الفهرس

فهرس الفصل الخامس

المؤلفات

 التاريخ

الصفحة الرئيسية

 

سرية ابن مسلمة إلى نجد

ثم بعث رسول اللّه (ص) خيلاً قبل نجد وجعل عليهم محمد بن مسلمة، فظفروا برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن اُثال، وكان قد قتل من المسلمين، فأسروه وجاءوا به إلى المدينة فربطوه بسارية من سواري المسجد، وقيل: أودعوه في غرفة على باب المسجد.

فخرج إليه رسول اللّه (ص) وقال له: ما عندك يا ثمامة؟

فقال : عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فاسأل منه ما شئت.

فتركه حتى كان الغد، ثم قال (ص) له: ما عندك يا ثمامة؟

قال : ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر إلى آخره.

فتركه حتى كان بعد الغد فقال (ص) له: ما عندك يا ثمامة؟

قال : عندي ما قلت .

قال (ص) : أطلقوا ثمامة.

فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لاإله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه، يا محمد، واللّه ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، وأما الآن فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ، واللّه ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدين إليَّ، واللّه ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا اُريد العمرة، فماذا ترى؟

فبشّره رسول اللّه (ص) وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت؟

قال : لا ولكن أسلمت مع محمّد رسول اللّه (ص)، ولا واللّه لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي (ص)، وكانت اليمامة ريف مكة، فانصرف إلى بلاده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول اللّه (ص) يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي لهم حمل الطعام، ففعل رسول اللّه(ص) ذلك.

غزوة الغابة

وتعرف بذي قرَد بفتح القاف والراء، وهو ماء على بريد من المدينة بطريق الشام، وكانت هذه الغزوة في ربيع الأول سنة ست من الهجرة النبويّة المباركة.

وسببها : أنه كان لرسول اللّه (ص) عشرون لقحة ـ وهي ذوات اللبن القريبة العهد بالولادة ـ ترعى بالغابة فأغار عليها عيينة بن حصن الفزاري ليلة الأربعاء في أربعين فارساً فاستاقوها وقتلوا الراعي، وكان فيهم رجل من غفار وامرأته، قتلوا الرجل وسبوا المرأة.

ونودي: يا خيل اللّه اركبي، وكان أول ما نودي بها، كما انه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع السلمي، كان ناهضاً إلى الغابة، فلما علا ثنية الوداع نظر إلى خيل الكفار فصاح، فأنذر المسلمين، ثم نهض في آثارهم فأبلى بلاء حسناً عظيماً، ورماهم بالنبل حتى استنقذ ما كان بأيديهم من اللقاح، واستخلص المرأة، واستلب منهم ثلاثين بردة.

فلما وقعت الصيحة بالمدينة كان أول من أتى إلى رسول اللّه (ص) من الفرسان المقداد بن عمرو، ثم عباد بن بشر الأشهلي، واُسيد بن حضير أخو بني حارثة، وعكاشة بن محصن، ومحرز بن نضلة الأسدي الأخرم، وأبو قتادة الحارث بن ربعي، وأبو عياش عبيد بن زيد بن صامت الزرقي.

فلما اجتمعوا خرج رسول اللّه (ص) حتى أدرك ابن الأكوع.

فلما رأى ابن الأكوع رسول اللّه (ص) قال: يا رسول اللّه قد حميت القوم الماء فابعث إليهم الساعة.

فقال (ص) : يابن الأكوع إذا ملكت فاسجح، أي: سهّل وحسّن العفو.

ثم ان أول من لحق بهم محرز بن نضلة الأخرم، فأخذ ابن الأكوع بعنان فرسه، وقال: يا أخرم ان القوم قليل فاحذرهم لايقتطعوك حتى يلحق بنا أصحابنا.

فقال الأخرم: يابن الأكوع لا تحل بيني وبين الشهادة، فخلّى سبيله، فالتقى هو والفزاري فعقر الأخرم فرسه، فطعنه الفزاري فقتل رحمه اللّه، ولحق أبو قتادة فقتل قاتل الأخرم، وولّى المشركون منهزمين.

وبلغ رسول اللّه (ص) ماء يقال له ذو قرد، ونحر ناقة من لقاحه المسترجعة، وأقام (ص) يوماً وليلة ثم رجع إلى المدينة، وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة رسول اللّه (ص)، فلما أتت المدينة نذرت أن تنحرها، فأخبرها رسول اللّه (ص) انه لانذر لأحد فيما لا يملك، كما لا نذر في معصية.

سرية عكاشة إلى الغمرة

والغمرة : ماء لبني أسد، على ليلتين من فيد، أرسل إليهم رسول اللّه (ص) حين سمع بأنهم يريدون الإغارة على المدينة عكاشة بن محصن في أربعين رجلاً، وذلك في آخر شهر ربيع الأول سنة ست من الهجرة النبوية المباركة.

فلما أحسّ القوم بهم بكّروا في الهروب وتركوا مكانهم مائتي بعير، فساقها عكاشة إلى المدينة.

سرية زيد الى العيص

والعيص هي : منطقة على أربعة أميال من المدينة، خرج إليها في جمادي الاُولى زيد بن حارثة في مائة وسبعين راكباً ليأخذوا عيراً لقريش قد أخذت طريق العراق.

فالتقوا بأبي العاص ابن الربيع زوج زينب بنت رسول اللّه (ص)، وذلك عند مرجعه من الشام، وكان رجلاً مأموناً، وكانت معه بضائع لقريش، فاستاقوا عيره وأفلت، وقدموا على رسول اللّه (ص) بما أصابوا، فقسّمه بينهم.

وأتى أبو العاص المدينة فدخل على زينب بنت رسول اللّه (ص) مستجيراً بها وسألها أن تطلب من رسول اللّه (ص) ردّ ماله عليه، وما كان معه من أموال الناس.

فدعا رسول اللّه (ص) السرية وقال: إنّ هذا الرجل منا بحيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً ولغيره، وهو فيء اللّه الذي أفاء عليكم، فإن رأيتم أن تردوا عليه فافعلوا، وإن كرهتم فأنتم وحقكم.

قالوا : بل نرد عليه يا رسول اللّه، فردوا عليه ما أصابوا، حتى إن الرجل يأتي بالشيء والرجل يأتي بالإداوة والرجل بالحبل، فما تركوا قليلاً مما أصابوا ولا كثيراً إلا ردوه عليه.

ثم خرج أبو العاص بالبضائع حتى قدم مكة فأدّى إلى الناس بضائعهم، حتى إذا فرغ قال: يا معشر قريش ، هل بقي لأحد منكم مال لم أرده عليه؟

قالوا : لا، فجزاك اللّه خيراً، قد وجدناك وفياً كريماً.

قال : واللّه ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا توقّياً أن تظنّوا اني أسلمت لأذهب بأموالكم، ثم قال معلناً: اني أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.

سرية ابن حارثة إلى بني فزارة

وفي شهر رجب سنة ست من الهجرة النبوية المباركة بعث رسول اللّه (ص) زيد بن حارثة على رأس جماعة إلى وادي القرى وذلك لأن زيداً كان يذهب إلى الشام في تجارة ومعه بضائع من أصحاب النبي (ص)، فلما قربوا من وادي القرى أغار عليهم قوم من فزارة، فقتلوا المسلمين، ونجى زيد بنفسه، فلما قدم زيد المدينة وقد خلص بنفسه، بعثه رسول اللّه (ص) مع جماعة إلى بني فزارة، فلقيهم بوادي القرى فأصاب منهم أموالاً وقتل منهم رجالاً ورجع إلى المدينة بعد أن وطّد الأمن في الطريق.

غزوة بني المصطلق

ثم كانت غزوة بني المصطلق وهم بطن من خزاعة، ورأسهم الحارث بن أبي ضرار، وقد تهيّأ للزحف على المدينة حيث سار الحارث في قومه ومن قدر عليه من العرب فدعاهم إلى حرب رسول اللّه (ص) فأجابوه.

فلما سمع بهم رسول اللّه (ص) خرج إليهم في بشر كثير لليلتين خلتا من شعبان سنة ست من الهجرة النبوية المباركة، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل: نميلة بن عبداللّه الليثي، فلقيهم على ماء من مياههم يقال له: المريسيع، فتراموا بالنبل ساعة، ثم أمر رسول اللّه (ص) أصحابه أن يحملوا عليهم حملة رجل واحد، فما أفلت منهم انسان، وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم، وسبى رسول اللّه (ص) النساء والذراري، وغنم الأموال والشاء والنعم.

وكان من السبي اُم المؤمنين (جويرية) بنت الحارث بن أبي ضرار سيّد بني المصطلق، فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها، فأدّى رسول اللّه (ص) عنها وأعتقها فتزوّجها وسمّاها برّة، فلما بلغ المسلمون ذلك أعتقوا إجلالاً لرسول اللّه (ص) ما كان في أيديهم من السبايا وكانوا مائة أهل بيت من بني المصطلق وقالوا: أصهار رسول اللّه (ص)، فما علم امرأة أعظم بركة على قومها منها.

في طريق المدينة

وفي رجوع رسول اللّه (ص) من هذه الغزوة قال عبداللّه بن اُبيّ: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، وذلك لشرّ وقع بين جهجاه بن مسعود الغفاري من المهاجرين وبين سنان بن وبر الجهني من الأنصار.

فنادى الغفاري : يا للمهاجرين.

ونادى الجهني: يا للأنصار.

فقال رسول اللّه (ص) : أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟

وبلّغ زيد بن أرقم رسول اللّه (ص) مقالة عبداللّه بن اُبي فنزل في ذلك من عند اللّه سورة المنافقين، وتبرأ عبداللّه بن عبداللّه بن اُبي من أبيه، وأتى رسول اللّه (ص) فقال له: يا رسول اللّه أنت واللّه الأعزّ وهو الأذلّ، واللّه لئن شئت لنخرجنّه يا رسول اللّه، ووقف لأبيه قرب المدينة فقال: لا تدخلها حتى يأذن لك رسول اللّه (ص) في الدخول.

فشكى الأب ابنه إلى رسول اللّه (ص) فأرسل إليه: أن خلّ عنه يدخل.

فقال : الآن وقد جاء الإذن فنعم.

وقال أيضاً : بلغني أنك يا رسول اللّه تريد قتل أبي واني أخشى إن أمرتَ بذلك غيري ألا تدعني نفسي أرى قاتل عبداللّه يمشي على الأرض فأقتله وأدخل النار إذا قتلت مؤمناً بكافر، وقد علمت الأنصار أني من أبرّها لأبيه، ولكن يا رسول اللّه إن أردت قتله فمرني بذلك فأنا واللّه أحمل إليك رأسه.

فقال له رسول اللّه (ص) خيراً، وأخبره أنه يحسن صحبة أبيه مادام هو معهم.

سرية الفهري إلى عرينة

وفي شهر شوّال سنة ست من الهجرة النبوية المباركة كانت قصة العرينيّين، وذلك انه قدم على رسول اللّه (ص) عرينة وكانوا ثمانية أشخاص فأسلموا، فاستوبأوا المدينة واستوخموها.

فأمر رسول اللّه (ص) بهم إلى لقاحه وكانت خمس عشرة لقحة ـ واللقحة ذات اللبن القريبة العهد بالولادة ـ وقال: (لو خرجتم إلى ذود لنا فشربتم من ألبانها).

فلما خرجوا إليها قتلوا الراعي وقطعوا يده ورجله، وغرسوا الشوك في لسانه وعينه حتى مات، واستاقوا الإبل.

فبلغ ذلك إلى رسول اللّه (ص) فبعث في اثرهم عشرين فارساً واستعمل عليهم ابن جابر الفهري، فعقّبوهم حتى أدركوهم، فلما أدركوهم أحاطوا بهم وأسروهم واستردّوا الإبل وقدموا بهم المدينة.

قال جابر بن عبداللّه ان رسول اللّه (ص) كان قد دعا لما بعث إليهم وقال: (اللّهمّ اعم عليهم الطريق) فعمي عليهم الطريق، فلما اُتي بهم، أمر (ص) بقتلهم.