الفهرس

المؤلفات

السياسة والدولة

الصفحة الرئيسية

 

« إن في القرآن آية تجمع الطب كله: ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا ) (1) » (2).

الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

6

سياسة الإسلام في المجال الصحي

الإسلام وضع خططاً حكيمة لاقتلاع جذور المرض من أطراف الدولة الإسلامية كلها ومن عامة المسلمين.
فإنا نجد في قائمة الأحاديث الشريفة المأثورة عن رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أهل بيته الأئمة الأطهار (عليهم الصلاة والسلام) المئات المئات.. بل الألوف والألوف منها مخصصة لبيان الأمور الصحية.
وللتوسع في ذلك دونك كتاب (بحار الأنوار)(3) للإمام العلامة المجلسي (رضي الله عنه) الكتاب الذي يضم زهاء مائة ألف حديث شريف، وكتاب (وسائل الشيعة) للإمام الشيخ الحر العاملي (رضي الله عنه) الكتاب الذي يضم زهاء أربعين ألف حديث شريف، فانك تجد فيهما الفصول المخصصة بالصحة والطب، والأحاديث الكثيرة فيها.
ولأجل ذلك قلما يجد الإنسان ـ في ظل الحكم الإسلامي ـ مرضى كثيرين وأمراضاً متفشية.
وكانت الصحة العامة ترفرف بأجنحتها العريضة على الدولة الإسلامية، وكان ذلك مستمراً إلى عهد سقوط الدولة الإسلامية.
فالبلد الواحد ذو مائة ألف نسمة ـ مثلاً ـ كان يكفيه أطباء قليلون، وكنت ترى يومياً بعضهم بلا مراجعين، أو قليلي المراجعين يعدون عداً بالأصابع.
ونحن حين لا ننكر ما للطب الحديث من التقدم في مجالي (التشريح) و(كشف المكروبات) وغيرهما، نود أن نتساءل:
لماذا أصبح الطب اليوم ـ بما أوتي من حول وطول ـ عاجزاً عن معالجة المرضى، ومكتوف الأيدي أمام هذا العدد الهائل من الأمراض؟
ففي كل بلد ترى المرضى يعدون بالألوف.. والألوف.
والأطباء بالعشرات.. بل بالمئات.
والصيادلة ومخازن ومستودعات بيع الأدوية والعلاج كذلك..
ولو قسنا هذه الكمية الكبيرة بعهد الإسلام وعدد المرضى فيه لكانت النسبة واحداً بالمائة، أو أقل بكثير(4).
أليس ذلك دليلاً على رشد الإسلام في سياسته الصحية، وفشل غير الإسلام في هذا المجال؟
فالأطباء يضاعف عددهم سنوياً بالألوف.
والمستشفيات في ازدياد.
والتجارب الصحية في تقدم.
والمرضى ملأ الدنيا.
والأمراض طبقت البلاد.
هل هذه سياسة صحية رشيدة؟
أم هذه ظاهرة صحية فاشلة.

مقارنة

ويمكنك استطلاع هذه الحقيقة بالتفتيش عن المصحات والمستشفيات ودور الصحة، فإنك تجد نسبة المتدينين والملتزمين بتعاليم الإسلام الصحية فيها أقل بكثير من غير المتدينين وغير الملتزمين بالتوجيهات الإسلامية في مجال الصحة العامة.
وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت: إن النسبة واحد في المائة.
وهذه المقارنة البسيطة تعطيك فكرة خاطفة وسريعة عن مكان الصحة في الإسلام.
وليس في هذا العرض البسيط متسع من المجال لذكر الأسباب الصحية التي وضعها الإسلام لتعميم الصحة في كل بيت، ومع كل إنسان، وإنما نرجئ ذلك إلى بحوث خاصة، وننبه على بعض ما كتب في ذلك، وهي:
(طب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم))(5)..
(طب الصادق (عليه السلام))(6)..
(طب الأئمة (عليهم السلام))(7)..
(شرح توحيد المفضل) للعلامة الخليلي، مجلدان.
وغيرها…

تقليل الدم

ولنضع هنا مثلاً يكون نموذجاً واحداً لما قلناه عن سياسة الصحة في الإسلام:
فقد كان المسلمون غالباً حسب أوامر الشريعة الإسلامية المتكررة والمؤكدة يعمدون إلى تقليل كمية الدم من كل فرد في كل عام على الأقل مرة واحدة خصوصاً في أيام الربيع حيث يهيج الدم، تبعاً لتهيج كل ما في الكون من إنسان، وحيوان، ونبات، وأجهزة، وطاقات وغيرها.
وذلك بعملية (الحجامة) أو عملية (الفصد)(8).
وقد ورد في الأحاديث الشريفة أن تقليل الدم أمان من موت الفجأة وهي السكتة القلبية، والشلل المؤدي إلى ذلك.
ومما ورد في ذلك حديث شريف للإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) حيث قال: «الدم هو عبد وربما قتل العبد سيده»(9).
ولكن الطب الحديث جاء ليمنع عن تقليل الدم منعاً باتاً حتى أني عندما اقترحت على طبيب أن يسمح لنا بتقليل الدم من مريض لنا مصاب بضغط الدم تبسم وقال: «نحن لا نعتقد ذلك».
وكان نتيجة ذلك ـ وغيره أيضاً ـ انتشار السكتة القلبية في طول البلاد وعرضها، ومن أقصاها إلى أقصاها.
فكانت البلاد الإسلامية تعيش ولا تعرف السكتة القلبية، ويعرف جيداً من عاش قبل نصف قرن أن السكتة القلبية كانت مثار عجب ودهشة إذا أصيب بها إنسان واحد.
وقد حدثني شيخ من المؤمنين: أنه في شبابه وقعت حادثة وفاة بالسكة القلبية في محلة من بلده، وإذا بالناس يتراكضون إلى الميت وقد ملكهم العجب مما سمعوا ولم يكد بعضهم ليصدقه.
أما اليوم ـ وقد ربض الطب الحديث مكان الطب الإسلامي ـ فترى الموتى بالسكتة القلبية كثيراً.. وكثيراً، ولعلني لا أكون مبالغاً إذا قلت: إن نسبة ذلك قد تصل إلى 35%. أي: قرابة ثلث الناس يلقون حتفهم بالسكتة القلبية الناتجة عن تخثر الدم، نتيجة عدم تقليل الدم بالحجامة، أو الفصد، أو ما شابه ذلك.
كشف الخطأ
وقد انكشف للطب الحديث ـ أخيراً وبعد أن راح ضحية هذا الخطأ الملايين من البشر موتاً بالسكتة القلبية ـ خطأ هذا الرأي، وأن النافع للبدن والصحي للإنسان هو تقليل الدم.
ومما نشأ عن ذلك توجيه الأطباء للناس النصيحة بتقليل الدم.
ففي أوائل شهر كانون الثاني من عام (1972) ميلادية أذاعت إذاعة بريطانيا من ركن الطب الذي لـه بحث خاص كل أسبوع ما يلي:
«تقليل الدم، أو التبرع بالدم أمر صحي ضروري لكل إنسان، وهذا بدوره يمنع تصلب الشرايين الذي يؤدي غالباً إلى تخثر الدم، الذي يمهد الطريق إلى انسداد صمام القلب، وتوقف القلب، وبالتالي (السكتة القلبية). وإن عملية (الحجامة) أو (المشرط) التي كان المسلمون يزاولونها هي التي تركت نسبة الموت الفجائي فيهم قليلة ضئيلة».
هذا بعض ما في الإسلام من السياسة الصحيحة لتعميم الصحة على الجميع في كل مكان.
(1) سورة الأعراف: 31.
(2) بحار الأنوار: ج59 ص267 ب88 ح42.
(3) انظر بحار الأنوار: ج59 أبواب الطب ومعالجة الأمراض وخواص الأدوية.
(4) الإحصاءات الحديثة في مختلف دول العالم توقفنا على المدهش والمدهش كثيراً في هذا المجال. سواء في ذلك الدولة الغربية، أو الشرقية، أو الدول النامية ـ كما يعبرون ـ.
وقد التقيت ـ أنا شخصياً ـ بطبيب خاص بعلاج (مرض السكري) في بلد صغير لا يعدو كل سكانه مليون نسمة، وكان الطبيب واحداً من عديدين يعالجون السكري، قال لي بالحرف الواحد: «إنني أعالج تسعة آلاف مريض مصاب بالسكري». هذا مع غض النظر عن ألوف الأمراض الأخرى، ومئات الأطباء الآخرين. وعلى هذه القصة الصغيرة فقس غيرها. (وليس) المقصود من ذلك التنقيص من قدر الأطباء ومهمتهم الإنسانية، فإن فيهم المؤمنين والأخيار والملتزمين بموازين الإسلام والإنسانية، يعرفون مسؤوليتهم أمام الله والتاريخ، وإنما المقصود بيان ضعف السياسة الصحية المعاصرة.
(5) لأبي العباس المستغفري (350 ـ 432هـ) ولد وتوفي بمدينة نسف بالقرب من سمرقند.
(6) للميرزا محمد الرازي النجفي المولود في 1318هـ
(7) لعبد الله وحسين ابني بسطام من أعلام القرن الرابع الهجري.
(8) الحجامة: هي خدش محل معين في أعلى الظهر ـ تحت الرقبة بقليل ـ خدوشاً عديدة تصل إلى الأوردة والشرايين وسحب الدم منها، حيث تجمع شرايين ضخام هناك. والفصد هو غرز مشرط أو نحوه في شريان يسمى (الغيفال) واقع في باطن المرفق، وهو شريان كبير أيضاً، وسحب الدم منه. ويمكن تقليل الدم بطرق أخرى، ووسائل غير ذلك.
(9) بحار الأنوار: ج47 ص219 ب7 ضمن ح5.