المؤلفات |
بين الحوزة والسياسية |
السياسة جزء من الإسلام، وقد ورد ذكر الأئمة (عليهم السلام) بهذا المعنى في الزيارة الجامعة (وساسة العباد)[1]. بالطبع السياسة هنا القائمة على المبادىء الإسلامية، والتي تحيا في ظل الأخلاق الإسلامية الرفيعة، وليست السياسة هنا السياسة الميكيافيلية [2] القائمة على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، والتي جردتها من الأخلاق[3]. السياسة بالمعنى الشامل الذي ترى مصالح الدنيا جنباً إلى جنب مصالح الآخرة . من هنا كان من الضروري تدريس علوم الدولة المرتبطة بإدارة المجتمع، وهي علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع ، وقد كتب علماؤنا في هذه العلوم منذ ألف عام جنباً إلى جنب العلوم الفقهية التي كتبوها ،وكتبوا في السياسة عند البحث في الإمامة والبحث عن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقضاء، وكلها موضوعات مرتبطة بالسياسة. وربما اعترض البعض قائلاً : لا تُدخلوا السياسة إلى الحوزة . نجيب هؤلاء : أنّ السياسة موجودة في الحوزة سواء شئنا أم أبينا، فالدروس الفقهية متضمنة للسياسة، فـ(القضاء والمكاسب والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) موضوعات سياسية . هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ كيفية تناول الحوزة للموضوعات السياسية ستكون خاضعة لأشراف شورى الفقهاء، فمن مسؤولية الفقهاء أنْ يحددوا مقدار التعاطي السياسي للحوزة العلمية. أمّا نفور العلماء من السياسة ورفضهم للممارسة السياسية فهو متأتٍ نتيجة ظروف الاستعمار، فقد فرضت هذه الظروف سيادة المستعمر الكافر على البلاد الإسلامية وتحكِّمه بمقاليد الأمور، مما جعل العلماء ينفرون من السلطة ومن أي شيء يتعلق بالسلطة والسياسة، لكن ليس من الصحيح تعميم فكرة السياسة من هذا الإرث التاريخي المتعلق بالاستعمار؛ إذ إن الإشكال في الصغرى وليس في الكبرى حسب الاصطلاح المنطقي. ومن المعلوم أنّ فساد السياسة سيكون سبباً لفساد أشياء كثيرة، وكلما زادت فساداً زادت إفساداً، كما رأينا ذلك في عهدي البهلوي[4] في إيران، وفي عهد العراق الجمهوري[5]. |
[1] الدعــاء والزيـارة : الزيـارة الجامعـة : ص987 للمؤلف (قدس سره)، تهذيب الأحكام : ج6 ص96 ب22 ح1 ، مـن لا يحضره الفقيه : ج2 ص610 ب2 ح3213 ، مستدرك الوسائل : ج10 ص416 ب86 ح12274. وقد كتب آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) تحقيقاً مفصلاً عن ذلك في كتابه : (السياسة من واقع الإسلام) . [2] نسبة إلى نيكولا ميكا فيلّي ، الأديب والسياسي والكاتب المسرحي والمؤرخ الإيطالي ، المولود سنة 1469م والمتوفى سنة 1527م ، ومن مؤلفاته كتاب (فن الحرب) وكتاب (الأمير) . [3] وقد ذكر ذلك في كتابه (الأمير) ، الذي كتبه سنة 1513م ، وطبع بعد عدة سنوات ، وقد دعا فيه إلى فصل السياسة عن الأخلاق ، وسوّغ فيه مبادئ الحكم المنافية للآداب والقيم الإنسانية ، وسوّغ للحكام طغيانهم ، واستحسن مسلك مجرميه . [4] وهما رضا شـاه الذي ولد سنـة 1295هـ (1878م) وحكم إيران سنة 1343 هـ ( 1925م) ، واستمرّ في الحكم لسنة 1359 هـ (1941م) ، نفاه الإنجليز إلى جزيرة موريس في المحيط الهندي ، ثم قتلوه هناك سنة 1363هـ (1944م) ، وعيّنوا ولده محمد رضا مكانه الذي ولد سنة 1337هـ (1919م) ، وتسلم الحكم في إيران سنة 1359هـ (1941 م) ، وأطيح به سنة 1399هـ (1979م) ، ومات في المنفى سنة 1400هـ (1980م) ، ودفن في مصر ، اتّسم حكم رضا شاه بإحياء القومية الفارسية ونشر المذهب البهائي وهدم المساجد والمدارس والحسينيات ومنع العلماء ورجال الدين من ممارسة أدوارهم في الحياة ، وإشاعة الزنا والخمر والقمار في أوساط المجتمع الإسلامي ، ومنع النساء المسلمات من ارتداء الحجاب الذي فرضته الشريعة ، وتحطيم اقتصاد البلاد ، وعلى الخصوص قنوات الري ، وقتل في ثورة مسجد (كوهر شاد) في مدينة مشهد الإيرانية أكثر من ثلاثة آلاف مسلم . ولا يخفى أن ابنه محمد رضا سار على منهج والده في الكبت والاستبداد ومصادرة الحريات . [5] وهو العهد الذي ابتدأ منذ الرابع عشر من تموز سنة 1958م عندما قام عبد الكريم قاسم بانقلاب عسكري على العهد الملكي وأعلن النظام الجمهوري ، وشكـل مجلس السيادة لإدارة البـلاد . استمـر قاسـم فـي الحكـم لسـنـة 1382هـ (1963م) ، وتعرض لانقلاب عسكري قاده عبد السلام عارف والذي تسلم الحكم سنة 1382هـ (1963م) ، وقتل سنة 1385هـ (1966م) ؛ إثر سقوط طائرته في جنوب العراق. ثم جاء بعده أخوه عبد الرحمن عارف ، والذي نحّي عن السلطة سنة 1388هـ (1968م) ؛ إثر انقلاب دبّره أحمد حسن البكر ، ونفي إلى تركيا . ثم جاء بعده البكر واستمر في الحكم إحدى عشرة سنة ، وأقصي سنة 1399هـ (1979م) إثر انقلاب دبّره صدام التكريتي ، وقتله صدام سنة 1402هـ (4/10/1982م) بحقنة سبّبت ارتفاع نسبة السُّكر لديه بواسطة فريق طبي يضم الدكتور صادق علوش والدكتور فاروق ، ثم جاء بعده صدام والذي استمر في الحكم إلى 9/4/2003م حيث أطيح به من قبل الأمريكان والبريطانيين. |