الفهرس

آية الله السيد محمد رضا الشيرازي

الصفحة الرئيسية

 

الفرض الرابع

أن يناط الأمر بالمهم بالعزم على العصيان أو عدم العزم على الامتثال وقد أورد على هذا الفرض بأمرين:

الأول: ما ذكره المحقق الأصفهاني (قده) من:

(أنه مبني على معقولية الواجب المعلق وجواز انفكاك زمان الوجوب عن زمان الواجب، ويزيد شرطيتهما بنحو الشرط المتقدم على الإشكال المتقدم بلزوم تعقل الشرط المتقدم أيضاً إذا كان شرطاً لوجوب المهم بعد العزم وقبل زمان الفعل، وإلا فأحد المحذورين لازم على كل حال).

وتوضيحه: أن أخذ العزم على العصيان شرطاً لفعلية الأمر بالمهم يؤدي إلى محذور الواجب المعلق أو الشرط المتقدم أو كليهما معاً وذلك لما في (المباحث) من: (أن الأمر بالمهم إن كان في زمن العزم على العصيان ـ المتقدم على زمان العصيان ـ كان فيه محذور الواجب المعلق، لأن زمان الواجب المهم إنما هو زمان العصيان المتأخر ـ بحسب الفرض ـ عن زمان العزم على العصيان، فإذا كان زمان العزم هو زمان الأمر بالمهم كان من الواجب المعلق لا محالة، وإن فرض أن زمانه زمان العصيان المتأخر عن زمان العزم كان فيه محذور الشرط المتقدم لأن العزم متقدم زماناً على الوجوب المشروط، وإن فرض أن زمان الوجوب متخلل بين زمان العزم وزمان العصيان لزم المحذوران معاً).

أقول: ما ذكره (قده) مبني على حصر غير حاصر في محتملات أخذ العزم على العصيان شرطاً، مع أن للمسألة صوراً متعددة.

إذ يمكن أخذ العزم شرطاً متقدماً دون تعليق الواجب، كما في صورة أخذ (العزم السابق على زمن وجوب المهم) شرطاً مع مقارنة زمن وجوب المهم لزمن الواجب ـ أي المهم ـ.

وأخذه شرطاً متقدماً مع تعليق الواجب، كما في الصورة السابقة، مع تخلل وجوب المهم بين زمن الشرط وزمن الواجب.

وأخذه شرطاً مقارناً دون تعليق الواجب، كما في صورة أخذ (العزم المقارن لزمن وجوب المهم شرطاً)، مع مقارنة زمن وجوب المهم لزمن الواجب، وبعبارة أخرى: تقارن أزمان الثلاثة (الشرط، والوجوب، والواجب).

وأخذه شرطاً مقارناً مع تعليق الواجب، كما في الصورة السابقة، مع تأخر زمن الواجب عن زمني الشرط والوجوب.

وأخذه شرطاً متأخراً دون تعليق الواجب كما في صورة انفكاك زمان الواجبين وسبق زمان المهم على زمان الأهم، وإناطة وجوب المهم بالعزم المتأخر، مع مقارنة وجوب المهم لنفس المهم.

وأخذه شرطاً متأخراً مع تعليق الواجب، كما في الصورة السابقة مع سبق زمن وجوب المهم على نفس المهم.

ثم إنه يمكن فرض كون العزم شرطاً متأخراً مع تعاصر زمن الواجبين كما في قول المولى: (إن عزمت فيما بعد على عصيان الأمر بالأهم ـ المقارن لزمن المهم ـ وجب عليك المهم من الآن).. وأثر تقدم الوجوب يظهر في المقدمات المفوتة ونحوها فلا يرد فيه إشكال اللغوية.

ولا يخفى أن للمسألة صوراً كثيرة إلا أن كلياتها هي ما ذكرناه، وقد أضربنا عن ذكر تلك الصور روماً للاختصار.

الثاني: ما ذكره المحقق النائيني (قده) وهو: (أن خطابي الأهم والمهم وإن كانا فعليين حال العصيان معاً، إلا أن اختلافهما في الرتبة أوجب عدم لزوم طلب الجمع، من فعليتهما، لما عرفت من أن الأمر بالأهم إنما يقتضي هدم موضوع الأمر بالمهم، وأما هو فلا يقتضي وضع موضوعه، وإنما يقتضي شيئاً آخر على تقدير وجوده، وما لم يكن هناك اتحاد في الرتبة يستحيل أن تقتضي فعلية الخطابين طلب الجمع بين متعلقيهما. ومن هنا يظهر أن ما أفاده الشيخ الكبير كاشف الغطاء (قده) من أن الأمر بالمهم مشروط بالعزم على عصيان الأمر بالأهم غير صحيح، فإنه عليه لا يكون الأمر بالأهم رافعاً لموضوع الأمر بالمهم وهادماً له تشريعاً، فإن الأمر بالأهم إنما يقتضي عدم عصيانه، لا عدم العزم على عصيانه).

ومحصله ـ كما في (المباحث) ـ أن النكتة التي بها تعقلنا إمكان الترتب تقتضي أن يكون المترتب عليه الأمر بالمهم هو العصيان لا العزم عليه، فإن تلك النكتة هي أن يكون ما يترتب عليه الأمر بالمهم مما يقتضي الأمر بالأهم هدمه أولاً وبالذات، فإنه عليه سوف ترتفع غائلة المطاردة بين الأمرين، ومن الواضح أن الأمر بالأهم يقتضي بذاته هدم عصيان الأهم لا هدم العزم على عصيانه.

ويرد عليه ـ مع ما سبق من المناقشة مبني، بعدم إجداء تعدد الرتبة في دفع محذور طلب الضدين ـ:

أولاً: ما في (المباحث) وهو (أن ما يقتضي الأمر بالأهم هدمه أولاً وبالذات ليس هو العصيان وترك الأهم، وإنما هو العزم عليه وعدم العزم على الامتثال، لأن التكليف إنما يجعل من أجل أن يكون داعياً في نفس العبد، فمقتضاه الأولي إيجاد الداعي والعزم في نفس العبد على الامتثال، فهو يهدم عدم العزم على الامتثال والعزم على العصيان أولاً وبالذات.

وفيه: أن هنالك فرقاً بين (مصب الإرادة) و (شرط المصب) بتقريب:

أن ما يجعل لأجله التكليف لا يخلو من أن يكون: العزم مطلقاً، أو العزم الموصل إلى الفعل، أو الفعل الصادر من المكلف مطلقاً ولو لم يكن صدوره عن اختيار، أو كل من الفعل والعزم بحيث يكون كل منهما جزءاً من المطلوب، أو الفعل لكن بشرط العزم على نحو يكون التقيد داخلاً والقيد خارجاً.

والأربعة الأول خلاف التلقي العرفي للأوامر المولوية، وخلاف ما نجده في أنفسنا ـ عادة ـ عند تكليف من يتلونا في الرتبة، مع ما يرد على الأول من استلزامه تحقق مراد المولى وسقوط القضاء بمجرد حصول العزم على الفعل، ولو لم ينته إلى الفعل، وعلى الثالث مما سيأتي.. فلا يبقى سوى أن يكون المراد هو (الفعل الصادر عن عزم واختيار)، ومرجعه إلى إرادة الحصة من الفعل لا طبيعي الفعل.

ومن هنا قالوا في تحديد الأمر أنه (طلب الفعل من العالي على سبيل الاستعلاء) لا طلب العزم على الفعل وقال المحقق الأصفهاني (قده) ـ في مبحث المقدمة ـ: (الإرادة التشريعية هي إرادة فعل الغير منه اختياراً، وحيث إن المشتاق إليه فعل الغير الصادر باختياره فلا محالة ليس بنفسه تحت اختياره بل بالتسبب إليه بجعل الداعي إليه وهو البعث نحوه، فلا محالة ينبعث من الشوق إلى فعل الغير اختيار الشوق إلى البعث نحوه، فتتحرك القوة العاملة نحو تحريك العضلات بالبعث إليه، فالشوق المتعلق بفعل الغير إذا بلغ مبلغاً ينبعث منه الشوق نحو البعث الفعلي كان إرادة تشريعية).

نعم: في الوجود الخارجي بتعلق الهدم بالعزم أولاً وبالفعل ثانياً، إلا أن الكلام ليس فيه بل في مقتضى الأمر، فتأمل.

(مع) أن دخل العزم ـ ولو بنحو الشرطية ـ غير مطردة فإن غير القصدي من التوصليات ـ كالتطهير الخبثي ـ غير منوط بالقصد، بل يتعلق الغرض بصرف وقوع الفعل في الخارج، ولو عن غير قصد.

(نعم) يمكن أن يُدّعى الفرق بين كون الشيء محققاً لغرض المولى، وكونه محققاً للغرض من الأمر، فحصول الطهارة من الخبث لا يعقل أن يكون غرضاً من الأمر بالطهارة، وإن تحقق به غرض المولى، لعدم ترتبه على الأمر وعدم استناده إليه، وما لا يترتب على شيء لا يعقل أن يكون غرضاً من ذلك الشيء، إذ الغرض المتوخى من الشيء ما يكون حاصلاً بسببه، لا مطلقاً، وإلا لم يكن غرضاً له، وأما سقوط الأمر بالتطهير بعد حصول الطهارة فلانتفاء الموضوع المستتبع لانتفاء الأمر ـ لاستحالة بقاء المعلول بعد ارتفاع علته ـ لا لتحقق غرض الأمر.

(اللهم) إلا أن يقال ـ كما في هوامش (أجود التقريرات) ـ: (التكليف ليس إلا عبارة عن اعتبار كون الفعل على ذمة المكلف، والإنشاء لا شأن له إلا أنه إبراز لذلك الاعتبار القائم بالنفس فلا مقتضي لاختصاص متعلق الحكم بالحصة الإرادية والاختيارية، بل الفعل على إطلاقه متعلق الحكم).

(لكنه) لا يخلو من نظر، وتفصيل الكلام في مباحث (التوصلي والتعبدي) و (الضد).

(مضافاً) إلى أنه لو صحح (التعليق على العزم) لم يصحح (التعليق على العصيان) لعدم جريان النكتة المذكورة فيه، فما في المباحث تبديل لمركز الإشكال، لا حل له.

ثانياً: إن النكتة التي يبتني عليها إمكان الترتب ـ لدى المحقق النائيني (قده) ـ مشتركة بين أخذ (العصيان) شرطاً، وأخذ (العزم على العصيان) أو (عدم العزم على الامتثال) شرطاً بتقريب:

إن اقتضاء شيء لشيء مساوق لاقتضائه علته، وطرده له مساوق لطرده علته فإرادة إيجاد المعلول المبرزة بصيغة الأمر ـ على ما هو مبنى صاحب الكفاية (قدس سره) ـ أو الشوق إلى إيجاده ـ على ما هو مبنى المحقق الأصفهاني (قده) ـ تقتضي إيجاد علته، وإرادة رفعه ـ بعد وجوده ـ تقتضي رفع علته، كما أن إرادة دفعه ـ قبل تحققه ـ والحيلولة دون وجوده مقتضية للحيلولة دون وجود علته.

وما نحن فيه من قبيل الأخير فإن الأمر بالأهم يقتضي دفع العصيان ـ على ما هو مبنى المحقق النائيني (قدس سره) ـ وهو لذلك يقتضي ـ ولو عقلاً ـ دفع العزم على العصيان لكونه علة للعصيان، منتهى الأمر أن اقتضاء دفع أحدهما بالذات واقتضاء دفع الآخر بالتبع، لكن ذلك لا ينافي اتصاف الشيء بالوصف حقيقة.

وكما أن الأمر المنوط بالعصيان مقيد بعدم الإتيان بمتعلق الآخر ويستحيل وقوعه على صفة المطلوبية في عرض الإتيان بمتعلق الآخر ـ على مبناه (قده) ـ كذلك الأمر المنوط بالعزم على العصيان فإنه مقيد بوجود علة العصيان ـ وهوالعزم على العصيان ـ فيستحيل وقوعه على صفة المطلوبية مع الإتيان بمتعلق الأهم المستلزم لانتفاء شرطه، وانحفاظ الخطابين في ظرف العصيان لا يوجب طلب الجمع لأنهما ليسا في مرتبة واحدة وذلك لاقتضاء الأمر بالأهم هدم العزم على عصيانه ـ ولو بالتبع ـ مع عدم اقتضاء الأمر بالمهم وضع هذا التقدير، لعدم محركية الشيء نحو مقدماته الوجوبية.

ونظير ذلك يقال في شرطية (عدم العزم على الامتثال) فإن الأمر بالأهم يقتضي الامتثال، وما يقتضي المعلول يقتضي ـ ولو بالتبع ـ وجود علته ـ وهي هنا العزم على الامتثال ـ ووجود علته مقتض لطرد نقيض نفسه ـ وهو عدم العزم على الامتثال ـ لاستحالة اجتماع النقيضين فيكون الأمر بالأهم مقتضياً ـ ولو عقلاً ـ لطرد عدم العزم على الامتثال، بمقتضى أن (مقتضى المقتضى مقتضى).

ثالثاً: ما عن (المحاضرات): من عدم تمامية ذلك ـ لو تم في حد نفسه ـ في الواجبات العبادية التي يكون الداعي والعزم فيها مأخوذاً في الواجب، بل حتى في الواجبات التوصلية فيما إذا قلنا بأن التكليف يقتضي تخصيص متعلقة بالحصة الاختيارية كما هو مسلك المحقق النائيني (قده). انتهى.

وهو ـ مع عدم اختصاصه بالواجبات العبادية، لشموله لمطلق الأمور القصدية وإن لم تكن عبادية، كالعقود والإيقاعات، لكن العزم مأخوذاً فيها أيضاً حتى على مسلك من لا يرى أن التكليف يقتضي التخصيص ـ آيل إلى الثاني ـ لعدم كون هدم الأهم للعزم بالذات وعلى نحو المباشرة، بل بالتبع وعلى نحو التسبيب، وذلك لعدم كون العزم جزءاً من العبادات، بل هو خارج عن حريمها، وإن كان التقيد داخلاً، فيؤول إلى أنه لا فرق بين كون الهدم مباشرياً أو تسبيبياً، فلا ينهض جواباً في عرض الثاني، فلو تم الإشكال في حد نفسه لم يكن هذا الجواب وارداً، نعم: لو فرض أخذ العزم جزءاً أمكن انتهاضه في عرضه.

رابعاً: ما سبق من أن نكتة إمكان الترتب هي غير ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) وهي مشتركة بين أخذ (العصيان) و (العزم) شرطاً، فراجع.

بقي شيء وهو أنه ذكر في (المباحث): (أن العزم على العصيان لو أخذ شرطاً فلابد وأن يؤخذ العزم الثابت حين العصيان شرطاً للأمر بالمهم لا مطلق العزم، إذ لولا ذلك لما أمكن الأمر بالمهم، فإن البداء أمر ممكن في حق المكلفين، فلو كان مطلق العزم على عصيان الأهم شرطاً كان التكليف بالمهم فعلياً حتى مع البداء وتبدل العزم، فيلزم المطاردة بين الأمرين بالضدين).

ويرد عليه: ـ مع ما ظهر مما تقدم ـ أنه يمكن سبق زمن العزم على زمن العصيان دون ثبوته في ظرف العصيان، لا باستبدال المكلف العزم على ضده به، بل بانقطاع امتداده ولزوم أجله، مع ترتب عصيان الخطاب بالأهم في حينه عليه، بأن يكون العزم على العصيان السابق على زمان العصيان علة لتفويت إطاعة الأهم في ظرفه، كما في صورة تأديته لتفويت بعض المقدمات الوجودية أو العلمية التي يتوقف عليها وجود الأهم، فإنه فيهما لا يمكن حصول العزم على العصيان في حينه، لاضطرار المكلف إليه.

ولا يكون العزم عزماً إلا مع تعلق القدرة بطرفي النقيض على حد سواء، وعدم مقدورية التخلص من المخالفة في ظرف الأهم لا يخرج الترك عن كونه عصياناً إذا كان وجوب الأهم فعلياً قبل زمان الواجب المستلزم لوجوب تحصيل مقدماته الوجودية والعلمية ـ ولو عقلاً ـ أو كان الأهم من الأهمية بحيث علم من الشارع إرادة عدم وقوع خلافه في الخارج مطلقاً ـ كما في الدماء والفروج والأموال على تفصيل مذكور في الفقه ـ أو كان تحصيل أغراض المولى مطلقاً، حتى ما لم يحضر أجلها لازماً في نظرنا ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ.

ففي جميع هذه الصور لا ينافي عدم المقدورية تحقق العصيان واستحقاق العقاب على الترك، وذلك لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

والخطاب بالأهم وإن أصبح ساقطاً حين العجز، لأن مجرى قاعدة (ما بالاختيار لا ينافيه) ـ الشاملة لكل من الوجوب والامتناع ـ هو العقاب، لا الخطاب، إلا أن اجتماع الخطابين قبل ظرف العجز ـ لو فرض سبق الوجوب على الواجب ـ كاف في تحقق موضوع الترتب.

وعليه ليس المناط (العزم الثابت) بل (العزم المفوت) وإن لم يكن ثابتاً حين العصيان.

ثم إنه لو فرض لزوم أخذ (العزم الثابت) شرطاً لم يجب كون الشرط هو المجموع بل يمكن كونه الجزء المتقدم منه فقط لكن بشرط ثباته إلى حينه وذلك لأن دخل شيء في شيء ـ على نحو الشرطية ـ تابع للملاكات والمصالح الواقعية، فربما كان الدخل للجزء المتقدم من العزم لا للمقارن، وحينئذ يكون الشرط هو (العزم الذي يتعقبه العصيان) بجعل عنوان (التعقب) شرطاً مقارناً للشرط، وهو يرجع إلى عدم كون الشرط طبيعي العزم، بل خصوص الحصة التي يعقبها العصيان. وتفصيل الكلام موكول إلى مباحث (الشرط المتأخر).