الفهرس

فهرس الفصل الثاني

المؤلفات

 التاريخ

الصفحة الرئيسية

 

إسلام حمزة

ثم أسلم حمزة بن عبدالمطلب وكان سبب اسلامه أنّ أبا جهل مرّ برسول اللّه (ص) فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره، فلم يكلّمه رسول اللّه (ص)، ومولاة لعبداللّه بن جُدعان في مسكن لها تسمع ذلك.

ثم انصرف عنه عامداً إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم، فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من قنص له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدّث معهم، وكان أعزّ فتى في قريش وأشدّه شكيمةً.

فلما مرّ بالمولاة ـ وقد رجع رسول اللّه (ص) إلى بيته ـ قالت: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد آنفاً من أبي الحكم بن هشام، وجده ههنا جالساً فآذاه وشتمه وسبّه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلّمه محمد.

فاحتمل حمزة الغضب لما أراد اللّه به من كرامته، فخرج يسعى لم يقف لأحد، معدّاً لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلقيه جالساً في القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة، ثم قال: أتشتمه وتسبّه؟ فأنا على دينه، أقول ما يقول، فردَّ عليّ إن استطعت.

فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل.

فقال أبوجهل: دعوا أبا عمارة، فإني واللّه قد سببتُ ابن أخيه سباً قبيحاً.

وتم حمزة على إسلامه وعلى ما تابع عليه رسول اللّه (ص)، فعرفت قريش أن رسول اللّه (ص) قد عزَّ وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.

أبوطالب ومواقفه المشرّفة

فلما رأت قريش ان أمر رسول اللّه (ص) يتزايد ويقوى، مشوا إلى أبي طالب مرة اُخرى فقالوا له: يا أباطالب، إن لك سناً وشرفاً ومنزلة، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك، فلم تنهه عنا، وإنا واللّه لانصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين.

فبعث إلى رسول اللّه (ص) فقال: يا ابن أخي إن قومك جاءوني وقالوا لي كذا وكذا فما تقول؟

فقال له رسول اللّه (ص): يا عم واللّه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره اللّه أو أهلك فيه.

ثم استعبر رسول اللّه (ص) فبكى، ثم قام. فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يابن أخي. فأقبل عليه رسول اللّه (ص) فقال له: قل يا ابن أخي ما أحببت، فواللّه لا اسلمك لشيء أبداً.

مكيَدَة قريش

ثم إن قريشاً حين عرفوا أن أباطالب (ع) قد أبى خذلان رسول اللّه (ص) وإسلامه له، وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم، مشوا إليه بعمارة بن الوليد فقالوا له: يا أباطالب، هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولداً فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك وفرَّق جماعة قومك وسفّه أحلامهم فنقتله، فإنما هو رجل كرجل.

فأجابهم أبو طالب قائلاً: واللّه لبئس ما تسومونني، تعطونني ابنكم اغذيه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا واللّه ما لايكون أبداً.

فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: واللّه يا أباطالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً؟

فقال: واللّه ما أنصفتموني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ، فاصنع ما بدا لك، فتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضاً.

فقال أبو طالب عند ذلك يعرّض بالمطعم ويعم من خذلـة من بني عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش ويذكر ما سألوه وما تباعد من أمرهم أبياتاً أولها: (ألاّ قل لعمرو والوليد ومُطعم ألا ليت حظي من حياطتكم بكر).

قريش يتآمرون

ثم إن قريشاً تآمروا بينهم على من في القبائل من أصحاب رسول اللّه (ص) الذين أسلموا معه، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذّبونهم ويفتنونهم عن دينهم، ومنع اللّه رسوله منهم بعمّه أبي طالب (ع)، وقد قام أبوطالب (ع) حين رأى قريشاً يصنعون مايصنعون في بني هاشم وبني عبدالمطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول اللّه (ص) والقيام دونه، فاجتمعوا إليه وقاموا معه، إلا ما كان من أبي لهب وولده فإنهم ظاهروا قريشاً على قومهم.

ثم إنهم أجمعوا على أن يقتلوا رسول اللّه (ص) علانية، فبلغ ذلك أباطالب، فجمع بني هاشم وبني عبدالمطلب فأدخلوا رسول اللّه (ص) شعبهم ومنعوه ممّن أراد قتله.

الصحيفة المشؤومة

فلما رأت قريش ذلك اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتاباً على بني هاشم وبني عبدالمطلب ألاّ ينكحوا إليهم، ولا ينكحوهم، ولا يبيعوا منهم شيئاً، ولا يبتاعوا منهم، ولا يقبلوا منهم صلحاً أبداً، ولا تأخذهم بهم رأفة حتّى يسلموا رسول اللّه (ص) للقتل.

وكتبوه في صحيفة بخط أحدهم، فاُصيبت يد الكاتب بعدها بالشلل، وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة.

فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب، مسلمهم وكافرهم، إلى أبي طالب فدخلوا معه شعبه، فأقاموا على ذلك ثلاث سنين حتى جهدوا وكان لا يصل إليهم شيء إلاّ سرّاً، وقطعت قريش عنهم الأسواق حتى كان يسمع أصوات نسائهم وأبنائهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع، واشتدّوا على من أسلم ممن لم يدخل الشعب، وعظمت الفتنة وزلزلوا زلزالاً شديداً.

وكان أبوطالب (ع) إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول اللّه (ص) فاضطجع فراشه حتى يرى ذلك من أراد اغتياله، فإذا نام الناس أمر علياً (ع) أو أحد بنيه أو اخوته أو بني عمّه فاضطجع على فراش رسول اللّه (ص)، وأمره أن يأتي بعض فرشهم، وفي ذلك أنشأ أبوطالب قصيدته اللامية المشهورة، والتي قال فيها:

(ولما رأيت القوم لا وُدّ فيهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل)

إلى آخر القصيدة.

نقض الصحيفة

ثم بعد ذلك تألّف قوم من قريش على نقض تلك الصحيفة، كان أحسنهم فيها عناءً هشام بن عمرو بن الحرث، فإنه مشى إلى زهير بن اُمية بن المغيرة وكلّمه في ذلك، وكان زهير هذا شديد الغيرة على النبي (ص) والمسلمين، وكانت اُمه عاتكة بنت عبدالمطلب، فأجابه زهير إلى نقض الصحيفة.

ثم مشى هشام إلى المطعم بن عدي فذكره أرحام بني هاشم وبني المطلب ابني عبدمناف فأجابه إلى ذلك.

ثم مشى إلى أبي البختري بن هشام فقال له مثل ما قال للمطعم بن عدي.

ثم مشى إلى زمعة بن الأسود فكلّمه وذكر له قرابتهم وحقهم. فقال: وهل معي على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد؟

قال: نعم، ثم سمى له القوم.

واتعدوا خطم الجحون ليلاً بأعلى مكة، فاجتمعوا وتعاهدوا على القيام في نقض الصحيفة، وقال زهير: أنا أبدأكم فأكون أول من يتكلّم.

فلما أصبحوا غدوا على أنديتهم، وغدا زهير بن أبي اُمية عليه حلة، فطاف بالبيت سبعاً، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة: أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنوهاشم هلكى لايباعون ولا يباع منهم، واللّه لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.

فقال أبو جهل ـ وكان في ناحية المسجد ـ: كذبت واللّه لاتشق.

قال زمعة بن الأسود: أنت واللّه أكذب، ما رضينا كتابتها حين كتبت.

فقال أبو البختري: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقرّ به.

قال المطعم بن عدي: صدقتم وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى اللّه منها ومما كتب فيها. وقال هشام بن عمرو نحواً من ذلك.

قال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، وتُشووِر فيه بغير هذا المكان.

هذا كله وأبو طالب (ع) يستعدّ للمجيء إلى المسجد، وكان قد أخبره رسول اللّه (ص): بأن اللّه قد سلّط الارضة على صحيفتهم فأكلتها إلاّ ما كان من اسم اللّه تعالى، فلما أخبر النبي (ص) عمه أبا طالب بذلك، قال أبوطالب: لا والثواقب ما كذبتني.

فانطلق يمشي بعصابة من بني عبدالمطلب حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش، فتكلّم وقال: إنه قد حدث أمر لعله أن يكون بيننا وبينكم صلحاً، فأتوا بصحيفتكم.

وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا بها.

فأتوا متعجّبين لا يشكّون أن رسول اللّه (ص) مدفوع إليهم.

قالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا، فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد قد جعلتموه خطراً لهلكة قومكم.

فقال أبوطالب: لأعطينكم أمراً لكم فيه نَصَف، إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني: أن اللّه بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم ومحا كل غدركم وقطيعتكم إلاّ ما كان من اسم اللّه تعالى فيها، فإن كان ما قال حقاً، فواللّه لانسلمه إليكم حتى نموت عن آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلاً دفعناه إليكم فقتلتموه أو استحييتموه.

قالوا: قد رضينا.

ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر، لكنهم أصرّوا في غيّهم وعنادهم وقالوا: هذا سحر من صاحبكم.

فتكلّم عند ذلك النفر الذين تعاقدوا، ومزّقت الصحيفة، فلما مزقت وبطل ما فيها أنشأ أبوطالب في ما كان من أمر اُولئك القوم الذين قاموا في نقضها يمدحهم قائلاً:

ألا هل أتى بحرٍّ يرى صنع ربنا***على نأيهم واللّه بالناس أروَد

إلى آخر الأبيات.

وخرج بنو هاشم من شعبهم وخالطوا الناس، وذلك بعد عشرة أعوام من المبعث الشريف.

عام الحزن

ولمّا خرج بنو هاشم من الشعب لم يمض عليهم من الزمان إلاّ ستّة أشهر حتى توفي أبوطالب (ع)، ثم توفيت خديجة   بعده بثلاثة أيام على قول، فسمّى رسول اللّه (ص) ذلك العام: عام الحزن.

اشتداد أذى قريش

وبموت أبي طالب (ع) اشتدّ البلاء على رسول اللّه (ص) من قومه، وتجرّؤا عليه، وكاشفوه بالأذى الشديد، وأرادوا قتله، إلاّ أن اللّه منعهم منه، وجرّعوه غصصاً كثيرة:

فمنها: ما رواه بعضهم وقال: حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر يذكرون رسول اللّه (ص) فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه، سفّه أحلامنا وشتم آباءنا وفرَّق جماعتنا، فبينماهم كذلك إذ أقبل رسول اللّه (ص) فاستلم الركن، فلما مرّ بهم غمزوه، فعرفت ذلك في وجه رسول اللّه (ص) ثم مضى، فلما مرّ بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجه رسول اللّه (ص) ثم مر بهم الثالثة، فلما كان من الغد اجتمعوا كذلك إذ طلع، فقالوا: قوموا إليه وثبة رجل واحد وهكذا فعلوا.

مع ابن أبي معيط

ومنها: انه قال بعضهم: سألت بعض الصحابة عن أذى قريش للنبي (ص) بعد وفاة عمّه أبي طالب (ع) وقلت له: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول اللّه (ص).

قال: بينما النبي (ص) يصلّي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فخنقه خنقاً شديداً.

البنت الوفية

ومنها: ما عن عبداللّه بن مسعود قال: كان رسول اللّه (ص) يصلّي عند الكعبة وجمع من قريش في مجالسهم، إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي، أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه.

فانبعث أشقاهم، فلما سجد (ص) وضعه بين كتفيه، وثبت النبي ساجداً، فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك، وأنا قائم أنظر، ولو كان لي منعه طرحته عن ظهر رسول اللّه (ص).

فانطلق منطلق إلى فاطمة  ، فأقبلت تسعى، وثبت النبي (ص) ساجداً حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تؤنّبهم.

فلما قضى رسول اللّه (ص) صلاته رفع صوته شاكياً إلى اللّه ما نزل به وهو يقول: اللّهم عليك بقريش، اللّهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، واُمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد.

قال عبداللّه: فواللّه لقد رأيتهم صرعى يوم بدر قد غيّرتهم الشمس في يوم حارّ، ثم سحبوا إلى قليب بدر فاُلقوا فيه.

نماذج من أذى قريش

ومنها: انهم كانوا يحضّون سفهائهم لإلقاء التراب على وجهه ورأسه(ص).

ومنها: انهم كانوا يطرحون الفرث والدم والشوك على بابه (ص).

ومنها: ان اُمية بن خلف تجاسر على النبي (ص) في وجهه، فاحمرّ وجه رسول اللّه (ص) ولم يقل له شيئاً.

مع البنت الحنون

ومنها: انه قال بعضهم: لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول اللّه (ص) التراب دخل رسول اللّه (ص) بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه فاطمة فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله (ص) يقول لها: لا تبكي يا بنية فإن اللّه مانع أباكِ.

قال: ويقول بين ذلك: ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب.

في ظل الكعبة

ومنها: ما روي عن خباب قال: أتيتُ النبي (ص) وهو متوسّد بردة وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول اللّه ألا تدعو اللّه؟

فقعد (ص) وهو محمرّ وجهه فقال: لقد كان فيمن كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد مادون عظامه، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمّنَّ اللّه هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الذئب على غنمه.

مع جماعة الأحلاف

ومنها: ما عن عبداللّه بن عباس انه قال: اجتمع جماعة من أحلاف الكفار عند غروب الشمس عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلّموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه من يقول له: ان أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلّموك فأتهم.

فجاءهم رسول اللّه (ص) وهو حريص عليهم، يحب رشدهم ويعزّ عليه عنتهم، حتى جلس إليهم.

فقالوا: يا محمد إنّا قد بعثنا إليك لنكلّمك، وإنا واللّه ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد سببت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلام، وفرّقت الجماعة، فما بقي من قبيح إلاّ قد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنتَ إنما جئتَ بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنتَ تطلب به الشرف فينا فنحن نسوّدك علينا، وإن كنتَ تريد ملكاً ملكناك، وإن كان الذي يأتيك رئياً ـ وكانوا يسمون التابع من الجن: رئياً ـ تراه قد غلب عليك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك عنه أو نعذر فيك، وإن كنتَ تريد امرأة زوّجناك أجمل بنت في العرب.

فقال لهم رسول اللّه (ص): ما بي ما تقولون، ما جئتُ بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن اللّه تعالى بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليّ كتاباً وأمرني أن أكون بشيراً ونذيراً، فبلّغتكم رسالات ربّي، ونصحتُ لكم، فإن تقبلوا منّي ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتى يحكم اللّه بيني وبينكم.

قالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منّا شيئاً مما عرضناه عليك فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلداً ولا أقل ماء ولا أشد عيشاً منا، فاسئل ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليفجر لنا فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق، وليبعث من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا: قصي بن كلاب فإنه كان شيخ صدق فنسأله عما تقول أحق هو أم باطل؟ فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك، وعرفنا به منزلتك من اللّه، وأنه بعثك رسولاً كما تقول.

فقال لهم رسول اللّه (ص): ما بهذا بعثتُ إليكم، إنما جئتكم من اللّه بما بعثني به، وقد بلغتكم ما اُرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ فأصبر لأمر اللّه، حتى يحكم اللّه بيني وبينكم.

قالوا: فإذا لم تفعل هذا فخذ لنفسك، سل ربك أن يبعث معك ملكاً يصدّقك بما تقول ويراجعنا عنك، واما لا، فليجعل لك جناناً وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضّة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم في الأسواق تلتمس المعاش كما نلتمس، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربّك إن كنتَ رسولاً كما تزعم.

فقال لهم رسول اللّه (ص): ما أنا بفاعل، وما أنا بالذي يسأل ربّه، ولكن اللّه بعثني بشيراً ونذيراً فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر اللّه حتّى يحكم اللّه بيني وبينكم.

قالوا: فأسقط السماء علينا كسفاً كما زعمتَ أنّ ربك إن شاء فعل.

قال: فقال رسول اللّه (ص): ذلك إلى اللّه، إن شاء أن يفعله بكم فعل.

قالوا: يا محمد، فما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب، فيتقدّم إليك فيعلمك بما تراجعنا به ويخبرك بما هو صانع في ذلك بنا إذ لم نقبل منك ما جئتنا به، إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا، رجل باليمامة يقال له: الرحمن، وإنا واللّه لانؤمن بالرحمن أبداً، فقد أعذرنا إليك يا محمد، وإنا واللّه لانتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا.

فقام رسول اللّه (ص) من عندهم وانصرف إلى أهله حزيناً أسفاً عليهم.

فلما قام عنهم رسول اللّه (ص) وانصرف، قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمداً قد أبى الا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وشتم آلهتنا، وإني اُعاهد اللّه لأجلسنّ له غداً بحجر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فلتصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم.

قالوا: واللّه لا نسلمك لشيء أبداً فامض لما تريد.

فلما أصبح أبو جهل أخذ حجراً كما وصف ثم جلس لرسول اللّه (ص) ينتظره، وغدا رسول اللّه (ص) كما كان يغدو، وكان رسول اللّه (ص) بمكة وقبلته إلى الشام، فكان إذا صلّى، صلّى بين الركن اليماني والحجر الأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام.

فقام رسول اللّه (ص) يصلّي وقد غدت قريش في أنديتهم فجلسوا فيها ينظرون ما أبوجهل فاعل، فلما سجد رسول اللّه (ص) احتمل أبوجهل الحجر ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه مرعوباً قد يبست يداه على حجره حتى قذف الحجر من يده.

فقامت إليه رجال قريش وقالوا له: ما لك يا أبا الحكم؟

قال: قمتُ إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوتُ عرض لي دونه فحل من الإبل واللّه ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فهمَّ بي أن يأكلني.

وروي ان رسول اللّه (ص) قال: ذاك جبرائيل، ظهر له بهذه الصورة، ولو دنا لأخذه.

فلما قال ذلك لهم أبو جهل قام النضر بن الحارث بن كلدة فقال:

يا معشر قريش! واللّه لقد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمّد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به، قلتم: ساحر، لا واللّه ما هو بساحر، قد رأينا السحرة نفثهم وعقدهم، وقلتم: كاهن، لا واللّه ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة تخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لقد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه، وقلتم: مجنون، لا واللّه ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه. يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه واللّه قد نزل بكم أمر عظيم.

الحرب الثقافية ضد القرآن

وكان النضر هذا من قريش، وممّن كان يؤذي رسول اللّه (ص) وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة وتعلّم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول اللّه (ص) مجلساً فذكّر فيه باللّه، وحذَّر قومه ما أصاب من قبلهم من الاُمم من نقمة اللّه، خلّفه في مجلسه إذا قام، وقال: أنا واللّه يا معشر قريش أحسن حديثاً منه، فهلم فأنا اُحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، ثم يقول: بماذا كان أحسن حديثاً منّي؟

قالوا: وهو الذي قال: ساُنزل مثل ما أنزل اللّه.

وفد المشركين إلى أحبار المدينة

ثم انهم بعثوا النضر بن الحارث وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهما: سلاهم عن محمّد، وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا من الأنبياء.

فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار اليهود عن رسول اللّه (ص) ووصفا لهم أمره وأخبراهم ببعض قوله وقالا لهم: انكم أهل التوراة قد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا.

فقالت لهما أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهنّ، فإن أخبركم بهنّ فهو نبيّ مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل، فروا فيه رأيكم:

سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم، فإنه قد كان لهم حديث عجب.

وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبأه.

وسلوه عن الروح ما هي؟

فإذا أخبركم بذلك فاتّبعوه فإنه نبيّ، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.

فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط بن عمرو بن اُمية بن عبد شمس بن عبد مناف حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمّد، قد أمرنا أحبار اليهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها، فإن أخبركم بها فهو نبيّ، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل فروا فيه رأيكم.

فجاءوا رسول اللّه (ص) فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كان لهم قصّة عجب، وعن رجل كان طوّافاً قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح ما هي؟

فقال لهم رسول اللّه (ص): اُخبركم بما سألتم عنه غداً.

فجاء جبريل من اللّه بسورة الكهف، وفيها ما سألوه عنه: من أمر الفتية، والرجل الطوّاف، والروح.

مع رؤوس الشرك

روي أن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شُريق الثقفي حليف بني زهرة، خرجوا ليلة ليستمعوا القرآن من رسول اللّه (ص) وهو يصلّي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع فيه، وكل لايعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرَّقوا فجمعهم الطريق، فتلاوموا وقال بعضهم لبعض: لاتعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في قلبه شيئاً، ثم انصرفوا.

حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا.

حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد على أن لانعود، ثم تعاهدوا على ذلك ثم تفرّقوا.

فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمّد.

فقال: يا أبا ثعلبة لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها.

قال الأخنس: وأنا كذلك، والذي حلفت به، ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟

قال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان. قالوا: منّا نبيّ يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه؟ واللّه لانؤمن به أبداً ولا نصدّقه، فقام عنه الأخنس وتركه.

تخطيط الوليد ضد القرآن

ثم ان الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش، وكان ذا سنّ فيهم وقد حضر الموسم، فقال لهم: يا معشر قريش إنه قد حضر الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذّب بعضكم بعضاً، ويردّ قولكم بعضه بعضاً.

قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به.

قال: بل أنتم قولوا وأسمع.

قالوا: نقول كاهن.

قال: لا واللّه ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان، فما بزمزمة الكاهن ولا سجعه.

قالوا: فنقول مجنون.

قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته.

قالوا: فنقول شاعر.

قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر.

قالوا: نقول ساحر.

قال: وما هو بساحر، لقد رأينا السحرة وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده.

قالوا: فما تقول يا أبا عبد شمس؟

قال: واللّه إن لقولـه حلاوة، وان عليه لطلاوة، وان اعلاه لمثمر، وان أسفله لمعذق، وانه ليعلو وما يعلى عليه، وما أنتم بقائلين من قولكم ذلك شيئاً إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر جاء بقول هو سحر، يفرق بين المرء وابنه، وبين المرء وعشيرته.

فتفرقوا عنه بذلك وجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذّروه إياه وذكروا لهم أمره، فأنزل اللّه سبحانه في الوليد بن المغيرة قوله تعالى: (ذرني ومن خلقت وحيداً)(1) إلى قوله تعالى: (سأصليه سقر)(2).

الوليد برواية اُخرى

وعن ابن عباس: ان الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول اللّه (ص) فقال: اقرأ عليّ. فقرأ عليه: (إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان)(3) إلى آخر الآية.

قال: أعد. فأعاد عليه.

قال: واللّه إنّ له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمعذق، وما يقول هذا بشر.

فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم، إنّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً.

قال: ولِمَ؟

قال: أتيت محمداً لتعرض مما قبله.

قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً.

قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له.

قال: ماذا أقول؟ ثم قال: انه سحر، فنزلت فيه الآيات.

مع العتبة بن ربيعة

عن جابر بن عبداللّه قال: اجتمعت قريش يوماً فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي قد فرَّق جماعتنا، وشتّت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر ماذا يردّ عليه.

فقالوا: ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد.

فأتاه عتبة فقال: يا محمد، أنت خير أم عبداللّه؟ فسكت رسول اللّه (ص).

فقال: أنت خير أم عبدالمطلب؟ فسكت رسول اللّه .

قال: فإن كنت تزعم ان هؤلاء خير منك فإنهم لم يظهروا كلاماً، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، ثم أردف قائلاً:

إنّا واللّه ما رأينا شخصاً قط أشأم على قومه منك، فرقت جماعتنا، وشتّتّ أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، لقد طار فيهم: ان في قريش ساحراً، وان في قريش كاهناً، واللّه ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى. أيها الرجل، إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أيّ نساء قريش شئتَ فلنزوّجك عشراً.

فقال رسول اللّه (ص): فرغتَ؟

قال: نعم.

فقال رسول اللّه (ص): (بسم اللّه الرحمن الرحيم، حم، تنزيل من الرحمن الرحيم)(4) حتى بلغ (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود)(5) وحينئذ أمسك عتبة على فيه (ص) وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم.

فقال أبو جهل: يا معشر قريش، واللّه لانرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذلك إلا من حاجة أصابته، فانطلقوا بنا إليه.

فانطلقوا إليه فقال أبو جهل: يا عتبة، ما حبسك عنا إلا أنك صبوت إلى محمد، وأعجبك طعامه، فإن كان لك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما نغنيك عن طعام محمد.

فغضب غضبة وأقسم: أن لا يكلّم محمداً أبداً وقال: واللّه إني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته وقصصت عليه القصة، فأجابني بشيء واللّه ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة إلى قولـه: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود)(6) فأمسكتُ بفيه وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخشيت أن ينزل بكم العذاب.

وفي رواية: ثم مضى رسول اللّه (ص) فيها يقرؤها عليه، فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول اللّه(ص) إلى السجدة منها فسجد ثم قال (ص): قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك.

فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف باللّه لقد جاءكم أبوالوليد بغير الوجه الذي ذهب به.

فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟

قال: ورائي أني سمعت قولاً واللّه ما سمعت مثله قط، واللّه ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خلّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فواللّه ليكوننّ لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزّه عزكم، وكنتم أسعد الناس به.

قالوا: سحرك واللّه يا أبا الوليد بلسانه.

قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.

 

1 ـ المدّثر : 11.

2 ـ المدّثر : 26.

3 ـ النحل : 90.

4 ـ فصّلت : 1 ـ 2.

5 ـ فصّلت : 13.

6 ـ فصّلت : 13.