الفهرس

المؤلفات

 العلوم الاخرى

الصفحة الرئيسية

 

1  2

الجفن والعين

تأمل يا مفضل الجفن على العين، كيف جعل كالغشاء والأشفار كالأشراج وأولجها في هذا الغار وأظلها بالحجاب وما عليه من الشعر.

الأعضاء الداخلية

يا مفضل من غيب الفؤاد في جوف الصدر، وكساه المدرعة التي هي غشاؤه وحصنه بالجوانح وما عليها من اللحم والعصب لئلا يصل إليه ما ينكؤه، من جعل في الحلق منفذين، أحدهما لمخرج الصوت وهو الحلقوم المتصل بالرية، والآخر منفذ الغذاء وهو المري‏ء المتصل بالمعدة الموصل لغذء إليها وجعل على الحلقوم طبقا يمنع الطعام أن يصل إلى الرية فيقتل، من جعل الرية مروحة الفؤاد لا تفتر ولا تخل لكيلا تتحيز الحرارة في الفؤاد فتؤدي إلى التلف، من جعل لمنافذ البول والغائط أشراجا تضبطهما لئلا يجريا جريانا دائما فيفسد على الإنسان عيشه، فكم عسى أن يحصي المحصي من هذا، بل الذي لا يحصى منه ولا يعلمه الناس أكثر، من جعل المعدة عصبانية شديدة وقدرها لهضم الطعام الغليظ، ومن جعل الكبد رقيقة ناعمة لقبول الصفو اللطيف من الغذاء ولتهضم وتعمل ما هو ألطف من عمل المعدة إلا الله القادر، أ ترى الإهمال يأتي بشيء من ذلك، كلا بل هو تدبير من مدبر حكيم قادر عليم بالأشياء قبل خلقه إياها لا يعجزه شي‏ء ((وهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) [1].

المخ والدم و...

فكر يا مفضل لم صار المخ الرقيق محصنا في أنابيب العظام هل ذلك إلا ليحفظه ويصونه، لم صار الدم السائل محصورا في العروق بمنزلة الماء في الظروف إلا لتضبطه فلا يفيض، لم صارت الأظفار على أطراف الأصابع إلا وقاية لها ومعونة على العمل، لم صار داخل الأذن ملتويا كهيئة الكوكب إلا ليطرد فيه الصوت حتى ينتهي إلى السمع وليتكسر حمة الريح فلا ينكي في السمع، لم حمل الإنسان على فخذيه وأليتيه هذا اللحم إلا ليقيه من الأرض فلا يتألم من الجلوس عليهما كما يألم من نحل جسمه وقل لحمه إذا لم يكن بينه وبين الأرض حائل يقيه صلابتها.

الذكر والأنثى

من جعل الإنسان ذكرا وأنثى إلا من خلقه متناسلا، ومن خلقه متناسلا إلا من خلقه مؤملا، ومن خلقه مؤملا ومن أعطاه آلات العمل إلا من خلقه عاملا، ومن خلقه عاملا إلا من جعله محتاجا، ومن جعله محتاجا إلا من ضربه بالحاجة، ومن ضربه بالحاجة إلا من توكل بتقويمه، ومن خصه بالفهم إلا من أوجب له الجزاء، ومن وهب له الحيلة إلا من ملكه الحول، ومن ملكه الحول إلا من ألزمه الحجة، ومن يكفيه ما لا تبلغه حيلته إلا من لم يبلغ مدى شكره، فكر وتدبر ما وصفته هل تجد الإهمال على هذا النظام والترتيب تبارك الله عما يصفون.

وصف القلب

أصف لك الآن يا مفضل الفؤاد، اعلم أن فيه ثقبا موجهة نحو الثقب التي في الرية تروح عن الفؤاد، حتى لو اختلفت تلك الثقب وتزايل بعضها عن بعض لما وصل الروح إلى الفؤاد ولهلك الإنسان، أ فيستجيز ذو فكر وروية أن يزعم أن مثل هذا يكون بالإهمال، ولا يجد شاهدا من نفسه ينزعه عن هذا القول.

من الحكمة الإلهية

لو رأيت فردا من مصراعين فيه كلوب أ كنت تتوهم أنه جعل كذلك بلا معنى، بل كنت تعلم ضرورة أنه مصنوع يلقى فردا آخر فتبرزه ليكون في اجتماعهما ضرب من المصلحة، وهكذا تجد الذكر من الحيوان كأنه فرد من زوج مهيأ من فرد أنثى، فيلتقيان لما فيه من دوام النسل وبقائه، فتبا وخيبة وتعسا لمنتحلي الفلسفة كيف عميت قلوبهم عن هذه الخلقة العجيبة، حتى أنكروا التدبير والعمد فيها، لو كان فرج الرجل مسترخيا كيف كان يصل إلى قعر الرحم حتى يفرغ النطفة فيه، ولو كان منعظا أبدا كيف كان الرجل يتقلب في الفراش أو يمشي بين الناس وشيء شاخص أمامه، ثم يكون في ذلك مع قبح المنظر تحريك الشهوة في كل وقت من الرجال والنساء جميعا، فقدر الله جل اسمه أن يكون أكثر ذلك لا يبدو للبصر في كل وقت، ولا يكون على الرجال منه مئونة، بل جعل فيه القوة على الانتصاب وقت الحاجة إلى ذلك، لما قدر أن يكون فيه دوم النسل وبقاؤه.

خروج الأذى

اعتبر الآن يا مفضل بعظيم النعمة على الإنسان في مطعمه ومشربه وتسهيل خروج الأذى، أ ليس من حسن التقدير في بناء الدار أن يكون الخلاء في أستر موضع فيها، فكذا جعل الله سبحانه المنفذ المهيأ للخلاء من الإنسان في أستر موضع منه، فلم يجعله بارزا من خلفه، ولا ناشرا من بين يديه، بل هو مغيب في موضع غامض من البدن، مستور محجوب، يلتقي عليه الفخذان وتحجبه الأليتان بما عليهما من اللحم فيواريانه، فإذا احتاج الإنسان إلى الخلاء، وجلس تلك الجلسة ألفى ذلك المنفذ منه منصبا مهيئا لانحدار الثفل، فتبارك الله من تظاهرت آلاؤه ولا تحصى نعماؤه.

الطواحن

فكر يا مفضل في هذه الطواحن التي جعلت للإنسان، فبعضها حداد لقطع الطعام وقرضه، وبعضها عراض لمضغه ورضه، فلم ينقص واحد من الصفتين إذ كان محتاجا إليهما جميعا.

الشعر والأظفار

تأمل واعتبر بحسن التدبير في خلق الشعر والأظفار، فإنهما لما كانا مما يطول ويكثر حتى يحتاج إلى تخفيفه أولا فأولا، جعلا عديمي الحس، لئلا يؤلم الإنسان الأخذ منهما، ولو كان قص الشعر وتقليم الأظفار مما يوجد له مس من ذلك، لكان الإنسان من ذلك بين مكروهين، إما أن يدع كل واحد منهما حتى يطول فيثقل عليه، وإما أن يخففه بوجع وألم يتألم منه.

قال المفضل: فقلت: فلم لم يجعل ذلك خلقه لا تزيد فيحتاج الإنسان إلى النقصان منه؟

فقال (عليه السلام): إن لله تبارك اسمه، في ذلك على العبد نعما لا يعرفها فيحمد عليها، اعلم أن آلام البدن وأدواءه تخرج بخروج الشعر في مسامه وبخروج الأظفار من أناملها، ولذلك أمر الإنسان بالنورة وحلق الرأس وقص الأظفار في كل أسبوع ليسرع الشعر والأظفار في النبات فتخرج الآلام والأدواء بخروجها، وإذا طالا تحيرا وقل خروجهما، فاحتبست الآلام والأدواء في البدن، فأحدثت عللا وأوجاعا.

ومنع مع ذلك الشعر من المواضع التي يضر بالإنسان ويحدث عليه الفساد والضرر، لو نبت الشعر في العين أ لم يكن سيعمى البصر، ولو نبت في الفم أ لم يكن سيغص على الإنسان طعامه وشرابه، ولو نبت في باطن الكف أ لم يكن سيعوقه عن صحة اللمس وبعض الأعمال، فلو نبت في فرج المرأة أو على ذكر الرجل أ لم يكن سيفسد عليهما لذة الجماع، فانظر كيف تنكب الشعر هذه المواضع لما في ذلك من المصلحة.

ثم ليس هذا في الإنسان فقط بل تجده في البهائم والسباع وسائر المتناسلات فإنك ترى أجسامهن مجللة بالشعر، وترى هذه المواضع خالية منه، لهذا السبب بعينه، فتأمل الخلقة كيف تتحرز وجوه الخطأ والمضرة وتأتي بالصواب والمنفعة.

إن المنانية وأشباههم حين اجتهدوا في عيب الخلقة والعمد عابوا الشعر النابت على الركب والإبطين ولم يعلموا أن ذلك من رطوبة تنصب إلى هذه المواضع، فينبت فيها الشعر كما ينبت العشب في مستنقع المياه، أفلا ترى إلى هذه المواضع أستر وأهيأ لقبول تلك الفضلة من غيرها، ثم إن هذه تعد مما يحمل الإنسان من مئونة هذا البدن وتكاليفه لما له في ذلك من المصلحة، فإن اهتمامه بتنظيف بدنه وأخذ ما يعلوه من الشعر مما يكسر به شرته ويكف عاديته ويشغله عن بعض ما يخرجه إليه الفراغ من الأشر والبطالة.

تأمل الريق وما فيه من المنفعة فإنه جعل يجري جريانا دائما إلى الفم ليبل الحلق واللهوات فلا يجف فإن هذه المواضع لو جعلت كذلك كان فيه هلاك الإنسان، ثم كان لا يستطيع أن يسيغ طعاما إذا لم يكن في الفم بلة تنفذه تشهد بذلك المشاهدة، واعلم أن الرطوبة مطية الغذاء وقد تجري من هذه البلة إلى موضع آخر من المرة فيكون في ذلك صلاح تام للإنسان، ولو يبست المرة لهلك الإنسان.

ولقد قال قوم من جهلة المتكلمين وضعفة المتفلسفين بقلة التميز وقصور العلم: لو كان بطن الإنسان كهيئة القباء يفتحه الطبيب إذا شاء فيعاين ما فيه، ويدخل يده فيعالج ما أراد علاجه، أ لم يكن أصلح من أن يكون مصمتا محجوبا عن البصر واليد لا يعرف ما فيه إلا بدلالات غامضة، كمثل النظر إلى البول وحس العرق وما أشبه ذلك مما يكثر فيه الغلط والشبهة حتى ربما كان ذلك سببا للموت؟

فلو علم هؤلاء الجهلة أن هذا لو كان هكذا كان أول ما فيه أنه كان يسقط عن الإنسان الوجل من الأمراض والموت، وكان يستشعر البقاء ويغتر بالسلامة، فيخرجه ذلك إلى العتو والأشر، ثم كانت الرطوبات التي في البطن تترشح وتتحلب فيفسد على الإنسان مقعده ومرقده وثياب بذلته وزينته، بل كان يفسد عليه عيشه، ثم إن المعدة والكبد والفؤاد إنما تفعل أفعالها بالحرارة الغريزية التي جعلها الله محتبسة في الجوف، فلو كان في البطن فرج ينفتح حتى يصل البصر إلى رؤيته واليد إلى علاجه، لوصل برد الهواء إلى الجوف فمازج الحرارة الغريزية وبطل عمل الأحشاء، فكان في ذلك هلاك الإنسان، أ فلا ترى أن كل ما تذهب إليه الأوهام سوى ما جاءت به الخلقة خطأ وخطل.

غرائز الإنسان

فكر يا مفضل في الأفعال التي جعلت في الإنسان من الطعم والنوم والجماع وما دبر فيها، فإنه جعل لكل واحد منها في الطباع نفسه محرك يقتضيه ويستحث به، فالجوع يقتضي الطعم الذي به حياة البدن وقوامه، والكرا تقضي النوم الذي فيه راحة البدن وإجمام قواه، والشبق يقتضي الجماع الذي فيه دوام النسل وبقاؤه.

ولو كان الإنسان إنما يصير إلى أكل الطعام لمعرفته بحاجة بدنه إليه ولم يجد من طباعه شيئا يضطره إلى ذلك كان خليقا أن يتوانى عنه أحيانا بالتثقل والكسل حتى ينحل بدنه فيهلك، كما يحتاج الواحد إلى الدواء بشيء مما يصلح ببدنه فيدافع به حتى يؤديه ذلك إلى المرض والموت.

وكذلك لو كان إنما يصير إلى النوم بالتفكر في حاجته إلى راحة البدن وإجمام قواه كان عسى أن يتثاقل عن ذلك فيدمغه حتى ينهك بدنه.

ولو كان إنما يتحرك للجماع بالرغبة في الولد كان غير بعيد أن يفتر عنه حتى يقل النسل أو ينقطع فإن من الناس من لا يرغب في الولد ولا يحفل به، فانظر كيف جعل لكل واحد من هذه الأفعال التي بها قوام الإنسان وصلاحه محرك من نفس الطبع يحركه لذلك ويحدوه عليه.

القوى الأربع

واعلم أن في الإنسان قوى أربعا: قوة جاذبة تقبل الغذاء وتورده على المعدة، وقوة ممسكة تحبس الطعام حتى تفعل فيه الطبيعة فعلها، وقوة هاضمة وهي التي تطبخه وتستخرج صفوه وتبثه في البدن، وقوة دافعة تدفعه وتحدر الثفل الفاضل بعد أخذ الهاضمة حاجتها.

تفكر في تقدير هذه القوى الأربعة التي في البدن وأفعالها وتقديرها للحاجة إليها والإرب فيها وما في ذلك من التدبير والحكمة، ولولا الجاذبة كيف يتحرك الإنسان لطلب الغذاء التي بها قوام البدن، ولولا الماسكة كيف كان يلبث الطعام في الجوف حتى تهضمه المعدة، ولولا الهاضمة كيف كان ينطبخ حتى يخلص منه الصفو الذي يغذو البدن ويسد خلله، ولولا الدافعة كيف كان الثفل الذي تخلفه الهاضمة يندفع ويخرج أولا فأولا، أفلا ترى كيف وكل الله سبحانه بلطيف صنعه وحسن تقديره هذه القوى بالبدن والقيام بما فيه صلاحه.

وسأمثل لك في ذلك مثالا، إن البدن بمنزلة دار الملك وله فيها حشم وصبية وقوام موكلون بالدار فواحد لإقضاء حوائج الحشم وإيرادها عليهم، وآخر لقبض ما يرد وخزنه إلى أن يعالج ويهيأ، وآخر لعلاج ذلك وتهيئته وتفريقه، وآخر لتنظيف ما في الدار من الأقذار وإخراجه منها، فالملك في هذا هو الخلاق الحكيم ملك العالمين، والدار هي البدن، والحشم هي الأعضاء، والقوام هي هذه القوى الأربع، ولعلك ترى ذكرنا هذه القوى الأربع وأفعالها بعد الذي وصفت فضلا وتزدادا وليس ما ذكرته من هذه القوى على الجهة التي ذكرت في كتب الأطباء ولا قولنا فيه كقولهم، لأنهم ذكروها على ما يحتاج إليه في صناعة الطب وتصحيح الأبدان، وذكرناها على ما يحتاج في صلاح الدين وشفاء النفوس من الغي كالذي أوضحته بالوصف الشافي والمثل المضروب من التدبير والحكمة فيها»[2] الحديث.

تفصيل الجسم

روي أن نصرانيا سأل الصادق (عليه السلام) عن أسرار الطب، ثم سأله عن تفصيل الجسم؟

فقال (عليه السلام): (إن الله خلق الإنسان على اثني عشر وصلا، وعلى مائتين وثمانية وأربعين عظما، وعلى ثلاثمائة وستين عرقا، فالعروق هي التي تسقي الجسد كله، والعظام تمسكها، واللحم يمسك العظام، والعصب يمسك اللحم..

وجعل في يديه اثنين وثمانين عظما، في كل يد أحد وأربعون عظما، منها في كفه خمسة وثلاثون عظما، وفي ساعده اثنان، وفي عضده واحد، وفي كتفه ثلاثة، فذلك أحد وأربعون عظما، وكذلك في الأخرى.

وفي رجله ثلاثة وأربعون عظما، منها في قدمه خمسة وثلاثون عظما، وفي ساقه اثنان، وفي ركبته ثلاثة، وفي فخذه واحد، وفي وركه اثنان، وكذلك في الأخرى.

وفي صلبه ثماني عشرة فقارة، وفي كل واحد من جنبيه تسعة أضلاع، وفي وقصته ثمانية، وفي رأسه ستة وثلاثون عظما، وفي فيه ثمانية وعشرون، أو اثنان وثلاثون عظما) [3].

قال العلامة المجلسي (رحمه الله): يمكن أن يكون المراد وصل الأعضاء العظيمة بعضها ببعض كالرأس والعنق، العضدين والساعدين، والوركين مع الفخذين والساقين، والأضلاع من اليمين والأضلاع من الشمال، وكأن المراد بالوقصة العنق... فعدها ثمانية باعتبار ضم بعض فقرات الظهر إليها لقربها منها وانحنائها، ويحتمل أن يكون في الأصل: وفي وقيصته وهي عظام وسط الظهر، وهي على المشهور سبعة فتكون الثمانية بضم الترقوة إليها...

وقوله (عليه السلام) «وفي فيه ثمانية وعشرون»، أي في بدء الإنبات ثم ينبت في قريب من العشرين أربعة أخرى تسمى أسنان الحلم بالكسر بمعنى العقل أو بالضم بمعنى الاحتلام يعني البلوغ، ولذا قال (عليه السلام) بعده واثنان وثلاثون، ويحتمل أن يكون باعتبار اختلافها في الأشخاص.

قال في القانون: الأسنان اثنتان وثلاثون سنا، وربما عدمت النواجذ منها في بعض الناس، وهي الأربعة الطرفانية فكانت ثماني وعشرين سنا، فمن الأسنان ثنيتان ورباعيتان من فوق، ومثلهما من أسفل للقطع، ونابان من فوق، ونابان من تحت للكسر، وأضراس للطحن في كل جانب، فوقاني وسفلاني، أربعة أو خمسة، فكل ذلك اثنتان وثلاثون سنا، أو ثماني وعشرون، والنواجذ تنبت في الأكثر في وسط زمان النمو وهو بعد البلوغ إلى الوقف، وذلك أن الوقوف قريب من ثلاثين سنة ولذلك تسمى أسنان الحلم[4].

ثم أشار المجلسي (رحمه الله) إلى اختلاف الأطباء في الأسنان، فمنهم من ذهب إلى أنها عظم، وقيل هو عصب، وقيل عضو مركب، وقال بعضهم إنه لا حس لها ولم تحلها الحياة، وقال بعضهم: لها حس، قال في القانون: ليس لشيء من العظام حس البتة إلا للأسنان، فإن جالينوس قال: بل التجربة تشهد أن لها حسا أعينت به بقوة تأتيها من الدماغ ليميز أيضا بين الحار والبارد، وقال القرشي: قال جالينوس: ليس بشيء من العظام حس إلا للأسنان، لأن قوة الحس تأتيها في عصب لين، وهذا عجب فإنه كيف جعل لينا وهو مخالط للعظام وينبغي أن يكون شبيها بجرمها فيكون صلبا لئلا تتضرر بمماستها، وقال: بقي هاهنا بحث وهو أن الأسنان عظام أو ليس بعظام وقد شنع جالينوس على من لا يجعلها عظاما وجعلهم سوفسطائية واستدل على أنها عظام بما هو عين السفسطة، وذلك لأنه قال ما هذا معناه: لأنها لو لم تكن عظاما لكانت إما أن تكون عروقا أو شرايين أو لحما أو عصبا ومعلوم أنها ليست كذلك، وهذا غير لازم فإن القائلين بأنها ليست بعظام يجعلونها من الأعضاء المؤلفة لا من هذه المفردة ويستدلون على تركيبها بما يشاهد فيها من الشظايا وتلك رباطية وعصبية، قالوا: وهذا يوجد في أسنان الحيوانات الكبار ظاهرا[5].

من علم التشريح

لقد شرح علماء التشريح أعضاء الإنسان وعظامه ومفاصله وما أشبه، فقالوا:

الهيكل العظمي

إن الهيكل العظمي: هيكل يشكل سناداً لجسم الإنسان والحيوان الفقاري، ويصون أعضاءه الحيوية، وهو قسمان:

1: الهيكل العظمي المحوري.

2: الهيكل العظمي الزائدي أو الطرفاني.

أما الهيكل المحوري فيشمل الجمجمة والعمود الفقري وعظم العجز والعصعص والأضلاع ـ وعددها أربعة وعشرون ـ والقص، وأما الهيكل العظمي الزائدي أو الطرفاني فيشمل عظام الذراعين والرجلين والحزام الحوضي، وعظام الهيكل العظمي يتصل بعضها ببعض في مواضع تعرف بالمفاصل.

العظم

والعظم هو النسيج الصلب الذي يتألف منه الهيكل العظمي في الإنسان وسائر الثدييات وكذلك الزواحف والبرمائيات والطيور وبعض الأسماك، والجسم البشري يحتوي على أكثر من مائتي عظم، فإن العظم سناد الجسد ودعامته، وهو يقي الأعضاء الرخصة، وينتج الكريات الحمر في الدم، ويختزن المعادن وخاصة (الكلسيوم) و (الفوسفات) التي يحتاج إليها الجسد.

ويتألف العظم من ماء 44% ومن مادة صلبة 56% وكثير من العظام يشتمل على نقي أو مخ[6]، وهو مادة بانية للدم تشتمل على بروتينات وأدهان مركبة حديدية.

والعظام تقسم من حيث شكلها إلى طويلة وقصيرة ومسطحة وغير ذلك، ومن العظام البشرية الطويلة عظم العضد وعظم الفخد، ومن العظام القصيرة عظم الرسغ وعظم الكاحل، إما العظام المسطحة فتوجد في الجمجمة وفي الحوض.

والعظام تكون في أول أمرها لينة وغضروفية، ثم تتصلب تدريجياً وتأخذ في النمو، ويتوقف العظم البشري عن النمو في الثامنة عشر عند الفتيات تقريباً، وفي الثانية والعشرين عند الفتيان عادة.

المفصل

والمفصل هو موضع اتصال عظمين من عظام الجسد، والمفصل نوعان:

1: المفاصل الثابتة.

2: المفاصل المتحركة.

فأما المفاصل الثابتة فتتميز بطبقة نسيج ليفي، تشد أحد العظمين إلى الآخر على نحو محكم، كخطوط الاتصال بين عظام الجمجمة، وأما المفاصل المتحركة كمفاصل اليد والإصبع والركبة، فتتألف من العظمين نفسيهما ومن طبقة غضروفية تكسو طرفي العظمين ومن أنسجة ليفية تعرف بالأربطة ومن غشاء يكتنف العظمين ويزلقهما.

الغضروف

والغضروف هو نسيج ضام في الإنسان والحيوانات الفقارية، يشكل أساس التعظم (تكون العظام) وبه يتصل العظام ببعضها الآخر، ونسيج الغضروف على خلاف مواد الجسد الأخرى أبيض مرن شبه شفاف.

الجلد

والجلد هو العضو الذي يألفه المرء أكثر من سائر أعضاء جسده، فإن الإنسان لا يزال يجهل كثيراً من خصائصه التشريحية والفيسيولوجية ومعظم اضطراباته وأمراضه وعلاجه وما يتربط بجسمه..

والجلد هو طبقة النسيج الخارجية التي تكسو الجسم، ويتألف الجلد البشري من طبقتين:

إحداهما: باطنية وتسمى بـ (الأدمة).

والأخرى: سطحية وتدعى (البشرة).

وتتألف الأدمة من نسيج ليفي مرن، وهي تشتمل على الأعصاب والأوعية الدموية المسؤولة عن أداء الجلد ووظيفته السوية وعن مدة الغذاء أيضا، كما تشتمل على جذور الشعر والغدد العرقية والغدد الدهنية، وعلى بعض العضلات الصغيرة التي تجعل الشعر يقف عند الرعب.

أما البشرة عادة تكون سوداء في المناطق الحارة، وسمراء في المناطق المعتدلة، وبيضاء في المناطق الباردة.

والجلد هو العضو الخاص بحاسة اللمس، وبه يستشعر الإنسان الألم والحرارة والبرودة وما أشبه، وهو يحول دون دخول الجراثيم إلى الجسم، ومن أجل ذلك يسارع إلى تغطيته إذا جرح.

ومن وظائف الجلد أيضا التنفس وإفراز بعض النفايات عن طريق التعرق، مضافاً إلى تنظيم حرارة الجسم بحيث تبقى على مستواها السوي.

الغدد العرقية

الغدد العرقية هي مجموعة كبيرة من الغدد الموجودة في الجلد، وهي غدد قنوية خارجية الإفراز تفرز العرق على سطح الجلد، وهذه الغدد تنقسم إلى قسمين:

1: الغدد العرقية الأبوكرينية.

2: الغدد العرقية الأكرينية.

فأما الغدد العرقية الأبوكرينية فمحصورة في الإبطين والأذنين والحلمتين والأعضاء التناسلية، وهي المسؤولة عن الرائحة التي تفوح من الجسد في بعض الأحيان.

وأما الغدد العرقية الأكرينية فمبثوثة في مختلف أنحاء الجسد، ولكنها تكثر أكثر ما تكثر في باطن اليدين وأخمص القدمين، وهي تبدأ في الإفراز منذ الطفولة، وذلك على خلاف الغدد العرقية الأبوكرينية التي تنشط ابتداء من سن المراهقة ثم تضعف فعاليتها في خريف العمر، ويقدر العلماء أن في جسم كل إنسان ما يقارب من مليون غدة عرقية أكرينية.

عظام الإنسان

قالوا: إن في الرأس أحد عشر عظماً، وفي العينين ستة أعظم، وفي الجبين عظمان، وفي الأنف أربع، وعظمتان فيها الثنايا والرباعيات والأضراس ويسمى الفك الأسفل والضغن أيضاً، أما عظام الأسنان فهي ستة عشر من فوق وستة عشر من أسفل الثنايا والرباعيات والأنياب والأضراس..

ويتصل بعظام الرأس من خلف فقرات الظهر وهي أربع وعشرون فقرة، ويتصل بهذه الفقرات عظم العجز وهو الذي قال عنه بعض الخبراء لو لم يبق من ابن آدم إلا عظم الذنب لكان كذا، ويتصل به من أسفل عظام العصعص وهي ستة وهي كالأساس لسائر البدن، ويتصل بعظام العجز عظم الخاصرتين، وفيهما يدخل عظما رأس الفخذين.

وأما هيئة عظام المقدم فإن دون الرقبة عظما الترقوتين، وعظام الكتفين أربعة، وفي العضدين عظمان، وفي الزندين أربعة، وعظام الصدر سبعة وتسمى هذه العظام القص والزور، وعظام الأضلاع من كل جانب اثنا عشر مزدوجة..

وأما عظام اليدين فمنها عظام رسغ الكفين ستة عشر عظماً، ومجمع عظام الذراع، وما يلي الكف يسمى الرسغ، والكوع منه ما يلي الإبهام، والذي يلي الخنصر يسمى كرسوع، وعظام مشطي الكفين ثمانية، وعظام الأصابع من اليدين ثلاثون، لكل إصبع ثلاثة أعظم، وتسمى المثلثات، وأما عظام الرجلين فمنها في الوركين عظمان وفي الفخدين عظمان، وفي الركبتين عظمان، وفي الساقين أربعة، وفي الكعبين عظمان، وفي العينين عظمان، وفي العظام اروز فيه عظمان وهما يحتويان على الكعب يتم بهما حركة القدمين، وعظام رسغ القدمين ثمانية، وعظام مشطي القدمين عشرة، وعظام أصابع الرجلين ثمانية وعشرون، لكل إصبع ثلاثة إلا الإبهام، فان له عظمان..

ولما كانت هذه العظام لا تقوم بذاتها أثبت الخالق لها من أطرافها أجساماً يشدّها ويربطها تسمى الأوتار، وجعل من حركتها بالعضلات، وعدد العضلات خمسمائة وتسعة وعشرون عضلة، وتركيب العضل من لحم وعصب، ثم تتصل بهذه الجملة الشرايين والعروق والأعضاء ليعطيها الحياة والحس والحركة والغذاء، ثم يغشي هذه الجملة اللحم والشحم وقد جعل الله سبحانه اللحم ليسدّ خلل الأعضاء، ومنه ما هو أميل الوطاء مثل لحم الفخذين والأليتين.

ثم أودع الله سبحانه في الجلد ضروب الحس واللمس، وأوصل به فوهات العروق ففي أيّ موضع وخزته ولو بإبرة نبع منه الدم، وذلك سبب تغذيته، ثم أثبت فيه أنواع النبات من الشعر والأظافر، وجعل من الشعر ما هو للزينة والوقاية مثل شعر الرأس والحاجبين هُدب العينين ليوقى العين من أي شيء يقع فيها، وللزينة أيضاً ولو تصورنا رجلاً محلوق الرأس والحاجبين لكان أشنع الأشكال وأقبحها.

من حكمة الأظافر

ومن بديع حكمة الله سبحانه أن جعل في رؤوس الأصابع الأظافر لتقوى حركتها وتمنع رؤوس الأصابع من التآكل، وجعلت تطول شيئاً فشيئاً إذ لو كانت جامدة لا تطول لتآكلت من كثرة الأعمال، وقد ورد في الحديث الأمر بتقليمها ودفنها كقوله (صلى الله عليه وآله): «خمس من الفطرة تقليم الأظافر وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة والإختتان»[7].

وقد نقل عن بعض علماء الغرب انه كان ملحداً ثم آمن، فقيل له: ما سبب إيمانك؟.

قال: سقط ذات مرة ظفر من أظافري فدخلت المستشفى فلاحظت الدقة ما بين الظفر وبين لحم الإصبع، فكان هناك آلة صغيرة جميلة مدوّرة تدويراً حسب الأصبع حتى يجعل اللحم عظماً بهذا الشكل الظريف فعرفت أنه لا يمكن أن يكون هذا إلا بخالق حكيم عالم.

أقول: وكل شيء في بدن الإنسان دليل بل أدلة على الخالق سبحانه وتعالى، كما قال الشاعر:

وفي كل شيء له آية***تدل على أنه واحد

ومن الواضح أن الخالق لابد أن يكون واحداً، قال سبحانه: ((لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)) [8]، وذلك للتناسق والترابط الموجود بين المخلوقات، وتفصيل هذا الأمر مذكور في علم الكلام كما في (شرح التجريد) وقد ذكرناه في (القول السديد).

وسنذكر في هذا الكتاب بعض الآداب الطبية التي وردت في القرآن الكريم والسنة المروية عن الرسول وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).

[1] ـ سورة الملك: 14.

[2] ـ بحار الأنوار: ج3 ص63-80 ب44 الخبر المشتهر بتوحيد المفضل.

[3] ـ بحار الأنوار: ج58 ص317 ب47 ح27.

[4] ـ بحار الأنوار: ج58 ص317-319 ب47 ذيل ح27.

[5] ـ انظر بحار الأنوار: ج58 ص317-319 ب47 ذيل ح27.

[6] ـ Marrow.

[7] ـ وسائل الشيعة: ج2 ص133 ب8 ح1718.

[8] ـ سورة الأنبياء: 22.