المؤلفات |
المقدمة |
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين. لازال الإسلام ولا يزال إلى يوم القيامة المنهج الصحيح الذي يضمن للإنسان - رغم تقدّم العلم والتطور الصناعي - حياة سعيدة في الدنيا والآخرة، وإذا نرى أنه قد صُودرت سعادة المسلمين في هذا القرن فهو لأن حكّام المسلمين بصورة خاصة والمسلمين بصورة عامّة، قد تركوا العمل بالإسلام الذي أنزله الله تعالى في الكتاب الحكيم، وبيّنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الطاهرين (عليهم السلام) في كلامهم القويم، وسيرتهم العادلة، وحيث أن الإسلام مجموعة متكاملة، وتركيبة مترابطة من أصول وفروع، وفقه وعبادات، وسياسة واقتصاد، وإدارة واجتماع، ودنيا وآخرة، يلزم الأخذ بكلها، والعمل بجميعها، وإلا فلو تُرك جزء منها فقد تُرك الإسلام كلّه، للقاعدة المنطقية المعروفة التي تقول: الكل ينتفي بانتفاء جزئه، فحال الإسلام الذي لم يُعمل بحكم واحد منه، حال الطائرة إذا فقدت بعض أجزائها، فكما أنها لا تتمكن أن تحلّق في الفضاء مع أنه ليس اللوم على الطائرة بل الذين تركوا الطائرة ناقصة، فكذلك الإسلام الذي لم يُطبّق بعض أحكامه، فإنه لا يستطيع أن يضمن بعد ذلك سعادة الإنسان، علماً بأنه ليس اللوم على الإسلام، وإنما على الذين تركوا تطبيق الإسلام كاملاً، وأخذوا به ناقصاً. |
التنديد بالمبعِّضين |
بما أن ترك العمل بالإسلام ولو حكماً واحداً منه يساوي ترك الإسلام كله، يهدّد الله تبارك وتعالى الذين يأخذون ببعض الإسلام، مثل الصلاة والصيام، ويتركون بعضه الآخر، مثل الأخوّة الإيمانيّة، والأمّة الواحدة، والحريات الإسلامية في الزراعة والتجارة، والعمل والعمران، والسفر والحضر، وغير ذلك، يتوعدهم بالذلة والخزي في الدنيا، والعذاب والنكال في الآخرة، يقول تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عمّا تعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينصرون)(1) علماً بأن الحياة المشتراة بالآخرة ليست هي حياة هنيئة ولا رابحة، وإنّما هي حياة شقاء وخسران، كيف وقد قال الله تعالى: (فما ربحت تجارتهم)(2)، وقال تعالى: (متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد)(3) وقال تعالى: (فإن له معيشة ضنكاً)(4) والضنك هو الضيق، وصدق الله، فقد أصاب المسلمين اليوم ضيق شديد في المعيشة، مع ما هم عليه من ثروات طبيعية، ومواد معدنية، وأيادي عاملة، وعقول مفكّرة، فقد أصبحوا اليوم يعانون من الجوع وسوء التغذية لقلة الدخل والعائدات، ويقاسون ألم البرد والحر لقلة المساكن وأزمة المنازل والدور، ويتذوّقون مرارة الخوف والتهجير، لفقد الأمن وتحكّم الأعداء والمناوئين، وما ذلك إلاّ نتائج تركنا نحن المسلمين العمل بالإسلام، وعوائد تجزيئنا منهاج الله القويم، الذي أنزله الله تعالى ضماناً لسعادتنا على رسوله الكريم (صلّى الله عليه وآله). |
العلاج الناجع |
هذا ولا علاج إلاّ بالرجوع إلى ما قرّره الإسلام، والأخذ بجميع ما أنزله الله تعالى لنا من أحكام وقوانين في كتابه الكريم، وعدم التبعيض فيها، ومتى رجعنا إلى ما ندبنا الله إليه، رأينا تقدّم الإسلام إلى الأمام بما عهدناه منذ زمان الرسول (صلّى الله عليه وآله). لا يقال: قد تغيرت الدنيا ومن عليها بسبب المناهج العلمية، والمواد الصناعية، وتسلط الأعداء وتحكّم الطغاة في رقاب المسلمين بما لم يكن له مثيل من قبل، ومعه كيف يمكن الرجوع إلى الإسلام وإعادة صرحه؟ لأنه يقال: إن ذلك ممكن وقد أثبت تجربته التاريخ الأخير على يدي المهاتما غاندي، فإنه تمكّن من إنهاض خمسمائة مليون إنسان هندي أعزل، واستطاع أن يعيد إليه سيادته على أرضه ووطنه، مع العلم أن المستعمر كان يملك كل شيء وهو لا يملك أي شيء، مما يدل على أن ذلك ممكن وواقع. نسأل الله أن يوفقنا للعمل حتى يرجع إلى المسلمين ما فقدوه من العزة والكرامة، والسيادة والسعادة. والله تعالى هو المستعان. قم المقدسة/ محمد الشيرازي جمادي الثانية 1420هـ |
1- البقرة الآية 85 و86. 2- البقرة: 16. 3- يونس: 70. 4- طه: 124. |