المؤلفات |
(إلاّ لأجلكم ومحبتكم) (92) |
المعصومون (عليهم السلام) أجل وأعظم من الكون |
مسألة: يستحب دعوة الناس إلى التمسك بمن ينفعهم في دينهم ودنياهم وقد يجب، كما وجّه سبحانه الناس إلى الخمسة الأطياب مرات عديدة، ببيان أن الكون خلق لأجلهم. إذ يجب في الواجبات ـ كالمقام ـ ويستحب في المستحبات توجيه الناس إلى ما ينفعهم، ولأنهم (عليهم السلام) العلّة الغائية[1] للكون، فهم أجلُ وأكبر وأعظم منه، وغير خفي إن كونهم (عليهم السلام) أجل وأكبر وعظم من الكون، لا يراد به البعد المادي[2]، بل المقصود الجانب المعنوي، فكما أن مثقالا من الألماس قد يكون أغلى من مليون مثقال من الفحم ـ في القيمة والمعنى ـ كذلك في المقام. وقد رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في المعراج قافلة من الأبل لا يعلم أولها ولا آخرها وهي محملة بفضل الإمام علي (عليه السلام)، وقد يكون ذلك من باب تشبيه المعقول بالمحسوس[3] وربما يكون حقيقياً كأن تكون فضائله (عليه السلام) مسطرة في صحائف وكتب حملتها ملايين الإبل، كما تشهد به بعض القرائن، أو بكون فضائله (عليه السلام) حقيقة وبما هي هي، محمولة، ويكون المجاز في (الإبل) فليدقق. فإن معنوية الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، أكبر من الكون وهو المصداق الأتم بعد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) للشطر الثاني من قوله (عليه السلام): (أتزعم انك جرم صغير***وفيك انطوى العالم الأكبرُ) وهو كذلك بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما كان الإمام علي (عليه السلام) كنافذة لتلك النفس الرفيعة الكبيرة، مثل نبع تحته بحار من المياه. والمراد بالمعنوية: سعة وعمق علمه حلمه وسمو خلقه وآدابه، وقوة إمكانياته في التصرف في الكون، إلى ما أشبه ذلك[4]. وذلك كقوله سبحانه: ((لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ))[5]. فإنه إذا قيست معنوية القرآن بمادية الجبل، تكون معنوية القرآن أضعاف أضعاف مادية الجبل، فإنه قد يلاحظ المادي في قبال المادي، وقد يلاحظ المعنوي في قبال المعنوي، وقد يلاحظ في قبال المادي وقد يكون العكس، وهذه الآية من القسم الثالث. ومن المعلوم إن المادي قد يتحول معنوياً، كما في تحول المادة إلى الطاقة في الإنفجار الذري مثلاً، وفي تحول الأغذية في بدن الإنسان إلى قوة وطاقة. وقد يبادل المادي ويعوض بالمعنوي، كصرف المال لأجل العلم، فإن العلم معنوي والمال مادي، وقد يكون العكس كصرف العلم في تحصيل المال، وقد يصرف العلم لتحصيل علم آخر، أو المال لتحصيل مال آخر، فلو فرض أن القرآن المعنوي تحول إلى شيء مادي، لكان الجبل خاشعاً متصدعاً بسبب ذلك الشيء المادي، الذي تحول القرآن المعنوي إليه، وهناك معنى آخر لتوضيح الآية الشريفة نذكره في محله. ولكونهم (عليهم السلام) أكبر وأعظم من الكون، توجيه آخر هو ما قد ذهب البعض إليه، من الإلتزام بالسعة الوجودية والإحاطة الشمولية، والكلام في المقام طويل وعميق، نكتفي منه بهذا القدر. |
[1] قد سبق في الكتاب الحديث عن ذلك تفصيلاً. [2] اللهم إلاّ على التوجيه الآتي آخر هذا البحث فيشمل البعدين. [3] بفرض تحول المعنى إلى المادة، كما تتحول الطاقة إليها وذلك كما فرضنا حمل الإبل للكرة الأرضية ـ أو المشتري الذي هو أكبر من الأرض ألف مرة، كما يقول علماء الفضاء ـ لاستدعى ذلك الملايين من الإبل كما هو واضح. [4] إلى جانب من ذلك يشير الشاعر بقوله: $(له همم لا منتهى لكبارها***وهمته الدنيا أجلُّ من الدهر). [5] الحشر: 21. |