المؤلفات |
(إني ما خلقت سماءاً مبنية) (68) |
التذكير بعظمة الله |
مسألة: من اللازم التفكّر والتذكير بعظمة الله تعالى في ذاته وأفعاله، في كل موطن مناسب. ولعل التعبير عنها بوصف (مبنية) بلحاظ بنائها بنحو خاص، حيث يعتمد نظام الكواكب والأقمار والمجرات وثباتها وديمومتها على (الجاذبة) بين الأجرام و (الدافعة) الناتجة من الحركة وغيرها على ما هو مفصّل في محله، ولذلك خصها الله تعالى بوصف (مبنية)، وربما يكون إشارة إلى قوله سبحانه: ((وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ))[1]. و (بأيد) أي: بقوة، لأن اليد مظهر القوة، ووسيلة ظهورها، ولهذا تشبّه كل قوة باليد. ومعنى ((إِنَّا لَمُوسِعُونَ)): إنا نوسع في السماء، كما دل على ذلك العلم، فقد ثبت في العلم الحديث[2] إن السماء في حالة توسع مستمرة، وذلك كما أن الإنسان مثلاً في توسع مستمر في مختلف أبعاده في العلم والقوة والصناعة وغير ذلك. وقد ذكر العلماء: إن عدداً من الأنجم والمجرات التي تستوعب ملايين الملايين من الأنجم، والبعيدة عنا آلاف الملايين من السنين الضوئية تتباعد بعضها عن بعض بسرعة كبيرة جداً.[3] |
التأنيث في (مبنية) |
ثم إن (السماء) يذكر ويؤنث، كما ذكره أدباء علم العربية، ومن الممكن أن يكون باعتبار أن (السماء) بمنزلة الجمع معنى، وذلك مثل: (حسنة) في قوله سبحانه: ((رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً))[4]، ومن المعلوم إنه ليس المراد حسنة واحدة وإنما المراد جنس الحسنة، فقد ذكرنا في (الأصول) إن المفرد حتى بدون اللاّم قد يأتي للجنس مثل قولهم: تمرة خير من جرادة، فليس المراد إن تمرة خاصة أو جرادة خاصة، بل هذا الجنس وهذا الجنس، ومثل: مؤمن خير من كافر، إلى غير ذلك من الأمثلة الواردة في الكتاب والسنة واللغة العربية. والمراد بالسماء: السماوات، والتعبير بالسماوات في قوله سبحانه: (يا سكان سماواتي) وبالسماء في قوله: (اني ما خلقت سماءً مبنية) إما للتفنن وإما لبعض الخصوصيات، كما أشرنا إليه في البحث الآنف. |
[1] الداريات: 47. [2] راجع كتاب بصائر جغرافيا وغيره. [3] قد تبلغ أحيانا المائة وخمسين ألف كيلو متر في الثانية الواحدة بل أكثر. [راجع التكامل في الإسلام. [4] البقرة: 201. |