الفهرس

المؤلفات

الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

الاستبداد على رأس المنكرات

تتحمل الحوزة قبل أية مؤسسة دينية أخرى مسؤولية النهي عن المنكر، فالنهي عن المنكر فرض على كل مسلم بلا استثناء، والمنكرات على درجات متفاوتة، وأعلى درجات المنكر هو المتمثل بالاستبداد؛ لأن الاستبداد هو مصدر للمنكرات، وقد أشرنا إلى ذلك في كتابنا (ممارسة التغيير)[1] وغيره من الكُتب.

فهو مصدر كل سرقة تحدث في بلاد الإسلام التي لم تعرف السرقات قبل استيلاء المستبدين على السُلطة، وهو مصدر كل فساد ؛ لأن وجود المستبدين باعث على الفساد والإفساد.

من هنا كان لزاماً على الحوزات العلمية أن تتحدى المستبدين، وتعمل على تغيير النظام السياسي من نظام قائم على الاستبداد إلى نظام قائم على الشورى، وذلك بانتهاج أسلوب اللاعنف، وأسلوب التدرّج من الأخف فالأخف.

قال: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ِ))[2].

ولفظ ((أمة)) في الآية يعني كل الأمة.

ولفظ ((من)) ليس للتبعيض، بل للنشوء بدليل آخر الآية ((وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) بصورة الحصر.

ولو كان ((من)) للتبعيض لكان معنى الآية أنّ غيرهم ليس مفلحاً.

ولاريب أنّ الحوزة أساتذة وطلاباً ـ سواء كان المراد من الآية كل الأمة أو بعضها ـ من أظهر مصاديق المفترض عليهم واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع مراعاة ـ كما أسلفنا ـ التدرّج .

فإذا استطاعت الحوزة تقويم المستبد فبها ونعمت، وإذا لم تتمكن فإنّ إزالته من أبرز مصاديق النهي عن المنكر.

وبدون شك إنّ زوال الطاغوت المستبد سيعطي الحوزة العلمية فرصاً كثيرة للازدهار والانتشار؛ لأنّ الاستبداد ضد الوعي، ولما كانت الحوزة مصدر الوعي فهي هدف لحراب المستبد.

ومن أهم طرق زوال المستبد هو تربية الأمة وتوعيتها ودعوتها إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحينها تصبح مرصاداً ترصد تحركات المستبد بدل أنْ تكون مصفقة له.

إنّ توعية الأمة تأخذ من المستبدين فرصة السيطرة والتحكّم بأقدار الناس؛ لأنّ المستبد بالدرجة الأولى يتسلق على أكتاف الإمعات الذين لا يهمهم إلاّ أنفسهم، والذين يتحولون إلى مرتع خصب لكل طاغوت مستبد.

يقول الشاعر بالنسبة لكسرى:

هم حكّموه فاستبد تحكماً ***وهم أرادوا أن يصول فصالا

وكذا الشعوب إذا استبد سراتهم***من ذنبهم أن يرسفوا الأغلالا
وكذلك كان يفعل فرعون[3] حيث ذكر القرآن الكريم أساليبه في الحكم قائلاً: ((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ))[4].

 

[1] راجع (ممارسة التغيير) الباب الثاني بحوث في الديكتاتورية : ص277.

[2] سورة آل عمران : الآية 104.

[3] الوليد بن مصعب، ويكنى بأبي مصعب وهو فرعون موسى، الطاغوت والجبار والمتكبر والظالم والساحر والباغي الذي قال : (أنا ربكم الأعلى)، وقد اختلف أرباب التاريخ في نسبه، فبعض قال : إنه من اليمن، وآخر : إنه من العمالقة، وثالث : إنه  من أقباط مصر كما ذكر ذلك اليعقوبي في تاريخه: ج1 ص 186،  وكلمة (فرعون) في اللغة المصرية القديمة تعني الملك المتصرف، أو الرب الذي له حق الأمر والنهي في شعبه أو من هم تحت سلطته، وقد ورد اسم فرعون في القرآن 74 مرة، وتحدث عنه الباري سبحانه وتعالى في 27سورة، وقد حكم مصر وفلسطين وبلاد الشام وبلاد ما بين الرافدين في العراق واستمر حكمه على أقل التقادير 200 عام، وقد استعان في ترسيخ حكمه ببعض الكهنة والسحرة، وقد وصفه القرآن الكريم بما يلي : ((إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )) (سورة القصص، الآية 4) و: ((إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)) (سورة يونس، الآية 83). و((إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ)) (سورة الدخان، الآية 31) . أرسل الله سبحانه وتعالى له موسى النبي وآزره بأخيه هارون وبعث معه آيات عديدة منها : العصا، والجراد، والقمل، والضفادع، لكن فرعون استكبر ولم يؤمن فأغرقه الله وجنوده البالغ عددهم مليون شخص في النيل .

[4]  سورة الزخرف : الآية 54.