المؤلفات |
(فزنا) (109) |
رجحان مدح النفس! |
مسألة: يستحب مدح الإنسان نفسه وسرد فضائله وذكر مناقبه، إذا كان في مقام التعليم أو دفع تهمة أو إحقاق حق، وقد يجب ذلك. وهذا لا ينافي ما ورد عنه (عليه الصلاة والسلام) من أن تزكية المرء نفسه قبيح[1] لأن القبح بلحاظ العنوان الأولي، فإذا طرأ عليه عنوان مُحَسِّن صار مستحباً، بل قد يجب المدح فيما إذا توقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الدعوة إلى الواجب عليه، ولذا كان الأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) يعرّفون أنفسهم بما هو مدح لها. نعم إنما يستحب مدح الإنسان نفسه إذا كان مدحاً صادقاً، أما المدح الكاذب فهو داخل في إطلاقات أدلة الكذب. ومما ذكر في باب مدح الإنسان نفسه يعلم الحكم في عكسه من ذم الإنسان نفسه، في كونه مستحباً أو محرماً أو واجباً أو غير ذلك. |
معنى فوز أولياء الله وانتصارهم |
ثم إن قول علي (عليه الصلاة والسلام): (فزنا) إنما كان لأجل ما ذكره جبرئيل (عليه السلام) (عليه السلام) من مدحهم (عليهم السلام) عن لسان الله سبحانه وتعالى: ((إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً))[2] فإن كونهم (عليهم السلام) ممدوحين لله تعالى ومطهرين بأمره وإرادته يوجب الفوز في الدنيا والسعادة في الآخرة. ومن المعلوم إن فوز الدنيا، ليس خاصاً بالمأكل والمشرب والمسكن وما أشبه ذلك من الأمور المادية، بل ذلك الفوز الأدنى، فإن الإنسان الهدفي، إذا كان يسعى من أجل تحقيق هدفه، يكون فائزاً ولو حرم من كل الملذات المادية، فالإمام الحسين (عليه السلام) فائز وهو قتيل ومجروح من رأسه إلى قدمه، ولهذا قال الراوي ((ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته، أربط جأشاً وأقوى جناناً منه (عليه الصلاة والسلام)[3] فهو (عليه السلام) الفائز والمنتصر، وهو صريع سليب على أرض المقتل، لأنه (عليه السلام) كان يعلم إنه بعين الله وفي سبيل الله سبحانه وتعالى مؤتمراً بأمره، وهذا هو الإنتصار الحقيقي. أليس (الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء)؟ ولذا قال سبحانه: ((إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهادُ))[4] فإن ميزان الإنتصار والانكسار، ليس بغلبة الجيش أو انهزامه أمام جيش العدو، بل إن ميزان انتصار الصالحين، هو انتصار مبادئهم وانتصارهم على أنفسهم وانتصارهم في امتثال أوامر الله سبحانه وتعالى. وهذا بحث كلامي ذكرناه هنا إلماعاً لا استيعاباً. |
[1] حول مدح النفس راجع: (الفضيلة الإسلامية) للإمام المؤلف (قدس سره). [2] الأحزاب: 33. [3] راجع بحار الأنوار: 45/50 (بيان). [4] غافر: 51. |