المؤلفات |
(ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله) (99) |
اجتماع ذوي الفضل و |
مسألة: يستحب اجتماع ذوي الفضل، والحضور في مجالسهم، والإستفادة من محضرهم، وهو مما تترتب عليه الفوائد والثمار. ولذا قال علي (عليه السلام): (يارسول الله أخبرني ما لجلوسنا هذا... من الفضل عند الله). ولا فرق بين أن يكون البعض أفضل من بعض، أو يكون لبعضهم فضل دون بعض، أو أن يكون للجميع فضل، فإنه إذا كان هناك إنسان عظيم واجتمع إليه الناس، ترشح إليهم من علومه أو معنوياته بحديثه، بل بصمته أيضاً وبهيئته وسمته وسلوكه، بل وبإشعاعاته أيضاً. أما إذا كانوا كلهم عظماء ـ على درجات ـ فالترشح سيكون أكثر، والتجمع يسبب الفضل الأوفر، واجتماع المتساوين في الفضل كذلك أيضاً، إذ البحث يقدح زناد الفكر، بل تجمعهم بحد ذاته يوجب قوة الروح والنفس أيضاً، وإطلاق (يد الله مع الجماعة)[1] وملاكه أيضاً يدل على ذلك، كما يؤيده الإعتبار. |
الهدفية في الأعمال وقصد القربة |
مسألة: ينبغي أن يقوم الإنسان بكافة أعمالله بهدف الفضل والثواب والفائدة[2][3] وأن يتحرى عن ذلك كما قال علي (عليه السلام): (يا رسول الله أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله؟). فكل عمل وكل حركة وسكون للجوارح أو الجوانح، يمكن أن تكون ذات فائدة او ضرر بما هي هي، أو بالقصد[4] وسائر العوارض، فإذا قام بالعمل لأجل الفضل والثواب والفائدة، وإذا تحرى عما يحقق ذلك ضمن سعادة الدنيا والآخرة، وإلاّ خسر نفسه وأضاع عمره وضياعه خسارة لا تعوض، إذ لا تعود للإنسان حتى ثانية من عمره الضائع، يقول الشيخ البهائي (قدس سره): (العمر مضى وليس من بعد يعود). ولذلك ولغيره ـ كالتعليم مثلاً ـ سأل علي (عليه السلام) عن فضل جلوسهم تحت الكساء. وفيه تنبيه على لزوم اتيان الأعمال بهدف التقرب إلى الله، والتفكير في فضل عمله عنده سبحانه، فإن للإنسان أن يعمل حتى الواجبات الجنسية وما أشبه، قربة إلى الله سبحانه، مما يوجب له الأجر والثواب، وإلى ذلك أشارت بعض الروايات. وقد ورد في الحديث[5]: إنه يفتح للعبد يوم القيامة على كل يوم من أيام عمره أربعة وعشرون خزانة ـ عدد ساعات الليل والنهار ـ فخزانة يجدها مملوءة نوراً وسروراً فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وزّع على أهل النار لأدهشتهم عن الإحساس بألم النار، وهي الساعة التي أطاع فيها ربه. ثم يفتح له خزانة أخرى، فيراها مظلمة منتنة مفزعة، فينالله عند مشاهدتها من الفزع والجزع، ما لو قسم على أهل الجنة لنغص عليهم نعيمها، وهي الساعة التي عصى فيها ربه. ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها فارغة ليس فيها ما يسره ولا ما يسوؤه، وهي الساعة التي نام فيها أو اشتغل فيها بشيء من مباحات الدنيا، فينالله من الغبن والأسف على فواتها، حيث كان متمكناً من أن يملأها حسنات ما لا يوصف، إن هذا قوله تعالى: ((ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ))[6]. قال الشاعر: (أنفاس عمرك أثمان الجنان فلا***تشري بها لهباً في الحشر تشتعل) أليس من الخسارة أن يخسر الإنسان نفسه ودنياه بالحرام؟! قال تعالى: ((إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ))[7]. أليس من الخسارة أن يقضي الإنسان حياته، فيما لا يدر عليه أرباحاً وجناناً عرضها السماوات والأرض؟ ومثله كمن يحرق أوراقه النقدية، وإن لم يصرفها في الحرام الضار؟! وحيث كان جلوسهم (عليهم السلام) لله سبحانه كان له فضل. وكذا يعلمنا الإمام (عليه السلام) كيف نصرف أوقاتنا في مرضاة الله تعالى. |
أقسام الجلوس |
مسألة: الجلوس في مكان والاجتماع فيه، ينقسم إلى الأحكام الخمسة: فمنه: واجب للتعليم والتعلّم الواجبين وما أشبه ذلك، كالمرابطة في الثغر ونحوها. ومنه: مستحب، في التعليم والتعلّم المستحبين، ومنه جلوسهم تحت الكساء، ولا يبعد كونه أحد مصاديق الواجب التخييري. ومنه: مكروه كما إذا كان من مجالس الباطل، لا إلى حد الحرمة. ومنه: محرم، وهو ما إذا كان إلى حد المحرم، أو ما أشبه ذلك، لذا قال سبحانه: ((فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ))[8]. ومنه: مباح إذا لم يكن أياً من الأربعة. |
[1] نهج الفصاحة: 646 ح 3211 ط طهران، وفيه: (على الجماعة). [2] قد يكون الفضل إشارة للقيمة الذاتية، والثواب للأجر الأخروي، والفائدة إشارة للمنفعة الدنيوية. [3] راجع الفضيلة الإسلامية، و(الفقه: الآداب والسنن). [4] المباح يتحول إلى مستحب بالقصد، فمثلاً شرب الماء وأكل الطعام بما هو هو مباح، وبقصد الإستعانة به على العبادة وقضاء الحوائج مثلا، مندوب مثاب عليه. [5] بحار الأنوار: 7/262 ب 11 ح 15. [6] التغابن: 9. [7] الشورى: 45.. [8] النساء: 140. |