الفهرس

المؤلفات

الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

الآداب الإسلامية

 إن الإسلام كما يأمر المسلمين بأداء الواجبات من صلاة وصيام، وينهى عن إتيان المحرمات من كذب وبهتان، فكذلك يريد منهم فعل المستحبات من نظافة وسواك، وإتيان المباحات من تنزه وسفر، وترك المكروهات من سهر الليل ونوم بين الطلوعين.

وبعبارة واضحة إن الإسلام يريد من المسلمين التأدب بالآداب الإسلامية كما يفرض عليهم الالتزام بالأحكام الشرعية، وكان المسلمون السابقون كما يلتزمون بالأحكام الشرعية، فكذلك كانوا يتخلقون بالآداب الإسلامية أيضاً ويحاولون التأدب بها على كثرتها، ونحن قد ذكرنا جملة منها في كتاب: (الآداب والسنن) بمجلداته الأربعة، والتي منها آداب التعليم والتعلّم، وآداب العمل والاكتساب، وآداب الصحة والمرض، وآداب المعاشرة والمصاحبة، وآداب الزواج والنكاح، وآداب الحمل والولادة، وآداب الأكل والشرب، وآداب النوم واليقظة، وآداب السفر والحضر. وآداب الموت والاحتضار، وآداب الكفن والدفن، وآداب القبر والمزار، وغير ذلك من الآداب الفردية والاجتماعية، حال الحياة وحال الموت، بل وحتى قبل الحياة وبعد الموت.

نعم كانت هذه الآداب الإسلامية معروفة يعمل بها المسلمون الأولون بكل تلهف وإقبال، لكن اليوم أصبحت هذه الآداب الإسلامية مجهولة متروكة بين المسلمين، وحجتهم في ذلك أن الشيء الفلاني مستحب وليس بواجب، والشيء الفلاني مكروه وليس بحرام، وهكذا.

الآداب الإسلامية إذا تركت

ولقد رأى أحد العلماء الإعلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام، فتقدم إليه وقال: يا رسول الله! لماذا تقدم المسلمون الأولون على قلّتهم بمثل ذلك التقدم الهائل، وتأخرنا نحن على كثرتنا هذا التأخر الهائل الكبير؟ فقال له رسول (صلّى الله عليه وآله) ما مضمونه: السبب في ذلك هو أن المسلمين الأولين كانوا قد قسّموا الأحكام الشرعية الخمسة إلى قسمين: قسم الواجبات والمستحبات والمباحات فعملوا بها جميعاً، وقسم المحرمات والمكروهات فتركوهما معاً، بينما أنتم التزمتم بأداء الواجبات وترك المحرّمات فقط، وأما المستحبات والمكروهات والمباحات، فلا تهتمون بها إطلاقاً وإنما أعرضتم عنها إعراضاً، فأصابكم نتيجة ذلك ما أصابكم من التأخر والتقهقر.

نعم أنه كذلك، فإن الرؤيا من الأحلام الصادقة، والمنامات المتطابقة مع الواقع، فإن الآداب الإسلامية الشاملة للمستحبات والمباحات والمكروهات، كفيلة بقبول الواجبات الشرعية، واجتناب المحرّمات الدينية، وتمهيد الأرضية المناسبة للتقدم والازدهار، كما أن كثيراً من جلب الفوائد ودفع الأضرار، إنما يكون في الأخذ بالمستحبات وترك المكروهات.

سنّة الحجامة

مثلاً: كثرة موت الفجأة في هذا الزمان يعود كثيراً ما إلى ترك المسلمين الاحتجام، بينما قد حبّذه الإسلام، وأكّد عليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والأئمة الطاهرون (عليهم السلام)، تأكيداً غليظاً، وطبّقوه ووصّوا به، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) في رواية قال: (احتجم النبي (صلّى الله عليه وآله) في رأسه، وبين كتفيه، وفي قفاه ثلاثاً، سمّى واحدة: النافعة، والأخرى: المغيثة، والثالثة: المنقذة)(1) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (الحجامة في الرأس هي المغيثة، تنفع من كل داء إلا السام)(2) وهاتان الروايتان وغيرهما من روايات الحجامة تحبّذ التطبير مواساة للإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء، فإن التطبير بالإضافة إلى نفعه الطبي، هو عمل عبادي أخلاقي، وشعار ديني حسيني. وعن الإمام الرضا (عليه السلام) إنه قال: (والدم في الإنسان بمنزلة العبد، وربما قتل العبد سيّده)(3).

سنّة الزواج

ومثلاً: كثرة الأمراض في هذا الزمان، فإن كثيراً منها يعود إلى عدم إقدام العزّاب والعازبات على الزواج المبكّر، فإن تأخير الزواج في الشاب وفي الشابة يسبب لهما الأمراض المختلفة مثل: ضيق النفس، وحرقة المجاري البولّية، واختلال الأجهزة التناسلية، وما أشبه ذلك مما هو مذكور في الطب قديماً وحديثاً، ولذا تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في شأن الزواج والتذكير بأضرار العزوبة ومفاسدها قوله تعالى: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(4). وفي هذا تذكير أيضاً بما يرافق ترك الزواج المبكّر، والرضوخ للتجرد والعزوبة، من الفساد والتحلّل، والزنا واللواط، والسحق والاستمناء، وغير ذلك مما شاع بين المسلمين اليوم.

هذا وقد رأيت في بعض الكتب المختصة بتاريخ الرسول (صلّى الله عليه وآله) وسيرته: أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان إذا رأى شاباً سأله سؤالين: سؤال عن كسبه وعمله؟ فإذا قال: أنه لا كسب له ولا عمل، قال: سقط من عيني، وسؤال عن أنه متزوج أم لا؟ فإذا قال: أنّه غير متزوج. قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أنت من أخوان الشياطين ورهبان النصارى، وذلك كما في قصة عكّاف(5).

كما ورأيت في بعض الروايات أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يسأل الفتاة أيضاً عن أنها متزوجة أم لا، فإذا لم تكن متزوجة، زوّجها مّمن هو كفو لها، وقد رأيت ذلك في كتاب أسد الغابة.

سُنن أُخرى

إلى غير ذلك الذي ذكرناه من سنّة الزواج وسنّة الحجامة مما هو كثير جداً، وقد كتب رضي الدين الطبرسي (قدس سره) جملة منها في كتابه المشهور: (مكارم الأخلاق). وكذلك جمع العلامة المجلسي (قدس سرّه) جملة من تلك السنن والآداب الإسلامية في كتابه المعروف (حلية المتقين) وكتاب الروضة والعشرة، والكفر والإيمان من موسوعة البحار، كما ووفقت أنا والحمد لله لأن أجمع جملة منها في كتاب (المستحبات والمكروهات).

1- وسائل الشيعة 12/79.

2- الكافي 8/160.

3- بحار الأنوار 54/295.

4- الأنفال: 73.

5- بحار الأنوار 96/221.