وقلَّ العاملون


من كتابات ومحاضرات المرجع الديني الراحل، المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي(قده)

 

كل من العقل والفضيلة يأخذ بزمام الإنسان، فالعقل يمنعه من الطفرة في موضع المشي، والمشي في موضع الطفرة، والإقدام في محل الإحجام، والإحجام في محل الإقدام، والكلام حيث يقتضي السكوت، والسكوت حيث يقتضي الكلام، وهكذا.

والفضيلة تمنعه من الكذب في القول، والخيانة في الأمانة، والغدر في محل الوفاء، والخلف بالعهود، والبخل بالمال، والوقاحة في العمل والكلام، وما إليها. ولو قال المجنون: أنا عاقل، لكنه عربد ووثب وترنّح، لم يكن ينجع قوله ما كذّبه عملُه، وكذا لو قال الرذيل: أنا صاحب الفضيلة، لكنه كذب وبهت، وأحب الظهور وخان، ونقض العهد ولم يف بالوعد، لم يفد قوله ما كذّبه عملُه وناقضه فعله.

من يحمل العطر فاحت رائحته؛ وإنْ قال أنه لم يحمله، ومن يحمل القذارة المنتنة انتشر ريحه، وإنْ أظهر أنه لم يصاحبها. إن كلّ صبح تشرق شمسه، وكل مساء ينير قمره، ولابد أن يقف الإنسان مرة أو مرات على مفترق طريقَيْ الفضيلة والرذيلة، ولابد أن يختار، فإن اختار الأولى شهد عمله بفضله، وإن اختار الثانية دلّ اختياره على نقصه.

إن صاحب الفضيلة يعدل إذا حكم؛ ولا يرتشي، ويساوي بين القوي والضعيف؛ ويصدق، ويبكي للأشقياء، ويرحم الضعفاء، ويبطن الإخلاص، ويتواضع، ولا يسبّ، ولا يشتم، ويقنع، ويجدّ ولا يكسل، ولابد أن يعرف ذلك منه صديقه وقريبه، وجاره وحميمه، ومن جالسه أو صحبه أو سافر معه أو سمع منه أو رآه. بخلاف صاحب الرذيلة، فإنه يعمل على العكس من ذلك فينعكس أمره، وتبدو سوءته، حتى يحذره القريب، ويتجنّبه البعيد، ويصبح معروفاً بالشر، لا يُرجى نواله، ولا يؤمل في عدله، ولا يُنتظر معروفه.

انتحال الفضيلة من أهون الأمور، لكن العمل بها من أصعب المشكلات، ولذا كثر القائلون وقل العاملون، والناس مهما داهنوا صاحب الرذيلة، وعارضوا صاحب الفضيلة _لهنات توجب ذاك وهذا_ فلابد وأن يجري مدح الأول على لسانهم، وذم الثاني، ولو طال الكتمان وامتد الزمان.