الفهرس

المؤلفات

 الفقه والأحكام

الصفحة الرئيسية

 

قاعدة العسر

أدلة القاعدة

العسر البدني ـ الذي ليس فيه حرج نفسي ولا ضرر في المال والبدن، مثل كثرة التعب الذي ليس بعده ضرر ـ منفي في الآية الكريمة في قوله: (ولا يُريد بكم العُسْر)(1).

والظاهر ـ المستفاد عرفاً بالقرائن ـ إرادة عدم العسر لا عدم الإرادة، وإنما ذكر الجملتين لأنّ بينهما واسطة: عسر ويسر وما لا يكون أحدهما، فكأنه قال: لا يريد بكم العسر، فسُئل: هل يريد الأعمّ من اليسر والواسطة؟ فقال: كلاّ لا يريد الواسطة أيضاً، وإنما يريد اليُسر.

وإنما ذكر عكس الكلام ولم يقل: لا يريد بكم العسر ويريد بكم اليسر لأهمّية اليسر، والموضوع الأهم يقدّم في الكلام، مثل (زيد شاعر) أو (الشاعر زيد)، على ما ذكروه في البلاغة.

فإذا كان أحد الثلاثة: من الضرر والعسر والحرج فالحكم مرفوع.

نعم ذلك فيما إذا لم يسبّبه المكلف هو وإلاّ أمكن عدم الرفع مثلاً ترك الصلاة والصوم خمسين سنة مما قضاؤهما عسر عليه، فإنه لم يسقط عنه لأنه السبب في ذلك.

كما ذكروا في مسألة اقدامه على الضرر المالي حيث لا يبطل العقد، وليس له حق الفسخ لأنه السبب في ذلك.

نعم فيما إذا كان جاهلاً بالحكم ـ قصوراً لا تقصيراً ـ يحتمل عدم الوجوب بقدر العسر، لإطلاق دليل العسر الحاكم على الأدلة الأولية، والتي منها (ما فاتتك من فريضة فاقضها كما فاتتك)(2).

وهل يجب القضاء عنه بعد موته؟ مقتضى الدليل العدم، لانتفاء التكليف في حال القصور، وفي حال الذكر لا يشمله الأدلة.

ويحتمل وجوب القضاء عن تركته وهو أقرب إلى الذوق الفقهي وإن كان أبعد عن الصناعة، لكن ربما يقال: حتى في صورة الجهل ـ تقصيراً ـ لا قضاء، كما إذا ألحق الضرر بنفسه ـ عن تقصير ـ فصلّى بتيمّم، أو عن قعود أو ما أشبه، حيث إنه عاص بترك التعلّم وإن لم يكن قضاء لما فاته لشمول الأدلة المذكورة له.

ومثله ما لو صلّى وصام ـ لمدّة خمسين سنة ـ بطهارة باطلة قصوراً، أو حجّ باطلاً كذلك، وكان الإتيان به ثانياً عسراً عليه.

ولم أرَ من أشار إلى أصل المسألة إلاّ تلميذ شريف العلماء ـ قدس سرهما ـ في حقائقه.

ويؤيده: انه (ص) بعث بالشريعة السمحة كما قال هو (ص)(3).

لا يقال: إن الصلاة والصوم والحج أيضاً عسرات وكذلك القصاص والحدود والتعزيرات.

لأنه يقال: لا إشكال في أنّ هذه الواجبات ثابتة في الشريعة، والظاهر أنها من باب التخصّص لأدلة العسر لا التخصيص، إذ أدلة العسر والحرج والضرر لا تشمل ما وضع شرعاً في موردها كالخمس والجهاد ونحوهما.

نعم إذا صارت عسرة فوق القدر المتعارف يكون المحكّم فيها دليل العسر، لأن أدلّتها منصرفة إلى المتعارف.

وأما الثلاثة الأخر فهو السبب في ذلك، فيكون كما ذكرناه في ضرر مالي سببه هو، ودفع العسر منصرف عنه فليس من باب التخصيص، بل من باب التخصّص.

وكذلك حال الديات وإن لم يكن على المرتكب كالعاقلة فإنه من الحرج أو الضرر لا من العسر وحالها حال الخمس والزكاة والكفّارات وما أشبه.

وكما أنّ دليل العسر رافع للأصل فهو رافع للجزء أيضاً، فإذا كان لهما بدل فهو، وإلاّ بقى الأصل بلا جزء أو شرط أو مع مانع أو ما أشبه، فالوضوء العسري مرفوع كما أنّ المسح على البشرة في الشتاء القارص ـ الذي يسبب عسراً ـ مرفوع أيضاً إلى البدل وهو المسح على العمامة، كما ورد بذلك النصّ والفتوى.

وكذلك يرفع القضاء إذا كان عسراً كما يرفع الأصل، كما عرفت في قضاء الجاهل صلاته وصيامه.

وهل يرفع الوضع كما يرفع التكليف عند من يراه؟

الإطلاق يقتضي ذلك، كما إذا صارت على جلده جلبة في أثر الجرح مما رفعه حرج عليه، فإذا قلنا: برفع العسر النجاسة، غَسله أو مسح عليه، وإذا قلنا: بالعدم وضع فوقه الجبيرة.

وبذلك يظهر حال ما إذا كان الماء يضرّ بعض جسمه في الوضوء أو الغسل فهل يتركه ويغسل سائر الجسد ـ وضوءاً أو غسلاً ـ أم يضع عليه الجبيرة؟ مقتضى الأصل ـ الذي في رفع العسر ـ هو الأول.

ويصلي بالنجاسة إذا كانت الإزالة عسراً عليه، لكنه من رفع التكليف أما إذا قيل برفع الوضع فلا نجاسة.

وكما يأتي رفع العسر في ترك الفعل العسري يأتي في الإتيان بالمحرّم المعسور، بل ويسري ذلك إلى من لابدّ منه، كما إذا كانت المرأة في عسر من كثرة العرق واحتاجت إلى رؤية الطبيب أو لمسه فإنه يجوز لها وله.

وإذا تعارض عسر وضرر، أو أحدهما مع الحرج، قدّم أهمّهما لو كان إلى حد المنع عن النقيض، وإلاّ تخيّر مع الترجيح أو بدونه في المتساويين.

في المستحبّات

وهل يجري رفع العسر في المستحبّات؟

قال بعضهم: لا، لأنه لا إلزام، وظاهر (ولا يريد بكم العسر)(4) الإرادة الإلزامية.

وقال بعضهم: نعم للإطلاق ولقوله (يريد الله بكم اليسر)(5) وقوله (ص): (بُعِثْتُ بالشريعة السمحة)(6) إلاّ أن الأوّل في نفسه أقرب لو لا الذي ثبت من سيرتهم (ع) وسيرة المتشرعة من تحمّل العسر والمشقّة في باب المستحبّات، كألف ركعة في الليل(7) أو قراءة أربعين ختمة في شهر رمضان(8)، كما كان يفعله بعض المعصومين (ع)، إلى غير ذلك مما يقرب إرادة الإلزام.

وكذلك حال الضرر ولذا كان بعض الأئمة (ع) يحجّ ماشياً مما يُلحق الأذى برجله، وتورّمت قدما رسول الله (ص)(9) وفاطمة عليها السلام(10) من كثرة العبادة، إلى غير ذلك.

ومن الواضح ان (لا) يسقط في الثلاثة في مثل الجهاد، وذلك لأمر أهم بحد المنع عن النقيض.

وفي الباب مسائل كثيرة تُعرف مما ذكرناه في بابي الضرر والحرج، فلا حاجة إلى ذكرها.

 

1 ـ البقرة: 185.

2 ـ راجع المستدرك: ج6، ص 435، ح 7167، ب6.

3 ـ المستدرك: ج 1، ص 419، ح 1051، ب 59 وفيه: (بُعِثتُ بالحنفية السهلة).

4 ـ البقرة: 185.

5 ـ البقرة: 185.

6 ـ الوسائل: ج 5، ص 246، ح 1 وفيه: (بالحنفية السمحة).

7 ـ بحار الأنوار: ج 79، ص 310، ح 16، ب 4.

8 ـ بحار الأنوار: ج 95، ص 5، ح 2، ب 5.

9 ـ بحار الأنوار: ج 16، ص 85، ح2، ب6.

10 ـ بحار الأنوار: ج 43، ص 84، ح 7، ب 4.