المؤلفات |
(في محفل من محافل أهل الأرض) (102) |
عمومية المراد بـ: (مَحْفِل) |
قد سبق بيان استحباب ذكر أخبار أهل البيت (عليهم السلام) في جميع المحافل، وذلك للإطلاق في (محفل). والظاهر إن أهل الأرض ـ المنصرف منه الساكنون فيها ـ من باب المصداق، فإن كان هنالك في الأنجم الأخر جماعة من أهل الأرض، أو من سكانها، ثم ذكروا هذا الحديث كان لهم هذا الفضل، وإنما ذكر أهل الأرض لوقوعه في الأرض يومئذ، وكونه محل الإبتلاء عندها، ومن باب أظهر المصاديق عند المنقول إليهم. أما وهل ذكره في محافل أهل السماء وشبهها، ممن هم من قبيل الملائكة والولدان والحور، له هذا الفضل أم لا؟ لا يبعد ذلك أيضاً بالنسبة إلى القابل، يعني: نزول الرحمة، أما شفاء المريض ونحو ذلك من الآثار المادية المترتبة على هذا الخبر، فليس هنالك محل هذه الأمور كما لا يخفى، مما يفهم من الروايات، فإن الملائكة والولدان والحور عادة لا تمرض أو تضعف، أما الحزن فقد يفهم وجوده لدى العليين، مما ورد بالنسبة إلى الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) من حزن الحور عليه، لكن لا يبعد أن يكون حزن الحور بالنسبة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) استثناءاً. |
استحباب مطلق تلاوة هذا الحديث |
مسألة: يستحب تلاوة حديث الكساء للعمومات ولقوله (صلى الله عليه وآله): (ما ذكر خبرنا هذا) سواء كان في محفل أم لم يكن. إذ الظاهر عدم الإنحصار بالمحفل، بل يشمله ـ بملاكه ـ حتى إذا ما قرأ هذا الحديث فرد من الأفراد لوحده، وذلك من باب تعدد المطلوب. وإنما يستحب باعتبار الآثار، إذ منها يفهم استحباب المؤثر عرفاً. ثم إن الظاهر من (ذكر خبرنا هذا)، هو ذكره بهذا التفصيل، وإن كان لا يبعد وجود الملاك في ذكره إجمالاً، وعلى الملاك فهو من باب المستحب في المستحب. ولا يخفى إن الآثار الإيجابية لتلاوة حديث الكساء، لا تختص بالإنسان، بل تشمل غيره كالجن، ولذا قال النبي (صلى الله عليه وآله): (في محفل من محافل أهل الأرض). وخاصة مع الإنتباه إلى ما دل على ان الإنس والجن، يشتركان في التكاليف الإلهية، والأحكام الشرعية، فالقرآن المشتمل على كل هذه الأحكام لهما ((إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ))[1] إضافة للروايات الدالة على أنه (صلى الله عليه وآله) مرسل للجن والإنس وغير ذلك. وقد ذكرنا في بعض كتبنا الفقهية[2] مسألة الزواج مع الجن، والطلاق والإرث وما أشبه ذلك. كما أن ما جرى من أمر الثعبان الذي سأل علياً (عليه الصلاة والسلام) وهو على منبر الكوفة[3] يؤيد ذلك، إلى غيرها من الأحداث والقصص المذكورة في الأحاديث. وعلى أي حال فهو خارج عن محل الإبتلاء عادة. أما ما ورد من تزويج ابني آدم بحورية وجنية، فالظاهر أن المراد كونهما كذلك في الأصل، إذ قد كانتا من البشر في وقت الزواج من ابني آدم، نظير ما قال سبحانه: ((وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ))[4]. فكونهما جنية ًوحورية، ًمن باب كون الإنسان طيناً، وكون المَلَك نوراً، وكون الجن ناراً، وليس المراد الفعلية، وهذا لا ينافي أن يكون الإنسان قد خُلق من إنسان واحد وهو آدم (عليه السلام) كما في بعض الآيات، أو من إنسانين آدم وحواء (عليهما السلام) كما في بعض الآيات الأخرى، لأن المراد هي النشأة الأولى، وإلاّ فعيسى (عليه السلام) خُلق من نفخ جبرئيل (عليه السلام) (عليه السلام). أما ما احتمله بعض العامة من أن آدم زوج ابنيه ببنتيه، وإنه كان حلالاً في ذلك الوقت، حراماً فيما بعد، فترده الروايات الواردة عن أئمتنا (عليهم الصلاة والسلام)[5]. |
[1] الجن: 1 ـ 2. [2] راجع كتاب (ألف مسألة، المسائل المتجددة) و(الفقه: المسائل المتجددة) و(الفقه: النكاح). [3] راجع بحار الأنوار: 39/171 ب83 ح 11. [4] الأنعام: 9. [5] راجع قصص الأنبياء للجزائري ص 61 ط قم. |