المؤلفات

اللغة والادب والشعر

الصفحة الرئيسية

 

شعاع من الكعبة

بقعة أرض صغيرة، احتوت أرجاء كونية عظيمة في أبعادها وأعماقها ومعانيها، وسقيت بحلم إبراهيم وصبر ولده وقيم سامية لرؤياه للذبح العظيم، ودموع هاجر، وبكت لصراخ إسماعيل وضربات أقدامه الصغيرة لشدة ظمأه، وهللت في عام انبثاق نور خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله) فأهلك ربها جيش أصحاب الفيل، وتشرفت مرة بحكمة وأنفاس الصادق الأمين فوضع بيده الكرمية الحجر بعد كان أن يقتتل على ذلك العرب ويسفكوا من الدماء كثير، وأخرى أن انشقت لفاطمة بنت أسد إكراماً لقدوم سيد الأوصياء وإمام الأئمة علي بن أبي طالب (عليه السّلام) لعلمها به أنه سيضرج في آخر لحظات حياته بدمائه الزاكية وعيناه تنظر إليها وقلبه الشريف متوجهاً نحوها.

هي الكعبة المشرفة وبيت الله الحرام وقبلة المسلمين، التي تهفوا إليها القلوب والأرواح وتأتيها ملايين الناس من كل فج عميق ليصدحوا بتوحيدهم وإيمانهم برب الكعبة ويعلنوا توبتهم النصوح لينطلقوا في رحاب الصدق والطهر والفضيلة.

يستقي سماحة آية الله السيد الشهيد حسن الشيرازي (قدّس سرّه) من فيض إشعاعات الكعبة القدسية المعاني القيمية وأحكام السنن الكونية فيجسدها من خلال قصائد رائعة تحتضن قوافي غائرة في أعماق الفكر الإنساني وآفاق الطبيعة والأشياء والفطرة يتحدث فيها (قدّس سرّه) عن الإيمان بالله ووحدانيته وعظمته ورحمته وعلاقة الإنسان بربه حينما يذنب ويستغفر، ويعمل فيخطأ، ويتيه ويتحير، أو عندما يغوص في آفاق السماء وأعماق البحور وصحارى وجبال وسهول ووديان وأنهار وبحار الأرض وفي المخلوقات فيجد آيات ربه ودلائل عجائبه وأسرار ملكوته، ثم يتدارك أمر نفسه وحيرتها فيتوجه إلى رب الكعبة ورب كل شيء بالدعاء متوسلاً مستغفراً منيباً يسأله رحمته ورجاؤه عفوه.

 شعاع من الكعبة | أنت ربّي | مصدر الخير | سماء من تراب | حديث الهباءة | أراك | يا إلهي! | قصدناك | ضيعة | فراغ | إشعاع اللاهوت | ها.. أنت.. | أنت وفّقني.. | يا مجيب المضطر..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين.

والصلاة.. والسلام.. على محمد وآله الطاهرين.

واللعنة على أعدائهم أجمعين، من الآن.. إلى قيام يوم الدين.


شعاع من الكعبة

إلـــــهي! ما عــــــرفـــــناكْ                   إلـــــهي! مـــــا عـــــبدنـاكْ

إلـهي! ـ رغـــــمَ آيـــــاتِكَ ـ                   إنّـــــا قــــــــد نسيــــــــــناكْ

ونـــــاديتَ ـ بسلطــــــــــانكَ                   فيـــــــــنا ـ فقــــــــــصدناكْ

وفي البرِّ.. وفي البـــــحرِ..                    وفـــــي الجـــــوِّ.. أتيـــــناكْ

وبـــالآثــــــــــامِ.. والآلامِ..                    والأحـــــــلامِ.. جئــــــــــناكْ

وفـــــي أحــــــــزانِ أيّوبَ..                    وذِي النّــــــــــونِ.. سألناكْ

وفي الكعـــــبةِ.. والمشعرِ..                    والمســــــــعى.. طلبـــــناكْ

وفي الخَيفِ.. وفي الطُّورِ..                    وفي القُــــــــدسِ.. اْفتقدناكْ

وفـــي موجــــــــــاتِ ذرّات                   المجـــــرّاتِ.. سمِعــــــــناكْ

ولبـــــيّناكَ.. حـــــتّى اْنفجر                   الجــــــــــوُّ، ونـــــــــــاداكْ:

إلهَ البيتَ! ألـــــفُ نعـــــمْ..                    وألفُ نعــــــمْ.. لدعــــــواكْ

ولكــــــن.. ما أجبــــــــــناكْ                   ولكن... مـــــا وجدنـــــــاكْ

* * * * *

ولمّا عدتُ للعـــــقلِ.. و                   للــــــــــقلبِ.. رأيــــناكْ

فأنتَ اللهُ.. فـــي الأفكارِ                   لا الأحــجارِ ـ مـــــأواكْ

وأنتَ اللهُ.. في الآفاقِ..                    والأنـــــفسِ.. مغـــــناكْ

وأنتَ اللهُ.. والأكـــــوانُ                   حرفٌ فـي برايــــــــــاكْ

* * * * *

دعـــــوتَ الناسَ للبـــــيتِ                   فـــــمالـــــوا، وأجبــــــناكْ

وبعد اليأس من جدوى الـ                   ـتجاربِ قـــــد ذكرنـــــــاكْ

فتجــــربة التـــــمرُّدِ قـــــد                   أعـــــــــادتنا لتقــــــــــواكْ

* * * * *

غـــــسلنا بدموع الحـــــبِّ                   حصـــــباءَ صحـــــــــاراكْ

وحقِّ البيتِ.. حقَّ البيتِ..                    في البــــيتِ.. سألــــــــناكْ

نلبّـــــيكَ.. ونــحن الأرضُ                   لا نفـــــــــقهُ نجــــــــــواكْ

ولــــكـــــنّك تدعــــــــــو..                    وتلـــــبّي ـ أنـــتَ ـ دعواكْ

وفيـــــنا مــــن بقاياكَ [1]                    فـــتدعـــــوكَ بقــــــــــاياكْ

* * * * *

وضعتَ الحــجرَ الأسودَ                   للقُبْـــــــلةِ تهـــــــــواكْ

تركتُ القُبْـــلاتِ البيضَ                   ترجوكَ.. وتَخـــــشاكْ..

وعانقتُ ـ بها ـ الإيمانَ                   رمــــــــزاً لمحـــــــــيّاكْ

وقبّـــــلتُ ملايــــــــــينَ                   شفاهٍ تــــترضّــــــــــاكْ

وراســـــلتُ ـ بها ـ وفدَ                   كَ عكّـــــافــــاً.. ونُسّاكْ

ففي البصــــماتِ مليارا                   تُ أجـــــيالٍ.. وأملاكْ..

وقبّـــــلتُ ملايــــــــــينَ                   شفــــــــــاهٍ تتــــرضّاكْ

تشــــــدّكَ عـــــبرَ آلافِ                   محطّاتٍ.. وأســـــلاكْ..

إلى أقصى مدار الوحي                   أجواءٍ.. وأفــــــــــلاكْ..

* * * * *

بـــوادٍ غــــــــــير ذي زرعٍ                   رسمـــــتَ البــــــيتَ ذكراكْ

لِتعـــــلمَ: من تولّــــــى كِبْرَ                   هُ.. مــــــمّن تــــــــــولاّكْ..

فجئنا.. نزرع الــــــــــوادي                   قلوباً مـــــن عـــــــــطاياكْ

ونغسِلُ ـ بالدمــــــوعِ ـ الأر                   ضَ شوقاً فـــــي قضــاياكْ

فلبّيكَ! وهل ـ فـــــي الكـــو                   نِ ـ نبـــــضٌ يتناســـــــاكْ؟

ولبّـــــيكَ! ومـــــا فيــــــــنا                   مــــــــــدىً إلاّ ولبّـــــــــاكْ

وفي الأصلابِ.. والأرحام..                    والأشــــباحِ.. ناجــــــــــاكْ

ولبّيكَ! أجبـــــنا صــــــــــو                   تَ إبـــــراهـــــــيمَ.. إذ ذاكْ

وفي دنـــــيا: ((ألســــتُ برَ                   بِّكم)) بــــ: «بلى» أجبناكْ

وبايعــنا ـ بألـــــفِ نعـــــمْ ـ                   نداءَ ضمـــــيرِ لـــــــــولاكْ

فقـــــبلَ البـــــدء: إنّا قـــــد                   سمعــــنا.. وأطعــــــــناكْ..

وبعدَ البعـــدِ: نستـــــهدي..                    ونستلـــــــهمُ إيّــــــــــاكْ..

وما نحـــــنُ ـ إذا عــــــــدنا                   إلى الواقعِ ـ إلاّ من بقاياكْ

فـــيا ربّــــــــاهُ! ارحـــــمْ نا                   سِكاً ـ بالدمـــــعِ ـ ناجــــاكْ

ويا مـــــن يستجـــــيبُ لمن                   دعـــــى! إنّا دعـــــــــوناكْ

أنت ربّي

يا إلهي!

يا مجيب الدعواتِ!

يا من اْستنفر كلّ الصّلواتِ!

لك أشكو..

عالماً أنّكَ مغزى شكواتي!

عارفاً أنّك تُقرى صرخاتي!

فَأَجِرني أنتَ،

حتّى من رفيف السبحاتِ!

وأفِضْ أنتَ على عبدكَ،

شتّى البركاتِ،

عَبَقاتٍ ـ من متاهاتكَ ـ

تذري عَقَباتي!

وفُراتٍ ـ من مداواتكَ ـ

تُروي وَفَراتي!

* * * * *

يا إلهي!

أنتَ نفِّذ رغباتي!

أنتَ برِّد زفراتي!

وتنفَّس حسراتي!

أو فحدِّد أُمنياتي!

فقدْ اْستهلكني تبكيتُ ذاتي!

واْنفجارات المنى في عضلاتي!

وتحرّقتُ،

فأحرقتُ رُفاتي!

ويل طاغوت حياتي!

آه من جلاّدِ ذاتي!

* * * * *

يا إلهي!

أنتَ رَبّي!

وأنا عبدكَ!

فاْضممني إليكْ!

فكفاني من يرى في طاعتي منَّاً عليكْ!

وتضايقتُ بهم،

حتّى تقيّأتُ شراييني..

فخذني بيديكْ!

راضياً منكَ،

ومرضيّاً لديكْ!

فعسى أرتاح من بعد وفاتي!

يا مجيب الدعواتِ!

يا إلهي.

مصدر الخير

يا ربِّ! طالما أتيتَ بالبشرْ

وطالما زرعتَ ـ فيهم ـ الشررْ

وما عصمتَ من خطاءٍ.. وخطرْ..

فاْغفر لكلّ من عصى.. ومن فَجرْ..

واْجعل ـ من النار ـ جناناً.. ونهرْ.

وشعلةَ اللهيب: ورداً.. وثمرْ..

واْمسح ـ من الوجود ـ أجواءَ حذرْ

فأنتَ خير من عفى.. ومن سترْ..

والعفو أولى من عظاتٍ.. وعبرْ..

* * * * *

يا ربَّنا! يا من على العرش اْستقرْ!

يا من خلقت الخلق من دون فكرْ!

هل تحرق الكون إذا الكون اْستعرْ؟

والناسُ ـ حتى من تولّى.. وكفرْ.. ـ

صنائعٌ.. فصّلتَ منها بقدرْ

فهل تعقُّ من هوى.. ومن هورْ..؟

وتحرق العاجز عن رفع البصرْ؟

وهل ـ على الجنة ـ تختار سقرْ؟

ولست تختار خيارات أخرْ؟

* * * * *

فاْقلبْ موازينك وفق المنتظرْ

وغيِّر الحكمة.. فالكون غِيَرْ

وأنتَ تصنع القضاء.. والقدرْ..

ولست مجبوراً.. مقدَّر الخبرْ..

ولا مكبّلاً.. محدَّد الوترْ..

ولا يُحاكم الإله إن غفرْ

فأنت مطلق.. قهرت ما اْنقهرْ

وأنتَ قدر حصرت كل ما اْنحصرْ

وتستعيد ما اْنقضى.. وما اْنغبرْ

وأنتَ.. لا مجال فيك للأثرْ

وما سواك ليس ما سوى صورْ

وهوْ معرَّض لديك للنظرْ

* * * * *

قد كنتَ بالخيرات خير من أمرْ

وعن رؤى الشرور أقوى من زجرْ

وكلّ آياتك فيها مزدجرْ

* * * * *

يا مصدر الخير! بخير ما صدرْ

إختر لنا ما شئتَ من خيرٍ.. وشرْ..

ما منك أولى.. ثم أولى.. للبشرْ

سماء من تراب

أنا من ترابْ،

وليس ـ في الميزان ـ أدنى من ترابْ

ومن السماءْ،

وليس ـ في الميزان ـ أعلى من سماءْ

والانحدار من الترابْ،

طبيعة.. كالارتفاع من السماءْ

فإذا مزجت العنصرين وكان إن ربح الترابْ،

فأيُّ ذنب للسماءْ؟

وإذا تغلّبت السماءْ،

فأيُّ فضل للترابْ؟

فالعنصر المهزوم لا يُسفى ولا الطاغي يكرّم بالثوابْ

فارفع سماءك فيّ وانظر: كيف ينهزم التراب؟

واخفض سماءك فيّ وانظر: كيف ينتصر التراب؟

فهما لميزان العدالة كفتانْ،

وليس لي دور سوى دور اللسانْ

وإذا أتى الرجحان منك فليس لي فضل ولا ذنب أنال به الثواب أو العقابْ،

وإذا سقطنا في الحسابْ،

فهل يلام العاجزون عن الحسابْ؟

* * * * *

مهما يكن أمر الحسابْ

فليس يجدينا حسابْ

وأنت لم تبدأ من الأرقام فاتحة الكتابْ

لكن فضلك ساقنا نحو الوجود بلا حسابْ

فليبق سائقنا إلى الشوط الأخير بلا حسابْ

وإذا أردت بأن نظلّ على الطريقْ

لا ترمنا للريح في وسط الطريقْ

وكما بدأت الدور كمل ما بدأت إلى المصيرْ

وإذا بقيت لنا سنبقى في المسيرْ

وإذا ضللنا الدرب فاحملنا عليه وإن يكن جبراً،

كما أوجدتنا فحملتنا جبراً على درب الوجودْ

وإذا خسرنا الاختيارْ،

ولم يكن فضل لنا في الاختيارْ،

فنحن نرضى أن نظل بلا خيارْ،

ولا نسيء الاختيارْ

أو ليست الأملاك من دون الإرادة في الكمالْ،

خيراً من الشيطان وهو ـ كما يرى ـ متورط في الانتصارْ؟

* * * * *

وإذا أطلنا في الدعاءْ،

فذاك دأب الهاربين من القضاءْ،

العالمين بأنهم لا يملكون سوى التحجج والرجاءْ

* * * * *

فارحم سماءك،

لا تمرغها بأوحال الترابْ

وارفع إليك مع السماءْ،

هذا القميص من الترابْ

فأنا ـ ولا أدري ـ أنا ماذا؟

سماء في ترابْ،

أم تراب في سماءْ؟

لكنني أدري بأنّي لست من هذي السماءْ

ولست من هذا الترابْ

بل إنني شيءٌ أخف من الترابْ

ومن الضبابْ

حديث الهباءة

يا ربِّ! إنّي ومضةُ القُبل

التي كشفتْ رُؤى قدّاحتيكْ

أنا زورقٌ.. متحطِّمٌ.. قذفته

أمواجُ المحيطِ لضفّتيكْ

ومركَّباتُ الروحِ تروي ـ في

نتائجها ـ تناقضَ عالميكْ

مهما عملتُ.. فمنكَ توفيقي،

وبصْمات النوايا في يديكْ

* * * * *

لا.. لستُ غير صدىً تحرِّكهُ..

وقلبٍ نوطه في إصبعيكْ [2]

ماذا أنا؟ طينٌ.. مهينٌ..

أنتَ تغزله ليحيا نشأتيكْ

* * * * *

فبقبضتيكَ، جعلتَ موجبةً..

وسالبةً.. روافد قبضتيكْ

فإذا أطعتكَ.. أو عصيتكَ..

أقتفي تيّارَ إحدى نجدتيكْ [3]

وأنا ـ بكلتا الحالتينِ ـ أسير

نحو البحرِ.. في شوقٍ [إليك] [4]

فعناصري.. وملابساتي..

لم تكن إلاّ (أنا) في [قبضتيك] [5]

والشوكُ إنْ لم يلتهب ورداً

فأمركَ سار فيه [...... ] [6]

* * * * *

اغفر ليَ ـ اْللَّهمّ! ـ إن كا

نتْ مناجاتي مجافاةً عليك

فأنا من الجهل المركّبِ..

والبسيطِ.. ـ جمعتُ أعـ... [7]

* * * * *

الروحُ.. عاكفةٌ عليكْ

والجسمُ.. بصمةُ إصبعْيك

وأنا.. لقاءُ الحربِ بيـ

ـن الجبهتينِ بعالميكْ

فأسيرُ ـ مثل العاشق الـ

ـمعتوهِ ـ أُنشد أبجديكْ

الجهلُ يقتلني.. وبابُ الـ

ـعلم مسدودٌ إليك

والحكمة العليا أرادتني

ـ كما أنا ـ في يديك

* * * * *

قد كنتُ أحسبُ أنّني

شيءٌ أصول بقبضتيكْ

وأقود قافلتي.. واقبضُ

مقودي في نشأتيكْ

فإذا أنا مليون (لا)

مضروبةً في (لا) .. لديكْ

* * * * * *

من نحنُ.. حتّى ننتقي

عملاً يلفّت ناظريكْ؟

فالبحرً أعمقُ.. والشـ

ـراعُ ممزّقٌ في شاطئيكْ

جثث.. تطاردها الرياح

الى الصخور بضفتيك

نستغفرُ ـ الّلهمّ! ـ إنّا

قد تجرّأنا عليكْ

* * * * * *

حاولتُ أن أُحظى لديكْ

لأقود تَجربتي إليكْ

فإِذا المجاهل في المدى

وإذا المدى في قبضتيكْ

وإذا العوالمُ ـ كلّها ـ

كرةٌ تحاور... [8]

* * * * * *

وسئمتُ منّي.. ضائعاً..

يرمي نقائصَه عليكْ

وهباءةً.. نسفتْ محا

وِرَها طوارئُ أبجديك

فأسيرُ.. مثل بقيّة الذ

ذرّاتِ أسرى في يديك

لا أعرف المسرى سوى:

أنّ السُّرى في نشأتيك

أسعى إليك، وذات سعييْ

منك يستهدي إليك

* * * * * *

ذنبي (أنا) عذري لديكْ

حتّى (أنا) وقفٌ عليكْ

لبّيك! آمنّا.. وهذا

كلّ ما نُهدي إليكْ

وفجائعُ الدنيا تؤكِّد

غضبةً في مقلتيكْ [9]

ورصيدنا: أنّا نراكَ

تغضُّ ـ عنّا ـ ناظريكْ

ماذا لو اْنكشفتْ صحائفنا..

وثُرتَ بقبضتيكْ؟

* * * * * *

لكنّ تقصيري قصورٌ

عن تفهُّم عالميكْ

فكشفتُ أوراقي.. وأسراري

.. وأعذاري.. لديكْ

أراك

أرى.. ولا أراك!

وكيف لا اراك؟!

وهل أرى سواك؟!

* * * * *

أراك [10] في مظلّة السماءْ

في صبوة الضياءْ

في رعشة النجومْ

في لهثة الغيومْ

في غفوة الكرومْ

* * * * *

أراك في طفولة الموجِ..

وفي أمومة البحارْ

وفي التأمّل العبوس للقفارْ

* * * * *

في لوحة من عرق السحابِ...

من حدب النجوم في السهرْ

من خبرة الأرض...

وجهد الشمس في مسارب السفرْ

شوهها القطيع كلّما صدرْ

* * * * *

أراك تنثر الشموس في الفضاء

وتنفث الأشواق في المساءْ

وتنفخ الزمان كالهواءْ

ليفرغ الدولاب أجيالاً من البشرْ

ويهضم الطاحون أجيالاً من البشرْ

ويستمر الكون في دوامة القضاء والقدرْ

فيمسح الربيع صلعة الحجرْ

ويسكر الظلّ.. وينهر المطرْ

وينتف الخريف ريشة الشجرْ

وتجتلي الفصول في قوس زهرْ

* * * * *

فأنت من رؤاكْ

تفصِّل الكون على مناكْ

وإنّني إرادة تسبح في فضاكْ

ولم أكن لولاكْ

وإنني هباءة تبحث عن مقرْ

* * * * *

كم مرة حاولت أن أهرب من فناكْ!..

كم مرة حاولت أن أنساك!..

كم مرة رفضت أن أخشاك!..

وفجأة تهزّني يداكْ

تقول لي: قفْ.. قفْ..

وعد.. وعد.. إلى هداكْ

فإنّني أراكْ

وفجأة أحسّ إنني أراكْ

في كل شيء إنني أراكْ

وقبل أن أرى سواكْ

14 / 5 / 1975م

يا إلهي!

يا إلهي!

أنا.. ماذا؟

أنا.. من هذا البشرْ؟

أم أنا من عبقريّاتٍ أُخرْ؟

فأنا ـ في أعين الناس ـ رهيبْ

وأنا ـ فيهم ـ غريبْ

كل أعمالي ـ لدى نفسي ـ تكلُّفْ

كل أفكاري ـ لدى الناس ـ تطرُّفْ.

* * * * *

لست أدري: أأُجاري الناس أم أكشف عن نفسي الغطاءْ؟

أنا لا أعرف: هل اعبث ـ مثل الناس ـ من دون ضياءْ؟

أم أُعيق الدرب في وجه الهواءْ؟

كلّما أعرفُ:

أنّ الكون ـ في نفسي ـ هباءْ

كلّما أعرفُ:

أنّ الدهر حلم في فناءْ

* * * * *

يا إلهي!

كلّما سوّيته ـ عندي ـ صغيرْ!

وأنا، حتّى أنا ـ عندي ـ حقيرْ!

فأنا أحيا الزوالْ!

وأنا سبح خيالْ!

وضروب في مُتاهات المحالْ.

* * * * *

آه من قلبي،

فما يحصره حتّى السماءْ!

آه من عيني،

فما يملأها حتّى الفضاءْ!

آه،

لو أفتح آهاتي لما يبقى وجودْ!

آه،

لو هُدِّد إبليس بآهاتي، لجاء الحشر في حال سجودْ!

آه،

لو صُبّت على الجنّات آهاتي، لفرّ الناس منها للجحيمْ!

آه،

لو يأذن ربّي بالوجومْ.

قصدناك

قصدناكْ

إلهي! قد قصدناكْ

ومن أعماق آفاقك.. جئناكْ

وعبر البحر.. والصحراءِ.. والجوِّ.. أتيناكْ

فآثرناك حتى بهوانا في هداياك

ورغم النفس.. والشيطان.. والقلب.. دعوناكْ

ففي كل الذي نهواه نخشاكْ

وراقبناك في إغراء دنياكْ

كأنّا قد رأيناكْ

وفي السرِّ.. وبالجهر.. عبدناكْ

فيا الله! أكرمنا بتقواكْ

ويا الله! زدنا من عطاياكْ

فللبيت قصدناكْ

ضيعة

آه.. ربِّي!

ضاع دربي!

ذاب قلبي!

أين شيطاني وحّبي؟

أين ذنبي؟

آه.. ربِّي!

* * * * * *

ربِّ قل لي: من أنا؟

ربِّ قل لي: ما الهوى؟

إنّني أسمع أشياءَ، ولكن لا أرى!

أنا، ماذا؟

أأنا قربان هابيلَ،

وكفّارة حوّاءَ وآدمْ؟

أم أنا عفّة زهراءَ ومريمْ؟

أم أنا ـ للناس ـ بلسمْ؟

لستُ أفهم!

* * * * * *

أنا قد ضيّعتُ نفسي!

أنا قد شوّهت جنسي!

صرتُ لا أسمع جرسي!

صرتُ لا أفهم حسِّي!

صرتُ لا أعرف هجسي!

كلّ ما أعرف: حبسي!

كلّ ما أفهم: نحسي!

كلّ ما أعلم: أنّي،

بعتُ كلّي،

بعتُه لكن ببخسِ!

* * * * * *

لستُ أدري:

أيّ شيءٍ أنا؟،

من أيِّ مجرِّ؟

أ أنا ارضٌ بلا بحر وبرِّ؟

أم أنا بحرٌ بلا مدٍّ وجزرِ؟

أم أنا شِعرٌ بلا لحنٍ وبحرِ؟

أم أنا ـ كالناس ـ إنسانٌ بلا فكرٍ وعمرِ؟

أنا ـ من دون الورى ـ خلقٌ مشوّهْ!

وبأوهامي مموّهْ!

إنّني ليلٌ بلا نجمٍ وفجرِ!

إنّني عيدٌ بلا فِطرٍ ونحرِ!

أ أنا، أم قَدَري، ضيّع أمري؟

لستُ أدري!

* * * * * *

كنتُ أخشى كل صعبِ!

كنتُ أخشى كلّ كربِ!

وإذا بيْ،

كلّما أدفعه يزحفُ صوبي!

كلّ من أنصره ينصب حربي!

وإذا بيْ،

أدفع الأهوال بالويلاتِ،

في كلِّ مهبِّ!

وإذا بيْ،

صِرتُ لا أشعر ما بي!

صِرتُ لا أخشى سوى ذنبيْ،

وربِّي!

* * * * * *

آه.. من ضيعة عمري،

دون أن أكشف سرِّي!

دون أن ينبض فكري!

آه.. من وحشة فجري!

هذه ظُلمة دنيايَ،

فوا ظلمة قبري!

* * * * * *

آه.. ربِّي!

أيّ طبٍّ،

هو طبِّي؟

كلّما أفحص لا ألمس قلبي!

كلّما أبحثُ لا أكشف حبِّي!

كلما أطوي المدى يهربُ دربي!

أختشي: أن أطلب الموتَ،

فلا يشفق نحبي!

آه.. من وحدة ركبي!

آه.. من وحشة سربي!

آه.. ربي!

* * * * * *

أنا،

ما يعني «أنا»؟

أنا،

ما هذا؟

أنا؟

هل تخطّى الممكنا؟

أيُّ شيءٍ أنا؟،

هذا البشر المحدود في كلِّ رداءْ

أيُّ شيءٍ أنا؟،

هذا البشر المخدوع في كلِّ غباءْ

ليتني كنتُ ملاكاً!

ليتني كنت سماءْ!

ليتني كنتُ مجرّاً!

أو فضاءً!

أو ضياءْ!

أُمنياتي..

كلُّها تنـزف جرح البسطاءْ!

أُمنياتي..

ضحكاتُ القدر الجبّارِ،

في عمق الفضاءْ!

ويل لهو الفكر

في ليل خنوعي!

آه.. من عدوى ضميري!

آه.. من بلوى غروري!

آه.. من عنف شعوري،

وغيابات مصيري!

فراغ

ويلَ نفسي!

آه.. من آهات يأسي!

آه.. من تيّار حسِّي!

كلّما أجمع لا ينسج حرفي!

كلّما أُبصر لا يحسر طرفي!

كلّما أقرأُ لا يتعب طرسي!

كلّما أعقل لا يملأ رأسي!

كلّما أعرفُ:

كلُّ الناسِ..

كلُّ الكونِ.. لا يشبع هجسي!

إنَّني.. كلِّي فراغْ!

ليس للدنيا إلى نفسي مساغْ!

كلّما أبحث عنِّي،

أقتني جوع فراغاتٍ،

وإلحاح تقاليع ربيعْ!

ونفايات صقيعْ!

كلُّ شيءٍ في المقاييس كبيرٌ ورفيعْ،

في مقاييسي صغيرٌ ووضيعْ!

هائمٌ، أبحث في اللاّ شيء،

عمّا ليس يوجدْ!

سائرٌ من دون مقصدْ!

حالِمٌ أنفض دنياي ببؤسي!

تائِهٌ عبر فضاءاتٍ بلا بدرٍ وشمسِ!

عالِقٌ بالقَدر الضاربِ،

في يومي وأمسي!

لستُ أُمسي،

دون أن أسأل نفسي:

أين أُرسي؟

كيف أُرسي؟

ومتى؟

من أيِّ برجٍ جاء نحسي؟

فلقد ضيّعتُ كلِّي!

كلّ كلِّي!

كلّ طاقاتي، وأعصابي، ونبضي!

غير إيماني بربِّي

ودعائي:

أن يحييني مدى رقدة رمسي!

* * * * * *

يا إلهي!

يا منى هجسي وهمسي!

أنت قد سوّيتني من فيض قدسِ!

فاْكتنفني،

قبل أن يبلعني شيطان رجسي!

فكما فجّرت غرسي!

وكما وسّعت حسِّي!

أنت مَكِنِّي،

فقد طوّقني طوفان بأسي!

إشعاع اللاهوت

شعَّتْ.. فأيقظت الورى لاهـوتُ                   وتشكَّلتْ ـ من نورها ـ ناسوتُ

ماذا يقول الملحدون؟ وكلُّــــهم                   تسبيحةٌ.. تمتصُّها برهــــــوتُ

حاشاه.. يسعى كلُّ شيءٍ نحوه                   حتى الحياة، وفقرها جـــبروتُ

هيهات أن ترقى السماء لذاتــه                   وهو القريب.. وقربه عظموتُ

ها.. أنت..

سألتُ عـــــن الله في المعبدِ                   فلم أره غـــــير مستعـــــــبدِ

يعامل أعـــــبده.. كالعـــــبيدِ                   ويرفع ـ فيهم ـ عصى السيّدِ

ورحت أسائل عــــنه الطغاة                   فلم يعرفوه سوى مرشــــــدِ

يحاول إغراءَ هــــم بالفساد                   ويلتذّ بالأَفسدِ.. الأَفــــــسدِ..

فكلٌّ يراهُ كــــــما يشـــــتهي                   وكلٌّ يرى: أنّه المهـــــــتدي

* * * * *

فمن أنتَ؟ يا ربِّ! أين أراك؟                    كما أنت فوق مدى السرمدِ

فلا أنت تظهر في حانـــــــــةٍ                   ولا تتجلّى على مسجـــــــدِ

فمالي تراني بـــلا أن أراك؟!                    فهل لي أراك على موعـدِ؟

سأبحث عــــــــــنك بلا موعدِ                   وبالناس ـ فيك ـ فلا أقتدي

* * * * *

فها أنت.. ها أنت.. إنّي أراك                   ألست تطـلّ على المشهد؟!

ألست ترجِّع لحن الطــــيور..                    وقصف الرعود بليلٍ نديّْ؟

أنت وفّقني..

لا تلــــــــــمني.. لا تقــــل لي:                    ليـــــــــس لي قولي.. وفعلي..

لا تقل: صم لي.. وصــــــــلِّ..                    أنـــــت وفّقـــــني أصــــــــــلّي

أنا طـــــينٌ.. لا مـــــــــــــــلاكٌ                   يتشــــــــــهَّى أن يصــــــــــلّي

أنـــــــــت لا تنــــــــــسى.. ولا                   أنسى ـ أنا ـ أصلي.. وفصلي..

قلـــــتَ: أصلـــــيكم بــــــناري                   أنــــــــــت.. هل بالنار تصـلي؟

ليس لي حَـولي.. وطَـــــولي..                    ليس لي أصلي.. وفصــــــلي..

يا مجيب المضطر..

يا مجيب المضطر في البأســــــاءِ!                    نجني من زوابـــــع الظـــــــــــلماءِ

نجني من هوى فـــؤادي.. ومـــــن                   أحلام شعري.. ومن طموح سمائي

[1] قال تعالى: ((بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين)) سورة هود : 86.

[2] إشارة إلى الحديث الشريف: عن الإمام الباقر (عليه السلام) «فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء». بحار الأنوار: ج67 ص53 ب44 ح14.

[3] يراد من (نجدتيك) النجدين في قوله تعالى: ((وهديناه النجدين)). سورة البلد: 10.

[4] هناك كلمة غير مقروءة في النسخة المخطوطة الموجودة عندنا فأبدلناها بما بين [ ].

[5] هناك كلمة غير مقروءة في النسخة المخطوطة الموجودة عندنا فأبدلناها بما بين [ ].

[6] هناك كلمة غير مقروءة في النسخة المخطوطة الموجودة عندنا.

[7] هناك كلمة غير مقروءة في النسخة المخطوطة التي عندنا.

[8] هناك كلمة غير مقروءة في النسخة المخطوطة التي عندنا.

[9] المقلة العين، وقد ورد في الأحاديث (عين الله) و(الله الذي أنتم بعينه) ونحوهما، والتعبير مجازي كما لا يخفى.

[10] هذا ونحوه نظير قوله تعالى: ((وجوهٌ يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة)) سورة القيامة: 22، مما ورد في تفسيرها عن أهل البيت (عليهم السلام) من انه النظر إلى رحمة الله، وثوابه، وعظمته... الخ.