عن العدل


 

العدل فضيلة يهنأ فيها العيش وتستقيم الأمور وتصفو الحياة، وهو قيمة تعني فيما تعني الحق والاستقامة والإنصاف والصدق والأمانة والنزاهة والعفاف والنقاء والشرف والنبل، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (العدلُ أحلى من الماء يصيبه الظمآن)(الوافي: 3/89، عن الكافي). ويُروى عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) وقد سُئلً عن جميع شرائع الدين؟ أنه قال: (قول الحقّ، والحكم بالعدل، والوفاء بالعهد)(البحار: 16/125، عن خصال الصدوق).

وخلاف العدل هو الجور والبغي والظلم والعدوان والتعسف والإحجاف. قال الإمام الصادق (عليه السلام) لما سئل: "بم تُعْرَف عدالة الرجل حتى تقبل شهادته؟": (أن تعرفوه بالستر، والعفاف، والكف عن البطن والفرج واليد واللسان، ويُعرَف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف وغير ذلك، والدال على ذلك كله والساتر لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وغيبته، ويجب عليهم توليه وإظهار عدالته في الناس، المتعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحافظ مواقيتهن بإحضار جماعة المسلمين، وأن لا يتخلف عن جماعتهم ومصلاهم إلا من علة)(الاستبصار: ٣/١٢/٣٣).

ويبين المرجع المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي(قده) أبعاد العدل قائلاً: "العدل ليس خاصاً بالحكام، ولا خاصاً بأمور الدنيا ولا بالأمور الشرعية فقط، بل العدل مرغوب فيه لدى كل إنسان وفي كل الأمور، فاللازم أن يكون الحاكم عادلاً في رعيّته، والعالِم عادلاً في إدارة الأمور الدنيوية والدينية، والرجل عادلاً مع زوجته وأولاده، والمدير عادلاً في إدارته". ثم يوضح(قده) مضمون الظلم فيقول: "ليس المراد بالظلم هو الإيذاء فحسب بل كل تعد لساني أو عرضي أو مالي".

لكن السؤال: هل يمكن للإنسان من أن يكون عادلاً مع الآخرين بألا يتجاوز الحدود ولا يتعدى على الحقوق؟! فالإسلام يرفض الظلم بكل أشكاله وأحجامه، أي الإسلام يرفض أي ظلم سواء أكان صغيراً أم كبيراً، قليلاً أم كثيراً، على القريب أو الغريب، على الفرد أو المجتمع؛ فالظلم ممنوع في الإسلام.

يقول الله سبحانه وتعالى: (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم)(21). ويقول: (ولا تحسبنَّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون...)(إبراهيم/42). ويقول: (... وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)(الشعراء/227). وقال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (إنّ أهون الخلق على الله من وُليَّ أمر المسلمين فلم يعدل فيهم)(جامع السعادات: 2/220). وقال (صلى الله عليه وآله): (جور ساعة في حكم، أشد وأعظم عند الله من معاصي تسعين سنة)(جامع السعادات: 2/220).

وقـــال الإمام زيـــن العابدين ـ لـــولده البــــاقـــر (عليه السلام) حين حضرته الوفاة: (يا بني إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله)(أصول الكافي: 2/331). وقال الإمام باقر العلوم (عليه السلام): (ما من أحد يظلم بمظلمة إلا أخذه الله تعالى بها في نفسه أو ماله)(أصول الكافي: 2/332). وقال له (عليه السلام) رجل: "إنّي كنت من الولاة فهل لي من توبة؟" فقال (عليه السلام): (لا، حتى تؤدي إلى كل ذي حق حقّه)(جامع السعادات: 2/220).

ويقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله تعالى، وظلم لا يغفره الله تعالى، وظلم لا يدعه الله... فأما الظلم الذي لا يغفره الله عز وجل: فالشرك. وأما الظلم الذي يغفره الله عز وجل: فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله. وأما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد)(جامع السعادات: 2/220). فالقسمان الأوّلان من الظلم يكون مدار الأمر فيهما على العقاب وعدمه، أما ظلم الناس فإنه بالإضافة إلى العقاب لا بد وان يقاضيه الله في الدنيا(السيد محمد الشيرازي، الفضيلة الإسلامية ص264).

وقــــال الإمام الصــــادق (عليه السلام) في قـــوله تعالى: (إنّ ربك لبالمرصاد)(الفجر/14): (قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة)(بحار الأنوار: 75/312، باب الظلم). وقال (عليه السلام): (ما من مظلمة أشدّ من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عوناً إلا الله تعالى)(جامع السعادات: 2/220). وقال (عليه السلام): (من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة)(جامع السعادات: 2/220). وقال (عليه السلام): (أما أن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم، ثم قال: من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فُعِلَ به، أما أنه يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المرّ حلواً ولا من الحلو مرّاً)(جامع السعادات: 2/220).

وكما بينت النصوص المقدسة وأكدت أن الظلم حرام وقبيح، أيضا بينت وأكدت أن العدل خلق كريم، وسلوك نبيل، وفعل مبارك، وأنه واجب على كل مؤمن ومؤمنة. يقول تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)(النساء/9). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها)(جامع السعادات: 1/121).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (مَنْ أصبح لا ينوي ظلم أحدٍ غفر الله تعالى له ذلك اليوم، ما لم يسفك دماً أو يأكل مال يتيم حراماً)(بحار الأنوار: 75/324، باب الظلم). وقال (عليه السلام): (العدل أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأطيب ريحاً من المسك)(جامع السعادات: 2/223). وقال (عليه السلام): (اتقوا الله واعدلوا، فإنكم تعيبون على قوم لا يعدلون)(جامع السعادات: 2/223).

بالتالي، فإن الله الخالق الحكيم وقد أمر الناس بالعدل وتجنب الظلم فلا عذر لأحد في تبرير أي ظلم لأي أحد. أما كيف يمكن أن يكون الإنسان عادلاً؟ يكون ذلك بالتفقه في دين الله ليجتنب الحرام ويأنف من المكروه، ويتعلّم مكارم الأخلاق حتى تصبح من طباعه.

--------------------

إضاءة

يقول الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) لأحد ولاته:

(أَنْصِفِ اللهَ وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ ومِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ ومَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ)(نهج البلاغة. شرح ابن أبي الحديد، 17، ص26).