المصدر السابق.

67 ـ المصدر السابق.

68 ـ المصدر السابق: ص315.

69 ـ المصدر السابق.

70 ـ المصدر السابق.

71 ـ المصدر السابق.

72 ـ المصدر السابق: ص285.

73 ـ المصدر السابق: ص286.