| المؤلفات |
|
تواضع
الحكيم السبزواري |
|
يذكر
أن الشيخ مرتضى الأنصاري(1)(قدس سره)
، كان قـد درس عند الحكيم السبزواري(2)
كتاب ( الشوارق )
للاهيجي ، وبعض الأبحاث الفلسفية وذلك
بمدرسة الحاج حسن بمشهد المقدسة ولمدة
سنتين كاملتين . وينقل
عن الحكيم السبزواري قوله : كنت أنا
والشيـخ الأنصاري نعكف معاً على خدمة
الإسلام . ومضت
السنون ، وغدا الأنصاري المرجع الأعلى
للشيعة في زمانه ، وتذكر أستاذه بالأمس ،
فأرسل إليه من يوصل إليه سلامه وتحياتـه
، وعندما وصل الرسول وهو يحمل السلام كان
الحكيم السبزواري جالساً في زاوية من
زوايا المدرسة . وما
أن سمع الأستاذ السلام ، حـتى انتفض
قائماً احتراماً وتوقيراً للشيخ
الأنصاري ، وهو يقول . ( منه
السلام وإليه يرجع السلام وعليه السلام )
. |
|
قليل ما هم |
|
يقول
أحد العلماء : لقد كنت أؤمن بوجود التقوى
كنظرية في بطون الكتب فقط ، وكنت أنكر
وجودها على صعيد الواقع العملي فـي هذا
الزمن الرديء ، الذي طغت على الناس فيه
مظاهر المادة والمنكر والفساد ، واعتادت
فيه بطونهم وأنظارهم على الحرام ومشاهده
. كان
هذا هو اعتقادي ، إلى أن قيّض لي أن عاشرت
رجلـين اثنـين بدّلا تفكيري ، وقلَّبا
ذلك الاعتقاد عندي . أحدهما في مدينة قم
المقدسة وهو الشيخ أبو القاسم ، والآخـر
فـي مدينـة النجـف الأشرف وهـو السيد
مرتضى الكشميري . ثم
ذكر العالم المذكور بعض أحوال الشيخ أبي
القاسم فقال : ذات ليلة ، أرسل (
صمصام ) رئيس شرطة قم كيساً
فيه مبلغ كبير من المال إلى الشيخ ، غير
إن الشيخ رفض تسلًّم المبلغ ، وأمر ابنه
أن يعيده . ولما
أن رأى من ابنه الممانعة في رده ، والتعذر
بأنهم في أمس الحاجة إلى ذلك المال ، قال
له الشيخ إن الله سبحانه ، قد منَّ علينا
ـ يا ولـدي ـ بالعقل . وهذا المال هو في
أحسن الأحوال دَيْنٌ وجَميلٌ للقـوم
علينا . وأنت تعلم أنهم لايعطون شيئاً من
دون مقابل ، ولعلهم يطلبون منا أشياء
فيما بعد ، لا يجوز لنا أن نلبيها لهم . فاقتنع
الابن وأعاد الأموال إلى مرسلها . ومما
ذكر العالم المذكور في حق الشيخ إنه كان
يمر على باب دار الشيخ عبد الكريم
الحائري(3) (مؤسس
الحوزة العلمية في قم) ويقول : (
إن النظر إلى باب داره ثواب ، والحضور في
درسه ثواب ) . ولم
يكن الشيخ أبو القاسم يتصرف في سهم
الإمام (عليه السلام) ، مع ما كان عليه من
ضعف الحال ، وضيق ذات اليد ، إلى درجة أنه
لم يكن يجد ـ أحياناً ـ ما يأكله ، كما نقل
أولاده . وحينما
تدرّ عليه السماء برزقها تجده لا يدخر
وسعاً فـي دعـوة الفقراء والمحتاجين
ليشاركوه في سرائه ونعمته .. ثم يشكر الله
سبحانه على رزقه وما أجراه من الخير على
يديه . ومما
ذكره بعضهم في أحواله إنه كان يكنّ
احتراماً فائقاً وواضحاً لزوجته الكريمة
، وذلـــك بسبب انتسابها إلــى الرســول
العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي
السرّاء كان يغدق عليها في العطاء ، وفي
الضراء كان يطعم نفسه رغيف الشعير من أجل
أن تهنأ زوجته برغيف الحنطة . |
|
هو كالملائكة لا يستحي من لا يعلم |
|
سئل
أحد العلماء عن مسألة ، فقال : لا أعلم . قال
أحد الحضور وفي حالة استنكار : وأي جواب
هذا ؟ هلاّ
ورّيت أو أجملت ؟ أو لا تستحي من قول لا
أعلم ؟ فأجاب
ذلك العالم في هدوء : ولماذا أستحي من شيء
لم تستح منه الملائكة، حينما قالوا : (
سبحانك لا علم لنا إلا ما
علمتنا )(4). |
|
صيانة الأمانة |
|
خارت
قوى أحد العلماء ، بسبب ما أصابه من
الجـوع والهـزال ، حتى تداركه أحد
المؤمنين ببعض الطعام ، أعاد له شيئاً من
صحته . وفي
الأثناء دخل عليه أحد رجال الدين يسأله
شيئاً من المال . فاستوى العالم المذكور
قائماً ودسّ يده فـي صندوق وضع في كوّة
الحجرة ، واستخرج منه بعض المال أعطاه
للسائل . ولم
يلبث غير قليل حـتى دخل عليه آخر كان
ينتسب إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه
وآله وسلم) ، وكانت عليه آثار الحاجـة
بادية ، فأعطاه كما أعطى سابقة . تعجب
بعض الحاضرين ، وقال : كيف يكون عندك كل
هذا المال ، ويحلّ بك ما حلّ بك من الجوع
والفاقة ؟ أجاب
العالم : هذه الأموال ليست لي ، وإنما هي
أمانة وضعها الناس عندي، لكي أوصلها الى
مستحقيها . ولو تصرّفتُ بها لكنت خائناً
للأمانة ، وإنّ أعظم الخيانة خيانة الأمة
. |
|
سيحرقون لحيتي بنار جهنم |
|
كان
الشيخ جعفر المحلاتي (قدس سره)
من العلماء الكبار في مدينة شيراز
الإيرانية ، وكان ـ في بداية أمره ـ ميسور
الحال ، يبذل الأموال والأعطيات للفقراء
والمحتاجين ، إلاّ أنه ابتلي في شيخوخته
بفقر مدقع . ولقد
حدث نزاع ـ ذات يوم ـ بين أبناء (
مؤيد الملك ) وإخوته ، على
تولّي الموقوفات التي تركها (
المؤيد ) بعد وفاته . اختصم
الطرفان عند الشيخ عبد الكريم الحائري ،
لكنه رفـض البتّ فـي القضية مع وجود
الشيخ جعفر المحلاتي في شيراز . رفعـوا
القضية إلـى مراجع آخرين ، لكنهم كرّروا
عليهم نفس جواب الحائـري
، فأضطر المتخاصمون إلى رفعها إلى الشيخ
محلاتي ولكن عبر وسطاء. عرض
الوسيط الموضوع على الشيخ المحلاتي ،
وقدّم الوثائق والحجج للطرفين ، ثم أظهر
له أن الجميع قد ارتضوه حكماً فيما بينهم
وإن المهم عندهم هو إنهاء النـزاع ، وعرض
عليه الوسيط مبلغ أربعة آلاف تومان لقاء
أتعابه في القضية ، وكان هذا المبلغ يعدّ
كبيراً ومغرياً في ذلك الزمان . لكن
الشيخ مع ذلك ، اعتذر عن البت في النـزاع . قال
له الوسيط : شيخنا ، إن أطراف النـزاع
مستعدون لدفع عشرة آلاف تومان(5)
إن أصدرت الحكم ، ولا فرق عندهم فيمن
تختاره لتولّي الموقوفات ، سواءً أكان
منهم أم من غيرهم . وبعد
إصرار متبادل من الشيخ ومن الوسيط ، أمسك
الشيخ لحيته بيده وقال: إنهم يريدون
إحراق لحيتي البيضاء بنار جهنم ! هذا
الرفض صدر من الشيخ فـي وقت لم يكن يملك
المـال لشـراء طعام العشاء ، الأمر الذي
اضطرّه إلى بيع قدر من قدور المنـزل ،
لشراء عدّة أرغفة من الخبز لعائلته . |
|
المهم أن لا يملكك شيء |
|
كان
المرحـوم الشيخ أحمد النراقـي(6)
(قدس سره) من العلماء الأجلاّء والأغنياء
الموفوري الحال ، كان له فـي ما يملك
بستان واسع زاخر بالخيرات والنعم . وذات
يوم التقاه صوفي ، عند دخوله الحمام . قال
الصوفي للنراقي : كيف تدّعي لنفسك الزهد
والدين ، ولك ما لك من الأملاك مما تشتهي
الأنفس وتلذّ الأعين ؟! فلم
يجبه النراقي ، حـتى إذا فرغا من الحمّام
توجه إلى صاحبه قائلاً : أيّها المرشد !
هل ذهبت إلى زيارة الإمام الحسين (عليه
السلام) في كربلاء ؟ أجاب
الصوفي بالنفي ، فدعاه النراقي لصحبته
إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)
وافق الصوفي وانطلقا معاً ، وبعد عـدّة
خطوات طلب الصّوفـي من النراقي أن يمهله
عدّة لحظات حتى يعود ! قال
النراقي : لماذا ؟ قال
الصوفـي بعد أن ضرب يده بالأخرى : لقد
نسيت كشكولي(7)
فـي الحمّام ، ولابّد أن أصحبه معي. قال
النراقي : أيها الصوفي ، إنك شهدت بأن لـي
ثروة طائلـة ، وأموالاً كثيرة ، لكنني
أودعتها عند ربّي حينما عزمت على السفر
إلى العتبات المقدّسة ، وأخرجت حبّها من
قلبي ، وأما أنت فلم تستطع أن تترك
كشكولاً واحداً ولم تملك أن تنـزع حبّه
من قلبك ، فإن الزهد ـ كما قال الإمام علي
(عليه السلام) ـ (أن لا يملكك شيء لا أن لا
تملك شيئاً) . |
|
هكذا يصنعون التاريخ |
|
نقل
الميرزا هادي الكفائي(8)،
قصّة حضور والده درس الحكيم الملّا هادي
السبزواري (قدس سره) قال : قرّر والدي
الذهاب مـن مدينة طوس إلـى النجف الأشرف
، ضمن قافلة متوجهة إلى العراق. وفي
الطريق توقفت القافلة بمدينة سبزوار ..
وفي صباح اليوم التالي حضر والدي درس
الحكيم السبزواري ، لكنه إختار مكاناً
منفصلاً شيئاً ما عن حلقة الدرس ، بحيث
صار يستمع لأقوال الأستاذ السبزواري . وطوال
مدّة توقف القافلة في تلك المدينة ، واظب
والدي على حضور درس السبزواري ، ولمّا
قرّرت القافلة استئناف الحركة لمتابعة
الرحلة نحو العراق البلد المقصود ، إذا
بوالدي يفاجئ الجميع بقراره البقاء في
سبزوار . قال : لقد عثرتُ على ضالّتي فـي
الملاّ هادي ، ولن أغادر سبزوار قبل أن
أغترف مـن علومه وحكمته ومعارفه . وأمام
دهشتهم وتعجبهم قال والدي : لا تقلقوا
عليّ ، فسوف أواصل سفري حالما أشعر
بالكفاية من إفادات هذا العالم الفاضل . وهكذا
بقي والدي في سبزوار قرابة ثلاثة أشهر ،
كان وجوده ، وإصغاؤه الملفت ، وصمته
الدائم ، خلال تلك الفترة مثار فضولهم
واحترامهم في وقت واحد . فاجتمعوا ذات يوم
حول أستاذهم السبزواري يسألونه . قالوا
: أيها الحكيم منذ مدّة ونحن نلاحظ حضور
هذا الشاب ـ يريدون الخراساني ـ وهو يصغي
بإمعان إلى كلّ ما تتحفنا به دون أن يكلم
أحداً منّا ، فمن هو ؟ ومن أين جاء ؟ وهل
التقى بك يوماً ؟ هنالك
ارتسمت ابتسامة على شفتي الأستاذ
السبزواري ، وقال لهم : لقد قَدِم هذا
الشاب ، واسمه محمد كاظم ، من مدينة طوس ،
وهـو يعـزم على الذهاب إلى النجف الأشرف
للتلمّذ على فحولها هناك ، وقد رأيته
وتحدّثت معه وقرأت في عينيه بريق النبوغ
، كما تدل سيماه على آثار عظيمة تتحلّى
بها نفسه ، وتشير إلى مستقبل علمـي زاهر
له ، بحيث يستفيد من إشعاع علمه آلاف
البشر ، ويتخرج على يديه كثير من العظماء
، وسيكون لتوجيهاته الأثر البالغ في
تغيير مستقبل الأمّة . دهش الطلاب لكلام أستاذهم ، الذي لم يعوّدهم منه علـى إسباغ المديح والإطراء لأحد ، وصارت نفوسهم تتوق إلى مجالسة ذلك الشاب وتختزن له كل ودٍّ وإكبار . ولم
تمض غير فترة وجيزة حتى اختفى الشيخ محمد
كاظم الخراساني عن أنظارهم ، وذلك بمجرّد
أن انتهى أستاذهم السبزواري من إلقاء
الدروس . وبعد
سنين أدرك الطلاب أن صاحبهم الشاب بالأمس
قد طبقت شهرته الآفاق في المنقول
والمعقول ، وقـد أصبح أحد الذين قادوا
ثورة المشروطة في إيران ، وأطاحوا
بالاستبداد ، ووقفوا بوجه الاحتلال
الروسي الغاشم لبلادهم . وفوق
ذلك كله صار من مراجع التقليد العظام ،
الذي قلّده الملايين في كثير من الأمصار
وصار كتابه ( الكفاية ) محور الدرس والبحث
في كل الحوزات العلميّة . وما تزال نظريات الآخوند الخراساني وآراؤه الأصولية إلى اليوم أحد المحاور الرئيسية التي تفرض نفسها على الأوساط العلميّة الدينيّة . |
|
مفتاح النجاح |
|
يقول
صاحب أعيان الشيعة : إن للمرحوم الشيخ
محمـد البهـاري أربعة وأربعين كتاباً
فـي مختلف العلوم والفنون ، وأن بدايـة
درسه كانت عند الآخوند ، لكنه ما كان يعي
الدروس ويستوعبها . وقد
نقل عنه أنه رأى في منامه الإمام الحسين (عليه
السلام) وبشّره ، بأنه سيكون علـى منـزلة
عالية من العلم والمعرفة ، وبعـد تلك
الرؤيا ، وعرف الشيخ بالفطنة والنباهة
والفهم والذكاء ، فواصل دروسه بروح ثابته
، وهمّةٍ عالية ، حتى أصبح من العلماء
الأجلاّء . إن
إخلاص الشيخ وتقواه هما اللذان أورثاه
هذه النعمة ، ومثابرته على طلب العلوم
ومقاومته للعقبات هما اللذان اوصلاهُ
الـى هذه الكمالات ومثل الشيخ محمد
البهاري كان العلامة المولى صالح
المازندراني ، بل تلك هي الحال بالنسبة
لعشرات العلماء والرجال البارزين في
التاريخ . |
|
شمعة
أم شمس ؟ |
|
رأى
السيد مرتضى الطباطبائي والد السيد محمد
مهدي بحر العلوم ( قدس سرّهما ) ، في
المنام ، أن الإمام الرضا (عليه السلام)
أعطى لمحمد بن إسماعيل بن بزيع شمعة ،
فأخذها وأسرجها فوق داره ، فنشرت تلك
الشمعة ضياءً عجيباً . ولم تكن تلك الرؤيا غير بشارة بولادة السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، حيث أبصر النور في نفس الليلة ، وهي الليلة الجمعة من شهر شوّال .
|
|
1
ـ
الشيخ مرتضى بن محمد امين الانصاري ، ولد
سنة 1314هـ ، آلت اليه المرجعية بعد وفاة
استاذه الشيخ محمد حسن النجفي المعروف
بصاحب الجواهر ، توفى في النجف سنة 1381هـ
. ترك عدّة مؤلفات أهمها كتاب المكاسب في
الفقه والفرائد في الأصول . 2
ـ
الشيخ هادي بن مهدي السبزواري : ولد سنة
1212هـ ، وأضحى من الفلاسفة المعروفين في
عصره ، وكان له حلقة درس عامرة بالطلاب
والفضلاء ، توفى سنة 1289هـ ، وترك مؤلفات
عديدة منها : شرح اللآلي المنتظمة في
المنطق ، غرر الفرائد في الحكمة ، ارجوزة
في الفقه سماها النبراس ، الجبر
والاختيار ، شرح دعاء الصباح . 3
ـ
الشيخ عبد الكريم بن جعفر الحائري ، ولد
في يزد سنة 1276هـ لهُ باع طويل في نشر
علوم أهل البيت (عليهم السلام)، أسس
الحوزة العلمية في قم المقدسة ، توفى سنة
1355هـ ، وترك عدّة مؤلفات منها درر
الفوائد في الاصول ، الصلاة والمواريث في
الفقه . 4
ـ
سورة البقرة : الآية 32. 5
ـ
وكان هذا المبلغ يعادل عشرة آلاف دولار . 6
ـ
الشيخ احمد بن مهدي بن أبي ذر النراقي
الكاشاني ، من العلماء الإجلاء الذي
اشتهر بعلمه وأخلاقه وتواضعه ، وكان يسكن
مدينة كاشان ويدرس فيها ، توفى سنة 1382هـ
، من مؤلفاته : عوائد الأيام ، مستند
الشيعة في أحكام الشريعة ، منهاج الوصول
إلى علم الأصول ، مفتاح الأحكام في أصول
الفقه ، جامع السعادات . 7
ـ
الكشكول : وعاء للمتسوّل يجمع فيه ما
يأخذه من أيدي الناس . 8
ـ
هو الابن الأكبر للمحقق الخراساني ،
الشيخ محمد كاظم الآخوند ، زعيم الحركة
الدستورية في إيران . |