الفهرس

فهرس الفصل الثامن

المؤلفات

 السياسة والدولة

الصفحة الرئيسية

 

العامل العاشر

عرض الإسلام بصورة منفّرة

إن كثيراً من الأحزاب الإسلامية والمنظمات وما أشبه يعرضون الإسلام بصورة منفرة، مثل قولهم: إنهم يريدون (إحياء الخلافة) بينما (الخلافة) منفورة في أذهان الناس ـ المسلمين منهم وغير المسلمين ـ لما فعله الأمويون والعباسيون والعثمانيون ومن أشبه من الجرائم والموبقات ـ كما ذكرنا جملة منها في فصل سابق ـ.

التهديد بالعصا الغليظة!

بالإضافة إلى أنهم يقولون: إننا نريد تطبيق الحدود الشرعية من جلد الزاني وقطع يد السارق وما أشبه كل ذلك بصورة مشوهة أيضاً، وحيث يتذكر الناس ما قرؤوه في التواريخ وما رأوه في بعض الحكومات التي تسمى بالإسلامية من القتل الاعتباطي والجلد الاعتباطي وقطع اليد والرجل الاعتباطي وما أشبه مما تسبب اقشعرار جلود الناس من إعادة حكم الإسلام أي الإسلام الذين يقترن في أذهانهم بهذه الأمور.

البراهين الغامضة

ثم إن كثيراً من المنظمات يأتون بالاستدلالات العقلية على الأصول الدينية، والاستدلالات العقلية وإن كانت صحيحة إلا أنها للفلاسفة، أما الاستدلالات التي تنفع عامة الناس فهي الاستدلالات الواردة في القرآن والسنة.

بين الحلال والحرام

وكذلك يذكرون تحريم المحرمات، وإن الخمر حرام والزنا حرام والربا حرام.. الخ.. بدون توضيح أنه في قبال المحرمات توجد في الإسلام ألوف المحللات، بل المحرمات في الإسلام أقل من واحد في الألف، بينما المحرمات الموجودة في القوانين الوضعية في العالم الذي يسمى بالحر أكثر من مائة في الألف.

فوارق بين الرجل والمرأة، وبين المؤمن والكافر

وكذلك يذكرون الفروق بين الرجال والنساء والمؤمن والكافر بصورة مزرية جداً، بينما نرى أن الإسلام كان بالعكس يوم طبق ـ كما في أيام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأيام علي (عليه السلام) ـ صحيح إن هناك فروقاً بين الرجال والنساء لكنها فروق طبيعية وقليلة، كما أنه من الصحيح توجد فروق بين المؤمن والكافر لأن الإسلام دين عقائدي، لكن الإسلام يعطي للكافر من الحرية والرفاه ما لا يعطيه العالم المسمى بالعالم الحر.

والحاصل: إنهم يذكرون القوانين الموجودة في الإسلام بصورة منفرة جداً في كتبهم وخطبهم وما أشبه، ويقولون مثلاً ـ إذا نحن وصلنا إلى الحكم نفعل كذا وكذا بالمجرمين وبالأثرياء وبالحكام السابقين، مع العلم أن كل ذلك بالعكس مما يقوله الإسلام، أنظروا إلى سورة الإيلاف: (بسم الله الرحمن الرحيم لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) (قريش: 1 ـ 4).

فالله سبحانه وتعالى يطلب من عباده الإيمان به في قبال أنه أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.

وكذلك في الآية الكريمة: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) (الأعراف: 157).

كما إنا نرى احتراماً غريباً للمرأة في القوانين الإسلامية واحتراماً للكافر لم تجد المرأة ولا الكافر في الأنظمة الغربية مثل ذلك الاحترام، بل إن الإسلام ـ كما في قصة خيبر وفي قصة علي (عليه السلام) ـ لم يأخذ من الكفار الذين أصبحوا تحت ظل الدولة الإسلامية إلا أقل مما كانت تأخذ منهم الدول الكافرة سابقاً، وإنما الإسلام يقول: (لكم دينكم ولي دين) (الكافرون: 6).

إلى غير ذلك مما تقدم شطر منه.

والحاصل: إن كثيراً من الأحزاب والمنظمات الإسلامية يعرضون الإسلام بصورة مرعبة منفّرة، وهذا يسبب الإساءة إلى سمعة الإسلام.

إراءة البديل الأفضل

فاللازم أن تُري المنظمات الإسلامية للناس برنامجاً سلوكياً أفضل بالنسبة إلى الحياة التي يريدونها للمجتمع الإسلامي، فإن الناس كما ينتخبون الفاكهة الأفضل والقماش الأفضل إذا دخلوا السوق، كذلك فإنهم يرون إن أي المبادئ والقوانين أفضل؟ فيتخذونه مبدءً.

مضافاً إلى أن الناس يجب أن يعرفوا إن المبدأ المرتقب أفضل بكثير، حتى يغيروا مبدأهم الحالي إلى ذلك المبدأ، لأنهم يرون في مبدأهم الذي يمارسونه الآن راحة واطمئناناً، أما تغيير هذا المبدأ إلى مبدأ آخر ـ وإن كان أفضل في الجملة ـ فإنهم لا يستعدون له لما يعرفون من أن في تغيير المبادئ أخطار كثيرة.

وعليه فاللازم أن تُري المنظمات الإسلامية المبدأ الإسلامي بجميع جوانبه، وإنه أفضل من المبادئ الغربية والشرقية التي تسود بلادهم حالياً، ومع الأسف: فهذا الشيء غير متوفر غالباً في الوقت الحاضر فغالباً لا يعرف الناس أن الاقتصاد الإسلامي أفضل، أو السياسة الإسلامية أفضل، أو أن الاجتماع الإسلامي أفضل، أو أن التربية الإسلامية أفضل وهكذا، بل يرون العكس، فإنهم إذا دخلوا بعض البلاد التي تسمى بالحرة يرون فيها الهدوء والاستقرار والسكينة والنظام والنظافة وعدم سفك الدماء وعدم مصادرة الأموال وعدم التعذيب في السجون وعدم الدكتاتورية والاستبداد، بينما إذا دخلوا البلاد التي تدّعي الإسلام يرون الأمر بالعكس، فيظنون أن الإسلام صوم وصلاة وحج ومسجد وقرآن ودعاء أو نحوها، أما مناهج الحياة فإنها ستكون أفضل على الأسلوب الغربي، ولذا لا يتركون الاستمرار في السير على المناهج الغربية لمنهج إسلامي محتمل وقد رأوا أن تطبيق ما سمي بالمنهج الإسلامي في البلاد الإسلامية أسوأ من تطبيق المناهج الرأســـمالية والديمقراطية ونحوها في البلاد الغربية وما إليها.

والإسلام إنما تمكن من التقدم في ابتداء ظهوره بسرعة فائقة لأن الناس رأوا منهجه خيراً من المناهج السابقة التي كانت تسودهم.

مثلاً: أباح الإسلام التعليم للكل حيث كان التعليم محرّماً على العامة وخاصاً بطبقة معينة كما كان عند الفرس والروم.

ووفر الحريات حيث كانت ديكتاتوريات وقوانين كابتة.

وأخرج الناس من ضيق الأرض إلى سعتها حيث كانت الأرض ضيقة على الناس وأعطى للمرأة الكرامة، حيث كانت المرأة مهانة ذليلة تعد كبضائع الدار، وقد نقل أنه كانت في قصور كسرى اثنتا عشرة ألف جارية خاصة به، فأي مهانة وذلة هذه التي تجعل من المرأة سلعة رخيصة؟ وفي الجزيرة العربية كانوا يئدون البنات ويقتلونهن ويحرمونهن من الإرث إلى غير ذلك، ويشبه ذلك ما كان في الروم من الازدراء بكرامة النساء.

كما أن الإسلام جمع كلمة الناس، حيث كان التناحر والتفرقة، وكانت الحروب سائدة بينهم سواء في الجزيرة العربية أو بين الفرس والروم أو غيرهم.

كما أنه منع القتل حيث كانت العادة سفك الدماء.

ووصل الأرحام حيث كانت مقطوعة.

وأسقط الحدود بين دولة ودولة وبين بلد وبلد وبين عشيرة وعشيرة حيث كانت ترفع الحدود في وجوه الناس.

وأباح للناس خيرات الأرض حيث كانت غير مباحة.

وجعل الحكم بسيطاً حيث كان معقداً إلى أبعد حد.

وجعل النظام في كل شيء حيث كانت الفوضى تسود.

وأمر بالنظافة حيث كانت القذارة ضاربة بأجزائها.. إلى غير ذلك مما سبب أن يرى الناس النظام الجديد خيراً من النظام القديم، لا مرة واحدة، وإنما مرات ومرات، ولذلك التفوا حول هذا النظام الجديد.

وعليه فاللازم على المنظمات الإسلامية التي تريد الوصول إلى الهدف المنشود أن يروا للناس برامج أفضل من البرامج السائدة فيما يسمى بالعالم الحر حتى يسبب ذلك التفاف الناس حول الإسلام، أما التبشير فقط بأن الأدلة الأصولية تدل على صحة الإسلام دون غير الإسلام أو على أنه توجد للمسلمين في الآخرة جنات دون غير المسلمين، فإن ذلك لا يسبب تحريك الناس تحريكاً عملياً حتى يثوروا ويبدلوا المناهج الحاضرة إلى مناهج لا يعلمون عنها هل هي أفضل أو لا؟ بل وكثيراً ما يظنون إنها ليست بأفضل ـ لما رأوا من التطبيقات الخاطئة عند الخلفاء الأمويين والعباسيين والعثمانيين ومن اليهم ولما يرون من التطبيقات الخاطئة في بعض البلاد التي تدعي أن حكامها يعملون بالإسلام ـ.