نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(فازُوا وَسُعِدُوا في الدُّنْيا وَالآخِرة) (118)

الضلالة والشرّ وضدهما ودور الله أو الإنسان فيها

مسألة: من المعلوم أن الاهتداء والفوز والسعادة الأُخروية، بل وحتى الدنيوية وعكسها، بيد الإنسان نفسه بعد هداية الله سبحانه.

قال جل وعلا: ((ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ))[1].

وقال تعالى: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً))[2].

وقال سبحانه: ((لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ))[3].

وقال تعالى: ((مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً))[4].

ومعنى إضلاله سبحانه، تركه وشأنه، من قبيل: أفسد الوالد ولده والحكومة الناس، إذا تركت الحكومة الناس وشأنهم حتى يفسدوا وإن لم تقم هي بالتخطيط للإفساد، بل كان مجرد تركهم، وترك الوالد ولده حتى يفسد، ولكن إنما يكون ذلك بعد هداية الله وعدم قبول الإنسان للهداية، كما فصّلناه في بعض كتبنا الكلامية في بابي الضلال والهداية.

ثم إن الله سبحانه وتعالى لا يريد بأحد شراً أو سوءاً، بل يريد الخير للجميع، كما لا يريد مشكلة لأحد بما هو هو، وبما هي هي، ولذا ورد في سورة القدر ((سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ))[5] فإن كل ما ينزل من السماء إلى الأرض هي السلامة، وإنما الناس ـ بسوء تصرفاتهم ـ يجلبون لأنفسهم الشر، كالفقر والمرض وما أشبه ذلك، فإنها بيد الإنسان نفسه أو بيد بني نوعه، وإنما يوقع الإنسان نفسه في الشر بهذه الأسباب.

نعم قد يكون السبب في إيقاع الإنسان في مشكلة: التكفير عن ذنوبه كي لا يبتلى بالعقاب الأشد في الآخرة، أو رفعة درجاته، كمن يوقع نفسه في مشاق السفر رغبة في الربح والتجارة.

وربما كان السبب في الوقوع في المشكلة، الأثر الوضعي لتصرفاته هو، فتكون المصائب التي تترى عليه، نتيجة لذلك وإن لم يعلم هو بالترابط بين الأمرين، فـ (من زرع حصد) حنظلاً كان أم ورداً.

لا يقال: فماذا تقولون فيما ورد في الدعاء: (أكرمني بهوان من شئت من خلقك ولا تهنّي بكرامة أحد من أوليائك)؟[6]

فإنه يقال: مثالهما مثال من يطلب من قائد الجيش أن لا يرسه في المهمات الصعبة، بل يكلف غيره بها، فيما لابد من خوضه لنجاة الجيش أو الشعب، فإذا كان هنالك هوان لا بد منه، فإن هذا الداعي يطلب من الله سبحانه أن لا يكون هو الذي يُهان وغيره يُكرم، بل يكون هو المكرم وإن كان غيره يهان.

والتعبير بـ (من شئت) قد تكون حكمته الإشارة إلى أن انتخاب البديل، حيث كان من الله تعالى، فإن من الطبيعي أن يحل الله سبحانه الهوان في المحل القابل، وفيمن يستحق ذلك أو فيمن تقتضي الحكمة ذلك وإن لم يكن مستحقاً، وهذا الداعي وإن كان يستحق ذلك إلاّ أنه بالدعاء يريد أن يرفع ذلك الاستحقاق أو تغيير وجه الحكمة، فيما كان من قبيل ما هو مكتوب في لوح المحو والإثبات، لا اللوح المحفوظ، وتفصيل هذه المباحث في الكتب الكلامية[7] وإنما أردنا الإلماع إليها حسب ما يقتضيه المقام.

[1] الروم: 41.

[2] الطلاق: 2.

[3] الأعراف: 96.

[4] الكهف: 17.

[5] القدر: 5.

[6] بحار الأنوار 97/375 ب3 ح1.

[7] راجع (شرح المنظومة) و(القول السديد في شرح التجريد) للمؤلف (قدس سره).