المؤلفات |
من مواد المنهج الإسلامي |
الأول: إن الإسلام يأمر المسلمين بالاتحاد والانتباه تجاه مكائد الأعداء، ورصد كل حركاتهم وسكناتهم، وحبط جميع مؤامراتهم. ومخططاتهم، وذلك بأحسن الوجوه وأسلم الطرق، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو المنفّذ الأول لأوامر الإسلام قد طبق هذه المادة من المنهج الإسلامي بأحسن ما يمكن، فإنّه (صلّى الله عليه وآله) كان قد عبّأ المسلمين لرصد تحرّكات الأعداء، وصدّ هجماتهم، وإفشال مؤامراتهم، لكن دون أن يبدأ الأعداء بحرب وقتال، أو مصادمة ونزال، يعني: كان موقف النبي (صلّى الله عليه وآله) أمام مكائد الأعداء وهجماتهم موقف دفاع وردّ للاعتداء، ولكنه دفاع حاسم ومشرّف، حاسم لأنه كان يأتي قوياً وصارماً، ومشرّفاً لأنه كان مؤطّراً بإطار الأخلاق والإنسانية، حسب ما أمر به الإسلام. |
اتحاد وانتباه |
نعم، كان موقف الرسول (صلّى الله عليه وآله) تجاه الأعداء - مع ما كان عليه المسلمون من الاتحاد والانتباه - موقف دفاع ورد للاعتداء، سواء هاجم الكفار المسلمين في المدينة، بأن جهّز الكفّار الجيوش وأقبلوا نحو المدينة، كما في غزوة بدر وأُحد، أم بعيداً عن المدينة، بأن استعد الكفّار لمهاجمة المسلمين، فواجههم المسلمون لمّا علموا بهم في ديارهم، كما في غزوة حنين وخيبر، فإن في كل ذلك كان الكفار هم الذين يبدأون المسلمين بالتآمر والمهاجمة، فلقد ضرب الكفار حصاراً حول المدينة، فكسر النبي (صلّى الله عليه وآله) حصارهم وذلك بأن ضرب هو (صلّى الله عليه وآله) حصاراً حول مكة بمهاجمته تجارة مكة في قصة معروفة، أو أن الكفّار تجمعوا في حنين واستعدّوا لحرب المسلمين، فعلم بهم النبي (صلّى الله عليه وآله) فقصدهم في ديارهم وحاربهم حتى أجلاهم عنها، وذلك بعد أن أنذرهم ووعظهم فلم يؤثر فيهم وعظه وإنذاره. وهكذا سائر حروبه (صلّى الله عليه وآله) حيث كانت كلها دفاعية، وفي كلها كان النبي (صلّى الله عليه وآله) إذا انتدب المسلمين لحرب الكفّار استجابوا لما ندبهم إليه، واستماتوا في الدفاع عنه، وصمدوا قبال الضرب والطعن حتى يكشفوا الكفار، وقد كشفوهم عن مواقعهم وصدّوهم عن كل ما أرادوا بالمسلمين من سوء، وذلك في كل مرّة، وعلى طول تاريخ حياة الرسول (صلّى الله عليه وآله) حتى حقّقوا قول الله تعالى فيهم: (وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً)(1). وكان كل ذلك الانتصار والظفر، والتقدّم والنجاح، بفضل اتباع المسلمين أمر الإسلام الحكيم، الذي أمرهم بالاتحاد واليقظة، وإطاعة نبيّهم الكريم (صلّى الله عليه وآله) الذي كان يطبق أمر الإسلام تطبيقاً حرفياً، وينفِّذه تنفيذاً دقيقاً وكاملاً. |
نتائج ترك الاتحاد والانتباه |
كان هذا هو حال المسلمين في صدر الإسلام وكان النصر حليفهم، لأنّهم كانوا يرون الإسلام منهجاً كاملاً يطبّقونه في كل مرافق الحياة، وكذلك استمرت الحالة بهم حتى ما قبل قرن من الزمان تقريباً، حيث أنهم من ذلك اليوم بعّضوا الإسلام ولم يأخذوا به كمنهج كامل للحياة، وتركوا الاتحاد والانتباه فانعكس بهم الأمر فأخذ الكفّار يهاجمون المسلمين حتى ملكوا عليهم أمرهم، وتحكّموا برقابهم وبلادهم. كما شاهدنا في التاريخ مثل ذلك بالنسبة إلى مسلمي الأندلس، فإنّهم لما غفلوا عن تطبيق الإسلام تطبيقاً كاملاً هاجمهم الكفّار على حين غفلة، وذلك قبل ما يقارب من ستمائة عام، وغزوهم في عقر دارهم ونشبوا فيهم أظفارهم، ونكلوا بهم أشدّ النكال وأذاقوهم ألوان العذاب. وكما شاهده آباؤنا بالنسبة إلى حالة المسلمين وتغافلهم عن تطبيق الإسلام تطبيقاً كاملاً في زمن العثمانيين، حيث هاجم الكفار الغربيون (الإنجليز) مسلمي الشرق الأوسط على حين غفلة، وملكوا أمرهم وأرضهم، وتحكموا في رقابهم وبلادهم، وهاجم الكفّار الشرقيون (السوفييت) مسلمي الشرق الأقصى على غرّة، وصادروا أرضهم وبلادهم، وتحكموا في دينهم ودنياهم، حتى جاء في بعض التواريخ: أن المسلمين في تركمنستان وحدهم كانوا ثمانين مليون نسمة فلما هاجمهم الاتحاد السوفيتي السابق أولاً والصين ثانياً، أجلوا المسلمين عن مراكزهم، وقتلوهم ونفوهم، وشتّتوهم في البلاد، وفرقّوهم أيادي سبأ، حتى تضائل نفوس المسلمين وقلّ عددهم بحيث أصبحت بلاد تركمنستان تحتوي على عشرة ملايين مسلم فقط. وكما شاهدناه نحن بأم أعيننا بالنسبة إلى حالة المسلمين المعاصرين، وغفلتهم عن تطبيق الإسلام كمنهج كامل للحياة، واقتناعهم منه بانتحال الاسم فقط، والأخذ ببعض أحكامه فحسب، حيث هاجمهم الكفّار على حين غفلة منهم، وذلك بكل قسوة وشدّة، وبطش وحدّة، وتركهم أشلاء مبعثرة، وجثثاً هامدة، جوعاً وعرياً، ومرضاً وجهلاً، فتلك قضاياهم في ليبيا، وقضاياهم في فلسطين، وقضاياهم في العراق وإيران، وغير ذلك مما ذكرت مفصّلة في عشرات الكتب بل مئاتها. |
1- الأحزاب: 25. |