أبعاد الفكر الأجنبي

مسألة ـ22ـ من الواجبات على الدولة الإسلامية إخراج المسلمين من طراز الفكر الغربي والشرقي، الذي ساد بلاد الإسلام في هذا القرن، فإنّ هذا الطراز جاء إلى البلاد مع الاستعمار العسكري أولاً، ثم غذّاه الاستعمار الفكري حتى صار المسلمون أنفسهم حماة هذا الطراز من الفكر، وويل للضحية إذا أخذ يفكر كما يفكر الجلاد، وهذا التغيير وإنْ كان عملا شاقاً إلاّ أنّه لا بد منه، فإنّه بدون ذلك تكون البلاد ألعوبة بأيدي المستعمرين، ويبتدئ انفصال الفكر الإسلامي عن الفكر الغربي، في ثلاث نقاط:

1)         إنّ الله موجود، بينما طراز الفكر الغربي أنّ الله ليس بموجود، فإنّ رد فعل الكنيسة باقٍ إلى الآن في أذهان الغربيين، ثم أخذ هذا في طراز الفكر الشرقي الذي نفى الله نفياً قاطعاً.

2)         إنّ الله له الحكم، كما أنّ الله له التكوين، بينما طراز الفكر الغربي والشرقي، أنّ البشر له الحكم، وهذا الأمر الثاني انبثق من الأمر الأول.

3)         إنّ الإنسان هو أهم شيء في الكون.

قال سبحانه: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ))[1]

وفي الحديث القدسي: (خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي) ولا يخفى أنّ معنى (لأجلي) لأنْ تعرفني وتعبدني فتصل إلى الكمال الممكن الكامن فيك، لأنّ البشر كلما ازداد لله معرفة ازداد لله عبادة، ((وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ))[2] فيظهر كامن معدنه النير أكثر فأكثر، كالمعدن المخلوط بالتراب، إذا وضع في البوتق.. هذا بينما الفكر الغربي أنّ المادة هي الأصل، لا الإنسان، ولذا نرى الإسلام يضحي بالمادة للإنسان، بينما الغرب يضحي بالإنسان لأجل المادة، وهذه البنود الثلاثة هي جوهر الصراع بين الإسلام وبين الغرب (والشرق لا استقلال له، وإنّما هو إغراق في أسلوب الفكر الغربي).

ثم إنّه من الواضح أنّ البشرية طول هذه القرون، تقدمت إلى الأمام، وأنجزت إنجازات مدهشة في ميادين العلم والصناعة، وهذا ما لا يمكن التفريط به، بأي حال، فاللازم الفصل بين الإنجازات الإنسانية، وبين الرواسب العالقة بهذه الإنجازات، ليأخذ المسلمون الجيد ويدعوا الرديء، وهذا الفصل يحتاج إلى أكبر قدر من العلماء الدينين، والعلماء الزمنيين، ويكون كلا الجانبين قد ألمّ بما عند الثاني من معرفة، في الجملة، ليمكن التفاهم بينهما، وإنتاج وليد شرعي لكلتا الحضارتين، بما يلائم الشريعة، ويلائم العصر، وهذا بحاجة إلى توفير كلا القسمين من العلماء، ولا يخفى النقص الهائل في الجانب الأول، من ناحية الكم ومن ناحية الكيف، كما لا يخفى النقص الهائل في الجانب الثاني من ناحية الكيف، كما أنّ من الضروري إيقاف العقول المهاجرة إلى الغرب من أبناء المسلمين، فإنّهم يهاجرون لأجل أمرين:

أ-          لأجل ما يشاهدون هناك من الحرية والاحترام غير المهيأين في البلاد الإسلامية.

ب-        لأجل زيادة المادة في الغرب من المادة في البلاد الإسلامية، وبالهجرة تفتقر بلاد الإسلام لتعمر بلاد الشرق والغرب، فاللازم علاج الأمر علاجاً عملياً، لإيقاف الهجرة.

ثم التقريب بين الجانبين: علماء الدين، وعلماء الزمن، وبعد أنْ فصل هذا الأمر في قطر، لابد وأنْ ينقل إنتاجه وتجاربه إلى سائر الأقطار، وبذلك تتساقط الحكومات الغاصبة التي تمشي على طراز الإسلام (وإذا تغير السلطان تغير الزمان)، ومن بدء هذا التاريخ يأخذ المسلمون فيستردون أنفاسهم، ليعيدوا الكرّة، ويكونوا أسياد أنفسهم، وثم أسياد العالم لينقذوا البشرية من ظلمات قرن العشرين إلى نور الإسلام ((يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ))[3].


[1] ـ سورة الإسراء: الآية 70.

[2] ـ سورة الذاريات: الآية 56.

[3] ـ سورة المائدة: الآية16.