الفهرس

فهرس الفصل الثاني

المؤلفات

 التاريخ

الصفحة الرئيسية

 

غزوة الطائف

والطائف منطقة سياحية ومصيف من مصايف الحجاز قديماً وحديثاً، وهي تبعد عن مكة اثنى عشر فرسخاً إلى نحو الجنوب الشرقي منها، وثقيف التي هي من القبائل القوية والكثيرة العدد كانت تسكنها.

سار إليها رسول اللّه (ص) بأصحابه في أواخر شوّال من السنة الثامنة من الهجرة النبويّة المباركة.

وسببها: اشتراك ثقيف في حرب رسول اللّه (ص) مع هوازن، ولجوئهم بعد هزيمتهم النكراء مع رئيس هوازن مالك بن عوف إليها.

وسلك رسول اللّه (ص) في طريقه إلى الطائف نخلة اليمانية، ثم على قرن، ثم على نجرة الرعاء من لية فابتنى فيها مسجداً فصلّى فيه.

ثم سلك (ص) في طريق، فسأل عن اسمها فقيل: الضيقة فقال: بل اجعلوا اسمها اليسرى، ثم خرج (ص) منها حتى نزل تحت سدرة قريباً من مال رجل من ثقيف، ثم مضى حتى انتهى إلى الطائف فنزل قريباً من حصنه فضرب به عسكره.

فرموا المسلمين رمياً شديداً حتى اُصيب ناس من المسلمين بجراحة، وفقئت عين أحدهم فأخذها بيده، فرآه رسول اللّه (ص) فقال له: أيهما أحب إليك، عين في الجنّة أو ادعو اللّه أن يردّها عليك؟

فقال: عين في الجنّة، فبارك عليه النبي (ص) وعلى إيمانه.

وقتل منهم يومئذ اثناعشر رجلاً سبعة من قريش، ورجل من بني ليث، وأربعة من الأنصار، فارتفع (ص) إلى موضع مسجد الطائف اليوم ووضع عسكره هناك، وكان معه من نسائه اُم سلمة وزينب، فضرب لهما قبّتين، وبقي رسول اللّه(ص) محاصراً لحصنهم بضع عشرة ليلة.

الطائف في محاصرة المسلمين

ثم شاور رسول اللّه (ص) أصحابه في حصن الطائف، فقال سلمان: أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم وتشدخه به حتى يحدث في الحصن ثغرة ننفذ منها إليهم، فأمر به فعمل منجنيق.

ويقال: قدم بالمنجنيق ودبابتين إليه، والدبّابة آلة لها سقف تحفظ الذين يستخدمون المنجنيق من سهام العدوّ وقذائفهم، فأرسل عليهم ثقيف قذائفهم: سكك الحديد المحماة بالنار، فأحرقت الدبّابتين.

فأمر (ص) بقطع أعناب ثقيف وتحريقها، فسألوه أن يدعها للّه وللرحم، فقال (ص): إني أدعها للّه وللرحم، فتركها.

ثم نادى منادي رسول اللّه (ص): أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا من الحصن فهو حرّ، فخرج منهم بضعة عشر رجلاً، منهم أبو بكرة وكان عبداً للحارث بن كلدة، اسمه نقيع بن الحارث، فتسوّر حصن الطائف وتدلى منه ببكرة مستديرة يستقي عليها فكنّاه رسول اللّه (ص) (أبا بكرة).

ومنهم: المنبعث وكان اسمه المضطجع فسمّاه رسول اللّه (ص) المنبعث، وغيرهما، فأعتق رسول اللّه (ص) من نزل منهم، ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه ويحمله، وأمرهم أن يُقرئوهم القرآن ويعلّموهم السنن.

فشق ذلك على أهل الطائف مشقّة شديدة، حتى انه لما أسلم أهل الطائف بعد ذلك تكلّم نفر منهم في اُولئك العبيد وقالوا: يا رسول اللّه ردّ علينا رقيقنا الذين أتوك.

فقال رسول اللّه (ص): لا، اُولئك عتقاء اللّه.

في أيام المحاصرة

وخرج من الحصن في أيام محاصرة النبي (ص) حصن الطائف نافع بن غيلان بن معتب في خيل من ثقيف، فلقيه علي (ع) في خيله، فالتقوا ببطن وجّ ـ وهو بلد بالطائف ـ ودار بينهم قتال شديد فقتله علي (ع) وانهزم من كان مع نافع من المشركين ودخلوا حصنهم خائبين مرعوبين، فلحق القوم على أثر ذلك رعب كبير، فنزل منهم جماعة إلى النبي (ص) وأسلموا على يديه.

مهمة كسر الأصنام

ثم انّ رسول اللّه (ص) أنفذ علياً (ع) في خيل ـ عند محاصرته أهل الطائف ـ إلى النواحي والأطراف وأمره أن يكسر كل صنم وجده.

فخرج (ع) فلقيه جمع كثير من خثعم، فبرز له رجل من القوم وقال: هل من مبارز؟

فلم يقم له أحد، فقام إليه علي (ع). ثمّ ضربه فقتله ومضى حتى كسر الأصنام وانصرف إلى رسول اللّه (ص) وهو بعد محاصر لأهل الطائف.

فك الحصار عن الطائف

قال جابر: فلما قدم علي (ع) فكأنّما كان رسول اللّه (ص) على وجل، فارتحل.

وكان قد أشار عليه بعض أصحابه ممن هو خبير بأوضاع المنطقة، وبأحوال ثقيف، وبجزئيات الحصن ومعدّاته وذخائره بترك المحاصرة والإرتحال عنهم.

كما كان قد سأله القوم أن يبرح عنهم ويترك محاصرتهم، ليقدم عليه وفدهم فيفاوضونه في أمرهم فيشترط له ويشترطون لأنفسهم.

وقيل: انه لما حاصر رسول اللّه (ص) الطائف فلم ينل منهم شيئاً قال: إنا قافلون غداً إن شاء اللّه، فثقل عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه؟

فقال: اغدوا على القتال، فغدوا فأصابهم جراح، فقال: إنا قافلون غداً إن شاء اللّه، فأعجبهم، فضحك النبي (ص).

وقد استشار النبي (ص) أصحابه في البقاء أو الرجوع، فأشاروا عليه بالرجوع.

فسار رسول اللّه (ص) حتى نزل مكة، فقدم عليه نفر منهم بإسلام قومهم، ولم ينجع القوم له بالصلاة ولا الزكاة أي: كانوا قد شرطوا لأنفسهم الإسلام على أن لا يصلّوا ولا يزكوا.

فرفض ذلك رسول اللّه (ص) رفضاً باتاً وقال: انه لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود، أما والذي نفسي بيده ليقيمنّ الصلاة وليؤتنّ الزكاة، أو لأبعثنّ إليهم رجلاً امتحن اللّه قلبه للإيمان هو منّي كنفسي، فليضرب أعناق مقاتليهم وليسبينّ ذراريهم، هو هذا، وأخذ بيد علي (ع) فأشالها.

فلما صار القوم إلى قومهم بالطائف أخبروهم بما سمعوا من رسول اللّه(ص) فأقرّوا له بالصلاة والزكاة وبما شرطه عليهم.