الفهرس

فهرس الفصل الثالث

المؤلفات

 التاريخ

الصفحة الرئيسية

 

عام الرُّسُل والوفود

ولما فتح رسول اللّه (ص) مكة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية المباركة، ودانت له قريش، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف، وكذا عاد علي بن أبي طالب(ع) من إعلان البراءة في موسم الحج في السنة التاسعة من الهجرة النبوية المباركة، أقبلت وفود القبائل العربية من شتى أنحاء الجزيرة تترى على المدينة.

كما وبعث رسول اللّه (ص) رسله إلى الآفاق في السنة العاشرة من الهجرة النبوية المباركة، فكانت الرسل والوفود بين فتح مكة وارتحاله (ص)، كما كانت مراسلاته ومكاتباته مع الملوك والرؤساء بعد صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة النبوية المباركة حتى ارتحاله (ص) أيضاً، وحيث كانت الوفود مستمرة حتى زمن ارتحاله (ص)، لذلك قال (ص) في وصاياه: (أجيزوا الوفد).

وفد هوازن وثقيف

وكان ممن قدم عليه (ص): وفد هوازن، وقد مرّ ذكرهم، ووفد ثقيف، وذلك انه قدم على رسول اللّه (ص) عروة بن مسعود الثقفي مسلماً، ثم استأذن رسول اللّه (ص) في الرجوع إلى قومه وإنذارهم، فقال (ص): إني أخاف أن يقتلوك.

فقال: إنهم إن وجدوني نائماً ما أيقظوني، إشفاقاً منهم عليَّ.

فأذن له رسول اللّه (ص) فرجع إلى الطائف ودعاهم إلى الإسلام ونصح لهم، فعصوه، وأسمعوه الأذى، حتى إذا طلع الفجر قام في غرفة من داره فأذّن وتشهّد، فرماه رجل بسهم فقتله.

ثم أقبل بعد ذلك وفد ثقيف بضعة عشر رجلاً هم من أشراف ثقيف، فأسلموا وذلك في قصّة مفصّلة مرّ تفصيلها، ثم دعوا قومهم ثقيف إلى الإسلام، فأسلموا.

فلما أسلمت ثقيف، ضربت إلى رسول اللّه (ص) وفود العرب، فدخلوا في دين اللّه أفواجاً، كما قال اللّه سبحانه في سورة النصر:

(بسم اللّه الرحمن الرحيم إذا جاء نصر اللّه والفتح ورأيتَ الناس يدخلون في دين اللّه أفواجا فسبِّح بحمد ربِّك واستغفره إنَّه كان توّاباً)(1).

وفد بني تميم

وقدم على رسول اللّه (ص) وفد بني تميم في جماعة من أشرافهم، منهم: الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وعيينة بن حصن الفزاري، وعمرو بن الأهتم، وعلى رأسهم: عطارد بن حاجب بن زرارة، وكان الأقرع وعيينة شهدا مع رسول اللّه (ص) فتح مكة وحنيناً والطائف، فلما قدم وفد تميم دخلا معهم، فأجارهم رسول اللّه (ص) وأحسن جوارهم.

وفد بني عامر

وممّن قدم على رسول اللّه (ص) وفد بني عامر بن صعصعة، وفيهم: عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس أخو لبيد بن ربيعة الشاعر لاُمه، وكان عامر وأربد يريدان أن يغدرا برسول اللّه (ص)، فقيل: يا رسول اللّه هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك.

فقال رسول اللّه (ص): دعوه، إن يرد اللّه به خيراً يهده.

فأقبل حتى قام عليه فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت؟

قال (ص): لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم.

فقال: تجعل الأمر لي بعدك؟

قال (ص): ليس ذلك إليّ، إنما ذلك إلى اللّه يجعله حيث يشاء.

قال: فاجعلني على الوبر وأنت على المدر.

قال (ص): لا.

قال: فماذا تجعل لي؟

قال (ص): أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها.

قال: وليس ذلك إليّ اليوم؟

وقيل: انه لما قدموا عليه قال عامر: يا محمد خالّني.

فقال (ص): لا، حتّى تؤمن باللّه وحده، قالها مرّتين.

فلما أبى عليه قال عامر: واللّه لأملأنّها عليك خيلاً جرداً ورجالاً مرداً.

وكان عامر قد قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل فأنا شاغل عنك وجهه، فإذا رأيتني اُكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف. فدار أربد ليضربه، فاخترط من سيفه شبراً، فحبس اللّه يده، فلم يقدر على ذلك، فالتفت رسول اللّه (ص) فرأى أربد وما يصنع بسيفه..

فلما ولّى قال رسول اللّه (ص): اللّهمّ اكفني عامر بن الطفيل وأربد بن قيس، اللّهمّ اكفنيهما بما شئت.

فلما خرجوا من عند رسول اللّه (ص) قال عامر لأربد: أين ما أمرتك به؟

قال: ويحك واللّه ما هممت بالذي أمرتني به إلا وحلتَ بيني وبينه، أفأضربك بالسيف؟

فأرسل اللّه على أربد وجمله صاعقة فأحرقتهما. وقيل: وأنزل اللّه عزّوجل: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء)(2).

وفي رواية: قال عامر: واللّه لأربطن بكل نخلة فرساً.

فقال رسول اللّه (ص): يمنعك اللّه من ذلك وأبناء قيلة، يعني الأوس والخزرج.

وبعث اللّه على عامر بن الطفيل في طريقه ذلك الطاعون في عنقه فقتله في بيت امرأة من سلول، وكان رسول اللّه (ص) قد قال في عامر وأربد: اللّهمّ أبدلني بهما فارسي العرب، فقدم عليه زيد بن مهلل الطائي، وهو زيد الخيل الذي سماه رسول اللّه (ص) زيد الخير، وعمرو بن معدي كرب الذي مرّ ذكره.

وفد طي

وقدم وفد طي على النبي (ص) وفيهم زيد الخيل وهو سيّدهم، وعديّ بن حاتم، فلما انتهوا إليه (ص) كلمهم وعرض عليهم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم، وقال (ص): ما ذكر لي رجل من العرب بفضل، ثم جاءني إلا رأيته دون مايقال فيه، إلا زيد الخيل فإنه لم يبلغ كل ما فيه، ثم سماه (زيد الخير).

فلما خرج زيد من عند رسول اللّه (ص) راجعاً إلى المدينة قال رسول اللّه(ص): إن ينج زيد من حمى المدينة، فلما انتهى إلى ماء من مياه نجد يقال له فردة أصابته الحمى فمات بها.

وفد زبيد

وقدم وفد بني زبيد على رسول اللّه (ص) في المدينة، وفيهم: عمرو بن معدي كرب، وقد مرّت قصته عند ذكر إسلامه فيما سبق.

وقيل: انه قتل في قتال الفرس.

وفد عبدالقيس

وقدم وفد عبدالقيس على رسول اللّه (ص) وهي قبيلة كبيرة ينسبون إلى عبدالقيس بن أفعمي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، فقال رسول اللّه(ص): ممن القوم؟

قالوا: من ربيعة.

قال (ص): مرحباً بالوفد غير خزايا ولا ندامى.

فقالوا: يا رسول اللّه إنّ بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر فصل نأخذ به من ورائنا وندخل به الجنّة.

فقال (ص): آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان باللّه وحده، أتدرون ما الإيمان باللّه؟ شهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمداً رسول اللّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس، وأنهاكم عن أربع: الدبّّاء، والحنتم، والنقير، والمزفت ـ وكانت هذه الأربعة ظروفاً خــاصة يصنع فيها الخمرـ، فنهاهم رسول اللّه (ص) عن الخمر وعن الشرب فيها، ثم أوصاهم قائلاً: فاحفظوهنّ وادعوا إليهنّ من ورائكم.

قالوا: يا رسول اللّه ما علمك بالنقير؟

قال (ص): بلى، جذع تنقرونه ثم تلقون فيه من التمر ثم تصبون عليه الماء حتى يغلى، فإذا سكن شربتموه، فعسى أن يضرب ابن عمه بالسيف ـ أي: على أثر السكرـ وفي القوم رجل به ضربة لذلك. قال: وكنت أخبئُها حياءً من رسول اللّه (ص).

قالوا: ففيم نشرب الماء يا رسول اللّه؟

قال (ص): اشربوا في أسقية الأدم التي تلاث ـ أي تشد ـ على أفواهها.

قالوا: يا رسول اللّه إنّ أرضنا كثيرة الجرذان لا تبقي بها أسقية الأدم.

قال (ص): وإن أكلتها الجرذان (مرتين أو ثلاثاً).

ثم قال رسول اللّه (ص) لأشج عبد القيس: إنّ فيك لخصلتين يحبّهما اللّه: الحلم والأناة.

وفد بني حنيفة

وقدم على رسول اللّه (ص) وفد بني حنيفة، وفيهم مسيلمة الكذاب الذي ارتدّ وادّعى النبوّة فيما بعد، وكانوا قد خلّفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له (ص) مكانه فقالوا: يا رسول اللّه إنا قد خلّفنا صاحباً لنا في رحالنا وركابنا، فأمر له رسول اللّه (ص) بما أمر للقوم، ثم انصرفوا وجاءوه بالذي أعطاه.

فلما قدم مسيلمة اليمامة ارتدّ على عقبه وتنبّأ وقال: إني اُشركت في الأمر معه، ثم جعل يسجع السجعات فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن: (لقد أنعم اللّه على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى) ووضع عنهم الصلاة، وأحل لهم الخمر والزنا ونحو ذلك، وكان مسيلمة الكذاب هذا صاحب يمامة، كما كان العنسي الكذاب صاحب صنعاء هو الآخر أيضاً الذي ادّعى النبوّة، وكذلك كانت سجاح التي ادّعت النبوّة كذباً، فأخزاهم اللّه جميعاً وأذلّهم.

وقيل: انه كتب مسيلمة لرسول اللّه (ص):

(من مسيلمة رسول اللّه إلى محمد رسول اللّه، أما بعد: فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأمر ولقريش نصف الأمر، وليس قريش قوماً يعدلون).

فقدم عليه رسوله بهذا الكتاب، فكتب إليه رسول اللّه (ص): (بسم اللّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللّه إلى مسيلمة الكذّاب، سلام على من اتّبع الهدى، أما بعد فإن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتّقين).

وعن ابن عباس قال: لما قدم مسيلمة الكذاب على رسول اللّه (ص) فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتّبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه.

فأقبل النبي (ص) ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد النبي (ص) قطعة من جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعد أمر اللّه فيك، ولئن أدبرت ليعقرنّك اللّه.

وقيل: انه (ص) قال: وإن أراك الذي رأيت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني، ثم انصرف.

قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول اللّه (ص): وإن أراك الذي رأيت فيه ما رأيت، فأخبرني أن النبي (ص) قال: بينا أنا نائم رأيت رؤيا، فأوحي إليَّ في المنام: أن كذّابين يخرجان من بعدي: أحدهما العنسي صاحب صنعاء، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة.

وفد كندة

وقدم وفد كندة على رسول اللّه (ص) في ثمانين راكباً، وفيهم: الأشعث بن قيس، فدخلوا عليه (ص) مسجده وقد رجّلوا (أي: مشطوا) جممهم وتكحلوا، وعليهم جبات الحبرات مكفوفة بالحرير.

فلما دخلوا قال رسول اللّه (ص): أو لم تسلّموا؟

قالوا: بلى.

قال (ص): فما هذا الحرير في أعناقكم؟ فشقّوه ونزعوه منها, فألقوه.

وفد بني مراد

وقدم فروة بن مسيك المرادي مفارقاً لملوك كندة ومباعداً لها إلى رسول اللّه(ص)، فقال له رسول اللّه (ص): هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم؟ ـ وقد كان بين مراد وهمدان وقعة قبل الإسلام أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له يوم الردم ـ .

فقال: من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم ولا يسوؤه ذلك؟

فقال له رسول اللّه (ص): أما إنّ ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً، واستعمله على مراد وزبيد ومذحج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، فكان معه في بلاده حتى توفى رسول اللّه (ص).

ولما توجّه فروة بن مسيك إلى رسول اللّه (ص) مفارقاً كندة قال:

لما رأيت ملـــوك كندة أعرضت          كالرِّجل خان الرِّجـل عرق نسائها

يمّـــمت راحــلتــي أؤم محـــمــدا          أرجـــو فواضـــلها وحسن ثرائها

وفد الأشعريين

وقدم على رسول اللّه (ص) الأشعريون من أهل اليمن، وروي ان رسول اللّه (ص) قال قبل قدومهم: سوف يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوباً، فقدم الأشعريون، فجعلوا يرتجزون ويقولون:

غداً نلـــقــي الأحـــبّة          محــــمداً وحــزبه

وفد أهل اليمن

وقدم على رسول اللّه (ص) وفد من أهل اليمن فقالوا: يا رسول اللّه جئنا لنتفقّه في الدين، ونسألك عن أول هذا الأمر.

فقال لهم رسول اللّه (ص): كان اللّه ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء.

وفد أزد

وقدم على رسول اللّه (ص) صرد بن عبداللّه الأزدي فأسلم وحسن إسلامه، فأمّره رسول اللّه (ص) على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن.

فخرج يسير بأمر رسول اللّه (ص) حتى نزل بجرش وهي يومئذ مدينة كان يقطن بها بعض قبائل العرب، قال: وقد ضوت اليهم خثعم فدخلوا معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم فحاصروهم قريباً من شهر، وامتنعوا فيها فرجع عنهم قافلاً حتى إذا كان في جبل لهم، ظن أهل جرش انه انما ولى عنهم منهزماً، فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه، فوقع القتال بينهم.

وقيل: انه قد كان أهل جرش بعثوا إلى رسول اللّه (ص) رجلين منهم يرتادان وينظران، فبينما هما عند رسول اللّه (ص) عشية بعد العصر، إذ قال رسول اللّه (ص): بأي بلاد اللّه شكر؟

فقام الجرشيان فقالا: يا رسول اللّه ببلادنا جبل يقال له كسر، وكذلك يسميه أهل جرش.

فقال (ص): إنه ليس بكسر ولكنه شكر.

قالا: فما شأنه يا رسول اللّه؟

قال (ص): إن بدن اللّه لتنحر عنده الآن.

قال: فجلس الرجلان إلى أحد الصحابة فقال لهما: ويحكما إن رسول اللّه (ص) لينعي لكما قومكما، فقوما فاسألاه أن يدعو اللّه أن يرفع عن قومكما.

فقاما إليه فسألاه ذلك، فقال (ص): اللّهمّ ارفع عنهم.

فخرجا من عند رسول اللّه (ص) راجعين إلى قومهما فوجدا قومهما قد اُصيبوا في اليوم الذي قال فيه رسول اللّه (ص) ما قال، وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر، فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول اللّه (ص) فأسلموا، وحمي لهم حمى حول قريتهم.

وفد بجيلة

وقدم على رسول اللّه (ص) جرير بن عبداللّه البجلّي ومعه مائة وخمسون رجلاً من قومه، فقال رسول اللّه (ص) قبل قدومه: يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن، على وجهه مسحة ملك، فطلع جرير على راحلته ومعه قومه، فأسلموا وبايعوا.

وفد بني كعب

وقدم وفد بني الحارث بن كعب على رسول اللّه (ص) وفيهم: قيس بن الحصين، فسلّموا عليه وقالوا: نشهد أن لا إله إلا اللّه وانّك رسول اللّه.

فقال لهم رسول اللّه (ص): وأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وانّي رسول اللّه، ثم قال لهم: بم كنتم تغلبون من قاتلتم في الجاهلية؟

قالوا: كنا نجتمع ولا نتفرّق، ولا نبدأ أحداً بظلم.

قال (ص): صدقتم، وأمّر عليهم قيس بن الحصين، فرجعوا إلى قومهم، ثم بعث إليهم رسول اللّه (ص) بعد ذلك عمرو بن حزم الأنصاري ليفقّههم في الدين، ويعلّمهم السنّة ومعالم الإسلام ويأخذ منهم صدقاتهم.

وفد همدان

وقدم عليه (ص) وفد همدان، وفيهم: مالك بن النمط ومالك بن أيفع وضمام بن مالك، وعمرو بن مالك فلقوا رسول اللّه (ص) وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية على الرواحل المهرية، ومالك بن النمط يرتجز بين يدي رسول اللّه (ص) ويقول:

همـدان خـيــر ســــوقة وأقيال          ليس لها في العالمين أمثال

محلـها الهضب ومنها الأبطال          لهــا اطـــابــات بها وأكال

 

ويقول الآخر:

إليك جـاوزن ســــواد الريف          في هبوات الصيف والخريف

مخـــطــــمات بحــبـــال ليف

وذكروا له كلاماً كثيراً حسناً فصيحاً، فكتب لهم رسول اللّه (ص) كتاباً وأمر عليهم مالك بن النمط.

وفد مزينة

وقدم وفد مزينة على رسول اللّه (ص) وفيهم: النعمان بن مقرن.

قال النعمان: قدمنا على رسول اللّه (ص) أربعمائة رجل من مزينة، فلما أردنا أن ننصرف قال (ص): (زوّدوا القوم) فزوّدونا بتمر كثير.

وقيل: انه (ص) قال لبعض أصحابه: زوّد القوم.

فقال: ما عندي إلا شيء من تمر، ما أظنه يقع من القوم موقعاً.

قال (ص): إنطلق فزوّدهم.

فانطلق بهم فأدخلهم منزله ثم أصعدهم إلى علية، فلما دخلوا إذا فيه من التمر مثل الجمل الأورق، فأخذ القوم منه حاجتهم.

قال النعمان: وكنت في آخر من خرج، فنظرت وما أفقد موضع تمرة من مكانها.

وفد نجران

وقدم على رسول اللّه (ص) وفد نصارى نجران وفيهم: السيد والعاقب والأتهم، وآل أمرهم إلى المباهلة فأحجموا عنها وقبلوا الجزية، فكتب لهم رسول اللّه (ص) كتاب صلح، وذلك في قصة مفصّلة مرّ ذكرها في حديث المباهلة.

وفد ملوك حمير

وقدم على رسول اللّه (ص) وافد ملوك حمير: مالك بن مرة بكتابهم إليه(ص)، وبإسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله، فكتب لهم رسول اللّه (ص) كتاباً وأرسله إليهم مع رسولهم مالك بن مرة وأوصاهم به خيراً، وقد سبق تفصيله.

وفد جماعة الأعراب

وقدم على رسول اللّه (ص) اُهيب بن سمّاع وكان كبير قوم من الأعراب.

قال الراوي: كان رسول اللّه (ص) يوماً جالساً في نفر من أصحابه، وقد صلّى الغداة، إذ أقبل أعرابي على ناقة له حتى وقف بباب المسجد فأناخها ثم عقلها ودخل المسجد يتخطّى الناس والناس يوسّعون له، وإذا هو رجل مديد القامة، عظيم الهامة، متعجّر بعمامة، فلما مثل بين يدي رسول اللّه (ص) أسفر عن لثامه، ثم همّ أن يتكلّم فارتجّ، ثمّ همّ أن يتكلّم فارتجّ، حتى اعترضه ذلك ثلاث مرات.

فلما رآه رسول اللّه (ص) وقد ركبه الزمع ـ أي: الدهشة ـ لهى عنه بالحديث ليذهب عنه بعض الذي أصابه، وقد كسا اللّه نبيه (ص) جلالة وهيبة، فلما أنس وفرّخ روعه قال له النبي (ص): قل للّه أنت، ما أنت قائل، فأنشد أبياتاً اعتذاراً عما أصابه.

فاستوى رسول اللّه (ص) جالساً وقد كان متكئاً ثم قال له: أنت اُهيب بن سماع؟ ولم يره قطّ قبل ذلك.

فقال: أنا اُهيب بن سماع، الآبي الدفّاع، القوي المنّاع.

قال (ص): أنت الذي ذهب جلّ قومك بالغارات، ولم ينفضوا رؤوسهم من الهفوات، إلا منذ أشهر وسنوات؟

قال: نعم أنا ذاك.

قال (ص): أتذكر الأزمة التي أصابت قومك، احرنجم لها الزيخ، وأخلف نوء المرّيخ، وامتنعت السماء، وانقطعت الأنواء، واحترقت العنمة، وخفّت البرمة، حتى ان الضيف لينزل بقومك وما في الغنم عرق ولا غزر، فترصدون الضب المكنون فتقتنصونه؟ وكأنك قلت في طريقك إليّ: لتسألني عن حلّ ذلك وعن حرمته؟ ألا ولا حرج على مضطرّ، ومن كرم الأخلاق برّ الضيف؟

قال: فقال اُهيب: لا واللّه لا أطلب أثراً بعد عين، لكأنّك كنت معي في طريقي وشريكي في أمري، أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأنّك محمداً رسول اللّه، ثم قال: يا رسول اللّه زدني شرحاً وبياناً ازدد بك إيماناً.

فقال له رسول اللّه (ص): أتذكر إذ أتيت صنمك في الظهيرة، فعترت له العتيرة ـ وهي الذبيحة كانت تذبح للأصنام فيصبّ دمها على رأسها ـ؟

فقال اُهيب: نعم بأبي أنت واُمّي يا رسول اللّه، ان الحارث بن أبي ضرار جمع لك جموعاً ليدهمك بالمدينة، واستعان بي على حربك، وكان لي صنم يقال له: واقب، فرقبت خلوته، وقممت ساحته، ثم نفضت التراب عن رأسه، ثم عترت له عتيرة، فإني لأستخبره في أمري، وأستشيره في حربك، إذ سمعت صوتاً قفّ له شعري، واشتدّ منه ذعري، فولّيت عنه وهو يقول:

اُهيب مــا لـك تجـــزع          لا تـــــنأ عـــنّي وارجع

واســـمـع مــقـالاً يــنفع          جــــاءك مـــا لا يـــدفع

بــنـــي صــــدق أروع          فــاقـــصد إليه واسْــرع

تــأمــن وبـال المصرع          وهـــول يـــوم المــطلع

قال اُهيب: فأتيت أهلي ولم اُطلع أحداً على أمري، فلما كان من الغد أتيته في الظهيرة فرقبت خلوته، وقممت ساحته، وعترت له عتيرة، ثم جسدته بدمها، فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتاً هائلاً، فولّيت عنه هارباً وهو يقول كلاماً في معنى كلامه الأول.

قال: فلما كان من غد ركبت ناقتي، ولبست لامتي، وتكبّدت الطريق حتى أتيتك.

عندها قال النبي (ص) لعلي (ع): يا علي خذ بيد اُهيب وعلّمه القرآن، فأقام عندهم حتى حذق شيئاً من القرآن وتعلّم أحكام الإسلام.

 

1 ـ النصر: 1 ـ 3.

2 ـ الرعد: 13.