المؤلفات |
أوامر الإسلام ونواهيه |
إن الإسلام يأمر المسلمين بالعفة والسداد، والطهارة والصلاح، وهو ضمان لسلامة الأسرة وسعادتها، وشدّ لأواصرها وروابطها، ودعم لأساسها وكيانها، وينهي في المقابل عن الابتذال والانحلال، وعن الميوعة والفساد، وهو تحصين لطهارة المجتمع وقدسيته، وتوثيق لعلائقه وروافده، وتأمين لصحته وأمنه، وبين هاتين الركيزتين تأمن الأسرة، ويسلم المجتمع، وقد كان المسلمون السابقون يأتمرون بأوامر الإسلام، ويتحلون بالعفة والصلاح، وينتهون عما نهى عنه الإسلام، ويكفّون عن الزنا واللواط، ويكونون كما قال الله سبحانه: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنّهم غير ملومين)(1). بينما نشاهد اليوم في أغلب البلاد الإسلامية وبصورة علنية، مواخير عامة، ومراكز للفجور والمجون، حتى ذكرت بعض التقارير الرسمية: إن في البلد الفلاني فتحت الحكومة محلات للدعارة في كلّ محافظة من محافظات ذلك البلد الإسلامي، كما وأصبح اللواط عند الحكومات التي تحكم البلاد الإسلامية مباحاً غالباً، حتى وقد جعلت حكومة من حكومات البلاد الإسلامية الشذوذ الجنسي، مثل النكاح، وخصصت وبكل صلافة فندقاً للزواج الرسمي بالذكور، وأخذت عبر هذه التسهيلات الشيطانية الماكرة تروّج الشذوذ الجنسي وتشجّع زواج الذكور بالذكور، وترغيب الناس عن النكاح الذي جعله الله سبحانه حصناً للمسلم والمسلمة، وصحة لجسمهم، وراحةً لفكرهم، وسلامةً لنسلهم. ولم تكتف هذه الحكومة وغيرها من حكومات البلاد الإسلامية بذلك كله، وإنما أصبحت غالب الحكومات تقف عبر قوانينها التي لم ينزل الله تعالى بها من سلطان أمام سنّة النكاح، وتصدّ عن شرع الزواج، بحيث أصبح الشاب المسلم والشابة المسلمة لا يتمكنان من النكاح، ولا يستطيعان الزواج. وقد قرأت في تقرير رسمي: أن في بلد إسلاميّ واحد، عشرة ملايين من الشباب والشابات الذين هم في سنّ الزواج ولا يتمكنون من الزواج، كما وقرأت في تقرير رسمي آخر عن بلد ثان: أن فيه ما يربوا على خمسة عشر مليون شاب وشابة لا يستطيعون الزواج وهم في سنّ الزواج. |
تقهقر الزواج لماذا؟ |
وإنما تقهقر الزواج اليوم هذا التقهقر الكبير، لأن الحكومات في البلاد الإسلامية وقفت دون الزواج وقوفاً غير مستقيم، فهي لم تمنع الزواج صريحاً حتى يكفّرها الناس ويعلنوا الحرب عليها، وإنما فعلت ما يؤدي - وبكل خفاء ودهاء - إلى المنع عن الزواج والصدّ عنه نتيجة. العامل الأول لقد منعت الحكومة الناس حقّهم في الأرض التي أباحها الله لهم، ولم تسمح لهم بحقّهم في الأرض إلا بالشراء، بينما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (الأرض لله ولمن عمّرها)(2) وعلى أثر ذلك أصبح الشاب لا يستطيع من بناء دار بسيطة له. العامل الثاني لقد وقفت هذه الحكومات دون الاستفادة من المباحات الأصلية، التي جعلها الله تعالى للناس كافة، مثل: الهواء، والماء، والمحيطات، والبحار، وما فيها من لؤلؤ ومرجان وسمك وحيتان، والغابات والمراتع، والأهوار، والأجمات، ومعادن الكلس والملح، وسائر المعادن الأخرى. وقد قرأت في تقرير رسمي في هذا المجال يقول: إن في البلد الفلاني ثمانمائة قسم من المعادن بما فيها الذهب، والبترول، واليورانيوم. لكن الحكومة التي ربما تدّعي الإسلام أيضاً تقف دون استفادة الناس منها، محتكرة كل ذلك لنفسها، ومحرّمة له على غيرها، حتى أنه لو تحدّاها أحد وتجرّاً على أن يأخذ شيئاً من تلك المعادن، كان جزاؤه المطاردة والملاحقة، والسجن والتعذيب، والعزير والتغريم. العامل الثالث وكذلك وقفت هذه الحكومات وعلى خلاف الإسلام دون الاستفادة من الكسب المباح وادّعت زوراً بأن الكسب يحتاج إلى إجازة وضريبة، وما أشبه ذلك مما أغلق على الناس أبواب الكسب، وسدّ في وجوههم طريق العمل والاكتساب، وكان نتيجة هذه العوامل الثلاثة التي وقفت ورائها حكومات البلاد الإسلامية ودعمتها بكل قوّة، أن تقلّص الزواج بين شباب المسلمين وتقلّص حتى كاد أن يتعطل. |
الإسلام والزواج |
بينما الإسلام بقوانينه العادلة، ورؤيته الصائبة، يحرّض على الزواج تحريضاً بليغاً، ويشجع على النكاح تشجيعاً كبيراً، ويوفّر كل العوامل المساعدة عليه، ويفتح كل الأبواب المؤدّية إليه، ويعبّد كل الطرق النافذة فيه، إنه يوفر على الشاب العمل والكسب، والرزق والمسكن من جانب، ويحبّب له النكاح والتأهل، ويكرّه إليه العزوبة والتجرّد من جانب آخر، فقد قال رسول الله لله: (تناكحوا تناسلوا تكثروا، فإنّي أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط)(3). وقال الله سبحانه وتعالى قبل ذلك: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)(4). وقد قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بتزويج ابنته العزيزة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي سيدة نساء العالمين بصداق ومهر لا يتجاوز الثلاثين درهماً، كما ورد في كتاب الكافي الشريف. ولا يخفى أن هذا الحديث القائل بأن صداق فاطمة الزهراء (عليها السلام) ومهرها كان ثلاثين درهماً، لا ينافي الأحاديث الأخرى التي تقول: بأن مهر السنّة كان ما يقارب الخمسمائة درهم، وذلك لأن الدراهم كانت آنذاك مختلفة كاختلاف الدراهم الموجودة في هذا اليوم، فهناك درهم إماراتي، ودرهم كويتي، ودرهم عراقي، ودرهم أردني، وهكذا. |
1- المؤمنون: 5 و6. 2- وسائل الشيعة 17/328، عن أبي عبد الله عليه السلام. 3- بحار الأنوار 40/170. 4- النور: 32. |