المؤلفات |
الخالق يتفضّل بالتقنين للمخلوق |
إن الإسلام هو دين الله تعالى الذي خلق الإنسان، ومعلوم أن خالق الإنسان أعرف من غيره بما يصلح الإنسان وما يلبي طلباته، ويرغد عيشه، ويسعد حياته، ولذلك جاء الإسلام بقوانين راقية، مطابقة للعقل والمنطق، وملبّيه لحاجات الفرد والمجتمع، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، آمرة بكل ما فيه صلاحهم، وناهية عن كل ما فيه ضررهم، فقانون - مثلاً - في حرمة القمار، لأنه يبعث على العداوات والمشاحنات، وقانون في حرمة الجمارك والمكوس، لأنها تسلب الناس حرية الكسب والتجارة، والاستيراد والتصدير، وقانون في حرمة الربا لأنه يخلّ بالاقتصاد ويجعل الناس طبقات، وقانون في حرمة الضرائب باستثناء الأمور الأربعة المالية -التي أشرنا إليها سابقاً- وذلك لأنها تثقل كاهل الناس، وتسبب غلاء الأسعار. هذه بعض قوانين الإسلام في التحريم والنهي، وأما قوانين الإسلام في الجواز والحِلّ، فمثل قانون: (الأرض لله ولمن عمّرها)، بالإضافة إلى قوله (صلّى الله عليه وآله): (ثم إنها لكم مني أيها المسلمون) وذلك للتوسعة على الناس، والمنع من التجارة بالأرض، وخلق أزمة البيوت والمساكن. وبهذا القانون تكون الأرض لمن استفاد منها بعمران، من زرع وتشجير، وحفر قناة وبئر، وبناء دار أو محل، أو مؤسسة أو معمل، أو غير ذلك من الاحتياجات الفردية أو الاجتماعية، لكن بشرط أن لا يتجاوز الحدّ المقرر له في إطار (لكم) كما ذكرنا ذلك في بعض كتبنا. ومثل قانون: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) وهذا بالنسبة إلى المباحات الأصلية، فإن الناس فيها شرع سواء، وقد أقر الإسلام المالكية لمن سبق إلى تملك شيء منها لا تزيد على حاجته، وذلك حسماً لمادة النزاع، وحفظاً لنظم المجتمع وانضباطه. هذا ولا يخفى أن المشهور بين الفقهاء هو أن كلمة: (المسلم) هنا إنما يراد به كل إنسان يعيش في البلاد الإسلامية، سواء كان مسلماً، أم ذمّياً، أم معاهداً، كما كانت العادة سابقاً على ذلك. |
المخلوق إذا لم يشكر الخالق |
واليوم تُركت هذه القوانين وهُجرت بين المسلمين، فالأرض تباع من قبل الدولة، وتتاجر بها، وأحياناً تمنع الحكومة من عمرانها وبنائها، كما هو المشاهد في بعض البلاد الإسلامية اليوم، وأحياناً تمنع الحكومة حتى من أرض الدفن إلا بثمن، ولذلك ضاقت الأرض بما رحبت على الناس، وحدثت أزمة المساكن والدور وغير ذلك. هذا وإني لأذكر جيداً كيف كان المسلمون يطبقون في العراق وقبل ستين سنة تقريباً قانون: (الأرض لله ولمن عمّرها) فكانت الأرض مباحة للجميع بالنسبة إلى المساكن والدور، والزراعة والتشجير، والمؤسسات والموقوفات، وحتى المقابر وغير ذلك؟ وكيف كان يعمّهم الخير والرفاه، والبركة والسعادة؟ ثم إن الأرض لكذلك بالنسبة إلى المقابر ودفن الموتى في بلاد الخليج وفي بلاد الحجاز وشبه الجزيرة، وفي غيرها من البلاد الإسلامية حتى هذا اليوم، بينما في جملة من البلاد الإسلامية يبيعون الأرض حتى للمقابر ولدفن الأموات، وذلك على خلاف ما جاء به الإسلام من قوانين الله تبارك وتعالى. وإني لأذكر أنه لما حدث ذلك في العراق، نظم بعض الأدباء آنذاك قصيدة بصدد ذلك، وقال فيها معرّضا بهذه البدعة: (مكاتب التسفير للآخرة) كما وقد سمعت أحد رجال الدين في إحدى البلاد التي تدّعى حكومتها الإسلام وهو يلقي خطاباً في الإذاعة يقول: إن الدولة تعمل بالإسلام وبالقانون الوضعي معاً. بينما كل من يعرف الإسلام يعلم بأن الإسلام هو وحده الذي يجب العمل به، أما بالنسبة إلى القوانين الوضعية التي هي ضد الإسلام فلازم تركها، لأنه لا شأن لهاعند المسلمين، قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إنّ الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)(1). |
1- النحل: 116. |