الفهرس

فهرس الفصل الرابع

المؤلفات

 التاريخ

الصفحة الرئيسية

 

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

ثم آخى رسول اللّه (ص) بين المهاجرين والأنصار من أصحابه، وكانوا تسعين رجلاً، وقيل: ثلاثمائة رجل، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على الحق والمواساة، ويتوارثون بعد الموت، إلى وقعة بدر. فلما أنزل اللّه تعالى: (واُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه)(1) ردّ التوارث إلى الرحم دون عقد الاُخوّة.

وقد تمت عملية المؤاخاة مرتين، وفي كل مرة اتّخذ النبي (ص) عليّاً (ع) أخاً لنفسه من دون الناس.

كما انه (ص) آخى بين النساء المهاجرات والأنصار أيضاً.

وروى السبط ابن الجوزي قائلاً: آخى رسول اللّه (ص) بين المهاجرين والأنصار، فبكى علي (ع) فقال رسول اللّه (ص): ما يبكيك يا علي؟

قال: لم تواخ بيني وبين أحد.

قال: أنا ادّخرتك لنفسي، ثم قال لعلي (ع): أنت منّي بمنزلة هارون من موسى(2).

ثم قال (ص): يا علي أما علمت ان أول من يدعى به يوم القيامة أنا، فأقوم عن يمين العرش، إلى أن قال: ثم أنت أول من يدعى به لقرابتك منّي ومنزلتك عندي، ويدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد.

النبي (ص) ونقباء الأنصار

وكان من النقباء الاثني عشر الذين جعلهم رسول اللّه (ص) شهداء على الأنصار: البراء بن معرور، وكان هو أول من تكلّم ليلة العقبة حين التقى رسول اللّه (ص) بالسبعين من الأنصار فبايعوه، وقد توفّي قبل قدوم رسول اللّه (ص) إلى المدينة بشهر، فلما قدم رسول اللّه (ص) انطلق بأصحابه فصلّى على قبره وقال: (اللّهمّ اغفر له وارحمه وارض عنه وقد فعلت).

وكان البراء هذا هو أول من مات من النقباء، ومات بعده من النقباء الاثني عشر: أسعد بن زرارة، وذلك قبل أن يفرغ رسول اللّه (ص) من بناء مسجده، ودفن بالبقيع، والأنصار يقولون: هو أول من دفن فيها، والمهاجرون يقولون: أول من دفن فيها هو عثمان بن مضعون.

ولما مات أبو امامة أسعد بن زرارة جاءت بنو النجار إلى رسول اللّه (ص) ـ وكان أبو امامة نقيبهم ـ فقالوا: يا رسول اللّه إنّ هذا الرجل قد كان منّا حيث قد علمت، فاجعل لنا رجلاً مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيم.

فقال لهم رسول اللّه (ص): أنا نقيبكم، وكره رسول اللّه (ص) أن يخص بها بعضهم دون بعض، فكان من فضل بني النجار أن كان رسول اللّه (ص) نقيبهم.

تشريع الأذان

ولما كثر المسلمون ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء، فذكروا: أن يوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً، أو ينفخوا في بوق، أو يبعثوا من ينادي بالصلاة.

فهبط جبرائيل (ع) على رسول اللّه (ص) بالأذان والإقامة، وعندها أمر رسول اللّه (ص) علياً (ع) أن يدعو له بلالاً، فدعاه فعلمه رسول اللّه (ص) الأذان وأمره به، وكان من فصولهما: (حيَّ على خير العمل).

ثم في يوم الغدير لمّا نصب النبي (ص) علياً (ع) بأمر من اللّه تعالى خليفة على المسلمين، وأخذ منهم البيعة له بإمرة المؤمنين، زيد في فصولهما بأمره (ص) بعد الشهادة للّه بالوحدانية وللنبي بالرسالة: الشهادة لعلي (ع) بالولاية.

أبو سفيان: أول من صادر أموال المسلمين

وتلاحق المهاجرون إلى رسول اللّه (ص)، فلم يبق بمكة منهم أحد إلا مفتون أو محبوس.

وبعث رسول اللّه (ص) وهو بعد في منزل أبي أيوب: زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكّة، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم ليحملوا إليه بناته اللاتي لم يسلم أزواجهنّ، لنزول القرآن في حرمتهنّ على أزواجهنّ إلاّ أن يسلموا، وليحملوا إليه زوجته سودة بنت زمعة، واُسامة بن زيد، واُمه، واُم أيمن، فقدما عليه بهنّ وباُسامة.

وأما زينب بنت رسول اللّه (ص) فقد خرجت فتعرّض لها هبّار في الطريق بما أسقط جنينها فتمرضت على أثره وفارقت الحياة، فأهدر رسول اللّه (ص) دم هبار على جريمته هذه حيث انه قتل الاُم وجنينها معاً.

نعم لم يستوعب من مكة أهل هجرة بأهليهم وأموالهم إلى اللّه وإلى رسوله إلا أهل دور يسمون بني مظعون من بني جُمح وبنو جحش بن رئاب وبنو البكير من بني سعد بن ليث، فإن دورهم اُغلقت بمكة هجرة.

ولما خرج بنو جحش من دارهم عدا عليها أبوسفيان بن حرب فباعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي.

فلما بلغ بني جحش ما صنع أبو سفيان بدارهم ذكر ذلك عبداللّه بن جحش لرسول اللّه (ص)، فقال له: أما ترضى يا عبداللّه أن يعطيك اللّه بها داراً في الجنّة؟

قال: بلى.

قال: فذلك لك.

فلما افتتح رسول اللّه (ص) مكة كلمه ابن جحش في دارهم فأبطأ عليه رسول اللّه (ص).

فقال له الناس: إنّ رسول اللّه (ص) يكره أن ترجعوا في شيء من أموالكم اُصيب منكم في اللّه.

فأمسك عن كلام رسول اللّه (ص)، وقال:

أبلغ أبــا ســـــــــــفيان          عــن أمر عواقـبه ندامـه

دار ابن عمك بعتــــــها          تقضي بها عنـك الغرامه

وحليفـكم باللّــــــه رب          النـاس مجتهد القســامه

اذهب بها، اذهـب بهــا          طُوِّقتــــها طوق الحمامه

المدينة ودعاء الرسول (ص)

كان هواء المدينة وخماً وعفناً، وكانت المدينة من أوبأ أرض اللّه من الحمّى، وكانت مشهورة بالوباء في الجاهلية، ومن أجلها كانت تدعى باسم يثرب، فإذا دخلها غريب تمرض، فاستوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق مزاجهم، فمرض كثير منهم وضعفوا حتى لم يقدروا على الصلاة قياماً، وكرهوا المدينة، فقال رسول اللّه (ص) وهو يدعو ربّه: (اللّهمّ حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكّة أو أشدّ، وبارك لنا في مدّها وصاعها، وانقل وباءها وحماها عنا) ثم سماها طيبة، فسمّيت بها واشتهرت بمدينة الرسول (ص).

علي (ع) يخطب فاطمة (ع) 

ولما انتقل رسول اللّه (ص) من بيت أبي أيوب إلى منازلـه كانت ابنته فاطمة(ع) عنده، فخطبها أكابر قريش من أهل الفضل والسابقة في الإسلام والشرف والمال، كما خــطبها بعض الصحابة، وكان كلما ذكرها له أحدهم أعرض عنه رسول اللّه (ص) بوجهه، حتى كــان الرجل منهم يظن ان رسول اللّه (ص) ساخط عليه.

فقيل لعلي (ع): لم لا تخطب فاطمة؟ فواللّه ما نرى رسول اللّه (ص) يحبسها إلاّ عليك.

فأقبل علي (ع) إلى النبي (ص) خاطباً وهو في دار اُم سلمة، وقبل أن يصل علي (ع) إلى الدار هبط جبرئيل على النبي (ص) وأخبره بمجيء علي (ع).

فلما طرق الباب قال النبي (ص) لاُم سلمة: افتحي له الباب ومريه بالدخول، فهذا رجل يحبّه اللّه ورسوله ويحبّهما، فدخل فإذا هو علي (ع)، فسلّم على النبي (ص) وجلس مطرقاً برأسه حياءاً.

فقال له النبي (ص): أني أرى انك أتيت لحاجة؟

فقال علي (ع): فداك أبي واُمي يا رسول اللّه، انك لتعلم انك أخذتني من عمك أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد، وأنا صبيّ، فغذّيتني بغذائك، وأدّبتني بأدبك، فكنتَ إليّ أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البرّ والشفقة، وان اللّه تعالى هداني بك وعلى يديك، وأنت واللّه يا رسول اللّه ذخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة، يا رسول اللّه، فقد أحببت مع ما شدّ اللّه من عضدي بك أن يكون لي بيت، وأن يكون لي زوجة أسكن إليها، وقد أتيتك خاطباً راغباً، أخطب إليك ابنتك فاطمة، فهل أنت مزوّجي يا رسول اللّه؟ ثم سكت وأطرق برأسه ينتظر جواب رسول اللّه (ص).

صداق الزواج

ولما خطب علي (ع) فاطمة(ع) من أبيها رسول اللّه (ص) تهلّل وجه رسول اللّه (ص) فرحاً وسروراً وقال له: فهل معك شيء اُزوّجك به؟

فقال علي (ع): فداك أبي واُمي، واللّه ما يخفى عليك من أمري شيء، أملك سيفي ودرعي وناضحي، ومالي شيء غير هذا.

فقال رسول اللّه (ص): يا علي أما سيفك فلا غنى بك عنه تجاهد به في سبيل اللّه وتقاتل به أعداء اللّه، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكني قد زوجتك بالدرع ورضيت بها منك، يا علي أبشر فإن اللّه تعالى قد زوّجكها في السماء قبل أن اُزوّجك في الأرض.

ابداء الرضا

ثم قال رسول اللّه (ص) لعلي (ع): يا علي انه قد ذكر فاطمة رجال قبلك، فذكرتُ ذلك لها، فرأيتُ الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك.

فدخل (ص) عليها فقامت(ع) فأخذت رداء أبيها (ص) ونزعت نعليه، وأتته بالوضوء فوضّئته بيدها، وغسلت رجليه، ثم جلست تنتظر أمره (ص).

فقال (ص) لها: يا فاطمة!

فقالت: لبيك يا أبة يا رسول اللّه ما حاجتك؟

قال: ان علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه، واني قد سألتُ ربّي أن يزوّجك خير خلقه وأحبّهم إليه وقد ذكر عن أمرك شيئاً، فما ترين؟

فسكتت فاطمة(ع) ولم تولّ وجهها، ولم يرَ فيها رسول اللّه (ص) كراهة، فقام وهو يقول: (اللّه أكبر، سكوتها اقرارها).

إعلان خبر الزواج

ثم قام علي (ع) ومضى إلى المسجد، وجاء رسول اللّه (ص) في أثره، وفي المسجد المهاجرون والأنصار، فصعد رسول اللّه (ص) المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: معاشر المسلمين ان جبرئيل أتاني آنفاً فأخبرني عن ربّي عزّ وجل انه جمع الملائكة عند البيت المعمور، وانه أشهدهم جميعاً انه زوّج أمته فاطمة بنت رسول اللّه من عبده علي بن أبي طالب، وأمرني أن اُزوّجه في الأرض واُشهدكم على ذلك.

ثم جلس وقال لعلي (ع): قم يا أبا الحسن فاخطب أنت لنفسك.

فقام فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي وآله ثم قال:

(الحمد للّه شكراً لأنعمه وأياديه، ولا إله إلاّ اللّه شهادة تبلغه وترضيه، وصلّى اللّه على محمد صلاة تزلفه وتحظيه، والنكاح مما أمر اللّه عزوّجل به ورضيه، ومجلسنا هذا مما قضاه اللّه وأذن فيه، وقد زوّجني رسول اللّه ابنته فاطمة وجعل صداقها درعي هذا وقد رضيت بذلك، فاسألوه واشهدوا).

فقال المسلمون لرسول اللّه (ص): زوّجته يا رسول اللّه ؟

فقال (ص): نعم.

فقالوا: بارك اللّه لهما شملهما.

الصداق لمصلحة الزوجين

ثم أقبل رسول اللّه (ص) على علي (ع) وقال له: يا علي انطلق الآن فبع درعك وأتني بثمنه حتى اُهيّىء لك ولإبنتي فاطمة ما يصلحكما.

قال علي (ع): فانطلقتُ فبعتُ درعي بأربعمائة درهم، وقيل: بأربعمائة وثمانين، وقيل: بخمسمائة درهم(3) وأقبلتُ بها إلى رسول اللّه (ص) وطرحتها بين يديه، فدعا رسول اللّه (ص) بعض أصحابه ودفع له بعض المال وقال له: اشتر بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها، فانطلق واشترى:

1 ـ فراشاً من خيش مصر محشواً بالصوف.

2 ـ نطعاً من ادم.

3 ـ وسادة من ادم حشوها من ليف النخل.

4 ـ عباءة خيبرية.

5 ـ قربة للماء.

6 ـ كيزاناً.

7 ـ جراراً.

8 ـ مطهرة للماء.

9 ـ ستراً من صوف.

10 ـ رحى لليد.

فلما وضع ما اشتراه بين يدي رسول اللّه (ص) نظر إليه فبكى وجرت دموعه، ثم رفع يده إلى السماء وقال: (اللّهمّ بارك لقوم جُلّ آنيتهم الخزف).

وهذا الدعاء يشمل من حينه كل زواج يتم ببساطة وسهولة وبلا تشريفات وتعقيدات إلى يوم القيامة، وعلينا إذا أحببنا أن يشملنا هذا الدعاء ويشمل أبناءنا وبناتنا أن نلتزم بذلك ولا نطلب سوى الكفاءة والأهلية من حسن الخلق والتديّن، كما في الحديث الشريف: (إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوِّجوه)(4).

البساطة في اُمور الزواج

ثم دعى رسول اللّه (ص) علياً (ع) وقال له: هيّىء منزلاً حتى تحوّل فاطمة إليه.

فقال علي (ع): يا رسول اللّه ما هاهنا منزل إلا منزل حارثة بن النعمان.

فقال رسول اللّه (ص): واللّه لقد استحيينا من حارثة بن النعمان، فقد أخذنا عامة منازله، فبلغ ذلك حارثة فجاء إلى رسول اللّه (ص) فقال: يا رسول اللّه أنا ومالي للّه ولرسوله، واللّه ما من شيء أحبّ إليَّ مما تأخذه، والذي تأخذه أحبّ إليّ ممّا تتركه.

فجزّاه رسول اللّه (ص) خيراً.

ثم فرشوا البيت بالرمل، ونصبوا فيه عوداً يوضع عليه القربة، وستروه بكساء، ونصبوا خشبة من الحائط إلى الحائط للثياب، ثم حُوّلت فاطمة(ع) إلى علي (ع)، ولها من العمر تسع سنين.

وليمة الزفاف

ثم قال رسول اللّه (ص) لعلي (ع): يا علي اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً، فجاء الأصحاب بالهدايا، فأمر النبي (ص) بطحن الحنطة، فطحن وخبز، وذبح الكبش، وجيء بتمر وسمن، فلمّا تهيّأ الطعام قال رسول اللّه (ص) لعلي (ع): يا علي ادع من أحببت.

قال علي (ع): فأتيتُ المسجد وهو غاص بأهله، فناديت: أجيبوا إلى وليمة فاطمة بنت محمد (ص)، فأجابوا وأقبلوا أفواجاً، فأكلوا ورفعوا منها ما أرادوا ولم ينقص من الطعام شيء.

ثم دعا رسول اللّه (ص) الأواني فملئت ووجه بها إلى منازل أزواجه، ثم أخذ آنية منها وقال: هذه لفاطمة وبعلها (عليهما السلام).

ليلة الزفاف وآدابه

ثم أمر رسول اللّه (ص) في ليلة الزفاف نساءه وبنات عبدالمطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يصحبن فاطمة(ع) إلى بيت زوجها، وأن يفرحن، ويرتجزن، ويكبّرن، ويحمدن، ولا يقولنّ ما لا يرضي اللّه تعالى.

ولما دخلن الدار أنفذ رسول اللّه (ص) إلى علي (ع) ثم دعا فاطمة(ع) فأخذ يدها ووضعها في يد علي (ع) وقال: بارك اللّه في ابنة رسول اللّه، يا علي نعم الزوجة فاطمة، ويا فاطمة نعم الزوج علي، ثم قال: يا علي هذه فاطمة وديعتي عندك، ثم رفع يديه بالدعاء وقال:

(اللّهمّ اجمع شملهما، وألّف بين قلوبهما، واجعلهما وذرّيتهما من ورثة جنّة النعيم، وارزقهما ذرّية طاهرة طيّبة مباركة، واجعل في ذرّيتهما البركة، واجعلهم أئمّة يهدون بأمرك إلى طاعتك، ويأمرون بما يرضيك، اللّهمّ انهما أحبّ خلقك إليّ فأحبّهما واجعل عليهما منك حافظاً، واني اُعيذهما بك وذرّيتهما من الشيطان الرجيم).

ثم خرج (ص) إلى الباب وهو يقول: طهّركما وطهّر نسلكما، أنا سلم لمن سالمكما، وحرب لمن حاربكما، استودعكما اللّه، وأستخلفه عليكما.

صبيحة ليلة الزفاف

ولما انصرف الجميع من زفاف عليّ وفاطمة (عليهما السلام) باتت أسماء عندهما في البيت، وأصبح الصباح، وجاء رسول اللّه (ص) إلى زيارتهما وقال: السلام عليكما ءأدخل؟

ففتحت أسماء الباب، فدخل (ص)، فقال (ص) لعلي (ع): يا علي كيف وجدت أهلك؟

قال: نعم العون على طاعة اللّه.

ثم قال لفاطمة(ع) : كيف وجدت بعلك؟

قالت: خير بعل.

ثم جاء (ص) بقدح فيه لبن فقال لفاطمة(ع) : اشربي فداك أبوك، وقال لعلي (ع): اشرب فداك ابن عمك(5).

ثم ذكر لهما بعض الوظائف الزوجية، وقسّم ادارة الشؤون المنزلية إلى قسمين: فأوكل ما هو في البيت إلى فاطمة(ع)، وما هو خارج البيت إلى علي (ع).

ولادة السبطين

لم يمض على زواج علي (ع) من فاطمة الزهراء(ع) التي كان قد بنى بها في ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة النبوية المباركة، إلاّ أقل من سنة حتى وَلَدت(ع) السبط الأكبر الإمام الحسن المجتبى (ع)، وذلك ليلة النصف من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث من الهجرة النبوية المباركة.

كما وولدت(ع) السبط الأصغر الإمام الحسين الشهيد (ع) في اليوم الثالث من شهر شعبان المعظم سنة أربع من الهجرة النبوية المباركة.

ولادة الحسن بن علي (ع)

قالت أسماء بنت عميس: لما حملت سيدتي فاطمة (ع) بالحسن بن علي وولدته، جاء النبي (ص) فقال: يا أسماء هلمّي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فقال (ص) وقد أزاحها عنه: يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لاتلفّوا المولود في خرقة صفراء؟ فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إليه، فأذّن (ص) في اذنه اليمنى وأقام في اليسرى.

ثم قال لعلي (ع): بأيّ شيء سمّيت ابني؟

قال: ما كنت أسبقك باسمه يا رسول اللّه.

فقال النبي (ص): ولا أسبق أنا باسمه ربّي.

فهبط جبرئيل (ع) وقال: يا محمّد، العليّ الأعلى يقرؤك السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبيّ بعدك، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون.

فقال (ص): وما اسم ابن هارون؟

قال: شبر.

فقال: لساني عربي.

قال: سمّه الحسن.

قالت أسماء: فسمّاه الحسن، فلمّا كان يوم سابعه عقّ النبي (ص) عنه بكبشين أملحين، عق عنه بيده وهو يقول: (بسم اللّه عقيقة عن الحسن، اللّهم عظمها بعظمه، ولحمها بلحمه، ودمها بدمه، وشعرها بشعره، اللّهمّ اجعلها وقاءاً لمحمد وآله)، ثم أعطى القابلة فخذاً وديناراً، وحلق رأسه(ع)، وتصدّق بوزن الشعر فضّة، وطلى رأسه (ع) بالخلوق(6) مكان الدم الذي كان الجاهليون يطلون به رأس الوليد، وقال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية.

ولادة الحسين بن علي (ع)

قالت أسماء: فلما كان بعد حول ولد الحسين (ع) فجاء النبي (ص) وقال: يا أسماء هلمّي ابني، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأذّن (ص) في اذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره وبكى.

قالت أسماء: فقلت: ممّ بكاؤك فداك أبي واُمّي يا رسول اللّه؟

قال: على ابني هذا.

فقلت: انه ولد الساعة.

قال: تقتله من بعدي الفئة الباغية من بني اُميّة، لا أنالهم اللّه شفاعتي، ثم قال (ص): يا أسماء لا تخبري فاطمة(ع) بهذا فإنها قريبة عهد بولادته.

ثم قال لعلي (ع): أيّ شيء سمّيت ابني هذا؟

قال: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول اللّه.

فقال النبي (ص): ولا أسبق باسمه ربّي.

فهبط جبرئيل (ع) وقال: يا محمد العليّ الأعلى يقرؤك السلام ويقول: عليّ منك كهارون من موسى ولا نبيّ بعدك، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون.

فقال: وما اسم ابن هارون؟

قال: شبير.

فقال: لساني عربي.

قال: سمّه الحسين.

قالت أسماء: فسمّاه الحسين، فلما كان يوم سابعه عق النبي (ص) عنه بكبشين أملحين، عق عنه بيده وقرأ الدعاء المزبور، ثم أعطى القابلة فخذاً وديناراً، ثم حلق رأسه وتصدّق بوزن الشعر فضّة، وطلى رأسه بالخلوق وقال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية.

 

1 ـ الأنفال : 75.

2 ـ حديث المنزلة وقد أجمع عليه سائر فرق الإسلام، قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة : ج 13 ص 211 ط دار إحياء التراث العربي : (وقال النبي في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي) فأثبت له جميع مراتب هارون عن موسى، فإذن هو وزير رسول الله وشادّ أزره، ولولا أنه خاتم النبيّين لكان شريكاً في أمره) انتهى. وفي البخاري ج 5 ص 24 باب مناقب علي بن أبي طالب : (قال النبي لعلي أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى).

3 ـ وفي بعض الأخبار : ان صداقها (ع) كان ثلاثين درهماً فقط [راجع الكافي : ج 5 ص 377 ح 2] وذلك لتتضع المناكح.

4 ـ وسائل الشيعة : ج 14 ص 50 ب 28 ح 1 و 2 و 6 عن الرسول (ص).

5 ـ كشف الغمة : 1 / 368 ط قم 1381 هـ : (اشرب فداك ابن عمك).

6 ـ الخلوق : نوع من الطيب فيه صفرة.