رؤية إسلامية

المجتمع المدني .. تعريف وأدوار (5)

 

المنظمات غير الحكومية؛ بحسب تعريف هيئة الأمم المتحدة، هي مجموعات طوعية لا تستهدف الربح، ينظمها مواطنون على أساس محلي أو قطري أو دولي. ويتمحور عملها حول مهام معينة، ويقودها أشخاص ذوو اهتمامات مشتركة، وهي تؤدي طائفة متنوعة من الخدمات والوظائف الإنسانية، وتُطلع الحكومات على شواغل المواطنين، وترصد السياسات، وتشجع المشاركة السياسية على المستوى المجتمعي. وهي توفر التحليلات والخبرات، وتعمل بمثابة آليات للإنذار المبكر، فضلًا عن مساعدتها في رصد وتنفيذ الاتفاقات الدولية.

وتصرّح دراسات أكاديمية مجتمعية، الى أن مصطلح المجتمع المدني، يشير إلى المجموعة واسعة النطاق، من المنظمات غير الحكومية، وغير الربحية، التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية أو خدمية.

وكثيرًا ما تورد الدراسات الأكاديمية تصنيفات غير دقيقة لمكونات المجتمع المدني، ربما بسبب الترجمات غير الدقيقة التي لا تعبر عن المفاهيم ودلالاتها، فهي قد تذكر النقابات المهنية، وتصنفها بعيدًا عن النقابات العماليّة، والحال لا فرق بينهما، ثم قد تذكر الجماعات المجتمعية المحلية، ومن ثم جماعات السكان الأصليين، وهذه من تلك عادة، كونها تنصرف لذات الأهداف والمهام.

ومن ثم تبرز الإشكالية واضحة، في مفهوم المنظمات غير الحكومية NGO،S، وجميعها ينطبق عليه ذات الوصف ضمن المكونات الأخرى في المجتمع المدني، فالأولى أن يطلق هذا المسمى على جميعها.

وكذا فهنالك مسميات قديمة لمنظمات المجتمع المدني، لازالت يجري تداولها تمييزًا عن سائر مكونات المجتمع المدني، فموضوع المجتمع المدني وفعالياته، ليس اختراعًا من فراغ، وليس وليد رؤية معاصرة، منقطعة عن جذورها المجتمعية، خاصة أن صدياته تقرأ في الكثير من المتبنيات الدينية الإصلاحية، أو الروابط التطوعية للمساعدة المجتمعية.

والحال أنها مجرد مسمّيات قديمة، كان يجري تداولها قبل التوسع الأكاديمي في مفاهيم المجتمع المدني، ومن بينها ربما مسمّى الجمعيات الخيرية، أو جمعيات المبرة، أو الأشخاص ذوي البر والإحسان، والحال أن جميع تفريعات المجتمع المدني، ينطبق عليها صفة الخيرية أو الخدمية وعمل الإحسان.

وقد واجهت هذه الإشكالات أيضًا، المفكرون والباحثون في أدبيات المجتمع المدني، ضمن الرؤى الفكرية الإسلامية، والذي قد يكون مجالًا بحثيًا غير مطروق سابقًا، لقامات هذا الفكر، خاصة بعد أن بات البعد الفقهي والبحث الأصولي، منصرف لإيجاد رؤية مجتمعية مستقلة، ضمن الفكر المجتمعي الإسلامي، إذ عرف عن هذا الفكر، إدراكه الواعي للمفاهيم الواردة له، لكنه يستوعبها عادة ضمن رؤاه المستقلة، وبما يستجيب له العقل الاستدلالي الإسلامي حصرًا، والفضاءات الفقهية الإسلامية، التي تلفظ ما لا يستقم وتصوراتها واجتهاداتها.

ومن بين أبرز تلك الخصوصيات، ما يتعلق في نطاق "المنظمة" المجتمعية، أو ما يعبر عنها بوحدة بناء المجتمع المدني، التي يحرص الفكر الإسلامي، أن تكون بدء من الأسرة، وليس من من خارجها، بمعنى أن تدخل الأسرة ضمن تصنيفاتها وتعريفاتها، وفي ذلك انعكاس على المهام والواجبات وكذا النطاق أساسًا، والحال أن الفكر المجتمعي الإسلامي، يسند للأسرة، مهام مجتمعية رئيسة، لم يلحظها أكاديميو المجتمع المدني المعاصر ومنظروه.

ويدخل في الخصوصية المجتمعية أيضًا، موضوع التطوعية واشتراطات غير الربحية في العمل المجتمعي التطوعي، لجهة أن الفقه الإسلامي يوجب أن "لا تبخسوا الناس أشياءهم"، وربما ينطبق ذات التمايز، على متبنيات الفكر الديني عمومًا، وليس الإسلامي حصرًا.

وعليه فالتسميات والدلالات والمهام والواجبات، لتفريعات المجتمع المدني ومكوناته، يستحق إفراد مادة بحثية لها، وبالذات البحث في أسباب اللبس فيها.

فلأجل التخطيط للآليات الأفضل والأمثل لأداء هذا التنظيمات المجتمعية، وتمكينها من ممارسة أدوارها وتحقيق أهدافها، في المجتمع ضمناً، وبينه وبين الدولة، يكون من الضروري استعراض الخصائص والمبادئ العامة لأهم العناصر المعرّفة لها، أو التي تعد ضمن اشتراطاته التكوينية والوظيفية، وهي:

أولًا. عنصر الاستقلال المالي

تتشكل المصادر الطبيعية للتمويل في المجتمع المدني، من خلال الدعم المحلي أو الخارجي والتبرعات، بما في ذلك التمويل الذاتي من المنتسبين، أو الداعمين للمنظمة أو الهيئة، دون اشتراطات مسبقة، في منحها وتقديمها.

وتوجد منافذ محلية ودولية متخصصة، لدعم وتمويل المنظمات غير الحكومية، حيث تقوم بتعريفها للجهات المتبرعة والمانحة للهبات المالية بوسائل مختلفة، منها الإعلام وشبكات المعلومات المحلية والدولية.

وبذلك يتمثل عنصر الاستقلال المالي للمنظمة المجتمعية غير الحكومية، الذي يعد من اشتراطات تأسيسها، ومتطلبات عملها، والذي ينعكس إيجابًا، في تحقيق استقلالها التنظيمي، وحرية قرارتها، ومهنية أدائها الوظيفي، وعدم تبيعتها، لجهات تفرض رؤاها وغاياتها، من خلال التأمين المالي لاحتياجاتها، وبما يتضمن ذلك، الدولة ذاتها.

ثانيًا. عنصر العمل التطوعي

تعتمد المنظمات المجتمعية على الخدمات، شبه المجانية والمجانية، التي يقدمها منتسبوها والمتعاونون معها، من خلال العمل التطوعي، مع نسبة محددة فقط من العاملين الدائميين فيها، لقاء أجر معقول، لتلبية حاجاتهم المعيشية، إن كانوا متفرغين للعمل فيها.

ويُعد هذا العنصر، من اشتراطات وآليات العمل والأداء، في المنظمة المجتمعية غير الحكومية، فضلًا أنه يوفر مختلف الكفاءات التخصصية والعامة، وذوي الخبرات المتراكمة، التي تلبي المتطلبات التشغيلية للمنظمات غير الحكومية، ذات الاهتمامات والحقول التخصصية المختلفة، في اتجاه ترصين ملفاتها وبرامجها.

ثالثًا. عنصر الاستقلالية

تتميز المنظمات المجتمعية غير الحكومية بعنصر الاستقلالية عن الدولة، وكذا عن سائر الحركات السياسية، أو الأنشطة الاقتصادية الخاصة، إن في العمل أو في الأداء، فهي تدير أنشطتها ذاتيًا، دون تدخل أو توجيه من قبل الدولة أو الفعاليات الأخرى، كما ويشترط فيها، أنها لا ترتبط بأحزاب سياسية، أو تنظيمات فكرية، أو جماعات عقدية، ذات أهداف سياسية محددة، أو أنشطة اقتصادية خاصة.

كما أن المنظمات المجتمعية غير الحكومية لا تسعى إلى الوصول إلى السلطة، مع إمكانية إقامة علاقات عامة، مع مختلف الجهات الفاعلة في الدولة والمجتمع، وكذلك إمكانية أدائها لوظائف سياسية، مثل تدعيم المشاركة السياسية للمرأة، وضمان حقوق الأقليات، ودعم أدوار الشبيبة، والتجمعات المهنية، والنشاط بشكل جماعات ضغط في الحياة السياسية العامة.

رابعًا. عنصر عدم استهداف الربح في العمل

يشترط في أنشطة المنظمات المجتمعية المدنية توفر عنصر اللاربحية، من خلال عدم استهداف الربح في العمل، وينطبق ذلك على المنظمات التي وإنْ حققت ربحًا في أنشطتها، دون تعمّد ذلك، أو استهدافه، فإنها توجهه إلى الغرض من تكوينها، وتلبية احتياجاتها وتوسيع أنشطتها، مثل مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، أو رعاية المسنين، أو تنظيم الأسرة ودعم الطفولة، وفقا لوظيفتها وتخصص أنشطتها المجتمعية، ويجري تثبيت ذلك، في كشوفات فعالياتها، وتقريراتها المالية الدورية بدقة.

وقد يواجه هذا العنصر الاشتراطي، كما وغيره من عوامل اشتراطات التكوين، والمهام والعناوين فيه، ضمن منظومة المجتمع المدني، اعتراضات ضمنية، قد تكون دواعيها، التقاطعات العقائدية، التي قد تفرضها التوجهات "الليبرالية"، ومتبنيات السوق الحرة، أو طروحات الفكر الديني، والمتبنيات العقدية فيه، غير أن هذه الاجتهادات والرؤى، لا تعد من بين مقدمات هذه الدراسة، أو نطاقها وأهدافها، ولا تشكّل تغييرًا، في مخرجاتها البحثية.

-------------------

إضاءة

تتميز المنظمات المجتمعية غير الحكومية بالاستقلالية عن الدولة، وكذا عن سائر الحركات السياسية والأنشطة الاقتصادية الخاصة، سواءٌ في العمل أو في الأداء، فهي تدير أنشطتها ذاتيًا، دون تدخل أو توجيه من قبل الدولة أو الفعاليات الأخرى.

 

إضاءة

أراد إمام المتقين وأمير المؤمنين (عليه السلام) بنهجه الذي اكتفى فيه من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه؛ تحقيق هدفين: الأول؛ أن يبعد عنه أية شبهة كحاكم إسلامي، ويسلب منتقديه الذين أنكروا عليه حتى مناقبه أية حجة تدينه. الثاني؛ تذكير الحكام المسلمين بمسؤولياتهم الخطيرة تجاه آلام الناس وفقرهم في ظل حكوماتهم، وضرورة إقامة العدل والتعاطف مع آلامهم وعذاباتهم، والسعي بجد من أجل تأمين الرفاهية والعيش الكريم لهم. فإن مجرد احتمال وجود جياع في أبعد نقاط البلاد يعتبر في ميزان علي بن أبي طالب (عليه السلام) مسؤولية ذات تبعات، لذا فهو يؤكد ضرورة أن يجعل الحكّام مستوى عيشهم بنفس مستوى عيش أولئك، وأن يشاركوهم شظف العيش.