الفهرس

آية الله السيد محمد رضا الشيرازي

الصفحة الرئيسية

 

ما يناط به الأمر بالمهم

لقد وقع البحث في ما يناط به الأمر بالمهم، وجعله بعضهم من أدلة استحالة الترتب، فلا بأس بعطف عنان الكلام إلى ذلك، فنقول:

إن ما يناط به الأمر بالمهم لا يخلو من فروض:

الفرض الأول

أن يناط بنفس العصيان على نحو الشك المقارن.

وقد قيل باستحالته لأمور:

الأمر الأول: ما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره) من (لزوم تقدم البعث على الانبعاث، ضرورة أن البعث إنما يكون لإحداث الداعي للمكلف نحو المكلف به، بأن يتصوره بما يترتب عليه من المثوبة وعلى تركه من العقوبة، ولا يكاد يكون هذا إلا بعد البعث بزمان، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان).

وعليه: فلو كان العصيان مأخوذاً على نحو الشرط المقارن للأمر بالمهم ـ والحال أن عصيان الأهم مقارن لطاعة الأمر بالمهم ـ لزم تقارن البعث والانبعاث لأن المقارن للمقارن مقارن.

وتقريبه: أن زمان الأمر بالمهم مقارن لزمان عصيان الأهم، وزمان عصيان الأهم مقارن لزمان امتثال المهم، فزمان الأمر بالمهم مقارن لزمان امتثال المهم.

أما الصغرى فلأنها هي المدعى.

وأما الكبرى فلأن زمان امتثال أحد الواجبين المضيقين هو بعينه زمان عصيان الآخر، ومحل الكلام هو وقوع التزاحم بين واجبين مضيقين، وإلا لخرج عن موضوع الترتب، فتأمل.

وأما بطلان التالي فلما ذكر من استحالة تقارن البعث والانبعاث.

وهذا المبنى ـ لزوم تقدم البعث على الانبعاث ـ يمكن المناقشة فيه من وجوه:

(الأول): ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) من أن تقدم البعث على الانبعاث ولو آناً ما يستلزم فعلية الخطاب قبل وجود شرطه، وهو التزام بالواجب المعلق وكون الفعل المقيد بالزمان المتأخر متعلقاً للخطاب المتقدم، وقد قرر استحالته في محله.

وفيه: (أولاً): إن الالتزام بفعلية الخطاب قبل وجود الشرط لا يساوق الالتزام بالواجب المعلق، بل يمكن معه الالتزام بكون الوجوب مشروطاً بالوقت المتأخر على نحو الشرط المتأخر، وإن أحال (قده) كليهما.

والفرق بينه وبين المعلق إناطة وجوبه بالشرط، بخلاف المعلق. وعلى هذا الفرق يبتني إمكان القول بإمكانه واستحالة المعلق، إذا كان وجه الاستحالة (إن فعلية وجوب المعلق تستدعي التحريك نحو المتعلق، والتحريك نحو المتعلق مساوق للتحريك نحو قيده، لأن التحريك نحو المقيد تحريك نحو قيده لا محالة، والمفروض كون القيد ـ وهو الزمان ـ غير اختياري، فيلزم التكليف بالمحال).

أما لو فرض كون الزمان قيداً للوجوب ولو على نحو الشرط المتأخر ـ كما هو قيد للواجب ـ لم يلزم المحذور، لعدم وجوب تحصيل قيود الوجوب.

ومنه ينقدح النظر في إطلاق كلام المحقق الاصفهاني (قده) حيث أناط إمكان الواجب المشروط بالوقت المتأخر على نحو الشرط المتأخر بإمكان الواجب المعلق، وقال ـ في بحث المقدمات المفوتة ـ:

(لا يخفى عليك أن الكلام في المقدمات الواجبة قبل زمان ذيها، فوجوب ذيها وإن كان حالياً لتحقق شرطه في ظرفه لكنه لا يصح هذا النحو من الإيجاب إلا بناءً على القول بالمعلق، إذ المفروض تأخر زمان الواجب عن زمن وجوبه، لما عرفت من أن مورد الإشكال لزوم الإتيان بالمقدمات قبل زمان ذيها، فلو أراد (قده) أن اشتراط الوجوب لا يستدعي عدم حالية الوجوب فهو كما أفاده (قده) وإن أراد الاكتفاء بذلك عن الالتزام بالواجب المعلق فهو غير تام).

(ثانياً): ما في (آراء الأصول) من الإشكال مبني: بوجود الواجب التعليقي بحسب الجعل وبحسب مصحح الجعل.

أما الثاني: فلأنه مع اتحاد آن الجعل مع آن الامتثال في المضيقات المفتقرة لتهيئة المقدمات لا مصحح للجعل، وسبق العلم بالتكليف لا يجدي في التنجيز لو لم يكن له معلوم بالفعل، وحكم العقل والعقلاء بلزوم الامتثال متفرع على وجود الحكم، ووجوب المقدمات المفوتة بمتمم الجعل موقوف على كوننا مكلفين بالملاكات مع أنه لا امتثال إلا للتكليف.

وأما الأول: فلوجود الأوامر المعلقة فوق حد الإحصاء في الشرعيات والعرفيات.

وفيه: أنه لا ملزم للتعلق بالتعليق، بل يمكن تصحيح الجعل بوجوه أخر:

منها: الالتزام بكون الوجوب مشروطاً بالوقت المتأخر على نحو الشرط المتأخر، فيكون الوجوب فعلياً.

قبل حلول زمان الواجب، وبفعليته يكون باعثاً نحو المقدمات التي لا يمكن تهيئتها في ظرف حلوله.

ومنها: الالتزام بوجوب حفظ أغراض المولى وحرمة تفويت الملاكات الواقعية الملزمة، لحكم العقل باستحقاق العبد العقاب على تفويته أغراض مولاه ولو لم يكن هنالك تكليف فعلي، فلو سقط ابن المولى في البئر فلم ينقذه العبد محتجاً بعدم الأمر لما قبل العقلاء اعتذاره، ولحكم العقل باستحقاقه للعقاب، وكذا لو أوقع العبد نفسه في العجز قبل أن يوجد الملاك المولوي الملزم فراراً من الطاعة والامتثال فإنه يستحق العقاب أيضاً لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وإن نافاه خطاباً. والعقل هو الحاكم في باب الاستحقاق، دون منازع له على الإطلاق وهذا الحكم العقلي يكون سبباً للتحريك نحو المقدمات المفوتة، كما لا يخفى.

هذا من حيث الكبرى.

وأما الصغرى ـ أي كشف وجود الملاك الملزم ـ فيمكن أن يكون بإطلاق الخطاب، بناءً على عدم تبعية الدلالة المطابقية للدلالة الالتزامية، حيث إن الخطاب يدل بالمطابقة على الحكم والالتزام على الملاك، فعدم شمول الخطاب لحالة العجز لقبح تكليف العاجز، بل لعدم إمكان تكليفه، ولو كان عجزه بسوء اختياره ـ لا يستلزم عدم شمول الملاك لتلك الحالة، وهذا الملاك الكائن في ظرفه يكون سبباً لحكم العقل بوجوب تهيئة المقدمات المفوتة، كي تحفظ الأغراض الواقعية للمولى حين حصولها، ولا تفوت بالتعجيز.

لكن قد يناقش فيه بعدم تسليم المبنى ـ أولاً ـ وبعدم تمامية مقدمات الحكمة فلا يكون ثمة إطلاق في المقام ـ ثانياً ـ فتأمل.

أو يكون باستلزام سقوط الملاك بالعجز للغوية الخطاب، لتوقف الواجب على تهيئة المقدمات دائماً أو غالباً قبل حلول الوقت، فيكون الدليل الدال على وجوب المتعلق دالاً على وجوب تهيئتها قبله بدلالة الاقتضاء.

أو يكون بإخبار المولى عن فعلية الملاك الملزم والإرادة الحتمية ـ ولو بطريق الأمر بالمقدمات المفوتة ـ بعد فرض استحالة الخطاب فعلاً، وذلك كاف في حكم العقل بوجوب تلك المقدمات..

ومنها: غير ذلك مما يطلب تفصيله من بحث المقدمات المفوتة.

ثم إن وجود الأوامر المعلقة في الشرعيات والعرفيات لا يجدي بعد فرض الاستحالة العقلية، ودلالة الوقوع على الإمكان خاصة بموارد كون الواقع غير محتمل للوجوه الأخر، فتأمل.

(ثالثاً): النقض بالقضايا الخارجية التي ذهب المحقق النائيني (قدس سره) إلى عدم انفكاك زمان الجعل فيها عن زمان ثبوت الحكم وفعليته، حيث قال (قدس سره):

(إن القضية الخارجية لا يتخلف فيها زمان الجعل والإنشاء عن زمان ثبوت الحكم وفعليته، بل فعليته تكون بعين تشريعه وإنشائه، فبمجرد قوله (أكرم زيداً) يتحقق وجوب الإكرام، فلا يعقل تخلف الإنشاء عن فعلية الحكم زماناً، وإن كان متخلفاً رتبة نحو تخلف الانفعال عن الفعل. وأما في القضية الحقيقية فالجعل والإنشاء إنما يكون أزلياً، والفعلية إنما تكون بتحقق الموضوع خارجاً، فإن إنشاءه إنما كان على الموضوع المقدر وجوده، فلا يعقل تقدم الحكم على الموضوع لأنه إنما أنشأ حكم ذلك الموضوع، وليس للحكم نحو وجود قبل وجود الموضوع...).

وهذا التزام بسبق الخطاب على زمن الامتثال وبفعلية الخطاب قبل وجود شرطه، فإن كل خطاب مشروط بالقدرة، والقدرة على الامتثال ـ بوصف أنه امتثال ـ منوطة بحصول الداعي في نفس المكلف، وحصوله موقوف على حصول مبادئه ـ من التصور والتصديق ونحوهما ـ توقف كل معلول على حصول علته، وهي أمور زمانية لابد في تحققها من الزمان، فيتأخر بذلك الانبعاث عن البعث ولا يتفاوت طول الزمان وقصره في ما هو ملاك الاستحالة والإمكان.

نعم: يمكن الالتزام بانفكاك الجعل عن المجعول في القضايا الخارجية، وبأن فعليته فيها تتوقف على مضي زمان ما تتحقق فيه شروطه، فلا يبقى مجال للنقض المذكور.

(رابعاً): ما قرر في مباحث (مقدمة الواجب) من إمكان وجود الواجب المعلق فلا يبقى موضوع لما أورده المحقق النائيني (قده)، فراجع.

(الثاني): ما ذكره (قدس سره) أيضاً وهو: أنه لو فرض علم المكلف قبل الوقت بتوجه الخطاب إليه في وقته كفى ذلك في إمكان تحقق الامتثال، فوجوده قبله لغو، وإن فرض عدم علمه بذلك كان الخطاب لغواً أيضاً، لعدم استتباعه لتحريك المكلف نحو المطلوب، ضرورة أن المحرك للمكلف هو الأمر بوجوده العلمي لا بوجوده الواقعي النفس الأمري.

ودفع اللغوية الأولى باستتباع التنجز للتحريك نحو المقدمات الوجودية (وإن أمكن استتباع غيره له أيضاً كما سبق) دافع لها في المقام أيضاً، لاستتباع التنجز فيه للتحريك نحو المقدمات المفوتة على ما سيأتي في الجواب الرابع، فهذا الجواب بمفرده غير واف بالمطلوب.

(ثالثاً): النقض بالوجوب المنصب على الفعل المركب من أمور تدريجية الوجود، فإن الكل مبعوث إليه بعث واحد في أول الوقت، مع لغوية ما يتعلق بغير الجزء الأول من الفعل، لعدم صلاحيته للباعثية حينئذ، وكفاية وجود كل جزء على نحو التدريج في التحريك نحوه.

إلا أن يقال ـ كما في النهاية ـ: (الإنشاء بداعي البعث وإن كان واحداً، وهو موجود من أول الوقت، لكن بلحاظ تعلقه بأمر مستمر أو بأمر تدريجي الحصول كأنه منبسط على ذلك المستمر أو التدريجي، فله اقتضاءات متعاقبة، بكل اقتضاء يكون بالحقيقة بعثاً إلى ذلك الجزء من الأمر المستمر أو المركب التدريجي، فهو ليس مقتضياً بالفعل لتمام ذلك المستمر أو المركب. بل يقتضي شيئاً فشيئاً).

لكنه خلاف ما يفهمه العرف من الدليل، من وحدة الأمر، وكونه موجوداً اعتبارياً قاراً مستجمعاً لجميع أجزائه في الآن الأول، وكون الوجوب السيال غير القار وجوباً عقلياً مستنداً إلى الوجوب الشرعي الواحد.

وقد يناقش فيه بأن الظاهر يدفع بالقاطع، فالظهور العرفي لا يجدي بعد فرض الاستحالة العقلية، لكن الكلام في المبنى المفروض، فتأمل.

(رابعاً): إن فعلية المجعول قبل حلول وقت إمكان الامتثال ليست لغواً، إذ يكفي في دفع اللغوية محركيته نحو (المقدمات المفوتة) التي لا يمكن إيجادها داخل الوقت ـ مطلقاً أو في الجملة ـ وكذا محركيته نحو (المقدمات العلمية) التي يتوقف عليها العلم بأداء الواجب في ظرفه (والتفكيك بينهما مبني على ما ذهب إليه المحقق النائيني (قدس سره) من عدم رجوعها إلى المقدمات المفوتة كما ذكره في مبحث الواجب المطلق والمشروط، وإن كان يظهر من الشيخ الأعظم (قدس سره) عند تعرضه لشرائط العمل بالأصول إدراجها فيها).

وإمكان التحريك نحو المقدمات المفوتة والعلمية عن غير طريق (سبق زمن فعلية المجعول على زمان الامتثال) لا يلغي ما يتصف به من الطريقية ـ وإن لم تكن منحصرة ـ وهي كافية في دفع تلك اللغوية.

نعم، لو قيل بأن الأمر الحقيقي هو (ما كان بداعي جعل الداعي) لكن لا مطلقاً بل مع تقييده بكونه (نحو نفس المتعلق) ـ لا غيره وإن أنيط به وجود المتعلق ـ لم يكن هذا الوجوب السابق على زمن الامتثال حقيقياً، بل طريقياً.

لكن هذا المبنى لا يخلو من إشكال، إذ الأمر الاعتباري يتقوّم بالاعتبار، وهو خفيف المؤونة فكما يمكن للمولى أن يجعل مصب إرادته متعلقاً للتكليف كذلك يمكن أن يجعل مقدمته أو لازمه أو ملازمه في عهدة المكلف دون نفس الشيء، فيكون حق الطاعة منصباً على المقدمة ابتداءً وإن كان الشوق المولوي غير متعلق بها إلا تبعاً.. وذلك لحصول الغرض في الحالتين، وقد حرر بعض الكلام في نظير ذلك في مسألة الوجوب النفسي والغيري، فراجع.

كما يكفي في دفع اللغوية: ترتب وجوب القضاء في صورة تفويت بعض المقدمات الوجودية ذات البدل الاضطراري قبل حلول الوقت، وذلك على بعض الوجوه، كما ذكر في مسألة (من أراق الماء قبل الوقت، واضطر إلى الصلاة بالطهارة الترابية).

(خامساً): ما في (أجود التقريرات) ـ في بحث الواجب المطلق والمشروط ـ من (أن في لزوم كون المجعول موجوداً حال وجود الاعتبار وعدمه تفصيلاً، فإن القيد المزبور ـ سواء كان اختيارياً أو غير اختياري ـ إذا كان دخيلاً في تمامية مصلحة الواجب ولزوم استيفائها فلا موجب لإيجابه قبل حصوله، ولو كان متعلق الإيجاب الفعل المقيد بما هو مقيد، بناءً على ما هو الصحيح من تبعية الأحكام للملاكات الثابتة لمتعلقاتها.. وأما إذا كان القيد دخيلاً في حصول المصلحة في الخارج بعد فرض تماميتها ولزوم استيفائها فلا مناص فيه عن الالتزام بفعلية الطلب وإن كان المطلوب أمراً متأخراً).

وتوضيحه ـ على ما في (الدروس) ـ:

إن للوجوب ثلاث مراحل وهي الملاك والإرادة والجعل.

فإن كان القيد دخيلاً في اتصاف الفعل بالمصلحة ـ كالمرض في اتصاف شرب الدواء بالمصلحة ـ سمي بـ (شرط الاتصاف).

وإن لم يكن دخيلاً فيه، بل كان دخيلاً في ترتب تلك المصلحة وشرطاً في استيفائها بعد اتصاف الفعل بها ـ كتعقب شرب الدواء للطعام الدخيل في ترتب الأثر عليه، فإن المصلحة القائمة بالدواء لا تستوفى إلا بحصة خاصة من الاستعمال وهي الاستعمال بعد الطعام، وإن لم تكن شرطاً في اتصاف الفعل بالمصلحة، إذ أن المريض مصلحته في استعمال الدواء منذ يمرض ـ سمي بـ (شرط الترتب).

هذا بالنسبة إلى الملاك.

وأما بالنسبة إلى الإرادة والجعل فإن شروط الاتصاف شروط للإرادة، خلافاً لشروط الترتب فإنها شروط للمراد.

كما أن شروط الاتصاف شروط للمجعول، وأما شروط الترتب فإنها قيود للمتعلق.

وعليه: يبتني الجواب عن إشكال (اللغوية) وذلك لأن فعلية الوجوب تابعة لفعلية الملاك ـ أي لاتصاف الفعل بكونه ذا مصلحة ـ فمتى اتصف الفعل بذلك استحق الوجوب الفعلي، بالضرورة بمقتضى تبعية الأحكام للملاكات، فإذا افترض أن القيد من شروط الترتب لا من شروط الاتصاف كان الفعل واجداً للملاك قبل تحقق القيد، لأن تحققه دخيل في ترتب المصلحة ـ ومن المعلوم أنه لا معنى للغوية مع فرض الضرورة.

ويرد عليه:

إن ما استجمع (شروط الاتصاف) ـ ولم يستجمع بعد (شروط الترتب) ـ وإن باين ما لم يستجمع (شروط الاتصاف) في كون الفعل فيه ذا مصلحة فعلية، بخلاف الأخير، إلا أن صرف تمامية الملاك لا يحتم الأمر الفعلي، إذ المهم عدم فوات الغرض المتوخى، وهو كما يتحقق بثبوت الوجوب قبل وجود (شروط الترتب) كذلك يتحقق بثبوته عند وجودها، والتحريك نحو المقدمات المفوتة يمكن عن غير طريق سبق الوجوب أيضاً، فتعيينه دون غيره إلزام بلا ملزم.

وتبعية الحكم للملاك يراد بها عدم نشوئه عن الإرادة الجزافية، لا أنه عند حصوله يجب وجوده وإن لم يحن وقت الامتثال بعد، لما سبق.

مضافاً إلى أن في الفرق بين شروط الاتصاف وشروط الترتب كلاماً مذكوراً في بحث الواجب المطلق والمشروط فراجع ـ.

(الثالث): ما في (النهاية) وهو أن تأخر الانبعاث عن البعث مع أنهما متضايفان متكافئان في القوة والفعلية غير معقول، فإن البعث التشريعي هو جعل ما يمكن أن يكون داعياً وباعثاً، فمضائفه الانبعاث إمكاناً، فما لم يمكن الانبعاث لا يمكن البعث وبالعكس.

ويرد عليه:

(أولاً): النقض بالبعث نحو الواجب المنجز قبل حصول مقدماته الوجودية مع عدم إمكان الانبعاث نحو ذي المقدمة إلا بعد وجود مقدماته ـ كما سبق ـ.

وقد تفصّى عنه المحقق الأصفهاني (قده) بقوله:

(حيث إن تحصيل المقدمات ممكن فالبعث والانبعاث إلى ذيها متصفان بصفة الإمكان، بخلاف البعث إلى الشيء قبل حضور وقته، فإن فعل المتقيد بالزمان المتأخر في الزمان المتقدم مستحيل من حيث لزوم الخلف أو الانقلاب، فهو ممتنع بالامتناع الوقوعي، بل هو ممتنع بالغير، والإمكان الذاتي والوقوعي محفوظ مع عدم العلة، وإلا لم يكن ممكن أصلاً، لأن العلة إن كانت موجودة فالمعلول واجب، وإن كانت معدومة فالمعلول ممتنع فمتى يكون ممكناً؟ وملاك إمكان البعث وقوعياً: إمكان الانبعاث وقوعياً بإمكان علته لا بوجود علته، وعدم وجود العلة لا ينافي إمكانها وإمكان معلولها فعلاً).

وفيه: أنه لا فرق بين توقف الشيء على تصرم الزمان، بالذات، وتوقفه على تصرمه، بالتبع، بلحاظ الاستحالة والإمكان، فالاستحالة في أحدهما ـ وقوعاً ـ تستلزم الاستحالة في الآخر كذلك، والإمكان فيه يستلزم الإمكان فيه.

فمثلاً: الصلاة متوقفة على الطهور، أو على ما يتوقف على الطهور، وحيث إن الطهور أمر زماني لا يخرج عن حيطة الزمان لذا يتوقف تحققه على تصرم زمان ما ـ ولو تناهى في القلة ـ فتوقفها عليه يساوق التوقف على تصرم زمانه بمعنى عدم إمكان وقوع المطلوب (أي الصلاة) ـ قبل تصرمه، وإلا لزم الخلف ـ لو انتفى وجوده في الزمان الثاني، وتحقق في الزمان الأول فقط أو الانقلاب ـ لو كان وجوده في الزمان الثاني عين وجوده في الزمان الأول ـ أو صدق المتقابلان عليه دفعة ـ لو كان موجوداً في الزمان المتقدم في عين وجوده في الزمان المتأخر ـ والتوالي بأسرها باطلة.

وعليه: فيستحيل ـ بالاستحالة الوقوعية، وهي كون الشيء بحيث يلزم من وقوعه الباطل والمحال، وإن لم يستحل بالاستحالة الذاتية، وهي كون الشيء بحيث يقتضي بذاته العدم اقتضاءً حتمياً، ويحكم العقل بمجرد تصوره بأنه ممتنع الوجود ـ وقوع المطلوب في الزمان الأول، فلا يمكن الانبعاث عنه، فلا يمكن البعث نحوه، بحسب مقتضى التضايف المذكور بين البعث والانبعاث.

وبالجملة: فظرف المقدمة سابق على ظريف ذيها، بالسبق الزماني ـ على اصطلاح الحكيم ـ فيستحيل ـ بالاستحالة الوقوعية ـ تحققه في ظرفها، وإلا لزم طرو التقدم على ما ذاتيه التأخر ـ أعني ظرف ذيها ـ وتعاصر جزءين من أجزاء الممتد غير القار، وهو محال.

ومنه يظهر أن إمكان أداء الواجب في ظرفه وعدم إمكانه قبله مشترك بين الموردين، فلا فرق بينهما من هذه الجهة أصلاً، فكما أن المكلف يمكنه أن يؤدي الواجب المقيد بالزمان المتأخر في ظرفه ولا يمكنه أن يؤديه في الزمان المتقدم كذلك المكلف الفاقد لمقدمات الواجب المنجز يمكنه أن يؤديه بعد أداء تلك المقدمات ولا يمكنه أن يؤديه قبلها، وإلا لزم التهافت في الزمان، أو خروج الشرط عن كونه شرطاً وهو خلف.

وكون الممكن بالواسطة ممكناً يراد به الإمكان في ظرفه لا مطلقاً ـ على ما تقدم ـ أو يكون في مورد ما لا يتوقف على تقضي الزمان ويمكن أن يتعاصر فيه العلة والمعلول كحركة اليد وحركة المفتاح، أو يكون مع قطع النظر عن لحاظ الزمان والخصوصيات المكتنفة، كما هو كذلك في كل حكم بالإمكان، إذ (عروض الإمكان بتحليل وقع)، لكن ذلك بعنوان عدم الاعتبار لا اعتبار العدم، وتفصيل الكلام موكول إلى مباحث المواد الثلاث من الحكمة.

نعم. الفرق بين الموردين أن مقدمة أحدهما مقدورة بخلاف الآخر، وعلى ذلك يتفرع استحقاق العقاب وعدمه، لكن ذلك لا يكون فارقاً فيما نحن بصدده بعد توقف كل منهما على انقضاء الزمان.

وأما فرض تحقق البعث في الزمان الثاني فهو خلاف المفروض أولاً، ومستلزم لعدم وجوب تحصيل مقدماته ـ ثانياً ـ إذ البعث نحوها موقوف على البعث نحوه فلو تأخر عنها انقلب مشروطاً، لكن قد مضى ما في الأخير، فراجع.

ثانياً: النقض بالوجوب المتعلق بالفعل المركب من أمور تدريجية الوجود وقد سبق البحث فيه.

ثالثاً: النقض بالغافل والجاهل والناسي والنائم ونحوهم، فإن التكليف فعلي في حقهم، مع أن انبعاثهم نحو المطلوب ـ فيما إذا كان من الأمور التعبدية، بل مطلق الأمور القصدية ولو لم تكن تعبدية، بل مطلق الواجبات ولو كانت توصلية ـ محال.

ووجه الاستحالة ـ مع وضوحها في البعض بالنسبة إلى البعض ـ أنه ليس المراد بالانبعاث مطلق صدور العمل كي يقال بإمكان وقوعه منهم، بل صدوره عن البعث، وعلى نحو المطاوعة للتحريك المولوي لكونه مقوماً للطاعة التي سبق الأمر الشرعي لتحقيقها ـ على ما قرر في موضع آخر ـ وهو مستحيل في حقهم، وذلك لتوقف صدور الفعل كذلك على الالتفات للبعث وهو مفقود في هذه الطوائف.

واستبدال الضد بالوصف المانع متوقف ـ عادة ـ على مقدمة غير اختيارية ـ كالاستيقاظ في النائم، والالتفات في الناسي ـ فيكون غير اختياري، لأن الموقوف على أمر غير اختياري غير اختياري (وكون الأفعال مستندة إلى الاختيار غير الاختياري يوكل بحثه إلى محله وعلى فرض تسليمه فلا يقدح فيما نحن فيه لبداهة عدم كونه اختيارياً، وإن قدح في القاعدة المذكورة) وما هو غير اختياري لا يمكن صدوره بالاختيار عن المكلف، لاستحالة وجود المعلول بدون وجود علته.

ثم إنه لو بني على تعميم الانبعاث لمطلق صدور العمل كفت الجزئية في الجواب لكونها نقيضاً للكلية.

وأما كون الأمر فعلياً فيدل عليه ـ ولو في الجملة ـ إطلاق أدلة الأحكام ـ أولاً ـ.

والأخبار المدعى استفاضتها الدالة على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل بل ذكر الشيخ الأعظم (قده) تواتر تلك الأخبار، في مبحث (إمكان التعبد بالإمارة غير العلمية) ـ ثانياً ـ.

وما قرر في مبحث أخذ العلم بالحكم في موضوع نفس ذلك الحكم من استحالة اختصاص الأحكام بالعالمين بها ـ ثالثاً ـ.

كما يدل عليه: ثبوت القضاء بعد زوال الوصف المانع، فيكشف ـ بطريق الإنّ ـ عن كون المجعول فعلياً، وإلا لم يصدق عنوان (الفوت) المأخوذ في قوله (صلوات الله وسلامه عليه): (من فاتته فريضة) موضوعاً لوجوب القضاء، كما لا يصدق في الصبي والمجنون ونحوهما، فتأمل.

رابعاً: إن التضايف وإن تحقق بين (البعث) و (الانبعاث) مفهوماً ومصداقاً قوة وفعلية، إلا أن ذلك لا مجرى له في الحكم ـ الذي هو محل الكلام في المقام ـ لأنه (إن أريد) وقوع التضايف بين (ذات الحكم) و (الانبعاث الإمكاني) من دون أخذ قيد (إمكان الباعثية) في حد الحكم ـ بمعنى عدم اعتباره فيه ـ ففيه:

عدم وجود بعض ما أخذ في التضايف ـ من الخصائص ـ بين ذات الحكم والانبعاث الإمكاني، مما يكشف ـ بطريق الإنّ ـ عن عدم كونهما متضايفين مثل أن المتضايفين متلازمان تعقلاً ولا تلازم بين تصور (الحكم الفعلي) و (الانبعاث الإمكاني). ومثل أن المتضايفين متكافئان في القوة والفعل، فإذا كان أحدهما بالفعل كان الآخر بالفعل، وإذا كان أحدهما بالقوة كان الآخر بالقوة، ولا تكافؤ في المقام إذ يمكن أن يكون أحد طرفي التضايف ـ وهو الحكم ـ بالفعل، والآخر ـ وهو الانبعاث ـ فيمن لم يحركه البعث المولوي بالإمكان. وفعليه القوة لا تكفي في تحقق التضايف، إذ هو خلاف ما قرر من الاستفصال في قاعدة (التكافؤ) وتفصيل الكلام موكل إلى محله.

و (إن أريد) وقوع التضايف بين الحكم والانبعاث الإمكاني بعد أخذ قيد (إمكان الباعثية) في قوام الحكم ـ كما هو الظاهر من كلامه (قده) ـ بأن يقال بأن الحكم الحقيقي هو ما أمكنت فيه الباعثية وليس غيره حكماً. ففيه:

إن الحكم اعتبار معين مجعول في عهدة المكلف ينشأ من ملاك خاص أو إرادة خاصة ولا يؤخذ في صحته لدى العقلاء (إمكان الانبعاث) ـ كما بالنسبة إلى الجاهل والنائم ونحوهما، إذا استمر العذر طيلة الوقت المحدد ـ نعم لابد من أن يكون هناك أثر مصحح للجعل، دفعاً للغوية.

ولو فرض أخذ الإمكان قيداً فإنما هو الإمكان في قطعة ما من امتداد عمود الزمان ولو كانت مستقبلية، لا الإمكان بالفعل.

ولو فرض أخذ (الإمكان بالفعل) قيداً أمكن القول بكونه أعم من إمكان الانبعاث نحوه أو نحو طريقه، فيكون نظير الحكم المتعلق بالأفعال التوليدية، فإنه حكم عليها حقيقة، مع عدم إمكان الانبعاث نحو المتعلق على نحو المباشرة، وما يمكن الانبعاث نحوه فعلاً هو المقدمات، وأما متعلق الأمر فهو يحصل بعد وجود مقدماته قهراً، ولا فرق في ذلك بين القول بـ (التوليد) أو (الإعداد) أو (التوافي) فإن الجامع بين المباني الثلاثة هو عدم كون مصب الأمر فعل نفس المكلف بل فعل غيره.

وأما صرف الأمر عن التعلق بذي المقدمة بصبه عليها وجعلها واسطة في عروض الطلب عليه مع انصبابه لباً عليها فهو خلاف متعارف الموالي، وخلاف التلقي العرفي للأوامر المولوية، وأيضاً: المصلحة المقصورة قائمة بذي المقدمة، والأمر به ـ كالأمر بها ـ محقق لتلك المصلحة، فلا مانع من الأمر به، كما لا مانع من الأمر بها.

وعلى كل فكما يصح لدى العقلاء: التكليف الذي يتحد فيه زمان الوجوب والواجب، كذلك يصح عندهم ما ينفك فيه أحدهما عن الآخر، سواء كان على نحو الواجب المعلق، أو الواجب المشروط بالوقت المتأخر على نحو الشرط المتأخر.

وقد سبق شطر من الكلام حول ذلك، فراجع.

(الرابع): إن وزان الإرادة التشريعية وزان الإرادة التكوينية، فكما لا يمكن انفكاك الإرادة عن المراد في الإرادة التكوينية كذلك لا يمكن انفكاكها عنه في الإرادة التشريعية، بل يجب فيها تقارن البعث والانبعاث بلحاظ الزمان.

قال المشكيني (رحمه الله): (إنه لا فرق بين الإرادة التشريعية والإرادة التكوينية إلا في كون الأولى متعلقة بفعل الغير والثانية بفعل نفس المريد، وإلا فهما ـ فيما تتوقفان عليه من العلم والتصديق بالفائدة والميل ـ مشتركتان، وكذا فيما يترتب عليهما من تحريك العضلات وحصول الفعل بعده، فكما لا ينفك المراد التكويني عن زمان التحريك الغير المنفك عن زمان الإرادة، فكذلك المراد التشريعي لا ينفك عن زمان الأمر الغير المنفك عن زمان الإرادة التشريعية). انتهى.

وفيه:

أولاً عدم تسليم الحكم في المقيس عليه، فإنه يمكن انفكاك الإرادة التكوينية عن المراد. إذ كما يمكن تعلق الإرادة بأمر حالي، كذلك يمكن أن تكون الإرادة حالية والمراد استقبالياً.

نعم: الصورة العلمية للمراد لابد من حصولها حين وجود الإرادة، لكونها من الصفات الحقيقية ذات الإضافة، لكن الكلام في (المراد) بوجوده الخارجي لا بوجوده العلمي كما هو واضح.

ويشهد لما ذكرنا ـ من إمكان الانفكاك ـ أن ما نجده في أنفسنا من الإجماع والتصميم والعزم حال تعلق الإرادة بمراد حالي نجده أيضاً حين تعلقها بمراد مستقبلي، بل كثيراً ما تكون الإرادة في الثاني أقوى منها في الأول.

وأما ما قيل من أن ما يتعلق بالأمر المستقبلي هو الشوق دون الإرادة ففيه:

عدم الاستفصال في حكم الوجدان بين الحالتين، فتخصيص إحداهما باسم الإرادة ترجيح بلا مرجح وحمل لمحمولين متخالفين على موضوعين متماثلين مع أن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.

ويؤيده ما في (التهذيب) من (أن الشوق يشبه أن يكون من مقولة الانفعال، إذ النفس بعد الجزم بالفائدة تجد في ذاتها ميلاً وحباً إليه فلا محالة تنفعل عنه، ولكن الإرادة التي هي عبارة عن إجماع النفس وتصميم الجزم من صفاتها الفعالة) انتهى.

بضميمة: أن ما يوجد في النفس حين إرادة الأمر المستقبلي يشبه أن يكون من أفعال النفس، مع عدم معقولية الاتحاد في المقام.

مع أنه قد تتعلق الإرادة بشيء دون حصول الشوق إليه، فإن المريض قد يريد شرب الدواء ولا يشتاق إليه، كما أن العكس حاصل أيضاً، فإن من منع عن طعام ما ـ لمرض ـ ربما يشتاق إليه ولا يريده، والمتقي قد يشتهي العلو لكن لا يريده كما قال الله سبحانه: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)[1].

وعلى هذا فما يتعلق بالأمر المستقبلي غير المرغوب فيه لا يعقل أن يكون هو الشوق بل هو الإرادة.

اللهم إلا أن يقال بتعميم الشوق للرغبة في الشيء الحاصلة بعد الكسر والانكسار عمومها للرغبة الملائمة للطبيعة الأولية.

ثم إن صاحب الكفاية (قدس سره) استشهد على إمكان الانفكاك بقوله:

(إن الإرادة تتعلق بأمر متأخر استقبالي، كما تتعلق بأمر حالي، ضرورة أن تحمل المشاق في تحصيل المقدمات ـ فيما إذا كان المقصود بعيد المسافة وكثير المؤونة ـ ليس إلا لأجل تعلق إرادته به، وكونه مريداً له قاصداً إياه، لا يكاد يحمله على التحمل إلا ذلك).

وهو لا يخلو من تأمل، إذ المعلول إنما يكشف عن إنيّة العلة لا ماهيتها، فوجود إرادة المقدمات يدل على وجود ما تترشح منه هذه الإرادة، ولا يعينه في إرادة ذيها، إذ يمكن أن يكون المترشح منه هو الشوق إلى ذي المقدمة، لا الإرادة المتعلقة به، ودعوى أن الشوق لا يمكن أن يستتبع ذلك مصادرة، إذ للخصم أن يدعي إمكان ذلك.. فما ذكره (قدس سره) يشبه الاستدلال بالأعم الأخص، كالاستدلال بوجود الطرق على وجود الطارق المعين..

وعليه فالأولى الاستدلال بما ذكرناه أولاً.

ثم إن المحقق الأصفهاني (قده) أورد على انفكاك الإرادة عن المراد بأنه إن كان مرد ذلك (إلى) حصول الإرادة التي هي علة تامة لحركة العضلات أو الجزء الأخير من العلة التامة، في الظرف السابق، إلا أن معلولها حصول الحركة في ظرف لاحق، ورد عليه: أنه من انفكاك المعلول عن علته التامة، أو الجزء الأخير من العلة التامة، وهو محال.

أو (إلى) جعله بما هو متأخر معلولاً كي لا يكون له تأخر، ففيه: أنه مستلزم لصيرورة تأخره عن علته كالذاتي له، فهو كاعتبار أمر محال في مرتبة ذات الشيء، فيكون أولى بالاستحالة.

أو (إلى) أن حضور الوقت شرط في بلوغ الشوق حد النصاب وخروجه من النقص إلى الكمال، أشكل عليه بأنه عين ما رامه الخصم، من أن حقيقة الإرادة لا توجد إلا حين إمكان انبعاث القوة المحركة للعضلات نحو المطلوب.

أو (إلى) أن حضور الوقت مصحح لفاعلية الفاعل ـ وهو الإرادة ـ كما أن المماسة مصححة لفاعلية النار للإحراق مثلاً، رد: بأن دخول الوقت خارجاً ليس من خصوصيات الإرادة النفسانية حتى يقال: هذه الإرادة فاعلة دون غيرها وكذا وجوده العلمي، فلا معنى لأن يكون دخول الوقت مصححاً لفاعلية الإرادة.

وفيه: أن الحصر غير حاصر، بل يمكن أن يكون مرد ذلك إلى أمور:

(منها) أن يكون دخول الوقت متمماً لقابلية الفعل، بحيث يكون قيداً في المراد لا في الإرادة، فكما أن الخصوصيات الأينية والكيفية والكمية ونحوها مؤثرة في تعلق الإرادة بالشيء كذلك الخصوصيات الزمانية.

(ومنها) أن يكون حضور الوقت متمماً لقابلية الفاعل ـ وهي العضلات التي تتحرك بما فيها من القوة نحو المطلوب ـ فإن العضلات تستجيب ـ بالحركة نحو المطلوب ـ للإرادة عند خروجها من حد النقصان إلى حد الكمال، فربما لم تكن العضلات في مستوى الاستجابة الحالية للإرادة النفسانية لانعدام قوة التحرك نحو المطلوب أو ضعفها، فتتعلق الإرادة الفعلية بالتحريك المستقبلي مع تماميتها فعلاً.

(ومنها) أن يكون دخول الوقت مقارناً لارتفاع العوائق الخارجية المانعة من تحصيل المراد.

(ومنها) غير ذلك.

وبناءً على ما سبق تكون الإرادة جزء العلة في التحرك نحو المطلوب، لإتمام العلة، ولا الجزء الأخير منها.

ومن جميع ما سبق انقدح النظر في دعوى استلزام الإرادة لتحريك العضلات في قولهم: (الإرادة هي الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات) إلا أن يكون المراد شأنية التحريك ـ بمعنى كونه مقتضياً له لا فعليته، أو يكون المراد: التحريك حسب نوعية تعلق الإرادة وبلحاظ ظرف تعلقها.

ثم: ان هذا كله مبني على مغايرة الإرادة للعلم في الإنسان ـ كما هو المختار ـ وأما بناءً على اتحادهما ـ كما ذهب إليه بعض ـ فإمكان انفكاكها عن المراد يكون أوضح، لإمكان تعلق العلم فعلاً بأمر استقبالي.

والتضايف إنما هو بين العلم والمعلوم بالذات ـ لا بينه وبين المعلوم بالعرض ـ فلا إشكال من ناحية التضايف.

ثم إنه يمكن النقض ـ مضافاً إلى الإرادة الإنسانية المتعلقة بالمراد المستقبلي ـ بالإرادة الذاتية في الله سبحانه، إذ ارجاعها إلى غيرها ـ مع كونه خلاف ظواهر الآيات والروايات ـ مستلزم لسلب صفة من صفات الكمال عنه تعالى، وحدوثها مستلزم لطرو التغير على ذاته سبحانه، فيتعين قدمها فيه تعالى، مع حدوث ما تعلقت به إرادته بالحدوث الزماني، وتفصيل الكلام والنقض والإبرام يحتاج إلى بسط لا يسعه المقام.

ثانياً: لو فرض تسليم الحكم في المقيس عليه (الأصل) إلا أنه لا يسلم في المقيس (الفرع)، وذلك لأن الأمور العينية تختلف عن الأمور الاعتبارية في كون الأولى حقائق متأصلة في عالم التكوين غير منوطة باعتبار المعتبر أو فرض الفارض ـ إلا فيما ندر كالعلم بالعناية المستتبع لتحقق المعلوم، كتوهم المرض الذي يتعقبه المرض ـ بخلاف الثانية فإنها منوطة بالاعتبار ولا واقع لها وراء اعتبار المعتبر وجعل الجاعل.

ولذا لا تسري عليها أحكام الأمور التكوينية على ما قرر في موضوع تضاد الأحكام الخمسة في مباحث اجتماع الأمر والنهي وغيره.

وعليه: فإذا اعتبر من بيده الاعتبار وجود المجعول في ظرف سابق على زمن امتثاله فكيف يتخلف عن ظرف اعتباره؟

لكن هذا الجواب لا يخلو من نظر، لأنه وإن دفع الإيراد بلحاظ نفس (الحكم) إلا أنه لا يدفعه بلحاظ (مبادئه) إذ يرد بهذا اللحاظ إشكال انفكاك الإرادة التكوينية عن المراد ـ فإن الإرادة التشريعية كالتكوينية من حيث المبادئ، وإنما الاختلاف بينهما في المتعلق ـ فلا يتم هذا الجواب منفرداً ما لم يضم إليه ما سبق في الجواب الأول.

ثم إنه يمكن تقرير هذا الجواب بنحو آخر وهو: بداهة انفكاك الإرادة التشريعية عن المراد في العاصي والناسي ونحوهما، إذ تكون الإرادة فعلية مع عدم تحقق المراد خارجاً.

نعم: يمكن أن يقال أنه ليس المراد (فعلية الانبعاث) بل (إمكان الانبعاث) ـ بما يترتب عليه من الآثار كصحة المؤاخذة ولزوم القضاء ونحوهما ـ إذ لا يكاد يكون الفرض إلا ما يترتب عليه من فائدته وأثره ولا يترتب عليه إلا ذلك ـ لكن قد سبق أن الانفكاك حاصل ولو أريد الإمكان، فراجع.

(الخامس): إن الالتزام بلزوم تقدم البعث على الانبعاث:

1 ـ إن كان لأجل أن الأمر إنما ينشأ بداعي جعل الداعي في نفس المكلف نحو الامتثال، وهو موقوف على حصول مبادئه من التصور والتصديق ونحوهما وهي أمور زمانية لابد في تحققها من تصرم الزمان، فلابد من تأخر الانبعاث عن تحقق الداعي المتأخر عن وجود الأمر.

ففيه: أن من الممكن حصول هذه المبادئ قبل زمان تحقق المجعول ـ أي الحكم المنجز الموضوع في عهدة المكلف ـ وذلك بسبب العلم بالجعل ـ أي تشريع القانون وإنشاء الحكم ـ من قبل وما ذكر في الاستدلال إنما يصح لو لم تحصل مبادئ الاختيار قبل زمان تحقق المجعول، أما إذا حصلت قبله فيمكن تقارن البعث والانبعاث، فإن حصول مبادئ الاختيار غير موقوف على فعلية الأمر.

بل يمكن أن يقال بأن حصول هذه المبادئ غير موقوف على وجود أصل الأمر إذ يمكن العزم على الطاعة ـ أو المعصية ـ في ظرفهما قبل وجود الأمر أو النهي. ففي الاستدلال خلط بين لزوم تقدم الأمر على الامتثال، وتقدم العلم بالأمر عليه.

وأما مقولة عدم الانفكاك بين الإيجاد والوجود التي قد يستشكل بها على انفكاك الجعل عن المجعول فهي إنما تصح في القضايا التكوينية الخارجية، دون القضايا الاعتبارية. أما الأول: فلأن الأمر المطاوعي التكويني ليس زمامه بيد الموجد كي يشاء تارة وجوده فعلاً وأخرى مستقبلاً، بل هو انفعال طبيعي عن الإيجاد، بل الوجود والإيجاد متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار على ما قرر في محله، وهذا بخلاف الثاني: فإن زمان الاعتبار بيد المعتبر، ووجود الأمر الاعتباري تابع لكيفية الاعتبار، فإن اعتبر من بيده الاعتبار وجوده حالاً كان موجوداً حالاً، وإلا كان موجوداً حسب كيفية اعتباره.

نعم: (المنشأ) ـ بمعنى الحكم المشرع بما هو هو مع قطع النظر عن تنجزه على المكلف ـ لا ينفك عن (الإنشاء) والجعل، لكن الكلام في (المجعول) بمعنى الحكم المنجز الموضوع في عهدة المكلف كما لا يخفى.

2 ـ وإن كان لأجل أن مقارنة الخطاب للامتثال يستلزم تحصيل الحاصل ـ إن فرض تلبس المكلف بالمطلوب حين توجه الخطاب ـ أو طلب الجمع بين النقيضين ـ إن فرض العدم ـ.

ففيه: ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره):

(نقضاً): بأنه لو صح ذلك لصح في العلة والمعلول التكوينيين بتقريب: أن المعلول لو كان موجوداً حين وجود علته لزم عليتها للحاصل، وإلا لزم عليتها للمستحيل، فالقول بلزوم تقدم الخطاب على الامتثال زماناً يستلزم القول بلزوم تقدم العلة التكوينية على معلولها زماناً وهو باطل.

(وحلاً): بأن المعلول ـ أو الامتثال ـ إذا كان مفروض الوجود في نفسه حين وجود العلة ـ أو الخطاب ـ لزم ما ذكر من المحذور، وأما إذا كان فرض وجوده لا مع قطع النظر عنهما، بل لفرض وجود علته أو لتحريك الخطاب إليه فلا يلزم من المقارنة الزمانية محذور أصلاً.

(مضافاً) إلى ما في المباحث من أن المحذور يرد على تقدير القول بتقدم الأمر على الامتثال زماناً ـ أيضاً ـ إذ لو بقي الطلب إلى الزمن الثاني ـ الذي هو زمن الامتثال ـ كان بقاؤه تحصيلاً للحاصل، وإن ارتفع لم يلزم امتثال أصلاً، فيكون كما إذا بدا للمولى فرفع الوجوب.

3 ـ وإن كان لأجل كون الطلب علة لوقوع الامتثال، فلابد أن يكون متقدماً عليه.

ففيه: أن الطلب (إن) كان علة تامة لوقوع الامتثال فتقدم العلة على المعلول رتبي لا زماني، لاستحالة الزماني، مع عدم تمامية المبنى في نفسه، وذلك لعدم كفاية الخطاب منفرداً للتحريك نحو المطلوب ما لم تنضم إليه مشاركات أخر من الخوف والرجاء ونحوهما، وإلا لزم استحالة تحقق العصيان في الخارج، ولكان التكليف جبراً وإلجاءً لا أمراً وطلباً.

و (إن) كان علة ناقصة فتقدمها بالطبع وإن كان محرزاً، إلا أن التقدم الزماني ليس شرطاً فيه، كما في كل المركبات التي توجد دفعة، فإن أجزاءها وإن تقدمت عليها بالطبع، إلا أنها تقارنها بلحاظ الزمان.

4 ـ وإن كان لأجل غير ما ذكر فقد سبق الجواب عنه.

(السادس): إن الوجدان أصدق شاهد على إمكان تقارن البعث والانبعاث، وعدم استحالته لا بالاستحالة الذاتية ولا بالاستحالة الوقوعية، فإن فرض تعاصر فعلية وجوب الصوم وبدء امتثاله، وتقارنهما عند الفجر ليس محالاً، ولا يلزم منه محال لدى العقل.

كما أن الوقوع ـ في الأوامر العرفية ولو في الجملة ـ أدل دليل على الإمكان، وإن احتملت الأوامر الشرعية: كلاً من التقارن، وذلك بكون الخطاب مشروطاً بالوقت المعين على نحو الشرط المقارن، والتقدم، وذلك بكون الخطاب معلقاً، أو مشروطاً بالوقت المتأخر على نحو الشرط المتأخر.

مضافاً لما سبق من أن الأمور الاعتبارية ـ بالمعنى الأخص للاعتبار ـ منوطة باعتبار المعتبر، بخلاف الأمور التكوينية والأمور الانتزاعية المنوط وجودها بوجود منشأ انتزاعها، دون توقفها على اعتبار المعتبر أو فرض الفارض، فإذا فرض كون زمن الامتثال أول الدلوك، واعتبر المعتبر الوجوب أول الدلوك فكيف يتقدم ما اعتبر على زمن اعتباره، مع تبعية المعتبر لنحو اعتباره، فتخلفه عنه محال. فراجع وتأمل.

الأمر الثاني

مما يرد على إناطة الأمر بالمهم بعصيان الأمر بالأهم على نحو الشرط المقارن، ما في (التهذيب) من انه قبل وجود الشرط لا يمكن تحقق المشروط، فلابد من تحققه في زمانه حتى يتحقق مشروطه، والعصيان عبارة عن ترك المأمور به في مقدار من الوقت يتعذر عليه الإتيان به بعد، ولا محالة يكون ذلك في زمان، ففوت الأهم المحقق لشرط المهم لا يتحقق إلا بمضي زمان لا يتمكن المكلف من إطاعة أمره، ومضي هذا الزمان كما أنه محقق فوت الأهم محقق فوت المهم أيضاً، ولا يعقل تعلق الأمر بالمهم في ظرف فوته، ولو فرض الإتيان به قبل العصيان يكون بلا أمر، هذا في المضيقين ومنه ينقدح حال المختلفين أيضاً، فظهر أن سقوط أمر الأهم، وثبوت أمر المهم في آن واحد فأين اجتماعهما؟ وإن شئت قلت: إن اجتماعهما مستلزم لتقدم المشروط على شرطه أو بقاء فعلية الأمر بعد عصيانه ومضي وقته.

ويرد عليه:

إن ما يتوقف على انقضاء أمد ما هو (انتزاع العصيان) لا (نفس العصيان) فلو قال المولى: (صم من الفجر إلى المغرب) لم يمكن انتزاع العصيان في الآن الأول ـ أي آن شروق الفجر الحقيقي ـ، أما لو انقضى ذلك الآن ولم يتلبس المكلف بالصوم فإنه يمكن انتزاع العصيان، لكن العصيان كان متحققاً في نفس آن الأمر حقيقة، لأن العصيان عبارة عن عدم الإتيان بالمأمور به ـ في المحل القابل، وهو غير مثل الغافل ـ وهو ثابت منذ ذلك الآن.

والحاصل: أن تحقق العصيان منوط بانقضاء الأجل إثباتاً لا ثبوتاً.

(مع) أن تعليق حصول العصيان بمضي زمان إمكان الامتثال مستلزم للخلف، إذ الأمر المتحقق بالفعل يمكن امتثاله وعصيانه، وأما الأمر الذي انقضى وقته ولزم أجله فلا باعثية له، بل لا وجود له فلا يتصور بالنسبة إليه امتثال ولا عصيان، ففرض انقضاء أمد الأمر في آن مساوق لعدم تحقق العصيان في ذلك الآن.

(مضافاً) إلى أن انتفاء النقيض ـ أي عدم العصيان ـ في الآن الأول مستلزم لثبوت البديل ـ وهو العصيان ـ فيه، إذ لا يخلو من النقيضين شيء.

(ثم) إنه يمكن اجتماع الأمرين ولو فرض كون العصيان متوقفاً على مضي الزمان إذا أخذ العصيان على نحو (الشرط المتأخر) للأمر بالمهم.. إلا أن يقال: إن كلام (التهذيب) مسوق طبق مبنى المحقق النائيني (قده) القائل باستحالة الشرط المتأخر.. لكنه لا يجدي في إثبات استحالة الترتب على نحو مطلق.

إلا أن هذا الفرض خروج عن موضوع البحث ـ وهو أخذ العصيان على نحو الشرط المقارن ـ كما لا يخفى.

الأمر الثالث

مما يرد على إناطة الأمر بالمهم بالعصيان على نحو الشرط المقارن، هو أن عصيان الأمر بالأهم علة لسقوطه، فلا ثبوت له في ظرف العصيان ـ لتعاصر العلة والمعلول زماناً ـ فيلزم من ثبوته فيه اجتماع ثبوته وسقوطه، فلا يجتمع مع الأمر بالمهم في ذلك الآن، وذلك مخرج له عن موضوع الترتب المتقوم بتعاصر الأمرين الفعليين في زمان واحد.

ويرد عليه: عدم تسليم كون العصيان علة لسقوط التكليف.

أما أولاً: فلأن العصيان إما أن يكون حيثية عدمية ـ كما في عصيان الأمر بالصلاة ـ وإما أن يكون حيثية وجودية ـ كما في عصيان النهي عن الغيبة ـ.

فإن كان حيثية عدمية فليس دخيلاً في سقوط الأمر، إذ ليس في الأعدام من علية ـ ولو لعدم في عدم ـ وإن بها فاهوا فتقريبية.

مع أن سقوط الأمر عبارة عن انعدامه، والأعدام لا تتأثر ـ كما أنها لا تؤثر ـ لتبعية تحقق مفاد كان الناقصة لمفاد كان التامة إذ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له، ولا ذات للعدم كي يطرأ عليها التأثير أو التأثر.

ومنه ينقدح الجواب عما إذا كان العصيان حيثية وجودية.

مضافاً إلى لزوم تحقق السنخية ـ ولو في الجملة ـ بين العلة والمعلول، ولا سنخية بين الحيثية الوجودية والسقوط العدمي.

ثم إنه لو قيل بكون العصيان حيثية عدمية دائماً لكونه عبارة عن عدم موافقة المأمور به تمحض الجواب في الشق الأول.

وأما ثانياً: فلأن وجود الشيء مرهون بوجود علته، وعدمه بعدم علته، لا بمعنى علية العدم للعدم وثبوت العلقة العلية بين العدمين، لما سبق من أن العدم لا يكون مؤثراً ولا متأثراً، بل بمعنى انتفاء العلقة العلية بين الوجودين، ولذا كان ما اشتهر بينهم من أن عدم العلة علة لعدم المعلول مقولاً على ضرب من التقريب والعناية، وعليه: يكون انتفاء علة ثبوت الأمر علة لسقوطه.

ومن الواضح: أن وجود الموضوع ـ بالمعنى الأعم للموضوع المتقوم بمجموع الملابسات المكتنفة بالمأمور والمتعلق والشرائط والخصوصيات ونحوها ـ هو علة وجود الأمر، فيكون انتفاؤه علة لسقوطه (سواء كان انتفاء الموضوع معلولاً لانعدام جميع مقومات وجوده أو بعضها، وذلك لارتهان وجود الشيء بانسداد جميع أبواب العدم عليه، وكفاية انفتاح باب واحد منها في عدم وجوده، بل في امتناع وجوده، لأن الشيء ما لم يمتنع لم يعدم).

وعلى هذا: يكون دخل العصيان في سقوط الأمر مستلزماً للخلف أو تحصيل الحاصل أو توارد علتين مستقلتين على معلول واحد بتقريب: أن إسقاطه له إن كان قبل فوات الموضوع لزم الأول لعدم تحقق العصيان بعد، وإن كان بعد فواته لزم الثاني لسقوط الأمر بانعدام موضوعه، فلا يمكن سقوطه مرة أخرى، وإن كان معه لزم الثالث، لعلية الفوات للسقوط ـ بالمعنى الذي تقدم لذلك ـ فلا يعقل علية غيره له أيضاً.

(هذا) كله مضافاً إلى بعض ما تقدم في الأمر الثاني، فراجع.

[1] سورة القصص، آية: 83.