أمواج المهاجرين ومسؤوليات المهاجر والحكومات الإسلامية والغربية

السيد مرتضى الشيرازي

موقع الإمام الشيرازي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين،

ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد

وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين،

واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين،

ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم

 

بحث عن ظاهرة الهجرة الجماعية

 

مسؤوليات المهاجرين ورسائل للحكومات الاسلامية والغربية

يقول الله تعالى:

((وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ))[1]

الرزق الكريم هو ذلك الرزق الذي يأتي للإنسان بلا تعب ولا مشقة ولا مكابدة نصب اولاً، وهو الذي يصل للإنسان بدون مِنّة ثانياً، اذ قد لا يكون الرزق الذي يحصل عليه الانسان متعوبا عليه لكنه قد يكون مع منة من الصديق او رب العمل او غيرهما.

بل إن للرزق الكريم معنى اوسع من ذلك كله وذلك لان الكريم من كل شئ ماحوى كل فضائله.

فالكريم من الاشخاص: هو ماحوى واحتوى على كل الفضائل والمحاسن ومكارم الاخلاق، وعليه: فالرزق الكريم هو الكامل المتكامل الحسن المتميز الرائع من كل الجهات .

ثم إن الرزق لعله أعم من المادي والمعنوي فيشمل: العلم، والروحانيات وغيرها أيضاً.

وقد وعد الله تعالى المغفرة والرزق الكريم للمؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله تعالى.

وحديثنا اليوم سيدور بإذن الله تعالى حول ظاهرة الهجرة الأخيرة التي ندر أن يحدث في التاريخ نظير لها.

ذلك أن هذه الهجرة من البلاد الإسلامية كالعراق وسوريا وشمال افريقيا وغيرها الى البلاد الغربية قد تجاوزت الحدود المعهودة حتى اضحت هجرة جماعية لم يسجل التاريخ لها مثيلاً  أو ندر ذلك.

ولعل أعظم ظاهرة هجرة جماعية سبقت هذه الهجرة الجماعية كانت في الحرب العالمية الأولى، وعلى أي حال فإن الهجرة الواسعة النطاق جداً، كما يحدث الآن وبطرق مفجعة مهلكة, تعتبر ظاهرة غريبة تعود في مجملها الى أسباب غير إنسانية لسياسات عدوانية لدول كبرى وإقليمية.

وهنا نتساءل: هل مؤدى ذلك الى الخير والصلاح أم الشر والشقاء للأفراد المهاجرين أو لبلدانهم التي هاجروا منها أو للتي هاجروا إليها؟ هذا ما سيتضح من مطاوي هذا البحث والبحوث القادمة إن شاء الله تعالى.

وسيتوجه الخطاب في هذا البحث الى فئات وجهات عديدة حاملاً رسائل متعددة:

وسيكون الكلام مقسما الى أقسام:

فبعض الخطاب: سيكون موجها الى المهاجرين أو اللاجئين بأنفسهم وسوف نعمم الحديث للمهجرين قسراً ايضاً.

وبعض الخطاب سيتوجّه للذين تدغدغهم مشاعر الهجرة والذين يعشعش هاجس الهجرة في قرارة أنفسهم.

وهناك خطاب: موجه الى الحكومات الإسلامية ومسؤوليتها اتجاه هذه الظاهرة النادرة والغريبة.

وخطاب آخر: موجه الى الحكومات الغربية بشكل عام.

 

1- الخطاب الى من تدغدغهم مشاعر الهجرة

نقول لهم: لا تهاجروا أبداً إلا إذا اضطررتم الى ذلك أشد الاضطرار، ولم تكن هناك مندوحة ولا مناص إلا من الهجرة، وضمنتم مع ذلك أن تحفظوا إيمانكم وإيمان أولادكم وأهليكم في تلك البلاد.

ولعل أكثر الناس غير مضطر للهجرة الى البلاد الأخرى، وذلك لأن الهجرة الداخلية لا تزال متيسرة للكثيرين, ففي العراق مثلا هناك الكثير من المناطق الآمنة  ككربلاء المقدسة والنجف الأشرف وغيرهما، وفي سوريا أيضاً من الممكن للكثيرين الهجرة الى الزينبية المقدسة أو بعض المناطق الآمنة الأخرى.

نعم قد تواجه المهاجرين داخلياً بعض المصاعب والمشاكل من سكن ملائم وغيره لكن – وهذا هام جداً -  إن المهم حقاً هو إن الإنسان يضمن إيمانه في الهجرة الداخلية وإيمان أولاده ، وأسرته الى حد كبير.

إضافة الى أنه باق في وطنه وبلده ولم يستجدِ عطف الآخرين من كفار وغيرهم، ولم يفعل ما يجعل للكفار عليه يد امتنان وإحسان، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((احتج الى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن الى من شئت تكن أميره))[2] 

هذا كله، إضافة الى أن هناك أهدافاً مبيتة وراء هذا التخطيط العالمي للهجرة, وهو يأتي كنتيجة طبيعية – ومخطط لها أيضاً - للدعم المقدم من الدول الإقليمية والغربية للمجاميع الإرهابية التي تقاتل في العراق وسوريا واليمن، وبعض دول الشمال الأفريقي.

وقد صرح حديثاً مسؤولون أمريكيون كبار بأن الحكومة الأمريكية والرئيس الامريكي بالذات هو من يتحمل ولادة داعش الإرهابية[3].

هذا وقد أفتى العلماء بحرمة التعرب بعد الهجرة[4] خصوصاً.

ويضاف الى ذلك كله، أن هناك استهزاءاً مقيتاً بالمسلمين المهاجرين، ففي صحيفة الإندبندنت البريطانية يقول الكاتب المعروف (روبرت فيسك) مخاطباً اللاجئين: إذا كنتم أيها المسلمون ترونا كفاراً فلماذا تأتون الى بلداننا؟!!

وهنا نقول: إن أي مسلم يحمل مشاعر الغيرة والحمية لا يقبل بمثل هذا الكلام الجارح والاستهزاء الصارخ، فكيف يقوم بما يجعلهم يستهزؤون بنا؟

ثم يقول روبرت فيسك متبجحا: نعم نحن الغربيون نحمل الكثير من الإنسانية والعدالة ولذا يلجأ إلينا المسلمون من الشرق!!

وكلامه يحمل تعريضاً بالإسلام نفسه، وليس فقط بالحكومات العميلة للغرب والتي شوهت صورة الإسلام الناصع.

وهناك أيضاً خطر حقيقي يتهدد العوائل المسلمة المهاجرة الى الغرب إذ ليس كل إنسان بمقدوره أن يصون إيمانه ودين أولاده وأحفاده ومن يتعلق به، بل إن الكثيرين – وإن لم يكن الأكثر – يفشلون في هذا الامتحان فشلاً ذريعاً.

 

موجة تنصير للمهاجرين

وبحسب بعض التقارير فإن هناك موجة من التنصّر والتحول للمسيحية, فبحسب تقرير ذكرته بعض القنوات الشهيرة: "بدأ المهاجرون يدخلون الى المسيحية أفواجاً .."

يقول القس (مارتينز) والذي يشرف على كنيسة ترينيتي الإنجيلية في حي من أحياء برلين: (كان معدل الحضور في الكنيسة التي يشرف عليها حوالي 150 شخصاً, لكن العدد الآن يصل الى 600 شخص خلال عامين فقط!, وكلهم من اللاجئين والمهاجرين)

ويقوم هذا القس بتعميد المسلمين وسكب الماء على رؤوسهم، كما يقوم بإدخالهم في دورات تثقيفية عن المسيحية وآدابها وطقوسها تستمر ثلاثة أشهر، وينقض - طوال هذه الدورات ـ بزعمه ـ أسس الإسلام.

بل إنه يقول للمسلمين خلال التعميد: هل ستنفصل عن الشيطان وصنائعه الشريرة؟ هل ستنفصل عن الإسلام؟

فيقول المسلم المستسلم له: نعم أتعهد!! ثم يعمِّده القس قائلاً (باسم الاب والابن وروح القدس)!

وكان أحدهم يسمى (محمد علي زنوبي)، وهو لاجئ من إيران غيّر اسمه الى (مارتن) على يد هذا القس وأصبح مسيحيا!!

وتأسيساً على ذلك كله: نقول لمن يريد الهجرة: لا تهاجر! واستشر الفضلاء من رجال الدين في منطقتك او محلتك، وراجع مرجع تقليدك قبل أن تقدم على خطوة مصيرية كهذه.

 

2- خطابنا الى المهجرين والمهاجرين

وهم المسلمون الموجودون في تلك البلاد بالفعل, وهنا نوجه لهم ثلاث رسائل:

أ- كونوا مثاليين

أ ـ كونوا مثاليين وأنموذجيين بل نقول: بيّضوا وجوه بلادكم ووطنكم وعشائركم أمام الآخرين، كونوا مثالا للأخلاق المحمدية, ومثالاً للورع  والتقوى، ومثالاً للجد والهمة والنشاط والعزيمة, ومثالاً للنزاهة والاستقامة, ومثال للمحبة وخدمة الناس .

وعليكم أن تدعوا الناس الى الإسلام بأخلاقكم السامية حتى يرى منكم العالم الغربي أنموذجاً ساميا للإسلام بحيث لا يرى أهالي تلك البلاد المهاجر المسلم  العراقي أو السوري أو الإيراني والأفغاني أو الجزائري والمصري والتونسي والمغربي أو اليمني أو الباكستاني أو غيرهم عالةً على تلك الدول وضيفا ثقيلاً إذا صح التعبير, بل يجب عليكم التحلي بأفضل الأخلاق الدينية والإنسانية، والعشائرية.

ب- كونوا دعاة رساليين

ب ــ كونوا دعاةً رساليين ورسلا لدينكم وبلدانكم الإسلامية, وهذا الأمر يتطلب أن يكون المهاجر منكم مشحونا بالعلم والمعرفة حتى يتمكن من ترجمة رسالات الله تعالى وأخلاق أهل البيت عليهم السلام الى الآخرين من أهالي تلك البلاد الذين لم يروا ولم يسمعوا من الإسلام إلا الصورة التي شوهتها التنظيمات الإرهابية المقيتة والحكومات الاستبدادية البغيضة. كما يجب ان تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة كما وصانا الله تعالى في كتابه الكريم ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)) [5]

ج – بادروا بالدفاع عن اوطانكم لحظة الوصول

ج ـ إبدأ - أيها المهاجر - بالدفاع عن وطنك من لحظة وصولك الى تلك البلاد, فإنك رأيت بعينيك الظلم والطغيان وقطع الرؤوس والإرهاب الأسود وهتك الاعراض وغير ذلك مما تشيب له الولدان، فلا ينبغي لك أن تنسى كل ذلك وتنغمس لا سمح الله ببعض الملذات والملاهي المحرمة بل، حتى المحللة إذ كيف ينشغل باللهو واللعب – حتى المحلل منها – من ترك أهاليه بين أنياب الذئاب الضارية؟! حاشاك أخي المسلم أن تكون كذلك.

هذا. ولك قدوات حسنة من المهاجرين الذين سطّروا اروع المواقف النبيلة والإنسانية على صفحات التأريخ كما سنشير لأحد النماذج المشرقة بعد قليل.

هذا وإن هناك طرقاً كثيرة للدفاع عن الإسلام والمسلمين وعن العباد والبلاد، وذلك من خلال وسائل الإعلام، وعبر المنظمات الحقوقية، وبواسطة صناعة للوبيات الضاغطة وقيادة مظاهرات سلمية أو غير ذلك.

وهنا نذّكر اخوتنا المهاجرين بأنموذجين مشرقين من التاريخ: أحدهما من التاريخ القريب, والآخر من التاريخ البعيد, فمن التاريخ البعيد: جعفر بن أبي طالب (رضوان الله عليه)، الأخ الأكبر لأسد الله الغالب علي بن ابي طالب عليهم السلام، وسياتي الحديث عنه في المحاضرة اللاحقة ان شاء الله تعالى.

وأما من التاريخ القريب، فإن أكثر النماذج إشراقاً هو الشيخ أحمد القمي (1543م ـ 1657م)[6] والذي هاجر من قم المقدسة الى تايلند[7] في سنة (1582م)، واستوطن في بانكوك، وهو رجل دين عادي في ظاهره، لكنه كان مثاليا في أخلاقه وسلوكه وعلمه وخبرويته، وقد غير وضع البلاد من خلال ذلك الى درجة أن الناس هناك يقدسونه ويعظمونه، وقد توفي ودفن هنالك, فبنوا على مرقده مسجداً، ولا زال المسلمون بمختلف مذاهبهم، بل والبوذيون أيضاً يزورون مرقده، مع أنه رجل دين شيعي، وقد كتب على قبره أنه إمامي اثنا عشري, كما أن وزراء تايلند الى يومنا هذا عندما يتم تنصيبهم يقومون بزيارة مرقده مع أنهم بوذيون وليسوا مسلمين، وأصبح ذلك طقساً وطنياً عندهم.

لقد كان الشيخ أحمد القمي مهاجراً عادياً لكنه تحول الى رمز وطني لخدماته الجليلة ومواقفه الرائعة بحيث أعطى صورة مشرقة عن دينه وإيمانه واخلاقه وعلمه وعمله، فأصبح قدوة للآخرين من شتى الملل والطوائف.

ولقد كان الشيخ أحمد بعد وصوله الى تايلند قد أبدى كفاءة إدارية عالية، كما تمتع بعلاقات طيبة مع الأهالي حتى عُيّن رئيساً للجمارك، فاحسن التصرف وقلل المكوس (الضرائب) على البضائع المستوردة، وخفف عن الناس, فاشتهر بكفاءته ونزاهته فعيّنه الملك بعد ذلك رئيساً للوزراء، فاحسن وأفاد واجاد وابدع، فاعترف الكل بشخصيته الرائعة.

واللافت أنّ رجلَ دينٍ شيعيٍ هاجر من مدينة قم الى بلد غريب يتحول في فترة الى رئيس للوزراء في تايلند ذات الغالبية البوذية ثم يتحول الى رمز وطني للبلاد .

ونذكر هنا نص ما يقوله بعض المؤرخين:

((... للشيخ القمي الذي هاجر من قم قبرٌ شُيّد عليه مسجد زُيّن بأجمل النقوش الإسلامية، ويعتبر مزاراً يحترمه جميع المسلمين بشتى طوائفهم ومذاهبهم، ويحترمه البوذيون أيضاً حيث يقصدونه برجاء تحقيق آمالهم، كما يقوم السياسيون عند تنصيبهم بزيارة لهذا القبر.

ويشاهد الزائر للمسجد على القبر ما يدل على مكانة القمي في الثقافة التايلندية, حيث كتب على الحجر الذي وضع على القبر باللغة الإنكليزية والتايلندية ما يلي:

"الشيخ أحمد رئيس وزراء دولة تايلند في آيوديا، في زمن الشاه نارسون، المولود في محلة بايين في مدينة قم، المولود في 1543م شيعي اثنا عشري"))

إن من يلاحظ حياة هذا الرجل المهاجر لا يسعه إلا أن يقف وقفة إجلال واحترام لشخصه وجهوده التي عكس من خلالها صورة مشرقة عن الدين والمذهب فجزاه الله خير جزاء المحسنين. 

لكن مما يؤسف له ان بعض المهاجرين منا الى تلك البلدان لا يكتفي بإهمال العمل لأجل بلاده, بل تراه ينغمس في بعض المحرمات بحيث يتحول الى مظهر المهاجر المتسكع العابث اللاهي ويعكس صورة سيئة عن بلاده ووطنه وعن جذوره الإسلامية.

 

3- الخطاب الموجّه الى الحكومات الاسلامية

نقول للحكومات الإسلامية: يا أيها الحكام، يامن جلستم على كراسي أئمة المسلمين من دون نص من السماء ولا انتخاب من الناس: لا تخذلوا شعوبكم وأهاليكم ولا تشمتوا بنا الأعداء ولا تخجلونا أمام العالم!!

إن في بلدانكم نعمة وفيرة من نفط وماء وسعة في الارض وغير ذلك، فلماذا لا تستوعبون اللاجئين والمهاجرين وهم إخوانكم في الدين؟ بل والكثير منهم اخوانكم في العِرق أو في القومية أيضاً!

فلماذا لا تستوعب بلاد الخليج أو مصر أو إيران مثلاً مليون لاجئ، بل وأكثر وأكثر وأكثر، بدل أن يذهبوا الى ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا؟

والخطاب موجه لجميع حكومات البلدان الإسلامية وليس السعودية فحسب, لماذا لا تقومون بخطوة إنسانية - إسلامية تعكس إنسانية الإسلام وتعاليمه السامية لدى الأزمات والحروب، وبذلك تربحون أيضاً مكانة وسمعة لأنفسكم في أمم العالم!

قد يتهرب بعضهم من ذلك بدعوى أن اللاجئين قد يشكلون عبأ على الاقتصاد لكن هذا ليس مبرراً للتهرب عن المسؤولية الكبرى التي بعاتقكم, وإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين, إضافة الى أن عدداً من هذه الدول تصرف عشرات المليارات من الدولارات من أجل شن الحروب ونشر الفوضى في بلدان أخرى[8]!!

ولنفرض أنكم مضغوطين حالياً بشكل أو آخر فهل ذلك يبرر التهرب من مد يد العون لإخوانكم الذين الجأتهم الحروب الى الهرب واللجوء؟

إن ما قام به أهالي النجف وكربلاء والكاظمية والزينبية الكرام من استيعاب اخوانهم المهاجرين من الموصل وصلاح الدين ومناطق سوريا وغيرها يعدّ مثلاً يحتذى به، وذلك شرف عظيم وموقف تأريخي نبيل قام به أهالي هذه المدن المقدسة، حيث استوعبوا ما يقرب من مليون مهاجر وبإمكانيات شعبية بسيطة لا تصل أبداً الى وليست امكانات دولة كالسعودية أو إيران أو سائر  دول الخليج.

 

4- الخطاب الموجّه الى الحكومات الغربية

تتبجح الحكومات الغربية بشعار الإنسانية وبمساعدة اللاجئين، حتى أن ألمانيا مثلا تقول إنها خصصت 6 مليارات للاجئين من سوريا والعراق وغيرهما في هذا الموجة الأخيرة من النزوح (2015 م)

نقول لهم:

أ- أوقفوا تصدير السلاح الى بلداننا وسائر بلاد العالم، أوقفوا بيع الأسلحة بعشرات المليارات من الدولارات الى بلادنا والى كافة أطراف النزاع، هذه الأسلحة التي كانت هي السبب المباشر لقتل عشرات الألوف بل ومئات الألوف[9] وتهجير الملايين! وبعد ذلك نحن في غنى عن مساعداتكم للاجئين!

نحن لا نريد منكم إلا (بعض العدالة) فقط! فلا تتبجحوا بالإنسانية وتقديم المساعدات وغير ذلك, أليس من أبسط مظاهر العدالة أن تكفوا شركم وأسلحتكم عنا؟ وألا تعقدوا مؤتمرات وندوات تحتضن جماعات ترعى الإرهاب، وتفتك بالأبرياء بحجة الحرية وحقوق الإنسان  وتسلموهم الأسلحة والأعتدة، وتسهلوا عبورهم من شتى بلدانكم إلينا حتى أصبحت بلداننا بؤرة للإرهابيين من شتى الجنسيات والقوميات؟

ومن الواضح إننا لا نشكك بنوايا الشعوب الغربية، بما هي شعوب وبما هم أشخاص، إذ إن الكثير من الناس هناك لهم نوايا حسنة وطيبة اتجاه اللاجئين، فالخطاب موجه الى حكوماتهم, فنقول لهم:

إننا نطالبكم ببعض العدالة فقط! لا تصدروا السلاح للعالم وللحكومات الجائرة الظالمة ولا للإرهابيين والقتلة, أليست الأسلحة التي يستخدمها داعش وجيش النصرة هي من مصانعكم وشركاتكم؟ أليست الأسلحة التي تستخدمها السعودية لضرب اليمن خرجت من أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا [10] ثم كيف تتبجج هذه الدول بالإنسانية وحقوق الإنسان!

والتقرير التالي الموثق أعظم شاهد على فداحة إجرام الحكومات والشركات الغربية في حق الإنسان وحق البشرية جمعاء: (تمكنت روسا من زيادة حجم صادراتها من الأسلحة خلال الفترة من 2010م  ـ 2014 م بنسبة 37% مقارنة بالفترة 2005 ـ 2009 م محافظة على المركز الثاني في التصنيف العالمي كأكبر مصدّر للأسلحة التقليدية, وقد أشارت دراسة (SIPRI )[11] الى أن روسيا باعت أسلحة لنحو 56 دولة في العالم!!...)

ثم يقول: (.. المركز الاول بقي من نصيب الولايات المتحدة الامريكية التي رفعت من حجم مبيعاتها من الأسلحة لفترة من (2010 ـ 2014 م) بنسبة 23% وسيطرت الولايات المتحدة على 31 % من مبيعات الأسلحة عالميا, حيث باعت أسلحتها لنحو 94 دولة!!)

أما ألمانيا فيقول التقرير عنها: (هذا وجاءت ألمانيا بالمركز الرابع بعد الصين نتيجة لتراجع حجم صادراتها من الأسلحة للفترة المذكورة بنسبة 34 %  إلا أن الدراسة لفتت الى ان المانيا حازت على عدة طلبيات ضخمة لتوريد الاسلحة في عام 2014 م ..) وبعد ذلك نجد الإعلام العالمي والألماني يقيم الدنيا ولا يقعدها لأن المانيا قامت بتخصيص عدة مليارات من الدولارات لمساعدة اللاجئين!!

يقول التقرير (وبذلك سيطرت أمريكا وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا على نحو 74 % من حجم تجارة الأسلحة في العالم في حين سيطرت الولايات المتحدة وروسيا على 58% من هذه التجارة ..)

والغريب أن هذه الدول تتشدد بحظر الأسلحة النووية إلا أنها لا تعارض بأدنى معارضة انتشار الأسلحة الفتاكة والتقليدية والتي تنتشر بكل ربوع العالم، بل تجد إنها هي التي تسارع لبيعها الى مختلف دول العالم!

لماذا يظهر الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف بالسيف وكيف ينتصِر به؟

إن من أعظم مفاخر الإسلام، أن الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف عندما يظهر فإنه سيظهر بالسيف، كما هو واضح، وهذا هو سرّ العظمة وعمق الإنسانية في الرسالة المحمدية العلوية المهدوية، وهو ما يظهر عبر الإجابة عن السؤال التالي وهو: إنه كيف يمكن الانتصار مع وجود هذه الأسلحة النووية والذرية والصاروخية والليزرية المتقدمة وغيرها؟

الجواب: هناك وجهان كل واحد محتمل، وباختصار:

1) إن الإمام بقدرة غيبية يجمد مفعول الأسلحة المتطورة حتى لا يقتل الناس جزافاً مجرمهم وبريئهم .. أما السيف فهو عادل ولا يقتل به إلا المقاتل الظالم المعتدي بنفسه حين يشهر سيفه للقتال.. وبذلك يُرجِع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف الأمور الى موازينها الإنسانية العادلة.

2) إن الغمام يأتي بتطور علمي متفوق على ما بأيدي الناس من علوم، فيبطل بذلك عمل أجهزة العدو الحديثة، ومثاله المعاصر: الفايروسات الألكترونية والبرامج الحاسوبية المتطورة او الأجهزة التي تقوم بالتشويش على الرادارات أو غير ذلك .

وسواء كان هذا الاحتمال أو ذلك، فإنه تجسيد لإنسانية الإسلام، وهو منطلق إنساني رائع ومفخرة من أعظم مفاخر الإسلام كي لا تصيب نيران الحروب الأبرياء من شيوخ ونساء وأطفال ومدنيين.

ب – كفوا عن حماية المستبدين

ونقول للحكومات الغربية:

ثانياً: كفوا عن حماية المستبدين والطغاة من حكام البلدان المسلمة وغيرها! ألستم أنتم الذين تدعمونهم سياسياً واقتصادياً بشتى أنواع السلاح والعتاد؟ فمن أوجد – مثلاً - حكومة آل سعود؟ ومن دعمها؟ ومن أبقاها ولا زال؟ ومن سلَّحها ولازال؟ ومن حماها ولازال؟ ألستم أنتم؟ وهكذا سائر الطغاة كالسادات والشاهين وصدام وغيرهم.

ج – ارفعوا اليد عن الدفاع الأعمى عن إسرائيل

ثالثا: ارفعوا اليد عن الدفاع الاعمى عن هذه الجرثومة المسماة بإسرائيل والتي زرعتموها في قلب بلاد الاسلام والمسلمين.

فهل تتحملون أن تُزرع دولة قسرا في ربوع بلدانكم في كاليفورنيا مثلاً او في اطراف واشنطن او اطراف لندن وباريس وبون وبرلين وغيرها؟ ام تعتبرون ذلك انتهاكا للسيادة الوطنية مثلاً .

فمن منطلق العدل والإنسانية نقول لكم: ارفعو اليد عن هذا الكيان الغاصب واللاإنساني.

ولو أن منظمات حقوقية إنسانية أخذت على عاتقها الضغط المتصاعد على الحكومات الغربية لأمكن في خلال عقد أو عقدين تحقيق هذه المطالب الحقة الثلاثة أو على الأقل التخفيف من غلواء الحكومات الغربية واندفاعها غير العقلائي في تصدير الأسلحة وفي حماية المستبدين وفي الدفاع عن إسرائيل، قال تعالى: ((ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا[12])). وقال جل اسمه: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ))[13] ومن القوة قوةُ تخذيل الظَلَمة عن نصر بعضهم بعضاً – استناداً لإطلاق الاية الكريمة أو ملاكها على الأقل.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

....................................................................

** من سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم لسماحة آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي حفظه الله تعالى، ألقيت في النجف الأشرف بتاريخ الأربعاء 24 ذي القعدة 1436هـ.

مؤسسة التقى الثقافية  www.m-alshirazi.com

....................................................................

[1]- الانفال 74

[2] - الخصال / ج‏2 / 420 / تسع كلمات تكلم بهن أمير المؤمنين عليه السلام .....  ص: 420

[3] - ومنهم رئيس اركان الجيش الامريكي الجنرال راي اوديرنو الذي اقر بان الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية عن ظهور تنظيم داعش في العراق.

[4] - ولذلك معنيان وسيأتي بحث ذلك لاحقاً باذن الله تعالى.

[5] - سورة النحل - 125

[6] - أي انه عمّر 114 سنة!

[7] - وهي بلد اكثر نفوسها من البوذيين عدد سكانها حسب احصاء ما قبل 2004م يصل الى 65 مليون نسمه، منهم 10 % مسلمين ، والان يزيد على 66 مليون نسمة (حسب ويكيبيديا)، وكانت تايلند سابقاً تسمى سيام.

[8] - مثل عاصفة الحزم.

[9] - طوال العقدين الاخيرين.

[10] - اول مَصدِّر للأسلحة في العالم هو امريكا ثم تأتي روسيا بالمرتبة الثانية , ثم تأتي الصين ثالثاً ,وتحل المانيا رابعاً , وفرنسا خامساً .

[11] - وتجاوز الرقم الاجمالي للمبيعات – حسب بوتين نفسه – 15 مليار دولار!

[12] - سورة الكهف - 89

[13] - سورة الانفال – 60

9/ ذو الحجة/1436