الفهرس

فهرس الفصل الأول

المؤلفات

 السياسة والدولة

الصفحة الرئيسية

 

بين مجتمع الإيمان ومجتمع الكفر

وعلى هذا، فالمجتمع السليم هو المجتمع المؤمن بالله واليوم الآخر، الخاضع لأحكام الله ورسوله، ويكون الجميع فيه أخوة متساوين أمام القانون، والكل حرٌ مسؤول عن عمله بدون إكراه فردي أو أجوائي، وله أجره بدون استغلال إنسان لإنسان آخر، ولكل حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية على قدم المساواة، وبقدر الكفاءات، ولو تعدى إنسان على إنسان آخر عوقب المتعدي، وإن كان المتعدي عليه عفافياً، فالإنسان محترم، متخلق بالفضيلة وليس عبداً لشهوة أو مال أو جاه، وهو يملك كل آثاره مما حصله، فهو مسلط على نفسه وماله في إطار عدم الإضرار بالآخرين من جيله المعاصر والأجيال الآتية، وتُحفظ في مثل هذا المجتمع أواصر العائلة والأقرباء، والأصل في هذا المجتمع بالنسبة إلى كل فرد فرد (البراءة) حتى تثبت إدانته أو دينه، والأصل في عمله الصحة فلا يحمل عمله على الفساد، وكل شيء للإنسان في هذا المجتمع طاهر حلال حتى يثبت خلافه، ومثل هذا المجتمع يصبح الفرد فيه كالمجتمع العام أيضاً باطنه الأمن والحب وظاهره التنعم والتقدم وليس مثل هذا المجتمع أجنبياً عن نفسه ومنفصماً عن ذاته، ولا له وجهان: ظاهر وباطن متخالفان، بل الظاهر والباطن والفرد والمجتمع كلها وحدة واحدة تسير إلى الأمام، وفي مثل هذا المجتمع يكون (الإنسان) المحور وسائر الأشياء خدم له.. فهو مجتمع إنماء الكفاءات والتعالي، وتبادل الحب، وتقدم الأفضل فالأفضل.

لكن مثل هذا المجتمع لا يوجد إلا تحت مظلة الأنبياء (عليهم السلام) أما المجتمع العالمي الحاضر الذي وجد تحت مظلة المادة والشهوة فليس إلا المجتمع الذي يتأخر يوماً بعد يوم، وهو مجتمع تحطيم الكفاءات، وتبادل البغضاء وتقديم الأسوأ فالأسوأ.. الخ.

الفقر في ظل الأنظمة المعاصرة

والصياغة الجديدة التي تريد أن تقضي على الفقر والانحراف العالمي يجب أن تهدم هذا النظام الرأسمالي ـ الذي يمارسه الغرب والشرق والبلاد الدائرة في أفلاكهما ـ فإن هذا النظام سبب الفقر في الغرب لسببين، وفي الشرق لثلاثة أسباب، وفي العالم الثالث لأربعة أسباب، فما دام هذا النظام موجوداً فالفقر ضارب بأجرانه على كل العالم.

أما سبب الفقر في الغرب فهو:

أولاً: سرقة الرأسماليين ثروات الفقراء تحت ستار مختلف القوانين والأنظمة، كأنظمة البنوك الربوية وأنظمة الاحتكارات الجماهيرية وعدم إعطاء حق العامل والفلاح والموظف ومن اليهم بقدر ما يعملون.

ثانياً: عدم إعطاء (رأس المال) المجال لأكثرية الشعب حتى يتمكن الإنسان من استثمار مواهبه، مثلاً: المثقف له من الحق أكثر من حق العامل البسيط الجاهل، والإنسان إذا هُيئت له الأجواء أصبح طبيباً ومهندساً ومحامياً وأستاذاً وغير ذلك، لكن الرأسمال لا يعطي المجال لهؤلاء حتى تنطلق مواهبهم وحتى يكونوا في مستوى عالٍ من القوم، فيتأخرون، ولذا يحرمون من استثمار مواهبهم وعائدات التي تعود إليهم، مثلهم في ذلك مثل إنسان يعيش على معدن ويتمكن من استخراج المعدن حتى يرفع حالته ويحسن معيشته، لكن الأنظمة التي وضعها الدكتـــاتوريين تمنع من استخراج المعدن.

يقول الإمام أميـــــر المؤمـــنين عليه الصلاة والســـلام فـــي جملة حكمة بعثة الأنبياء (عليهم السلام): (ويثيروا لهم دفائن العقول)(1).

يعني: أن الأنبياء (عليهم السلام) يثيرون للناس دفائن عقولهم حتى يتمكنوا من الاستمتاع الكامل بالحياة ورؤية الطريق.

هذا بالنسبة إلى الفقر في الغرب.

أما الفقر في الشرق فيضاف إلى السببين الموجودين في الغرب سبب ثالث، وهو: إن الدولة المستبدة تستنفذ آخر قطرة من ثروات الناس، وليس هناك في الشرق من يدافع عن العمال والفلاحين والموظفين وسائر طبقات الشعب، بينما في الغرب ديمقراطية مهلهلة، ودفاع صوري يوقف الرأسماليين والدولة عند حدهما ولو بقدر، وهذا الشيء مفقود في الشرق الشيوعي.

أما في العالم الثالث (حسب المصطلح) فيضاف إلى الأسباب الثلاثة سبب رابع هو: إن المواد الخام التي هي ملك طبيعي للناس يشتريها الشرق والغرب منهم بأقل قدر ممكن، وليست القيمة عادلة، لكنهم مضطرون من البيع للشرق والغرب، ثم إذا صنع الشرق والغرب تلك المواد باعا المصنوع للعالم الثالث بأكثر من الثمن. والأنظمة الموجودة في العالم الثالث ـ وهي أنظمة تابعة للشرق أو الغرب إما بشكل صريح أو مغلف ـ تساعد ذلك.

الحدود الجغرافية والطبقية المقيتة

ثم إنه إذا كان اختلاف ســـطح الثروة في بلدٍ ما سابقاً، يسبب فقر جماعة وغنى جماعة كان الفقراء يعالجون المشكلة بالذهاب إلى بلاد الغنى، لأن الثروة للكل، والله سبحانه وتعالى لم يخلق البشر لأن يكون بعضهم رأسماليين كبار وأصحاب مليارات وملايين، وبعضهم يتضورون جوعاً ولا يجدون حتى لقمة العيش وغذاءً كافياً ودواءً ينقذهم من الأمراض، ولذا كان السطح يتعادل، مثلاً: لما وجدت الثروة في أوربا نزحت جماعات كبيرة من الآسيويين إلى هناك، ولما ظهرت أمريكا نزحت الملايين من أوربا إلى أمريكا.

أما في الوقت الحاضر فقد جعلت الأنظمة المنحرفة للبلاد سياجاً محكماً لا يتمكن الفقير من دخولها، ولذا بقي الفقراء فقراء بل ازدادوا فقراً ووصل الأغنياء إلى فوق حد التخمة، بينما كان مقتضى القاعدة أن يتمكن الإنسان (وهو عيال الله سبحانه وتعالى كما في الأحاديث) أن يذهب إلى أي مكان شاء من الأرض ويكتسب ويكد ويجتهد ويستخرج ثروات الأرض.

وعلى هذا، فقد حدث شيآن كلاهما خلاف فطرة الإنسان وخلاف شرائع السماء.

السبب الأول: إن البلاد الغنية لا تتقبل الفقراء، فهناك سياج بين البلاد الغنية والبلاد الفقيرة يمنع دخول الفقراء في بلاد الأغنياء.

والسبب الثاني: إن البلاد الغنية تمتص الثروة من البلاد الفقيرة ـ كما تقدم ـ بمختلف الوسائل والسبل والأنظمة والحكومات العميلة، بسبب الخبراء، بسبب تصدير المصنوعات، بسبب نهب الخيرات والمواد الخام، وغير ذلك، فبينما كان الفقراء يذهبون في السابق إلى البلد الذي يزداد غنى ليكونوا أغنياء (كما هو غني أيضاً) نشاهد في الوقت الحاضر أنه لا يسمح للفقير بدخول أراضي الله الواسعة، وبالإضافة إلى ذلك تمتص البلاد الغنية بقايا الثروة الموجودة في بلاد الفقراء وتكدسها فوق ثرواتها، ولذا تجد في الغرب وفي البلاد الغنية أصحاب المليارات، وتجد في البلاد الفقيرة مئات الملايين من الجائعين.

الفقراء يتحسّسون واقعهم!

ثم إن الفقراء في العالم السابق ما كانوا يحسون بمشكلة فقرهم بمقدار ما يحسون بها في الزمن الحاضر، فقد زاد إحساس الفقراء بفقرهم حساً متزايداً مما سبب لهم عقداً نفسية ومشاكل جمة، وإنما زاد إحساس الفقراء بفقرهم لأسباب:

الأول: الوسائل العالمية التي أوصلت العالم بعضه ببعض، من راديوات وتلفزيونات ومدارس وكتب ومجلات وجرائد وسينمات وأفلام وأشرطة وغير ذلك.

الثاني: الأسفار التي سببت اتصال الفقراء بالأغنياء، واتصال الأغنياء بالفقراء، فوجد الفقراء العيشة المرفهة عند الأغنياء، فازدادوا حساً بفقر أنفسهم.

الثالث: الحروب خصوصاً الحرب العالمية الثانية، حيث احتاج الغرب والشرق إلى المال، فجاؤوا لنهب معادن البلاد الفقيرة، فعرف الفقراء كيفية عيش الأغنياء، وبذلك ازدادوا حساً بالفقر والظلم والاضطهاد والتأخر.

الرابع: فضح كل من القدرتين العظيمتين ومن في فلكهما ـ يعني أمريكا ومن في فلكها ـ كالبلاد البريطانية والفرنسية والألمانية واليابانية وغيرها من هذا الجانب، وروسيا والبلاد التي في فلكها من الجانب الآخر، فضح كل منهما القدرة الأخرى، حيث إن كل قدرة ـ أرادت استعمار الناس ـ فضحت القدرة الأخرى بأنها تعيش في رفاه وبحبوحة من الخير، بينما البلاد الفقيرة تعيش فقراً مدقعاً، حتى تسببت هذه القدرة في سحب أنظار البلاد الفقيرة إلى نفسها، مما سبب تفتح عيون الفقراء والمضطهدين، ومعرفتهم كيفية تحطمهم وفقرهم وذلهم وتأخرهم ولم يكن هذا الشيء موجوداً في السابق.

الخامس: أنظمة بلاد الفقراء سببت تفتح عيون الفقراء، حيث إن الحكومات التي تسيطر على تلك البلاد على الأغلب دول دكتاتورية تهيئ لنفسها كل الخيرات، فترى الشعوب كيفية حياتها المترفة، مما يوجب طلب الشعوب لمثل تلك الحياة، لكن حيث لا يتمكنون منها يقع بين الدولة والشعب التنازع والتنافر والخصام، وينتهي إلى الثورات والحروب والانقلابات وغير ذلك، مما يسبب إحساس الفقراء بالفقر أكثر فأكثر.

فالفقراء ـ بالإضافة إلى أن الفقر أنه أمر واقعي في بلادهم ـ فهو شيء ملموس لهم، وفرق بين مريض لا يعلم بأنه مريض، وبين مريض يعلم بأنه مريض فهذه المعرفة تسبب له آلاماً نفسية بالإضافة إلى واقعه الخطير.

وعلى أي حال، فالفقراء يزدادون فقراً بصورة مستمرة لحساب تقدم بلاد الأغنياء وبصورة مستمرة.

نتائج الفقر

أما نتائج الفقر والتأخر فهي كثيرة نذكر منها عشرين:

الأول: ضعف العقيدة وانتشار الرذيلة، وقد ورد في الحديث: (كاد الفقر أن يكون كفراً)(2).

وفي حديث آخر: (الفقر سواد الوجه في الدارين)(3).

ومن الطبيعي أن الكفر والرذيلة مقترنان.

الثاني: ارتفاع نسبة الأمراض وكثرة الموت، ولذا نشاهد أن الأمراض في البلاد الفقيرة أكثر من الأمراض في البلاد الغنية، كما أن الموت المبكر يوجد في البلاد الفقيرة بصورة مذهلة، وكثير من الأطفال يموتون جوعاً أو لسوء التغذية أو لعدم استقامة البيئة، بينما هذه الأمور ليست موجودة في بلاد الأغنياء بهذا الشكل.

الثالث: قلة الزواج وكثرة العزاب والعوانس، فإن الزواج له تكاليفه، بحيث إن الفقير لا يتمكن من تحملها، فيبقى عازباً وعازبة، ومن الواضح إن عدم الزواج يسبب الآلام النفسية كما يسبب الآلام الجسدية والأمراض وغير ذلك.

الرابع: سوء التغذية.

الخامس: تلوث البيئة.

السادس: ارتفاع نسبة الجهل ارتفاعاً كبيراً.

السابع: كثرة النزاع، فإن الفقر ـ بالإضافة إلى أنه بنفسه يسبب النزاع بين جانبين يتجاذبان شيئاً من الثروة ـ فهو يسبب سوء الخلق، وسوء الخلق ينتهي إلى النزاع والشقاق، والطلاق في بلاد الفقراء أكثر منه في بلاد الأغنياء.

الثامن: كثرة البطالة.

التاسع: العقد النفسية.

العاشر: قلة وسائل الراحة، فإن الفقير لا يتمكن من أوليات حياته فكيف يتمكن من تهيئة وسائل الراحة لنفسه ولعائلته؟

الحادي عشر: تأخر المرأة تأخراً فضيعاً، وسقوط جملة منهن في بؤرة الرذيلة، أما حقوقهن السياسية والاجتماعية والاقتصادية فليس منها أثر.

الثاني عشر: قلة الاستهلاك تبعاً لقلة الدخل.

الثالث عشر: استخدام الأطفال قبل السن المقررة للخدمة، لأن الفقراء يضطرون إلى استخدام أطفالهم في خدمات شاقة وبأجور زهيدة، لعلهم يتمكنون من سد بعض حاجاتهم الملّحة الضرورية.

الرابع عشر: الدكتاتورية في الحكم، ولذا لا تجد في البلاد المتأخرة حتى بلداً واحداً ديمقراطياً ولو بقدر ديمقراطية الغرب.

الخامس عشر: قلة الوعي، والوعي الموجود شاذ نادراً حتى يصح أن يقال بأنه كالعدم.

السادس عشر: يباب الصحارى، لأن الصحارى لا يمكن أن تثمر إلا بالوسائل، وبالمال، هذا بالإضافة إلى قانون (الإصلاح الزراعي!) الذي يفرض في أمثال هذه البلاد لأجل تحطيم الزراعة واللحوم والألبان ومنتجاتها حتى يبيع الغرب والشرق لمثل هذه البلاد: الحبوب ومنتجاتها واللحوم ومشتقاتها.

السابع عشر: قلة النظام، فإن الإنسان الذي لا يتمكن من سد جوعه أو ستر جسده، هل يمكن أن يفكر في جعل النظام أو أن يلتزم بالنظام؟

الثامن عشر: قلة النظافة:

أولاً: لقلة الوعي.

وثانياً: لقلة الماء.

وثالثاً: لقلة الوسائل.. إلى غير ذلك.

التاسع عشر: عدم التمتع بخيرات الصناعة، فالصناعة في تلك البلاد قليلة جداً لأنهم لا يملكون القوت فهل يتمكنون من شراء السيارة والثلاجة والغسالة وغيرها؟

العشرون: عدم نمو الكفاءات، لأن الكفاءات إنما تتفتق في بيئة علمية حرة مشجعة لنمو الكفاءات، وكل هذه المؤهلات غير موجودة.

إلى غير ذلك من العلائم والآثار والأضرار النازلة بالعالم المتأخر.

وليس علاج تأخر العالم الثالث بالمعونات وتغيير الأنظمة بالانقلابات وما أشبه، والمؤتمرات ونحوها، وإنما العلاج: تغيير النظام العالمي من الرأسمالية ـ الغربية والشرقية ـ إلى النظام المالي المعتدل الذي يعطي لكل إنسان حقه، ولكل إنسان عمله، وكل إنسان فيه حر في أن يكتسب ما يشاء بحيث لا يضر الآخرين، وان يتعلم، وان يسير وأن يتقدم كما يريد.

عاملان أساسيان وراء المشكلات

وأخيراً: فإن كل مشاكل العالم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها ناشئة عن أمرين أساسيين:

أحدهما: عدم الإيمان بالله واليوم الآخر، حتى بالنسبة إلى كثير من الذين يقولون: (إنا مؤمنون) فإن الإيمان أحياناً شعار ولفظ وأعمال مبتورة، وأحياناً يكون ناشئاً عن قلب الإنسان وعمقه بأن يكون الإيمان مخالطاً لحمه ودمه وظاهره وباطنه، فإن الإنسان المؤمن هو الذي يتقي الله في الظلم والتعدي وأكل حقوق الآخرين ويتقي الله أيضاً حتى من البطالة والإسراف والتبذير والتقتير وغير ذلك.

والثاني: الجهل، فإنه ربما يكون الإنسان مؤمناً واقعاً، لكنه جاهل، والجهل يوجب عدم تمكن الإنسان من فهم الحياة (أي فهم الاقتصاد وفهم السياسة وفهم الاجتماع).

ولا نقصد بالجهل أن يكون الإنسان أمياً لا يعرف القراءة والكتابة، إذ في كثير من الأحيان (كما نشاهد في العالم الثالث وفي غير العالم الثالث) يكون خريج الجامعة والمهندس والدكتور والمحامي والطبيب وغيرهم أميين جهلاء بأسلوب الحياة، فإن معرفة الطب شيء ومعرفة كيفية تسيير الحياة شيء آخر، ولذا نجد في العالم الثالث ألوف الدكاترة والمهندسين والعلماء والأطباء وغيرهم من ذوي الشهادات الراقية ومع ذلك لا يتمكنون أن يفهموا كيف يعيشون؟

ومن الواضح، إن من لا يفهم كيف يعيش يعدّ جاهلاً، وإن كان يعرف الكتابة والتأليف وعلاج المرضى والدفاع عن أطراف الدعاوي، وإلى غير ذلك.

نحو تعميم الإيمان والعلم

فمن الضروري تعميم الإيمان وتعميم العلم إذا أردنا اجتثاث جذور الفقر من العالم كله لا في بلادنا فحسب، بل في بلاد الشيوعيين بطريق أولى لأنهم أجهل بطرق الحياة من العالم الثالث، وفي بلاد الغربيين أيضاً لأنهم أيضاً جهلاء بطرق العيش والحياة لأنهم لو كانوا يعلمون بطرق العيش والحياة لم تتحكم فيهم الرأسمالية الجائرة ولم يتحكم فيهم الاستعمار والاستغلال، لوضوح إن الإنسان بفطرته المدعومة بالإيمان والعلم يأبى حتى عن استعمار الآخرين واستغلالهم.

ولذا ورد في الأحاديث الكثيرة ـ تبعاً للآيات الشريفة ـ تأكيدات على الإيمان وعلى العلم، وإنا نذكر طائفة من الروايات الواردة في هذا الباب حول العلم تتميماً للمقصد.

فقد قال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (... فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله)(4).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (طلب العلم فريضة)(5).

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (طلب العلم فريضة على كل مسلم، ألا إن الله يحب بغات العلم)(6).

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)(7).

وروى محمد بن علي القتال عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (اطلبوا العلم ولو بالصين، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم)(8).

وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (الشاخص في طلب العلم، كالمجاهد في سبيل الله، إن طلب العلم فريضة على كل مسلم)(9).

وعن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (من تعلم باباً من العلم عمن يثق به كان أفضل من أن يصلي ألف ركعة)(10).

وروي أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (طلب العلم فريضة من فرائض الله)(11).

وروى المجاشعي، عن الرضا عن آبائه عن علي صلوات الله عليهم أجمعين قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (العالم بين الجهال كالحي بين الأموات ـ إلى أن قال ـ: فاطلبوا العلم فانه السبب بينكم وبين الله عز وجل وإن طلب العلم فريضة على كل مسلم)(12).

وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم فاطلبوا العلم من مظانه واقتبسوه من أهله)(13).

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساءً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلّوا أو أضلّوا)(14).

ومن الواضح، إن الإفتاء بغير علم ليس خاصاً بموازين القضاء والمرافعات والشكايات، بل يشمل كل أقسام العلم كالعلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية والحيوية وغيرها.

وعن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (أربع يلزمن كل ذي عقل وحجى من أمتي قيل: يا رسول الله ما هنّ؟

قال: استماع العلم وحفظه ونشره عند أهله والعمل به)(15).

وعن أبي عبد الله الصادق عليه الصلاة والسلام قال: (اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار)(16).

إلى غيرها من الروايات الكريمة.

تعاليم إسلامية في الكسب والتجارة

الإسلام يدعو إلى التجارة والكسب

عن المعلى بن خنيس قال: رآني أبو عبد الله (عليه السلام) وقد تأخرت عن السوق فقال: (اغد إلى عزك)(17).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (تسعة أعشار الرزق في التجارة)(18).

وعن عبد المؤمن الأنصاري، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (البركة عشرة أجزاء تسعة أعشارها في التجارة والعشر الباقي في الجلود)(19).

قال الصدوق يعني بالجلود الغنم، واستدل بما عن الحسين بن زيد، عن أبيه زيد بن علي، عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: (تسعة أعشار الرزق في التجارة، والجزء الباقي في السابيا)(20) يعني الغنم.

(أقول: ذلك محمول على زمان ورود الرواية).

وعن علي (عليه السلام) ـ في حديث الأربعمائة ـ قال: (تعرضوا للتجارات فإن لكم فيها غنى عما في أيدي الناس، وإن الله عز وجل يحب المحترف الأمين، المغبون غير محمود ولا مأجور)(21). أي لا يحمده الناس ولا يعطيه الله الأجر.

وعن علي (عليه السلام) في بيان معايش الخلق (إلى أن قال) (وأما وجه التجارة فقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) ) البقرة: 282).

فعرّفهم سبحانه كيف يشترون المتاع في السفر والحضر وكيف يتجرون إذ كان ذلك من أسباب المعايش)(22).

عن محمد الزعفراني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من طلب التجارة استغنى عن الناس، قلت: وإن كان معيلاً؟ قال: وإن كان معيلاً إن تسعة أعشار الرزق في التجارة)(23).

وعن أبي بكير عمن حدثه،عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (التجارة تزيد في العقل)(24). (لوضوح أن العقل العملي في العمل).

وعن هشام بن أحمر قال: كان أبو الحسن (عليه السلام) يقول لمصادف: (أغد إلى عزك)(25) يعني السوق.

وعن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال للموالي: (اتجروا بارك الله لكم، فإني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: الرزق عشرة أجزاء تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها)(26).

وعن علي بن عقبة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لمولى له: (يا عبد الله احفظ عزك) قال: وما عزي جعلت فداك؟ قال: (غدوك إلى سوقك، وإكرامك نفسك)(27).

وقال لآخر مولى له: (ما لي أراك تــــركت غدوك إلــــى عزك؟) قــــال: جنازة أردت أن أحضرها، قال: (فلا تدع الرواح إلى عزك)(28).

وعن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن قول الله: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) (البقرة: 201).

قال: (رضوان الله والجنة والسعة في المعيشة وحسن الخلق في الدنيا)(29).

وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: (رضوان الله والتوسعة في المعيشة وحسن الصحبة وفي الآخرة الجنة)(30).

(وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه مرّ في غزوة تبوك بشاب جلد يسوق أبعرة سماناً، فقال أصحابه: يا رسول الله لو كانت قوة هذا وجلده وسمن أبعرته في سبيل الله لكان أحسن، فدعاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: أرأيت أبعرتك هذه، أي شيء تعالج عليها؟ فقال: يا رسول الله لي زوجة وعيال فأنا أكسب بها ما أنفقه على عيالي وأكفهم عن الناس، وأقضي ديناً علي، قال: لعل غير ذلك؟ قال: لا، فلما انصرف قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لئن كان صادقاً إن له لأجراً مثل أجر الغازي وأجر الحاج وأجر المعتمر)(31).

وفي المقنع، قال الصادق (عليه السلام): (من لزم التجارة استغنى عن الناس)(32).

وروى علي بن إبراهيم في تفسيره، مرسلاً في سياق قصة مريم وولادة عيسى (عليه السلام) (إلى أن قال): ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم: (جعل الله البركة في كسبكم وأحوج الناس إليكم)(33).

وعن أبي إمامة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (الخير عشرة أجزاء أفضلها التجارة، إذا أخذ الحق وأعطى الحق)(34).

وعنه (صلّى الله عليه وآله)، أنه قال: (تسعة أعشار الرزق في التجارة)(35).

وعنه (صلّى الله عليه وآله)، أنه قال: (أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه)(36).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث أنه قيل له: وبم الافتخار؟ قال: (بإحدى ثلاث، مال ظاهر وأدب بارع، وصناعة لا يستحي المرء منها)(37).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سأل بعض أصحابه عما يتصرف فيه؟ فقال: جعلت فداك إني كففت يدي عن التجارة؟ قال: ولم ذلك؟ قال: انتظاري هذا الأمر، قال: (ذلك واعجب لكم يذهب أموالكم لا تكفف عن التجارة والتمس من فضل الله، افتح بابك، وابسط بساطك، واسترزق ربك، وإذا كنت في تجارتك وحضرت الصلاة فلا يشغلك عنها متجرك، فإن الله وصف قوماً ومدحهم فقال: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) (النور: 37).

وكان هؤلاء القوم يتجرون، فإذا حضرت الصلاة تركوا تجارتهم وقاموا إلى صلاتهم وكانوا أعظم أجراً ممن لا يتحرّف ويصلي)(38).

وفي المقنع عن الصادق (عليه السلام)، أنه قال: (لا تترك التجارة، فإن تركها مذهبة العقل)(39).

وعن ابن عباس، أنه قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال: له حرفة؟ فإن قالوا: لا، قال: سقط من عيني، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: (لأن المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه)(40).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين (عليه السلام) يدع خلفاً لفضل علي بن الحسين (عليه السلام) حتى رأيت ابنه محمد بن علي (عليه السلام) فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأي شيء وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي (عليه السلام)، وكان رجلاً بديناً وهو متكئ على غلامين له أسودين، أو موليين له، فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا والله لأعظنه، فدنوت منه فسلمت عليه فسلم علي بنهر وقد تصبب عرقاً، فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة في طلب الدنيا لو جاءك الموت وأنت في هذه الحال؟ قال: فخلى عن الغلامين من يده ثم تساند وقال: (لو جاءني والله الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله، أكف بها نفسي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله) فقلت: يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني(41).

وعن ابن فضال عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، قال: (الشاخص في طلب الرزق الحلال كالمجاهد في سبيل الله)(42).

وعن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (العبادة سبعون جزءً أفضلها جزءً طلب الحلال)(43).

وفي رواية أخرى قال (صلّى الله عليه وآله): (العبادة عشرة أجزاء تسعة أجزاء في طلب الحلال)(44).

أقول: الجمع بينهما بمراتب الفضل.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: (ما عدوة أحدكم في سبيل الله بأعظم من غدوته يطلب لولده وعياله ما يصلحهم)(45).

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أنه قال: (إنه ليأتي الرجل منكم لا يكتب عليه سيئة وذلك أنه مبتلى بالمعاش)(46).

وعنه (صلّى الله عليه وآله)، أنه قال: (إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها صلاة ولا صدقة، قيل: يا رسول الله فما يكفرها؟ قال: الهموم في طلب المعيشة)(47).

وفي لب اللباب، عن الصادق (عليه السلام)، أنه قال: إني لأركب في الحاجة التي كفاها الله، ما أركب فيها إلا لالتماس أن يراني أضحى في طلب الحال، أما تسمع قول الله: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) (الجمعة: 10)(48).

وفي الغرر، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (الرحال تفيد المال)(49).

وعن الصادق (عليه السلام)، أنه قال: (ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم: رجل جلس عن طلب الرزق ثم يقول: اللهم ارزقني، يقول الله تبارك وتعالى: ألم أجعل لك طريقاً في الطلب؟) (الخبر)(50).

وعن الصادق (عليه السلام) قال: (أربعة لا يستجاب لهم دعاء: رجل جالس في بيته يقول: يا رب ارزقني، فيقول له: ألم آمرك بالطلب) (الخبر)(51).

(ذكر الثلاثة مرة وأربعة مرة) باعتبار اختلاف محل الحاجة بالنسبة إلى السائل.

وفي الحديث أنه لما نزل قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) (الطلاق: 2 ـ 3).

إنقطع رجال من الصحابة في بيوتهم واشتغلو بالعبادة وثوقاً بما ضمن لم فعلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك، فعاب ما فعلوه، وقال: إني لأبغضه الرجل فاغراً إلى ربه يقول: اللهم ارزقني ويترك الطلب.

وعن عبد الله عن محمد، عن موسى قال: حدثنا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (نعم العون على تقوى الله الغنى)(52).

وعن ذريح قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (نعم العون الدنيا على الآخرة)(53).

وعن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا لنحب الدنيا! فقال لي: تصنع بها ماذا؟ قال: أتزوج منها، وأنفق على عيالي، وأنيل أخواني، وأتصدق، قال لي: (ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة)(54).

وعن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: كان لقمان يقول لابنه: (يا بني إن الدنيا بحر، وقد غرق فيها جيل كثير (إلى أن قال): يا بني خذ من الدنيا بلغة، ولا تدخل فيها دخولاً تضر فيها بآخرتك، ولا ترفضها فتكون عيالاً على الناس) (الخبر)(55).

ومن كلام لعلي (عليه السلام) بالبصرة وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي يعوده، فلما رأى سعة داره قال: (ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا،أما أنت إليها في الآخرة كنت أحوج؟ وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة. تقرى فيها الضيف وتصل فيها الرحم وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة)(56).

وروى الراوندي في لب الألباب، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (من طلب الدنيا حلالاً استعفافاً عن المسألة وسعياً على عياله وتعطفاً على جاره لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر)(57).

وفي الغرر، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: (ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب)(58).

وعن زياد القندي قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا رأى إسحاق بن عمار واسماعيل بن عمار قال: (وقد يجمعهما لأقوام)(59) يعني الدنيا والآخرة.

وروى علي بن إبراهيم (في تفسيره) قال: وذكر رجل عند أبي عبد الله (عليه السلام) الأغنياء ووقع فيهم، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (اسكت، فإن الغني إذا كان وصولاً لرحمه، وباراً بإخوانه أضعف الله له الأجر ضعفين، لأن الله يقول: (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون) ) (سبأ: 37)(60).

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (هلك المثرون، قلنا: يا رسول الله إلا من فأعادها ثلاثاً، ثم قال: إلا من فرّقه في حياته في أعمال الخير، قال: هكذا هكذا وقليل ما هم)(61).

وروى الآمدي في الغرر، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: (القبر خير من الفقر) وقال (عليه السلام): (إن إعطاء هذا المال في طاعة الله أعظم نعمة، وإن إنفاقه في معاصيه أعظم محنة)(62).

وفي (نهج البلاغة) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: (وكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة ينتظر من الله إحدى الحسنيين، أما داعي الله فما عند الله خير له، وأما رزق الله فإذا هو ذو أهل ومال ومعه دينه وحسبه إن المال والبنين حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام)(63).

فضل كسب اليد

عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، في قول الله تبارك وتعالى: (وأنه هو أغنى وأقنى) (النجم: 48).

قال: (أغنى كل إنسان بمعيشته وأرضاه بكسب يده)(64).

وفي مجمع البيان، روي أنهم (يعني الحواريين) اتبعوا عيسى (عليه السلام)، وكانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح الله جعنا، فيضرب بيده على الأرض سهلاً كان أو جبلاً فيخرج لكل إنسان منهم رغيفان يأكلانه، فإذا عطشوا قالوا: يا روح الله عطشنا فيضرب بيده على الأرض، سهلاً كان أو جبلاً فيخرج ماء فيشربون، قالوا: يا روح الله من أفضل منا إذا شئنا أطعمنا، وإذا شئنا سقينا، وقد آمنا بك واتبعناك، قال: أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه، فصاروا يغسلون الثياب بالكراء)(65).

وفي نهج البلاغة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ولقد كان في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كاف لك في الأسوة (إلى أن قال): وإن شئت ثلثت بداود صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة، فلقد كان يعمل سفاسيف الخوص بيده، ويقول لجلسائه (أيكم يكفيني بيعها ويأكل قرص الشعير من ثمنها))(66).

وفي جامع الأخبار عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (من أكل من كد يده مر على الصراط كالبرق الخاطف)(67).

وعنه (صلّى الله عليه وآله)، أنه قال: (من أكل من كد يده حلالاً فتح له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)(68).

وعنه (صلّى الله عليه وآله) قال: (من أكل من كد يده نظر الله إليه بالرحمة ثم لا يعذبه أبداً)(69).

وعنه (صلّى الله عليه وآله)، أنه قال: (من أكل من كد يده يكون يوم القيامة في عداد الأنبياء ويأخذ ثواب الأنبياء)(70).

وعن عامر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إن الله عز وجل حين أهبط آدم (عليه السلام) من الجنة أمره أن يحرث بيده فيأكل من كدها بعد نعيم الجنة) (الخبر)(71).

وعن نجم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب نقل الحطب وأن يجيء بالطعام)(72).

وروى الحسن بن أبي الحسن الديلمي في إرشاد القلوب قال: (روي أنه ـ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ لما كان يفرغ من الجهاد يتفرغ لتعليم الناس والقضاء بينهم، فإذا فرغ من ذلك اشتغل في حائط له يعمل فيه بيديه وهو مع ذلك ذاكر لله تعالى(73).

وفي دعائم الإسلام، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنه كان يعمل بيده ويجاهد في سبيل الله، إلى أن قال: وأقام على الجهاد أيام حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومنذ قام بأمر الناس إلى أن قبضه إليه، وكان يعمل في ضياعه ما بين ذلك فأعتق ألف مملوك كل من كسب يده)(74).

وعن أبي عمر قال: كان سلمان يسفّ الخوص وهو أمير على المدائن ويبيعه ويأكل منه ويقول: لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي، وقد كان تعلّم سفّ الخوص من المدينة.

وفي كتاب سلمان (إلى أن قال): وأما ما ذكرت إني أقبلت على سف الخوص وأكل الشعير فما هما مما يعيّر به مؤمن ويؤنب عليه، وأيم الله يا عمر لأكل الشعير وسفّ الخوص والاستغناء به عن رفيع المطعم والمشرب وعن غصب مؤمن وادعاء ما ليس له بحق أفضل وأحب إلى الله عز وجل وأقرب للتقوى، ولقد رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا أصاب الشعير أكله وفرح به ولم يسخط) (الخبر).

وروى أبو عمرو الكشي في رجاله قال: كان محمد بن مسلم، رجلاً مــوسراً جليلاً، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): (تواضع) فأخذ قوصرة فوضعها على باب المسجد وجعل يبيع التمر فجاء قومه، فقالوا: أفضحتنا، فقال: أمرني مولاي بشيء فلا أبرح حتى أبيع، فقالوا: أما إذا أبيت إلا هذا فاقعد في الطحانين، ثم سلموا إليه رحى فقعد على بابه وجعل يطحن.

وروى يوسف بن يعقوب عن صالح بياع الأكسية أن جدّته لقيت علياً (عليه السلام) بالكوفة ومعه تمر يحمله، فسلمت عليه وقالت له: أعطني يا أمير المؤمنين أحمل عنك إلى بيتك، فقال: أبو العيال أحق بحمله(75).

الزراعة في الإسلام

جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله رجل عنده فقال: جعلت فداك اسمع قوماً يقولون إن الزراعة مكروهة فقال: (ازرعوا واغرسوا والله ما عمل الناس عملاً أجلّ ولا أطيب منه)(76).

وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: (ما في أعمال شيء أحب إلى الله تعالى من الزراعة، وما بعث الله نبياً إلا زارعاً إلا إدريس، فإنه كان خياطاً)(77).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوماً في بستان أم سعيد فقال: هذه الغروس غرسها كافر أم مسلم؟ فقالت: يا رسول الله غرسها مسلم، فقال: (ما من مسلم يغرس غرساً يأكل منه إنسان أو دابة أو طير إلا أن يكتب له صدقة إلى يوم القيامة)(78).

 

1 ـ نهج البلاغة، شرح محمد عبدة: ج1، ص23، دار المعرفة ـ بيروت.

2 ـ الكافي: ج2، ص307، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، الطبعة الرابعة.

3 ـ بحار الأنوار: ج65، ص30، دار المعارف ـ بيروت.

4 ـ وسائل الشيعة: ج5، ص394، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

5 ـ الكافي: ج1، ص30، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، الطبعة الثالثة.

6 ـ المصدر السابق.

7 ـ بحار الأنوار: ج1، ص177، دار المعارف ـ بيروت.

8 ـ وسائل الشيعة: ج18، ص14، دار إحياء التراث العربي.

9 ـ المصدر السابق.

10 ـ المصدر السابق.

11 ـ المصدر السابق.

12 ـ بحار الأنوار: ج1، ص172، دار المعارف ـ بيروت.

13 ـ المصدر السابق: ص171.

14 ـ المصدر السابق: ج2، ص110.

15 ـ المصدر السابق: ج1، ص168.

16 ـ الكافي: ج1، ص36، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، الطبعة الثالثة.

17 ـ وسائل الشيعة: ج12، ص3، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

18 ـ الكافي: ج5، ص148، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، الطبعة الثالثة.

19 ـ وسائل الشيعة: ج12، ص3، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

20 ـ المصدر السابق.

21 ـ المصدر السابق: ص4.

22 ـ بحار الأنوار: ج86، ص48، دار المعارف ـ بيروت.

23 ـ الكافي: ج5، ص148، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، الطبعة الثالثة.

24 ـ المصدر السابق.

25 ـ المصدر السابق: ص149.

26 ـ المصدر السابق: ص319.

27 ـ وسائل الشيعة: ج12، ص5، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

28 ـ المصدر السابق.

29 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص7، مؤسسة أهل البيت (عليهم السلام) ـ لاحياء التراث، بيروت.

30 ـ المصدر السابق.

31 ـ المصدر السابق: ص8.

32 ـ المصدر السابق: ص9.

33 ـ المصدر السابق.

34 ـ المصدر السابق.

35 ـ المصدر السابق.

36 ـ المصدر السابق.

37 ـ المصدر السابق: ج12، ص92.

38 ـ المصدر السابق: ج13، ص10. حرف واحترف الرجل: كدّ على عياله.

39 ـ المصدر السابق: ص11.

40 ـ المصدر السابق.

41 ـ المصدر السابق: ص12.

42 ـ المصدر السابق.

43 ـ المصدر السابق.

44 ـ المصدر السابق.

45 ـ المصدر السابق: ص13.

46 ـ المصدر السابق.

47 ـ المصدر السابق.

48 ـ المصدر السابق: ص14.

49 ـ المصدر السابق.

50 ـ المصدر السابق.

51 ـ المصدر السابق.

52 ـ المصدر السابق: ص15.

53 ـ المصدر السابق.

54 ـ المصدر السابق: ص16.

55 ـ المصدر السابق.

56 ـ نهج البلاغة، شرح محمد عبدة: ج2، ص187، دار المعرفة ـ بيروت.

57 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص17، مؤسسة أهل البيت لاحياء التراث ـ بيروت.

58 ـ المصدر السابق.

59 ـ المصدر السابق: ص18.

60 ـ المصدر السابق: ص19.

61 ـ المصدر السابق: ص20.

62 ـ المصدر السابق.

63 ـ نهج البلاغة، شرح محمد عبدة: ج2، ص58، دار المعرفة ـ بيروت.

64 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص23، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث ـ بيروت.

65 ـ المصدر السابق: ص23.

66 ـ نهج البلاغة، شرح محمد عبدة: ج2، ص58، دار المعرفة ـ بيروت.

67 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص23، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث ـ بيروت.

68 ـ المصدر السابق: ص24.

69 ـ المصدر السابق.

70 ـ المصدر السابق.

71 ـ المصدر السابق.

72 ـ المصدر السابق: ص25.

73 ـ المصدر السابق.

74 ـ المصدر السابق.

75 ـ بحار الأنوار: ج37، ص138.

76 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص26، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث ـ بيروت.

77 ـ وسائل الشيعة: ج12، ص25، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

78 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص26، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث ـ بيروت.