الفهرس

فهرس الفصل الرابع

المؤلفات

 السياسة والدولة

الصفحة الرئيسية

 

الحرب أسوأ شيء عرفه الإنسان

الحرب أسوأ شيء عرفه الإنسان في تاريخه الطويل، لأنها توجب قتل الإنسان ونقص أعضائه، وفقد قواه وتشويهه، كما توجب هدم العمران، وإثارة البغضاء والشحناء بين البشر، وإيراث الأجيال العقد النفسية، وأيضاً تسبب إلقاء المقاتلين في أسر الحرب، ولذا يكون من اللازم تجنب الحرب بأية قيمة، وإذا اضطر الإنسان إلى الحرب ـ لأن عدوه جره إليها ـ كان الواجب أن يقتصر فيها على أقصى درجات الضرورة.

وكذلك اللازم على البشر عامة أن يضعوا حداً للحروب نهائياً حتى لا تقع في المستقبل.

الحرب ظاهرة مرضية

والحرب وإن كانت ظاهرة منذ القديم، بل قيل أنها مؤيدة من قبل القران الحكيم في الجملة، حيث قال سبحانه: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) (البقرة: 251).

بل قال البعض بأنها مظهر من مظاهر (تنازع البقاء) الذي هو وصف طبيعي ملازم لجميع الكائنات الحية لا ينفك عنها، وإنه سُنّة من سنن الاجتماع البشري إلا أن اللازم الحيلولة دون وقوعها، فإن المرض أيضاً ظاهرة بشرية منذ القدم، وكذلك احتراق المدينة أو الدار أو الدكان وكذلك جرف السيل، وسائر العوامل الطبيعية التي تؤذي الإنسان، لكن كل ذلك لا يجعل من الحرب أمراً لا بد منه، فليست الحرب حقيقة أولية، وإنما هي ظاهرة ثانوية تقع بسبب شراسة بعض الأفراد.

ولذا قال جماعة من العلماء: إن الحرب في ذاتها قبيحة لما فيها من قتل النفوس والتخريب والتدمير، وقد قال سبحانه مؤيداً لذلك: (كُتِبَ عليكم القتال وهو كُره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تُحِبّوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة: 216).

فإن الظاهر من هذه الآية أن القتال لو كان أمراً طبيعياً لما قال سبحانه: (وهو كره لكم).

فالحرب ظاهرة اجتماعية تمليها الغرائز الفاسدة وليست أمراً طبيعياً في البشر..

خيار الحرب في الإسلام

الحرب هي الخيار الأخير

ولذا نجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يقدم على حرب واحدة، وإنما كان الرسول (صلّى الله عليه وآله) يحارب دفاعاً عن النفس، وكان (صلّى الله عليه وآله) لا يلتجأ إلى الحرب الدفاعية أيضاً إلا بعد فقدان الخيارات التي كانت عبارة عن الأمور التالية:

الحياد أولاً: كما حدث بين الرسول (صلّى الله عليه وآله) وبين الحبشة فـ(الحياد) هو أول مراحل عدم اعتداء بعض على بعض، ثم بعد الحياد يأتي دور (العهد) أو (معاهدة عدم الاعتداء) ـ على الاصطلاح الحديث ـ كما عاهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ في المدينة المنورة ـ: اليهود المشركين وكما عاهد (صلّى الله عليه وآله): كفار مكة في صلح الحديبية.

الإسلام.. عن قناعة

وبعد هذين الأمرين يأتي دور (الإسلام) فإذا أسلم الطرف الآخر فقد حقن ماله ودمه ولا عدوان إلا على الظالمين.

والإسلام ليس أمراً قسرياً كما هو واضح، وإنما هو عبارة عن الأدلة القاطعة التي توجب اقتناع العقل بصحة المبدأ والمعاد والرسول والشريعة وغيرها.

الجزية.. أخيراً

وإذا لم يكن الأمر حياداً ولا عهداً ولا إسلاماً يأتي دور (الجزية) كما عمله الرسول (صلّى الله عليه وآله) مع نصارى نجران، فإن الجزية نوعان:

النوع الأول: جزية أهل الذمة الذين يعيشون تحت لواء الإسلام فالجزية تؤخذ من الكفار كما يؤخذ الخمس والزكاة من المسلمين، وقد ذكرنا في كتبنا الفقهية: إن (الجزية) تؤخذ من مطلق الكافر، خلافاً للمشهور، فإن الكفار الذين يعيشون تحت لواء الإسلام يؤخذ منهم مال لا بعنوان الخمس والزكاة وإنما بعنوان الجزية، سواء كانوا أهل كتاب كاليهود والنصارى والمجوس أو كانوا غير أهل كتاب كالوثنيين والمشركين.

النوع الثاني: ما يؤخذ من الكفار الذين ليسوا تحت لواء الإسلام، وإنما يؤخذ ذلك لأجل عناد أولئك بعد ظهور الحق لهم كما فعل (صلّى الله عليه وآله) بنصارى نجران حيث بحث مع علمائهم حول حقية الإسلام لكنهم أفحموا، ثم باهل معهم لكنهم أحجموا، فأي شيء بعد هذين إلا العناد؟ والمعاند يلزم أن يخفف من غلواء عناده بما يرجعه إلى الحق تدريجياً.

يقول الله سبحانه، في قضية نصارى نجران: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) (آل عمران: 59 ـ 64).

حروب الرسول (صلّى الله عليه وآله) كانت دفاعية

وإذا انقطعت كل هذه الوسائل والسبل يأتي دور (الحروب الدفاعية) ولذا اتصفت كل حروب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بصبغة (الدفاع).

فمثلاً كان أول اصطدام للمسلمين بقريش حيث تعرضت (سرية) عبد إلله بن جحش لقوافل قريش القادمة من الشام بقيادة أبي سفيان رداً على اعتداء المشركين حيث إنهم اعتدوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأصحابه طيلة عشر سنوات، فقتلوا بعضاً منهم، وشردوا بعضاً إلى الحبشة، وبعضاً إلى المدينة، وعذبوا جملة منهم، وهتكوا أعراضهم كما في قصة سمية أم عمار، وصادروا دورهم وأموالهم في مكة المكرمة، ثم لم يكتفوا بذلك حتى أتوا إلى القبائل العربية المحيطة بالمدينة المنورة وأرشوهم ليمنعوا قوافل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من المرور في أراضيهم، أي أنهم ضربوا حصاراً اقتصادياً حول المدينة المنورة مما هدد المسلمين بالموت جوعاً ومن الواضح أن الحصار الاقتصادي الدفاعي من الوسائل المشروعة المستخدمة في الحروب، فالمسلمون أرادوا بهذه السرية وبما تلاها (كغزوة بدر وما أشبه)، ضرب الحصار الاقتصادي حول أهل مكة المحاربين للرسول (صلّى الله عليه وآله) من باب المعاملة بالمثل.

أما بقية غزوات الرسول وحروبه وسراياه فكانت إما لنقض العهد من قبل الطرف الآخر، كما فعله يهود بني قينقاع في المدينة ومشركوا قريش في نقض صلح الحديبية.

وإما لرد العدوان كما في غزوة أحد والخندق.

أو لشن حرب وقائية كما في قصة مؤتة، حيث إن الفرس والروم أخذا في الاعتداء على الدولة الإسلامية، فقد أحيط الإسلام بأعداء من الفرس والروم يريدون بالإسلام كل سوء وأخذ هؤلاء ينتهزون الفرص المواتية للانقضاض عليه واجتثاث جذوره وقتل الرسول (صلّى الله عليه وآله) في عقر داره وإبادة المسلمين، وقد شرعوا في ذلك بالفعل، فهرقل عظيم الروم قتل جماعة من ولاته أسلموا في بلاد الشام.. وكل ذلك أعطى للرسول (صلّى الله عليه وآله) الحق الشرعي والعرفي والقانوني في الدفاع.

وكذلك الفرس فإن كسرى عظيم الفرس أمر واليه على اليمن بأن يرسل بعض جلاوزته إلى المدينة المنورة ليأتوا برأس الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) إلى كسرى، لكن الرسل الذين أتوا إلى المدينة المنورة آبوا بخفي حنين حيث رأوا التفاف المسلمين العظيم حول الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحاجّهم الرسول في قصة مذكورة في التواريخ.

أقل قدر من الضحايا

ثم إن الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان يتحرى أقل قدر من القتل والأسر في حروبه بما لا يذكر العالم مثله لا قبل الإسلام ولا بعده.

فمثلاً: يذكر أحد الكتّاب إن جميع القتلى من الطرفين (المسلمين والمشركين) لم يتجاوز ألفاً وبضعة أشخاص في كل الحروب التي خاضها الرسول (صلّى الله عليه وآله) ـ والتي كانت أكثر من ثمانين حرباً ـ.

ويذكر كاتب آخر إن عدد الذين قتلوا في جميع الحروب هم ألف وثمانية عشر شخصاً.

ويذكر مؤلف ثالث: (إن عدد الكفار والمسلمين الذين قتلوا في جميع الحروب لم يتجاوز ألف وأربعمائة).

وهذا أكثر عدد ذكر في هذا الموضوع، بينما الدكتور محمد حميد الله في كتاب (محمد (صلّى الله عليه وآله) يذكر: إن محمداً (صلّى الله عليه وآله) ـ مع أنه استولى على أكثر من مليون ميل مربع مما يعادل كل أوربا باستثناء روسيا، ومع أنه كان يسكن هذه المنطقة ملايين من البشر ـ لم يقتل في كل حروبه ـ من طرف المسلمين ـ إلا مائة وخمسون مسلماً.

ويضيف: أن هذا العدد يعادل: قتيلاً واحد في كل شهر ـ تقريباً ـ.

وليس هذا إلا لأجل احترام الإسلام للدماء وتجنبه القتل مهما أمكن.

الحرب عند غير المسلمين

الإسراف في القتل والتعذيب

وعلى عكس حكومة الرسول (صلّى الله عليه وآله) نجد سائر الحكومات التي كانت تسرف في إراقة الدماء ما تجد إلى ذلك سبيلاً.

وقد ذكر المؤرخون: إن الآشوريين كانوا قساة غلاظ الأكباد وكانوا يدمرون المدن التي يفتحونها بعد حصارها ويتفننون في القتل والتعذيب والتمثيل، وكانوا يكافئون الجنود عن كل رأس مقطوع يحمل من ميدان المعركة بجائزة، وقد يعمدون إلى قتل جميع الأسرى في ساحة المعركة عند كثرتهم، لكي لا يستهلكوا الطعام والشراب أو لئلا يكونوا خطراً على مؤخرة (الجيش) وكان الملوك والرؤساء يرأسون هذه المجازر، ويبدأون المجازر أولاً بفقأ العيون وقطع الرقاب من الأسرى، أما الأمراء والأشراف من الأسرى فكانوا يعذبون قبل القتل، فتصلم آذانهم، وتجدع أنوفهم، وتقطع ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم، أو تسلخ جلودهم وهم أحياء، أو تشوى أجسامهم فوق النار، أو يلقى بهم من أبراج عالية.

وكان الملك الذي ارتقى عرش آشور عام سبعمائة وخمس وأربعين قبل الميلاد يصلب الأسرى على الخوازيق، بينما يقوم الرماة بقتلهم بالسهام والمدقات.

وفي بعض الحروب استخدم الأسرى لجر العربات المحملة بالخشب بدلاً من الدواب.

صور رهيبة من وحشية المغول

يقول صاحب كتاب (أسرى الحرب) في قصة المغول: (عرف المغول بالقسوة والوحشية وسفك الدماء، كما اشتهر جنكيز خان مؤسس إمبراطوريتهم بالبطش والقتل وحب التدمير والإبادة.

وفي حروبهم اشتبكوا مع شاه خوارزم علاء الدين فأحرق المغول (بخارى) ونهبوا ثرواتها واغتصبوا النساء وسيق الأسرى إلى (سمرقند)، ولما صعب عليهم اللحاق بالفرسان أمر جنكيز خان بقتل كل من يتخلف عن السير واستحالت (بخارى) إلى أنقاض وخرائب.

ولاقت (سمرقند) المصير نفسه حيث نهبت وقتل السكان وأسروا ثلاثين ألفاً من أمهر الصناعيين، وأرسلهم جنكيز خان إلى أبنائه في الشمال، كما جندوا عدداً كبيراً لاستخدامهم في الأشغال العسكرية والنقل.

وفي (خراسان) جمعوا الأهالي في ساحة واسعة وأمروهم أن يكتف بعضهم بعضاً ثم شرعوا بذبحهم فقتلوا سبعين ألفاً.

ولما احتلوا (مرو) وزعوا سكانها على المحاربين المغول ووزع كل منهم نصيبه، ولم يبقوا إلا على أربعمائة صانع لحاجة الجيش إليهم، وعلى بعض الأفراد لاتخاذهم عبيداً، ولاقت بقية المدن نفس هذا المصير.

ولما سمع المغول أن بعض الأهليين رقدوا بين جثث القتلى أصدر الأوامر بفصل الرؤوس عن أجسادها واتبعوا ذلك في جميع معاركهم اللاحقة.

وكانوا يطاردون الفارين، كما يطارد الصياد فريسته.

واستخدموا شتى أنواع الحيل لإخراج المختبئين من مخابئهم، مثلاً: أرغموا مؤذناً من أسراهم على الآذان للصلاة وخرج المسلمون من مكامنهم معتقدين بذلك ذهاب الغزاة الذين كانوا لهم بالمرصاد فأبادوهم.

وكانوا يحرقون الغلات والمحاصيل قبل مغادرتهم المدن ليموت من اختبأ أو فرّ من السكان جوعاً.

وكانت سياسية جنكيزخان في حروبه ذبح جميع جنود الحاميات وسكان المدن والسلب والنهب وغرق الأسرى.

وإذا قاومت مدينة ما (المغول) صنعوا بها الأفضع، فقد قاومت (نيسابور) بضعة أيام فكان جزاؤها ذبح الرجال والنساء والأطفال.

وصنع المغول في (روسيا) ما صنعوا في دولة خوارزم فأبادوا ودمروا وأحرقوا وأسروا عدداً من قواد الروس عن طريق الغدر والخيانة فكبلوهم بالأغلال وأقاموا فوقهم البسط وجلس عليها كبار قادة المغول ليطعموا وليمة النصر بينما كان القادة الروس يموتون اختناقاً.

ثم عاد المغول إلى (منغوليا) فخربوا مدينة (بلغار) ونهبوا جميع مدن (البازان) ودكوا أبنيتها وحرقوا (موسكو) وحاصروا (تلوتير).

ولما قص النبلاء شعورهم واختبؤوا في الكنائس ولبسوا مسوح الرهبان أمر المغولي بإحراق الكنيسة والمدينة فهلك الجميع ودمرت النيران مدناً أخرى.

وتابع هولاكو الزحف في غرب آسيا حتى وصلوا إلى (تبريز) واتجهوا إلى (بغداد) قاعدة القيادة العباسية فحاصروا بغداد أربعين يوماً ونصبوا المنجنيقات على جميع القلاع والحصون وأمطروها بالحجارة والنار المشتعلة وأحدثوا ثغرة كبيرة في أسوارها وأحرقوا المنازل، ولما رأى الخليفة أنه لا علاج إلا بالصلح طلب الصلح وأبدى استعداده للتسليم شريطة الإبقاء على حياته وحياة السكان، وخرج مع ثلاثة آلاف من القضاة والأعيان والأشراف لملاقاة هولاكو، فخان الاتفاق وغدر بهم كما فتك بسكان المدينة، فأمر هولاكو بنهب المدينة وذبح سكانها ووطئت أجساد المستغيثين بحوافر الخيل واغتصبت النساء وسالت الدماء في الشوارع مدة ثلاثة أيام حتى اصبح ماء دجلة لعدة أميال أحمر قانياً، واستبيحت المدينة ستة أسابيع، فذبحوا السكان، وانتهكوا الحرمات، وأحرقوا الدور، وتهاوت القصور، وتقوضت الجوامع والأضراحة بسبب النار أو بسبب المعاول، وذبحوا المرضى في المستشفيات، وقتلوا طلاب العلم والأساتذة في المدارس، ونبشوا قبور الأولياء وأضرحة الأئمة الصالحين، وأحرقوا جثث الأموات، واستمرت المذابح عدة أيام وأمست (بغداد) خراباً بلقعاً، وهلك من سكانها أكثر من مليون ونصف.

وعبر المغول الفرات متجهين صوب الجزيرة يطاردون الأهلين فيقتلون ويسلبون فأبادوا جميع سكان (الرها) و(جران) و(نصيبين) وذبحوا في (حلب) خمسين ألفاً وسبوا عشرة آلاف من نسائها وأطفالها.

وفعلوا أيضاً في غالب بلاد الإسلام هذا الفعل، مثلاً: لما علم تيمورلنك بمقتل جماعة من رجاله وجنوده الذين دخلوا مدينة (أصفهان) غضب وأصدر أمره إلى الجيش باقتحام المدينة، وأن يعود كل جندي مع راس قتيل من أهلها، ونفذ الجيش الأمر، وتحولت المدينة إلى مجزرة بشرية مروعة، وتكدست عند المساء سبعون ألف جمجمة من الضحايا، فأمر تيمور أن تقام منها أبراج في شوارع المدينة.

وكذلك لما وصلوا إلى بعض المدن ذبحوا السكان وأشعلوا النار في المدينة.

الحروب الحديثة لا تقل سوءً

وهكذا نجد الأمر في الحروب الحديثة، بل وأسوأ من ذلك.

فأمريكا قتلت بالقنبلة الذرية ربع مليون إنسان في اليابان في ظرف ساعات وأحرقت كل شيء.

ولما جاء البريطانيون إلى العراق عاملوا الناس أسوأ معاملة، وكانوا يقتلون الجرحى، ولا يرحمون الأسير، ويخرجون الجثث من القبور طمعاً في الثياب والملابس.

وفي السودان كانت الجيوش البريطانية تقطع رؤوس المقتولين وترسلها إلى لندن ليجعلوا الجماجم مطفئة سكائر حقداً على المسلمين.

وفي ليبيا قتل الإيطاليون نصف الشعب الليبي الذي كان يبلغ المليون في ذلك اليوم، فقتلوا منهم نصف مليون بأبشع قتلة، وكانوا يمثلون بالجثث ويعذبون الأحياء تعذيباً بشعاً.

وكذلك صنع الفرنسيون بالجزائر فقتلوا من تسعة ملايين مليوناً ونصف المليون وبعض الإحصائيات تقول إنهم قتلوا منهم مليونين وكانوا يمثلون بالجثث، ويعذبون الأحياء تعذيباً قاسياً قليل النظير.

وفي الحرب بين الهند والباكستان الشرقية (بنغلاديش) قتل من الناس أكثر من ثلاثة ملايين جوعاً وتعذيباً وقتلاً كما مات بعضهم لأجل انتشار الأوبئة.

والروس قتلوا من المسلمين في طاجكستان وتركمنستان وغيرهما من البلاد الإسلامية التي استولوا عليها خمسة ملايين من المسلمين بمختلف أنواع القتل من الإحراق والغرق والتعذيب إلى حد الموت والرمي بالرصاص وغير ذلك.

كما أن الروس في الوقت الراهن قتلوا أكثر من مليون إنسان في أفغانستان، وقد امتلأت سجونهم بالأبرياء وعذبوا الناس بأبشع أنواع التعذيب.

كما قتل الأمريكيون في فيتنام وفي غير فيتنام عدداً هائلاً يُعدَّ بالملايين وكانوا يعذبون الأحياء ويحرقون المحاصيل.

وهكذا يرى العالم في العصر الحديث أبشع أنواع القتل والتعذيب والحرق والإهانة لكرامة الإنسان، وقصة الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية مشهورتان مذكورتان في الكتب.

ازدياد أخطار الحرب في العصر الراهن

وقد ذكرنا في كتاب (فقه الاجتماع) في مبحث أخطار الحرب: إن اللازم على الأمم أن تسعى بكل جدها لتعميم السلام في الزمن الحاضر حيث ازدادت أخطار الحرب زيادة كبيرة غير متصورة، وسبب هذه الزيادة أمور، منها:

الأسلحة الفتاكة التي اكتشفها العلم.. واستعمال هذه الأسلحة في الحروب يوجب نسف الحضارة من غير فرق بين الحروب المحدودة والحروب العالمية فإن الحروب المحدودة تهدم ـ أيضاً ـ بقدرها، مثلاً: في حرب لبنان قتل وجرح من البشر زهاء مائة وخمسين ألف، وفي الحرب العراقية الإيرانية قدر مجموع القتلى والجرحى بأكثر من مليون ونصف كما قدرت خسائر الحرب بأكثر من خمسمائة مليار دولار.

أما إذا اتفقت حرب عالمية ـ لا سمح الله ـ فإن الحضارة ربما تنتهي، وقد ذكر في تقرير أنه كان مخطط أمريكا ضد روسيا أن تدمر في حروب نووية خاطفة خمس وثمانين في المائة من منشآتها الصناعية.

وقد كدست كل من روسيا وأمريكا في مخازنها الأسلحة الفتاكة ما يكفي لإبادة البشر سبع مرات.

وفي تقرير أنه: توجد عند الاتحاد السوفيتي قنابل إذا ألقيت واحدة متوسطة منها على مدينة كنيويورك، أفنت في لحظة واحدة كل ما كان في شعاع مائتين وخمسين ميلاً مربعاً.

إلى غير ذلك من الأسلحة الفتاكة الرهيبة والتي لا تشكل أسلحة الحرب العالمية الثانية في قبالها إلا مثل الأسلحة القديمة اليدوية ـ كالسيف والرمح ـ بالنسبة إلى المدفع والدبابة.

من مضاعفات الحرب

أولاً: تخلف مشوهي الحرب والجرحى الذين سيعانون طوال حياتهم من ويلاتها فإن الأسلحة الفتاكة توجب مختلف الأمراض والتشويهات في الإنسان والحيوان والأرض وغيرها.

وقد جاء في تقرير: إن روسيا اشترت خمسة وعشرين مليون عضواً صناعياً ـ كاليد والرجل والعين ـ لأجل المشوهين، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذا بالإضافة إلى أن الحرب الذرية تذر الديار بلاقع لا تصلح لإنبات النبات إلى أمدٍ بعيد.

وثانياً: تلتهم الحرب الاقتصاد التهاماً موحشاً، فإن الدول تحول أجهزتها أبان الحرب إلى أجهزة حربية مما يستنفذ المال، ويوجب الفقر سنوات عديدة بالنسبة إلى الدول المتحاربة.

وقد ذكر (غوستاف لوبون) إن (إسبانيا) لم تستعد نشاطها منذ حارب الصليبيون المسلمين، وقد مرت على الحرب زهاء عشرة قرون.

كما ذكر مؤرخ آخر: إن العراق لم يستعد نشاطه منذ تخريب المغول له زهاء سبعة قرون.

وقد صرفت أمريكا في الحرب الباردة عام ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسين (م) أربعاً وسبعين في الألف من إنتاجها. فإذا ترتبت هذه النتائج التدميرية في الاقتصاد على الحرب الباردة، فماذا يكون الحال في الحرب الساخنة؟

وبالإضافة إلى الدول المتحاربة تلتهم الحرب اقتصاد سائر الدول المرتبطة بها، حيث إن الاقتصاد في العصر الراهن لا يختص برقعة محددة من الأرض فإن الدول تشابكت في الاقتصاد تشابكاً كبيراً فالبضائع التجارية بمختلف أقسامها تستورد من كافة الدول إلى الدول الأخر.

وإذا علمنا أن الدول المحايدة اسماً ليست محايدة حقيقة نعرف كيف تلتهم الحرب اقتصاديات كل الدول.

والكل يذكر كيف وقع العالم في ضيق شديد إبان الحرب العالمية الثانية سواء في الدول المحاربة أو غير المتحاربة.

ثالثاً: كما إن الحرب توجب التخلف الحضاري للبلاد المتحاربة وللبلاد التي ترتبط بها بل ولسائر بلاد العالم، إذ تتحول كل الدول إلى (دولة حرب) وتتوقف الخدمات الثقافية والصناعية والزراعية والتربوية وغيرها توقفاً كبيراً مما يوجب تجمد الحضارة بل وتقهقرها، حيث إن الحرب تستقطب جمهرة كبيرة من مختلف العلماء الذين هم محور تقدم الحضارة، وقد ذكرت بعض الصحف أن مصر وحدها خسرت عند تحطيم خط (بارليف) الإسرائيلي زهاء عشرين ألف من المهندسين والخبراء والأطباء ومن إليهم.

وسائل تجنب الحرب

نحو تعميم السلام

ثم اللازم ـ لأجل إنهاء الحرب في العالم ـ وتعميم السلام أن تبدل معامل الأسلحة إلى معامل الأغراض السلمية، ولا يقال: إن الأغراض الحربية إنما توجب إشغال ملايين العمال؟ فإن كثيراً من هؤلاء العمال يمكن أن تمتصهم المعامل التي تعمل للأغراض السلمية، كما يمكن جعل مناهج الإسكان وصحة ولوازم كل أهل العالم وكذلك مناهج لغزو الفضاء، وغير ذلك وإذا فرض أنه بقى فائض من العمال ليس لهم عمل فلا يستلزم ذلك بطالتهم لأنهم يشتغلون بالعلم وبالعبادة وبالتنزه بعد توزيع العمل عليهم وعلى غيرهم.

مثلاً: لنفرض عشرة ملايين عامل كل واحد منهم يشتغل ثمان ساعات في مختلف الشؤون الصناعية والزراعية، وخمسة ملايين منهم يشتغلون في السلاح، فهؤلاء إذا اشتغلوا في الأغراض السلمية يبقى مليونان بلا عمل لأن ثلاثة ملايين من الخمسة تتمكن الأغراض السلمية من امتصاصهم وفي هذه الحالة يوزع العمل على مجموع العشرة، وتخفف من ساعات العمل، ففي المثال: بدل أن يشتغل كل عامل ثمان ساعات حتى يشتغل خمسة ملايين منهم في السلاح يشتغل كل عامل ست ساعات وخمسي ساعة وفي الباقي أي الساعة وثلاثة أخماس الساعة يشتغلون في العلم تعليماً وتعلماً وتجربة، وفي العبادة الموجبة لخير الدنيا والآخرة، وفي التنزه بالأسفار وغيرها.

وليس من الصحيح أن نقول: إننا نصنع السلاح فنقتل الناس لكي لا تكون بطالة! فهو مثل أن تكون هنالك عائلة ونصفهم له عمل ونصفهم لا عمل له فنقول: إن النصف الذي لا عمل له يشتغل بقتل هذا النصف الذي له عمل لأجل أن لا يبقى النصف الذي لا عمل له فارغين عن العمل؟

إن هذا منطق لا يقبله عقل أو شرع، بل هو منطق الانحراف فحسب.

فاللازم ـ إذاً ـ أن نوجد العمل السلمي للعاملين في مصانع الأسلحة، كما يلزم أن نوجد العمل للذين يشتغلون في الأمور العسكرية من الضباط والقواد، والمراتب والجنود وغيرهم.

نعم يبقى قلة منهم لاحتمال الطوارئ، والآخرون إذا تدربوا فإنما يتدربون بقدر، ويكونون كجيش احتياط لا كجيش متفرغ، وقد ذكرنا في بعض الكتب أن إيران في أيام المجدد الشيرازي وقصة تحريم التتن كان لها زهاء عشرة ملايين جيش احتياطي ـ هم كل الناس ـ وعشرة آلاف مسلح لأوقات السلم.

وعلى أي حال، فاللازم حل مشكلة الحرب بهذه الصورة أو بصورة أخرى.

هذا من ناحية السلاح كمّاً.

وأما من ناحية السلاح كيفاً، فاللازم أن تخفف الأسلحة، يعني: أن تكون هناك لجان لتبديل الأسلحة المتطورة إلى الأسلحة الخفيفة ـ كالبندقية وما أشبه ـ ثم تبديل الأسلحة الخفيفة إلى الأسلحة البدائية ـ كالسيف والرمح ـ فإنه من الغلط أن يهيئ الإنسان سلاحاً يبيد نفس المسلح وعدوه.

وهذا شيء ممكن إذا تمكنا من التعبئة العامة، لأجل السلام، فتبطل بذلك معامل الأسلحة ويستخدم العمال في سائر الشؤون، وتحل الجيوش الكبيرة وتدمر الأسلحة المعقدة لترجع إلى أسلحة خفيفة، وربما تنتهي الدنيا إلى سلاح السيف وقد ورد في بعض الأحاديث المعنية بشأن الإمام المهدي ـ عجل الله تعالى فرجه ـ أنه يحمل السيف ـ وفي بعض الروايات أنه سيف (ذو الفقار) وهو السيف الذي استخدمه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في معارك الإسلام، وفي بعض الأحاديث أن هذا السيف نزل من السماء على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأعطاه علياً (عليه السلام) وأصبح فيما بعد من جملة المواريث المقدسة التي توارثها الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) حتى انتهى إلى الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) ـ.

ولذا ورد في الأحاديث: إن محور الحرب للإمام (عليه السلام) وأصحابه هو ما بين مكة والكوفة، وهذه مسافة قصيرة جداً، أما بقية البلاد فانها ستلتف تحت لوائه (عليه السلام) بدون حرب.

قلع جذور الحرب

وقد ذكرنا في كتاب (فقه الاجتماع): إن حفظ السلام لا يمكن بمجرد الإعلام ومنظمات السلام، لأن السلام ليس أمراً سطحياً، كما أن الحرب ليست أمراً سطحياً، بل اللازم قطع جذور الحرب حتى يسود السلام، وجذور الحرب هي (حرمان الإنسان) مما توجب له الثورة ضد الطبقة التي حرمته، وأسباب الحرمان هي (الاستعمار) و(الاستغلال) و(الاستبداد في الحكم، أو في المال، أو في العلم) فاللازم لمن يريد قطع جذور الحرب أن يحول بين مثيري الحرب وبين مآربهم وذلك بإشاعة الوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فإن الوعي السياسي يوجب عدم استسلام الشعب للدكتاتوريين سواء كانت دكتاتوريتهم دكتاتورية صريحة كالحكومات الوراثية والإنقلابية، أو مغلّفة كالحكومات التي تنادي بالديمقراطية، لكنها في مخالب رأس المال أو مخالب الحزب الواحد، كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين ونحوهم.

والوعي الاقتصادي يمنع كون المال بيد جماعة معينة سواء تسلمت تلك الجماعة بيدها مقاليد الحكم أيضاً ـ كروسيا ـ أو لا ـ كأمريكا ـ.

والوعي الاجتماعي يوجب أن يعرف الإنسان تساوي المجتمع في العلم والحكم والمال وإنما: (كل امرئ بما كسب رهين) (الطور: 21).

(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) (النجم: 39).

ولا طبقة مختارة، فإذا رأى أن العلم ـ مثلاً ـ خاص بجماعة لأن لهم المال أو الحكم أو الحزب علم بانحراف المجتمع ولزوم تعديله حتى يعم العلم الجميع، وهكذا بالنسبة إلى الحكم والمال.

والعالم أخذ يتوجه ـ تدريجيا ـ إلى مثل هذا الوعي، فقد كان الحكم العالمي مدة بيد بريطانيا، ثم بيد أمريكا ثم بين قوتين: أمريكا وروسيا، لكن الحكم توزع في الوقت الحاضر بيد أكبر قدر من الدول.. توزع بين أمريكا وروسيا وأوربا والصين، صحيح أنه لا توجد في المجال العسكري إلا الدولتان إلا أنه توجد مراكز قوى متعددة في المجال السياسي، ولكل مركز حلف جماعي، وفي المجال الاقتصادي توجد الدولتان بالإضافة إلى أوربا الغربية والصين واليابان، وفي المجال الذري توجد الهند وغيرها أيضاً، مما سبب خروج الدنيا تدريجياً عن الاحتكار.

كما أن الشيوعية أخذت تتحطم بسبب انفصال الصين ومحاولة انفصال بولونيا، وتململ بعض البلاد الأخرى الدائرة في فلك الشيوعية، بالإضافة إلى أنها افتضحت أكبر افتضاح، وخصوصاً عند غزوها ـ سابقاً ـ للمجر وتشيكوسلوفاكيا وحالياً: أفغانستان. والرأسمالية أخذت تتحطم لبنة لبنة فخرجت اليابان وفرنسا عن (إمبراطوريتهما) والاستعمار البريطاني والأمريكي أخذا يترنحان للسقوط هنا وهناك وبالأخص في الشرق الأوسط حيث ظهرت مفاسد إسرائيل.

وعليه فإن إعطاء الوعي للبشرية صار أسهل، صحيح أن الحياد الآن ليس ممكناً، ولا صحيحاً ـ حيث إن الإنسان لا يصح أن يسكت أمام الظالم ـ إلا أن الوعي المتململ أخذ يعمل لإيجاد الحياد السليم، أما الحياد الذي كان قبل عشرين سنة فقد كان ـ في الواقع ـ تغطية للعملاء فهل كاسترو عميل الشرق محايد؟ وهل ناصر عميل أمريكا كان محايداً؟ والى غير ذلك.

وعلى أي حال، يلزم زيادة الوعي لتنقلع جذور الحرب والتي هي عبارة عن انحصار العلم والحكم والمال بيد أقلية البشر في قبال حرمان الأكثرية.

والوعي كما يعطي الثلاثة بيد الكل كذلك يقرب الناس بعضهم إلى بعض، ويكوّن بينهم علاقات أكثر فلا يتمكن المتعصبون المنحرفون من استغلال البشر في مآربهم الشخصية، ولذا نرى أنه كلما زاد الوعي انكمشت القوميات، واندثرت الطائفيات المنحرفة، وقبرت العرقيات واللونيات والجغرافيات وما أشبه.

فضح (الحرب بالوكالة)

كما أن اللازم قبل الوصول إلى النتيجة النهائية وهي السلام الشامل، فضح (الحروب بالوكالة) والحيلولة دون وقوعها وذلك بعدة وسائل هي:

أولاً: تحجيم العلاقات بين الدول الصغيرة والدول الكبيرة، حتى لا يتمكن الكبار من إيكال الصغار في الحروب كما هي العادة الآن.

ثانياً: فضح القواعد العسكرية للدول الكبيرة في أراضي الدول الصغيرة.

ثالثاً: فضح التحالفات العسكرية بين الدول الصغيرة التي تدور في فلك الكبار، وبيان أن هذه الدول الصغار المتحالفة لا تريد بالأحلاف إلا خدمة تلك الدول الكبيرة.

رابعاً: تقوية العلاقات بين الدول المتجاورة حتى لا تتمكن الدول الكبار من إيقاع الحرب بينها.

خامساً: (وهو الأهم من كل ذلك): إيجاد الوعي للشعوب الصغيرة حتى لا تكون ألعوبة بيد حكوماتها التي تنفذ أوامر الأسياد.

كما أن اللازم إيجاد الوعي للشعوب مطلقاً حتى لا يقعوا فريسة جشع الرأسماليين والحكام الدكتاتوريين، سواء كانوا دكتاتوريين صريحين ـ كروسيا ـ أو دكتاتوريين مغلفين بثوب مهلهل من الديمقراطية ـ كبريطانيا وفرنسا وأمريكا ـ فإن هاتين الطبقتين من الحكام الرأسماليين هم الذين يشعلون الحروب دائماً، وفي ركابهم العلماء المنحرفون الدينيون كالكنيسة ـ والمدنيون كأصحاب الخبرات والشهادات.

وصدق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حيث روي عنه أنه قال: (صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله ومن هما؟ قال: الفقهاء والأمراء)(1).

والظاهر أن الرسول (صلّى الله عليه وآله) لم يذكر (المال) في هذا الحديث لأن كان له دور بسيط في الزمن السابق فلم تكن قد ظهرت هذه الرأسماليات المنحرفة جداً والتي ليست من الإسلام وليس الإسلام منها في شيء، فقد كان مشعلوا الحروب سابقاً: الأمراء المنحرفون، والعلماء المزيفون، فكانوا يتعاونون في ظلم الشعوب، ولهذا نبّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى خطرهما مع وضوح أنه نُبُّه في الإسلام إلى خطر كون المال (دولة بين الأغنياء) كما ذكرنا بعض هذا البحث في موضوع المال.

 

1 ـ بحار الأنوار: ج68، ص336.