الفهرس

المؤلفات

الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

المال في الإسلام

 إن الإسلام يأمر المسلمين باتباع نظامه الاقتصادي الخاص، الذي لا يشبهه في الاعتدال والاستمساك أيّ نظام اقتصادي آخر، فإن كل الأنظمة الاقتصادية الأخرى غير الإسلام لا يخلو من إفراط أو تفريط، وقصور أو تقصير، بينما النظام الاقتصادي في الإسلام جاء كاملاً متكاملاً، يسعد في ظله الفرد والمجتمع، والحاكم والمحكوم، والراعي والرعية.

فمن جانب حرّم الربا وحرّم الغش والرشوة، وحرّم التبذير والإسراف، وحرّم أكل أموال الناس بالباطل، وحرّم مصادرة الأموال، وحرّم رسوم الجمارك والمكوس، وحرّم الضرائب ورسوم البناء، ورسوم معاملات الأملاك، ورسوم التصدير والاستيراد، ورسوم الحِرَف والصناعات، وغير ذلك من الضرائب والرسوم التي تفرضها الأنظمة الاقتصادية غير الإسلامية على الناس.

ومن جانب أوجب ردّ الأمانات إلى أهلها، وأوجب الوفاء بالعقود في المعاملات، وأوجب تقسيم الإرث بين الورثة، وأوجب الخمس والزكاة والجزية والخراج، وأوجب بعض النفقات، وأمر بأداء حقوق الناس، وحفظ أموالهم وأملاكهم. وحبّذ النفقات العامة، وأمور الخير، وقرض الحسنة، وغير ذلك مما يشد المجتمع بعضه إلى بعض، ويوثق روابطه، ويُحكّم دعائمه، وكان المسلمون الأولون يتبعون الإسلام في كل ما أمرهم به في نظامه الاقتصادي، وينتهون عما نهاهم عنه، فكانوا يكفّون عن الربا، ولا يأخذون الرشوة، ولا يغشون ولا يسرفون، ولا يأكلون أموالهم بينهم بالباطل، كما كانوا يردّون الأمانات، ويوفون بالعقود، ويقسمون الإرث، ويدفعون الخمس والزكاة، ويؤدون النفقات الواجبة والمستحبّة، ويقرضون الناس قرضاً حسناً، وبكلمة واحدة: كانوا يأخذون بالأحكام المالية قاطبة، ويلتزمون بكل ما جاء به الإسلام في نظامه الاقتصادي تاماً وكاملاً فسعدوا وسعدت بهم البلاد والعباد.

بينما أصبح المسلمون اليوم منفكين عن النظام الاقتصادي الذي خططه الإسلام الحكيم لهم، ومعرضين عنه إعراضاً كاملاً، بحيث تفشى بينهم كل المحرمات المالية، وتقلّص فيهم جلّ الواجبات والمستحبات المربوطة بالأموال، فترى البنوك والمصارف في البلاد الإسلامية كلّها ربويّة، حتّى لا تجد بلداً واحداً مستثنى من ذلك،

أيّ: بأن لا يكون فيه الربا، كما وأصبح تقسيم الإرث أيضاً مخدوشاً بينهم، حيث أن كثيراً منهم لا يأخذون بأحكام الإرث، أو يجعلون للأنثى نصيباً مثل نصيب الذكر، فلا يقسمون الإرث بينهما كما قال الله سبحانه: (للذكر مثل حظ الأنثيين)(1).

الإسلام وتساوي الرجل والمرأة

ولا يخفى أن هذا التفاوت في التقسيم العائد إلى مصلحة الأسرة والمجتمع، والراجع إلى تعديل المال والثروة - كما اعترف به علماء الاقتصاد - إنما هو من الجهة الاقتصادية فحسب، وأما من الجهة الإنسانية فإن الله سبحانه وتعالى قرّر في الإسلام: إن الرجل والمرأة متساويان في الجهة الإنسانية، قال سبحانه: (يا أيها الناس إنّا خلقانكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(2).

وفي بعض الآيات القرآنية ذكر كلاً من المسلم والمسلمة أحدهما إلى جنب الآخر، قال تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدّقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً)(3).

أفضل نظام اقتصادي

وكيف كان: فإن نظام المال في الإسلام أفضل نظام مالي عرفه أو سيعرفه العالم البشري من أول حياته حتى انقراضه، لأنه بموادّه وقوانينه العادلة يستطيع من إغناء كل الناس، وإرغاد عيشهم، وإسعاد حياتهم، لكن بشرط أن يؤخذ بكله، وأن يُطبّق بجميعه، أما أن يؤخذ بعضه ويترك بعضه، فهو لا ينتج إلا الفساد، وإلا مقت الله تعالى وتشويه الإسلام، وهو ذنب لا يغفر.

فمثلاً الإسلام يحرّم تحريماً باتاً أخذ مال من أحد إلا بطيبة نفسه، مهما كان ذلك المال قليلاً، وبأي اسم كان، وتحت أيّ شعار اتفق، فلا ربا، ولا رشوة، ولا جمارك، ولا مكوس، ولا مصادرة أموال، ولا رسوم بناء، أو تجارة، أو حرفة، أو صنعة، أو شركة، ولا ضرائب إطلاقاً إلا ما أمر به الإسلام من الخمس والزكاة، والجزية والخراج، حتى أن الراوي يأتي إلى الإمام الصادق(عليه السلام) ويسأله عن مسائل في الزكاة والأموال الزكوية ثم يقول: إن في بلادنا الأرز، فهل عليّ في الأرز زكاة؟ فنهره الإمام الصادق (عليه السلام) وزجره عن ذلك بقوله: إني أقول لك أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فرض الزكاة في تسعة أشياء وأنت تقول أن في بلادنا الأرز؟ يريد (عليه السلام) بذلك أن لا زكاة في الأرز.

وكان فقهاؤنا العظام على ما نقل عنهم، وكذلك الوالد رحمه الله على ما رأيته منه، يقول للذين يريدون إعطاء الأكثر ويحبون دفع الزائد: إني كما لا أريد ترك فليس واحد من الحقوق الشرعية التي هي حقوق الفقراء ومن إليهم لديكم، فكذلك لا أريد أن آخذ منكم فلساً واحداً زائداً على ما يجب عليكم.

هذا وقد ورد في الحديث: إن الله سبحانه وتعالى فرض لعباده الفقراء حقاً معلوماً في أموال الأغنياء، فلا يحلّ لفقيه أو غير فقيه أن يأخذ من أموال الفقراء ويدعها في أموال الأغنياء، أو يأخذ من أموال الأغنياء ويدعها عند الفقراء، إلا كما فرض الله سبحانه، وبيّنه الرسول (صلّى الله عليه وآله). وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إنما أمرت أن آخذ من أغنيائكم وأضع في فقرائكم).

نعم هكذا كان المسلمون السابقون، ولكن قد انعكس الأمر في هذا الزمان بما لا يخفى على أحد.

1- النساء: 11.

2- الحجرات: 13.

3- الأحزاب: 35.