الفهرس

المؤلفات

الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

التديّن والأخلاق

تقوم الحوزات العلمية على ركنين مهمين هما التديّن والأخلاق، فبدون هذين الركنين لا تقوم للحوزة العلمية أية قائمة.

فالعلم بلا تديّن وأخلاق يتحوّل إلى عامل مُدمّر.

انظروا إلى الغرب كيف تحوّلت بعض العلوم عندهم إلى عامل لتدمير البشرية، فأصبحت البحوث حول الجراثيم تستهدف البشرية بواسطة صنع القنابل الجرثومية، بينما كان الأولى بهذه البحوث أنْ تنقذ البشرية من الأمراض الفتّاكة. والمفاعلات الذرية الضخمة بدل أنْ تعمل على إنتاج الطاقة الكهربائية نجد أنها تتجه إلى صنع القنابل النووية، وبمقدور المُفاعلات المتخصصة لصنع القنابل أنْ تزود العالم كلّه بالطاقة الكهربائية إذا صرفت جهدها نحو هذا الهدف.

إذاً: لا يمكن الاستغناء عن التديّن والأخلاق في الدراسات الحوزوية. يقول ابن عمّنا المرحوم السيد عبد الهادي الشيرازي[1] (قدس سره) إنه جاء إلى النجف من سامراء وكان في حوزة النجف أربعة عشر أستاذاً للأخلاق، وبعض هؤلاء الأساتذة كانوا من أصحاب الكرامات.

وشاهدتُ بنفسي قبل نصف قرن والتقيت ببعض الأساتذة كانوا من أصحاب الكرامات، وكانت لهم لقاءات مع الإمام المهدي ((عجّل الله تعالى فرجه الشريف))، وكان هؤلاء الأساتذة خير أُسوة لا للطلاب وحسب بل للحوزات العلمية وللمجتمع الإسلامي[2].

ولاشك أنّ من يتمتّع بالتديّن والأخلاق يستطيع أنْ يربّي بلسانه وبعمله جيلاً من طلاب الحوزة، أتقياء أكِفّاء يخدمون المجتمع والأمة.

ولاشكّ أنّ الناس يلتفّون حول الأساتذة الذين يمتازون عن غيرهم بالمزيد من التقوى ومعالي الأخلاق.

فهم مقدّرون محترمون، ويعيشون في استقرار نفسي في الدنيا، وفي الآخرة هم في الدرجات الرفيعة والمقامات السامقة. قال:((أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))[3].

وقال:((وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً))[4].

ومما يمكننا الاستدلال به على قيمة ركني الخلق والدين حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجّوه)[5] فمعيار الصلاحية في كل زمان ومكان هو الخُلق والدين.

[1] السيد عبد الهادي بن إسماعيل الحسيني الشيرازي، عالم وفقيه، ينتمي إلى اسرة عريقة بالعلم والمعرفة. يقول عنه الشيخ الطهراني في طبقات أعلام الشيعة : (بلغ في الفقه والأصول درجة قصوى، واشتهر بين العلماء والطلاب بالتحقيق والتدقيق والخبرة والتبحّر، فاتجهت الأنظار إليه، وكثر الإقبال على مجلس درسه ، فكان يحضره الأجّلاء والفضلاء والصفوة المنتخبة من أهل العلم لما كانوا يجدون فيه من الحقائق العلمية الراقية، والأفكار الرشيقة العالية، والأنظار الدقيقة السامية. وقد تخرج من معهد درسه جمع من الأفاضل الفطاحل، فمنذ أكثر من ثلاثين سنة وهو من مدرّسي النجف المشهورين، وليس من خواص أهل العلم من العرب والعجم وغيرهم وفي العراق وإيران وغيرها من لم يسمع به وبعلمه وورعه)، ولد في مدينة سامراء سنة 1305هـ، درس منذ صباه وتتلمذ في المراحل العليا عند الشيخ محمد تقي الشيرازي والشيخ محمد كاظم الخراساني والشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد علي الشيرازي والشيخ النائيني، آلت إليه المرجعية بعد وفاة السيد أبي الحسن الأصفهاني والسيد البروجردي. من مواقفه السياسية شارك في ثورة العشرين، ووقف بوجه المد الشيوعي في الخمسينيات، وأصدر فتوىً بضلالتهم ، وقد أعماه الإنجليز سنة 1369 هـ، ترك تراثاً فكرياً قوامه اثنتا عشرة رسالة وتعليقة، منها : (دار السلام في فروع السلام وأحكامه)، (رسالة في الاستصحاب)، (رسالة في اللباس المشكوك)، كتاب (الصوم)، كتاب (الزكاة)، كتاب (الطهارة)، توفي سنة 1382هـ عن عمر يناهز السبع والسبعين سنة .

[2] وقد تطرق (قدس سره) إلى بعض كرامات الأولياء والصالحين في كتـاب : (حقائـق مـن تاريخ العلماء) وكتاب (كـرامات الأوليـاء) .

[3] سورة الرعد : الآية 28.

[4] سورة الطلاق : الآية 2.

[5] فقد ورد عن علي بن مهزيار قال : كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر (عليه السلام) في أمر بناته أنه لا يجد أحداً مثله، فكتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) : (فهمت ما ذكرت من أمر بناتك وأنك لا تجد أحداً مثلك، فلا تنظر في ذلك يرحمك الله، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلاّ تفعلوا ذلك تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) تهـذيب الأحكـام : ج7 ص396 ب33 ح10، وسائـل الشيعـة : ج20 ص76 ب28 ح25073، وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) الكافي (فروع) : ج5 ص347 ح2 وح3، بحار الأنوار: ج88 ص264 ب7 ح18 وج 100 ص373 ب21 ح9.  كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً ونحن عنده إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه . قال : قلت : يا رسول الله، وإن كان دنياً في نسبه؟. قال : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إنكم إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) تهذيب الأحكام : ج7 ص394 ب33 ح2، وسائل الشيعة : ج20 ص78 ب28ح 25078. وورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) مستدرك الوسائل : ج14 ص187 ب24 ح16466 .

وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : (إذا خطب إليكم رجل فرضيتم دينه وأمانته فزوجـوه وإلاّ تفعلـوه تكـن فتنـة في الأرض وفساد كبير) مستدرك الوسائل : ج14 ص188 ب24 ح16470 .