المؤلفات |
(إلاّ في محبة هؤلاء) (74) |
الغاية من الخلقة[1] |
السبب في الإفاضة والخلقة، هو محبة النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) كما يشهد له هذا الحديث: (إلاّ في محبة[2] هؤلاء الخمسة) ونظائره. وذلك كما أن رب البيت يقوم بدعوة العديد من الناس، عند دعوته عظيماً من العظيماء إكراماً له فـ (لأجل عين، ألف عين تكرم) بمعنى أن الله سبحانه وتعالى لما أحبهم[3] خلق الخلق لأجلهم (عليهم السلام) وقد قال سبحانه: (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف)[4] ومن الواضح إن محبة الله لكي يعرف، ليس لأجل نقصه، لأنه ليس بناقص حتى يكمله شيء، وإنما الأجل العطاء والإعطاء. ويدل على كونهم (عليهم السلام) العلّة الغائية للخلقة وأنه لولاهم لما خلق الله تعالى العالم، روايات عديدة من كتبنا ومن كتب العامة أيضاً. فعن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لما خلق الله تعالى آدم أبو البشر ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يمنة العرش، فإذا في النور خمسة أشباح سجداً وركعاً، قال آدم: يارب هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن... يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أُنجيهم وبهم أهلكهم...).[5] وعن ابن مسعود: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم، وقال: الحمد لله، فأوحى الله تعالى إليه: حمدني عبدي، وعزتي وجلالي لولا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك، قال: الهي فيكونان مني؟ قال: نعم يا آدم، ارفع رأسك وانظر، فرفع رأسه، فإذا مكتوب على العرش: لا الله إلاّ الله، محمد نبي الرحمة، وعلي مقيم الحجة، من عرف حق علي زكى وطاب...).[6] وعن جابر بن عبد الله الأنصاري: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما)[7]. وهنا يمكن أن يقال[8]: العلّة الغائية ـ وهي الداعي لفاعلية الفاعل ـ لخلقتنا: هي محبة الأئمة (عليهم السلام) ومعرفتهم، والعلّة الغائية لمحبتهم ومعرفتهم هي معرفة الله سبحانه، إذ هم (عليهم السلام) الأدلاء على الله، وهي الكمال الأكبر، فمعرفتهم (عليهم السلام) طريق الكمال والتكامل، وبذلك يجمع بين الروايتين[9]. |
محبة أهل البيت (عليهم السلام) |
مسألة: من الضروري بيان الغاية من الخلقة للناس، كما تجب محبة أهل البيت (عليهم السلام) للآيات والروايات المتواترة، ومنها مقاطع عديدة من هذا الحديث، وفي هذا المقطع أيضاً دلالة على ذلك، إذ من الواضح انه لو كان السبب في الخلقة هو محبة هؤلاء (عليهم الصلاة والسلام) كان حبهم لازماً لدلالة الإقتضاء العرفي على ذلك، وقد ذكرنا في بعض المباحث الفرق بين الاقتضاء العرفي والإقتضاء الأصولي الذي هو ما يتوقف صدق الكلام أو صحته عليه. ولا يخفى إن حبهم (عليهم الصلاة والسلام) على نوعين: حب ناقص وهو: مجرد المحبة القلبية بدون عمل. وحب كامل وهو: المحبة القلبية مع عمل الجوارح. فمن أحبهم (عليهم السلام) بلا عمل جوارحي كان فاسقاً، ومن لم يحبهم كان منحرفاً زائغاً، وقد قال سبحانه: ((إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى))[10] ومن المعلوم إن مودتنا للقربى تنفع أنفسنا وليست تنفعهم (عليهم الصلاة والسلام) إذ هم في غنى عن ذلك. |
محبة ذويهم (عليهم السلام) |
ثم لا يخفى إن محبة ذويهم، كأولادهم وإخوانهم ومن أشبه، فرع محبتهم، ومشتقة من محبتهم (عليهم الصلاة والسلام) فلها فضل أيضاً، ولذا روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (أكرموا ذريتي الصالحين لله والطالحين لي)، وليس المراد بالطالحين الكفرة منهم ـ إذا فُرض أن فيهم كفرة ـ منهم وهم براء منه، كما تبرأ إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) من عمه آزر، وكما تبرأ الرسول (صلى الله عليه وآله) من أبي لهب، بل المراد بالطالحين من لهم بعض المعاصي والموبقات. وهذه المحبة لهم ترجع إلى محبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قالوا: (لأجل عين ألف عين تكرم). كما أن لأهل البيت (عليهم السلام) إطلاقاً آخر أشمل واوسع، من الإطلاق الأخص المختص بالمعصومين (عليهم السلام)، فمثلاً: زينب بنت علي (عليهما الصلاة والسلام) والعباس بن علي (عليهما الصلاة والسلام) وفاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهما الصلاة والسلام) ومن أشبههم من أهل البيت لكن غير المعصومين، ولذا تلا الحسين (عليه الصلاة والسلام) حين برز علي الأكبر (عليه السلام) إلى القتال قوله سبحانه: ((إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ *ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))[11]. وقد ذكر بعض الفقهاء: إن هناك عصمتين: عصمة كبرى وهي الخاصة بالمعصومين (عليهم الصلاة والسلام). وعصمة صغرى، بمعنى أنهم لا يذنبون ولا يفكرون في الذنب أبداً، وهي بالنسبة إلى أمثال العباس وعلي الأكبر وزينب ومن أشبههم من أولادهم وإخوانهم (صلوات الله عليهم أجمعين). |
[1] راجع بحث (المحبة ودورها في التكوين والتشريع). [2] (في) تأتي للظرفية وللسببية أيضاً كما في الحديث: (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها...) [مستدرك الوسائل: 8/303 ب 44 ح 4]. [3] حيث إن الصفات النفسية التي تسند إلى الله سبحانه، يراد بها نتائجها وغاياتها، فالمراد بمحبته لهم ترتيب آثارها ومنها: العناية والإفاضة على المحبوب بشتى أنواع الإفاضة بإعطائه قصوى درجات الكمال وتوخي رضاه ولذا ورد: (إن الله يرضى لرضا فاطمة) [راجع آمالي المفيد: ص 95 ط قم]. وقبول شفاعته و. [4] بحار الأنوار: 87/199 ب 12 ح 6 (بيان). [5] فرائد السمطين 1/36 نقلاً عن فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى ص 39 وعن العوالم ص 16 ـ 17. [6] المستدرك للحاكم النيسابوري 1/141 وينابيع المودة ص 11 من دون الذيل نقلاً عن فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى ص 625 ـ 626. [7] كشف اللآلي لصالح بن عبد الوهاب بن العرندس، على ما ذكره السيد مير جهاني في الجنة العاصمة، وأورده العلامة المندي في ملتقى البحرين ص 14 (نقلاً عن فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى ص 9) والحديث مذكور في مستدرك سفينة البحار 3/334 عن مجمع النورين (نقلاً عن العوالم ص 26). ومما يشير إلى ذلك قوله (صلى الله عليه وآله): (أنا شجرة وفاطمة أصلها وعلي لقاحها والحسن والحسين ثمرها) [ميزان الاعتدال ج 1 ص 234 على ما في احقاق الحق ج 9 ص 152] (نقلاً عن بهجة قلب المصطفى ص 205). [8] الفرق بين هذا وسابقه: إن الأول باعتبار إضافة المحبة إلى الله، والثاني باعتبار إضافتها للخلق (إلاّ في محبة) أي محبة لهؤلاء أو محبة الخلق لهم أي السبب في الخلقة، إرادة محبة الخلق لهم ومعرفتهم بهم (عليهم السلام) فليدقق. [9] أي بين (إلاّ في محبة هؤلاء الخمسة) التي تقتضي أن سبب الخلقة، محبتهم (عليهم السلام) و(فخلقت الخلق لكي أعرف) [بحار الأنوار: 87/199 ب 12 ح 6 بيان] التي تدل على أن السبب معرفة الله. [10] الشورى: 23. [11] آل عمران: 33 ـ 34. |