نص الحديث

الفهرس

المؤلفات

  الحديث الشريف

الصفحة الرئيسية

 

(يارب ومن تحت الكساء) (77)

الإذن في السؤال والدعاء

مسألة: لا يحسن السؤال من دون الإذن وقد يحرم.

والله سبحانه كما أذن لنا بالسؤال والدعاء، أذن كذلك للملائكة في الجملة.

ويظهر وجود الإجازة لسائر الملائكة إجمالاً، ولإبليس، من قصة خلق آدم (عليه السلام) وسؤال الملائكة وإبليس.

كما يظهر من سؤال جبرائيل ههنا (ومن تحت الكساء) الإذن له من ذلك.

ولولا إذن الله سبحانه وتعالى، لم يحق له وللملائكة السؤال، ولذا ورد في دعاء الإفتتاح: (أذنت لي في دعائك ومسألتك).

وقد ذكر بعض شراح دعاء كميل عند قوله (عليه الصلاة والسلام): (فكيف أصبر على فراقك) إنه يأتي النداء إلى مالك جهنم أن يمنع أهل النار من ذكر الله سبحانه وتعالى إذ أنهم يتضرعون إليه ليخرجهم من النار.

لا يقال: إن ذلك ينافي رحمة الله سبحانه.

لأنه يقال: يجزى العاصي نظراً لا ستحقاقه العقوبة، والعقوبة أثر تكويني طبيعي للمعصية، فهي كبذرة الحنظل أو الورد، التي لا بد أن تثمر حنظلاً أو ورداً لا غير، وكذلك حال الدنيا والآخرة والمعصية والعقوبة، وقد ذكرنا ذلك في جملة من كتبنا الكلامية[1] وفي كتاب (الأصول) بالمناسبة، إضافة إلى ما أشار إليه تعالى بقوله: ((وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ))[2].

وهل كان سؤال جبرائيل: (ومن تحت الكساء؟) من باب تجاهل العارف من قبيل: ((وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى))[3] أم كان على وجه الحقيقة؟

احتمالان.

العلم والإستعلام

مسألة: يستحب الإستعلام عن المجهول، وذلك كما سأل جبرائيل (عليه السلام) عمن تحت الكساء، وكما سأل غيره من الملائكة والرسل (عليه السلام) عن غيره، فإن العلم كمال والسؤال طريق التكامل، ولذا قال سبحانه لأكمل مخلوقاته: ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً))[4] وقال علي (عليه السلام): (ولا يستحيَنَّ أحدكم إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه)[5] فإن العلم بحر عميق، لا يعلم مداه إلاّ الله وحده وقد حبى أولياءه الذين اختصهم به بقدر منه، أما ما في أيدي الناس، فليس مثله إلاّ كمثل رطوبة رأس إبرة بالنسبة إلى ((الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ))[6] بل النسبة أبعد وأبعد عن هذا بكثير.

وقال علي (عليه السلام): (علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف ألف باب)[7] كما في بعض الأحاديث، وربما يكون (الباب) إشارة إلى كل علم بأكمله، فالرياضيات باب والطب باب ثان، وهكذا إلى مليون باب، أو تكون (الألف باب) الأولى إشارة إلى ألف علم جامع لمجموعة علوم هو كالجنس لها.

وفي حديث آخر: (إنهم (عليهم السلام) يزدادون علماً كل ليلة جمعة)[8].

وبعد كل ذلك فإن مجموعة ما يعلمه البشر جزء ضئيل من ضلع واحد من أضلاع العلم الأربعة التي أشار إليها قوله سبحانه: ((يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ))[9].

فلكل من الدنيا والآخرة ظاهر وباطن، أما الآخرة فلا يعلم البشر منها شيئاً إطلاقاً، لا ظاهراً ولا باطناً، ولذا روي إن الإنسان في الآخرة يرى (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)[10].

وأما الدنيا: فلا يعلم من باطنها شيئاً أيضا ـ إطلاقاً ـ وإنما يعلم قدراً محدوداً جداً عن ظاهرها، وفي بعض أبعادها فقط وهي المحسوس بالحواس الخمسة وشبهها، ولربما كانت هناك مئات الأبعاد الأخرى في هذه الدنيا مجهولة لنا تماماً، حتى بالإسم.

تقديم أكبر القوم

مسألة: يستحب أن يتقدم في السؤال ونحوه أكبر القوم، كما سأل جبرائيل (عليه السلام) دون سائر الملائكة.

وذلك لأنه نوع احترام بالنسبة إلى الكبير.

ولا يخفى إن التعلم والتعليم، ينقسم إلى الأحكام الخمسة، فمنه واجب ومنه مستحب، ومنه محرم، ومنه مباح، ومنه مكروه، حسب الملابسات واللوازم والملازمات والملزومات[11] كما ذكروا شبه ذلك في باب التكسب.

ولا يعلم هل كان سؤال جبرائيل من قسم الواجب أو من قسم المستحب؟ والقرينة المقامية تدل على أصل الرجحان.

ومن الواضح أن الملائكة لا يرتكبون الحرام، بل الظاهر أنهم لا يرتكبون المكروه أيضاً، ذلك إن في المكروه حزازة على ما ذكره جمع، منهم الآخوند (قدس سره) وإن كان لنا رأي آخر[12]، والملائكة لعصمتهم بعيدون عن مثل ذلك.

أما ما ورد في الآية الكريمة من اختصامهم، فالظاهر أنه لاختلافهم في الآراء لا أنه من الإختصام المكروه فكيف يكون من الإختصام المحرم؟

[1] راجع شرح المنظومة وشرح التجريد وتقريب القرآن إلى الأذهان.

[2] الأنعام: 28.

[3] طه: 17.

[4] طه: 114.

[5] نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 51ح 23 ط قم.

[6] لقمان: 27.

[7] الخصال: 2/243 ح 22 ط قم: [إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) علمني ألف ألف باب حتى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب].

[8] راجع بحار الأنوار: 17/135ب17 ح 15.

[9] الروم: 7.

[10] وسائل الشيعة: 7/354ب26 ح 10.

[11] راجع: (الفقه: العقل) للإمام المؤلف (قدس سره).

[12] راجع (الأصول) حيث ذكر أن المكروه قد يكون بمعنى الأقل ثواباً لا ما فيه الحزازة كما لو زاحمه أمر آخر.