نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(هم فاطمة وأبوها وبعلها...) (81)

لماذا جعلها الله محوراً

مسألة: يستحب بيان مكانة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عند الله تبارك وتعالى، وأنه تعالى جعلها (سلام الله عليها) هي المحور في تعريفهم (عليهم السلام).

وعند إرادة الحديث عن أفراد عائلة واحدة، يحسن اقتضاء تسمية واحد منهم ـ لاعتبارات معينة ـ كمركز، ثم إدارة أسماء الباقين عليه، كما قال سبحانه: (فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها).

ولعل السر في جعلها (صلوات الله عليها) محوراً، إن الملائكة كانوا قد عرفوا فاطمة (عليها السلام) حين كانوا في الظلمة ثم ببركة نور فاطمة (عليها السلام) خرجوا إلى النور. وفي الحديث: عن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: لم سميت فاطمة الزهراء، زهراء؟

فقال (عليه السلام): لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغشيت أبصار الملائكة وخرّت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم هذا نور من نوري[1].

ولربما كان السر نفس مفاد حديث: (لولاك لما خلقت الأفلاك...)[2] أو لأجل أن فاطمة (سلام الله عليها) تصلح أن تكون محوراً مباشراً بلا واسطة بينما سائر المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) إنما يتصل بعضهم ببعض بواسطة، ففاطمة وأبوها، وفاطمة وبعلها، وفاطمة وبنوها، بينما إذا أريد إبدال اسمها باسم الرسول (صلى الله عليه وآله) فاللازم أن يقول: محمد (صلى الله عليه وآله) وابن عمه، ويقول محمد وأحفاده وكذلك بالنسبة إلى علي والحسنين (عليهم السلام) فربما لهذه الجهة اقتضت البلاغة جعل (فاطمة) (عليها الصلاة والسلام) المحور.

الحركة الدورانية للمخلوقات والمحور الرئيسي لها

وربما يكون السبب هو ما ورد في الحديث الشريف عن الصادق (عليه السلام): (هي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى)[3].

ولا يخفى إن الله سبحانه قرر للمخلوقات حركة دورانية بمعنى العودة إلى المبدأ، كما جعل لاجزاء وجزئيات عالمي المادة والماورائيات محاور وأقطاب رحى، فالشمس والقمر والكواكب والأرض يدور بعضها حول بعض، وتدور على القرون، وماء البحار وغيرها تبخره الشمس فيصعد إلى السماء، ثم ينزل منها إليها على شكل أمطار وهكذا دواليك[4].

والأشجار والحيوانات كذلك تنشأ من الأرض ثم تعود إليها كما كانت.

قال سبحانه: ((وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَباتاً)) الآية[5].

وقال تعالى: ((مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ))[6] إلى غير ذلك من الأمور، حتى أن العلماء قالوا: كما أن المادة تتحول إلى (طاقة) وإحدى سبل ذلك الإنفجار الذري، بل ذلك حادث بشكل طبيعي في أجهزة بدن الإنسان والحيوان و... دوماً كذلك الطاقة يمكن أن ترجع إلى الـ (مادة) وإنما الأمر بحاجة إلى أجهزة متطورة تتمكن من استرجاعها كما كانت.

هذا في الماديات.

أما المعنويات: فلها مدار وقطب ومركز أيضاً، ولذا يقال: يدور المجتمع السليم على محور الدين، بمعنى أن الأخذ والعطاء والمعاملات والنكاح وغيرها تكون على محور الدين، وحتى الماديون يرون إن برامجهم ومناهجهم ومجتمعهم، تدور على محور أوامر ماركس مثلاً، فمنه تستمد وإليه ترجع، فإن المجتمع لا تكفي فيه المادة فقط، بل يحتاج إلى قوانين تقوم بتنظيم حياته في مختلف الأبعاد، فلا بد أن يكون له قانون، يكون هو عماد الحياة ومحورها، يدير شؤونه ويحول دون الفوضى والهرج والمرج.

إذن فالحياة المادية تدور هي بدورها على محور البعد المعنوي سليماً كان أم سقيماً. وحيث إنهم (عليهم السلام) محور الكون والكائنات، حيث كانوا هم السبب في إفاضته سبحانه وتعالى: المادة والمعنى[7]، وكانوا هم الطرق والوسائط في هذه الإفاضة، لذلك فهم (عليهم السلام) قطب رحى الوجود، وعليهم تدور القرون والأزمان بقول مطلق، وفاطمة (عليها الصلاة والسلام) هي محور هذا المحور.

وإنما خصص بـ (الأولى) في قوله (عليه السلام): (وعلى معرفتها دارت القرون الأولى) كما في رواية البحار، عن الإمام الصادق (عليه السلام)[8]، لأن الأولى إذا كانت على كيفية، فالأخرى تكون على تلك الكيفية ـ عرفاً ـ بخلاف ما إذا كانت الأخرى كذلك، حيث لا تستلزم أن تكون الأولى مثلها أيضاً، وإذا أطلق بأن قال: (دارت القرون) كان المنصرف منه قروننا فقط من قبيل قوله سبحانه في مريم (عليها السلام): ((عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ))[9] حيث المنصرف منه (عوالم زمانها). مثل أن يقال: (الدولة الفلانية أقوى الدول) حيث إن المنصرف منه: (الدولة المعاصرة لها).

معادن الثروات المعنوية

وكما أن الله سبحانه جعل للماديات مخازن تستمد منها، مثل الشمس التي هي مخزن ومنبع النور والحرارة والدفء، والبحار وهي مخزن الماء والأسماك و.. والهواء وهو مصدر ومخزن الاوكسجين الذي به يتنفس الإنسان والنبات والحيوان، إضافة إلى ما يحمله من أمواج ـ بشتى أنواعها ـ وغيرها، والأرض وهي مخزن التراب وما ينشأ منه من النباتات والأشجار وغيرها.

وكذلك جعل للمعنويات مخازن ومعادن، يتم الإستمداد منها بالمباشرة أو بواسطة القدوة والأسوة، فالأنبياء (عليهم السلام) خزنة علم الله سبحانه ورسالاته، وكذلك الأوصياء والسيدة الزهراء (عليهم السلام)، والناس يستمدون منهم مختلف العلوم والمعارف، إذ كل المعارف والعلوم البشرية تعود إليهم بشكل أو بآخر.

وكذلك للشجاعة والكرم والعاطفة وغيرها من الفضائل، منابع ومعادن فإن تلك الصفات في الكبار من الناس تحتذى بالأسوة والإتباع.

العلّة في بكاء يعقوب والزهراء (عليهما السلام)

ولعل بكاء يعقوب (عليه السلام) تلك المدة الطويلة كان من ذلك، حيث يستمد الناس منه العاطفة بالأسوة والإقتداء.

وكذلك بكاء الصديقة الطاهرة والسجاد (عليهما السلام)، إلى غير ذلك.

فلا يقال: كيف بكى يعقوب (عليه السلام) وهو يعلم إن ولده حي وسيرجع إليه ملكاً؟ وكيف بكى السجاد (عليه السلام) والزهراء (عليها الصلاة والسلام) وهما يعلمان بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) والحسين (عليه السلام) وأهل بيته والمستشهدين بين يديه (عليهم السلام) ذهبوا إلى جنان الله الوسيعة؟ وكان علمهم بذلك عين اليقين بل حق اليقين.

هذا بالإضافة إلى أن بكاءهما (عليهما السلام) كان سياسيا أيضاً، حيث أرادا فضح المخالفين، فإن كلاً من الهجوم والدفاع يكون عاطفياً بالبكاء ونحوه، وسياسياً بالحوار والمعاهدات ونحوهما، كوضع الرجل المناسب في المكان المناسب وعكسه، واقتصادياً وغير ذلك مما سنذكره في مقدمة الخطبة إنشاء الله تعالى.

لا يقال: إذا كانوا (عليهم السلام) يعلمون بأن ذويهم في روح وريحان وجنة ورضوان وفي كمال الراحة، فلماذا كانوا يبكون؟ وهل يتأتى البكاء لمن يرى ذويه في راحة ونعيم؟

لأنه يقال: قد ذكرنا في بعض مباحث الكلام إن علمهم وإحساسهم الغيبي لا يؤثر في شؤونهم الدنيوية، وإلاّ لم يكونوا أسوة، وكذا بالنسبة إلى القدرة الغيبية ولذا لم يستخدموها لدحر العدو أو للتوقي من القتل وشبه ذلك على تفصيل ذكرناه هناك.

[1] عوالم العلوم: 11/61 ب 3 ح 2 ط 2.

[2] عوالم العلوم: 11/26 ب 3 ح 1 ط 2.

[3] بحار الأنوار: 43/105 ح 19. وفي أمالي الطوسي بإسناده عن إسحاق بن عمار وأبي بصير عن أبي عبد الله الصادق ((عليه السلام)) أيضاً.

[4] أللف والنشر مشوش فـ(الشمس والقمر...) مثال لـ (كما جعل... محاور وأقطاب رحى) و(ماء البحار...) مثال لـ (حركة دورانية) وكذلك المثال اللاحق (والأشجار..) وما بعده أيضاً، وأما المعنويات فأمثلة الإمام المصنف هي للقسم الثاني فقط أي (كما جعل... محاور) فليلاحظ.

[5] نوح: 17.

[6] طه: 55.

[7] سبق هذا المبحث وسيأتي تفصيلاً أيضاً.

[8] عوالم العلوم والمعارف: 11/36 ب 6 ح 6 ط 2.

[9] آل عمران: 42.